أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي عبد محسن - ليلة الثلاثاء














المزيد.....

ليلة الثلاثاء


حمودي عبد محسن

الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 19:49
المحور: الادب والفن
    


ليلة الثلاثاء
لقد أظلمت غرفتي تماما بعد أن أطفئت النور ، واستلقيت في سريري لأتحد مع عتمة دامسة اعتدت عليها ، واعتدت على صمت مطبق ، خانقا كل شيء ، تعجبت لهذا السكون من حولي ، سكون عميق غامض ، فقد أحسست بانفصالي عن ذاتي ، واغترابي في هذا الكون ، وأنا أغمض عيني ، وأفتحهما ، واستذكر ليالي حميمة ، وأياما قد تغير محتواها ، فلم أشعر بميلي إلى النوم الآن ، لقد تغيرت ، وتغير العالم ، إذ أن ليلة هذا اليوم يبدو أنها لا تشبه الليالي الأخر ، يبدو أنها طويلة جدا ، وهادئة تماما ، أنها تمضي ببطء شديد كاسحة كل الليالي ، خاصة بعد أن تغضنت أخاديد في جبيني ، وتغيرت قسمات وجهي ، حينئذ انبجست الدموع من تحت أجفاني لتهدهد مخدتي البيضاء المطرزة بورود حمراء ، وكذلك تهدهد كل الليالي التي انطوت في سعيها وراء آفاق ملونة فاتنة التي بالكاد اتسعت لي ، واتسعت لتوقي إلى أفق بعيد ، إذ تلوح لي لحد الآن بقايا انفجار مرح لقبلة خجلة على فمي ، يا لها من قبلة أنيقة رائعة في طرفة عين ، في صيف سويدي ، في محطة باص ! ذلك كان قبل أعوام طويلة ، زينتني بعقد أخضر خصب ضد كل أنواع الأشواك ، والأدغال ، زينتني قبلة سريعة نموذجية احتذيت بها ، ذات لغة شاعرية مناصرة للحياة ، ذات سمات جمالية طفولية لامرأة ، أضفت البعد الناضج من ثنايا رموشها السوداء التي تراقصت عفوية في مزاج روحي لا ينضب ، حينها كدت أنسى في أي بقعة من الأرض أقف ، وأنا أحدق بثبات إلى الأسفل ، وأقرأ اللحظة المستحيلة ، الأزلية ، مستغرقا في السكون أشبه بسكون حلم لا يزول ، مستغرقا في طيف وديع بقدر من الارتياح ، ثم جاء صوتها المرتعش الذي خمد على صدري : أنا أحبك . بعدئذ طالت ابتسامة سخية جريئة على شفتيها ، وأنا انغمس حينها في تعابير وجهها حينما نطقت ، لأكون صامتا من الدهشة ، أجل ، التزم الصمت في بعد منير ، في ألوان وجهها المضيئة الفاتحة ، في نظراتها ذات التعبير الهادئ كأنها نظرات منذ الأزل ، وستظل كذلك إلى الأبد ، فعيناها فيهما من الفرح ما يكفي للبشرية كلها ، فيهما ما يشبه التصميم على الحب ، فيهما تلقائية من دون أن تكلف الروح قسط عبأ ، أما الشفتان فراحتا ترتجفان بصرامة مدهشة لتلبساني رداء السعادة . طال صمتي لأسكن ظلال عصور عظيمة قديمة بسطت أجنحتها من قلب الحب التي لا يفصلني عنها شيء ، ووجهي يشي احمرارا بنفوذ غياب كبير لتلك العصور كي أرتل توهجي وأرتل الكلمات بنعومة وبطء ، وأترك فمي يقول : أنا أيضا أحبك .
لم نتبادل خاتمي العرس في حفل أو مهرجان ، ولم نقع في غواية الشتاء البارد ، وخديعة الصمت التام ، بل سبرنا أغوار الحب في تكتم تام ، حتى أن سحره وصفاءه بارك دموعنا ، وشغف عناقنا في طقوس معتادة ، في ليل أو نهار ، حتى إذا جاء القيظ اكتمل في دفء جسدينا ، لذلك كنا نجوب بانتشاء سواحل بحار ، وبلدان ومدن تعود لسلالة نبلاء ، وأمكنة منظورة تزهو بالمياه والخضرة ، وحدائق تفيض برائحة الزهور ، وذات ليلة ثلاثاء في صيف منعش في جزيرة النخيل من جزر الكناري تسلل نسيم البحر إلى خلوتنا ، وتسلل ضوء القمر الساطع البهي الذي أضاء جسدينا ، وكون ظلالا عليهما ، فلبثنا رهينة القمر ، رهينة طغيان ضوءه ، لقد كانت تلك الليلة شيء آخر ، فأخذنا نعوم في الضوء ، ونسبح به ، شعرنا بأننا متعلقان به ، ومتعلقان ببعضنا ، وفي لحظة حاسمة أصغيت إلى كلمات محبوبتي الحسنة :
- هذه الليلة حلوة ، وجميلة .
حينها أغمضت عيني ، ورددت مع نفسي :
- ليلة حلوة ، وجميلة .
ثم أدرت وجهي إلى الزمن ، وجدته يمضي ، كما هو عليه ، عندئذ أقبلت بوجهي إلى ضوء القمر ، ورحت أحلم ببلادي : سطوة سيف جلاد ، برك دماء تفيض رائحتها في لظى امتعاض ، وغواية سلطة ومناصب ورتب ، وزيف مال في خفي خداع .

الآن ، يمر علي حلم متاهة في لمحة واحدة ، أرى التاريخ كله وما اندثر منه وما ولد منه ، أراه في لحظة مدهشة تلخص الأزلية وبداية الخلق والمصير النهائي ، إذن سوف أنام في هذه ليلة الثلاثاء ، وسوف أواصل الحلم في ليلة الأربعاء ، وما تليها من ليالي تراتبية ، وستكون أحلامي متشبعة ومتوحدة ، قد أرى نفسي في السماء ، قد أرى جلجامش وصديقه أنكيدو يصارعان ثور السماء وينقذان العراق ، قد أرى أسدا يعبث في غرفتي وينقذ علي ويسفك دماء . لا ، ها أنا أعانق ظل محبوبتي في ليلة الثلاثاء ، إذن لا أريد أن أرى حلما مشوشا ضعيفا يصيبني بالخوف ، يحطم ليلتي ، وينهضني هلعا من سطوة سيف جلاد ، أراه داكنا وحادا يقطر دما فوق مجرى الفرات – أنه الكابوس – الكابوس الذي ينهض النيام من نومهم في هلع رهيب ، دقات رعب على باب الدار ، سيف الجلاد في انتظار . نهضت من سريري نهوض خارق ، وأنا أقف في ظلام غرفتي ، إذ صرت في ضرب الخيال ليس مع سيف الجلاد ، بل في ضرب الحب الذي لم يخمد ، وقد قيد بالسلاسل منذ قديم الزمان ، لم يمت ، أنه حي ، أنه ينبثق في صيرورة جديدة بعد كل هذه الأعوام ، أنه يظهر من تحت أعماق ليلة الثلاثاء تلك ، ومن مخابئ كينونتي ، أنه مميز يطفو فوق السطح بعد أن خرج من الأعماق ، لذل رحت أتنغم بالكلمات : آه ، الحلم شيء محير ، يضرب في الخيال . فأخذت أردد :
- ليلة حلوة ، وجميلة ، ليلة الثلاثاء .



#حمودي_عبد_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة البؤس
- قناع الموت
- وقد مضت الأعوام
- الحداثة في رواية الأرسي
- من أقواس المتاهة
- الحداثة في رواية المقهى والجدل


المزيد.....




- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي عبد محسن - ليلة الثلاثاء