أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي عبد محسن - الحداثة في رواية المقهى والجدل















المزيد.....

الحداثة في رواية المقهى والجدل


حمودي عبد محسن

الحوار المتمدن-العدد: 2848 - 2009 / 12 / 4 - 17:47
المحور: الادب والفن
    



من أرض أور ذات الأسوار العظيمة ومن حبة القمح الذهبية تحت أشعة الشمس اللاهبة في الصيف ، من أرض سومر حيث ترتفع الزقورة للآن ، من أرض النبي إبراهيم ودعوته الإنسانية ، مـن أرض الحضارة الأولى للبشرية حيث بدأ من هنا تاريخ المجتمع البشير ، من الاهوار وأكواخ القصب والبردي قرب بساتين النخيل التي تزهو بعذوق الرطب ، من هذه البقعة المدقعة بالفقر ، قوتهم سمك ولبن أبقار وقشطة جاموس وحبات تمر ورغيف تنور، وأغذية مطبوخة بقدور فوق الأثافي ، هنا ، ليس بعيدا عنهم ، يرى أهلها نيران النفط المحترق ، يتصاعد في السماء مثل نار جحيم ينبعث من طينة ورمل أرضهم ، من هنا تأخذنا الرواية لملحمة شعب جهلنا عنه الكثير ، وتلقينا بينه لنتعرف على عاداته وتقاليده ووقائعه اليومية والأحداث التاريخية التي عصفت بأرضه ، لنذرف الدموع على امرأة عمياء تلتهمها نيران احتراق الأكواخ ، فالريح لا ترحم لتشمل بيوت العهد القديم والجديد ، ولتصرخ أم مفجوعة من شدة النيران : أبني ، نسيت أبني ، النار تلتهم مولودا جديدا يطل على هذا العالم ، والأم ترفس الأرض ، وتمزق ثيابها ، وتلطم صدرها ، وتخرمش خدها ، وتمزق شعرها ، والنسوة يلتفن حولها باكيات ناحبات ، هذا هو الاحتراق ، والاحتراق الآخر لا يختلف عنه سوى الزمن والاتهام لشخصية الزرار حسين ( أبو علي ) البريء الدخيل الآتي من إيران إلى المدينة القصية ذو الجسم القوي الذي حمل على كتفه وظهره بضائع السكر والشاي ، احتضنته المدينة لأنها عربية ، والعربي يؤوى الدخيل مهما كانت النتائج ، رحبت به ، وآوته في كوخ فيه حصير قصب ، فيه فراش نوم ، وفي واجهته الأثافي ، في كل صباح يوم العاشر من عاشوراء ، يخرج بسيفه ، ويغطي جسده كفن أبيض ، ويصيح بألم في ساحة المدينة ، تهرع الناس إليه ، والدموع تسيل من عيونها وكلها تردد ( واحسيناه ، وا أبا عبد الله ) ، يهتز السيف في الفضاء ، ثم يضرب الرأس الحليق ، وتسيل الدماء على الوجه ، ثم تنزلق على الكفن ، بقع دم حمراء ترسم وجودها في مهرجان الموت ، مهرجان مئات الأعوام يستذكر أبو علي منه يوم عاشوراء ، يوم الطف ، يوم ثورة الأمام الحسين ضد دولة الاستبداد ، دولة الظلم الاجتماعي ، وغالبا ما يستذكره الفقراء ، أما أبو صوفة فبيته زورق ، يتمدد فيه ، يرى السماء مزركشة بالنجوم اللامعة ، والقمر وضاء أبيض ينير المياه ، يحب الأهوار ، ويحب مياهها ، وقصبها ، وطيورها التي تغرد ليل نهار ، يعرف أسماءها ، ويفرق بين أصواتها إلا أن الغبطة تملئ نفسه عندما تهب أنسام المساء ، ويهتز سعف النخيل ، ويطلق صوته الرخيم الشجي لنفسه ، فهو رجل آخر ظهر في المدينة القصية ، لم يعلن السبب ظهوره صمت هو مثل صمت أبوعلي ، فقد حملت المدينة القصية أسرار الغرباء ، غرباء مثل حسن الآتي من مدينة العلم والمعرفة النجف حيث فيها مرقد الأمام علي ووادي السلام ، لا أحد يعرف لماذا ؟ كان يأكل الفاكهة وهو يمشي ، وينام أحيانا على كراسي المقاهي آو على حصير يفرشه في ظل الدكاكين ، ينام بعد أن يغلبه النعاس ، وتطارحه أزقة النجف ، وسراديب بيوتها ، وسجع الحمائم في صحن الأمام علي ، والعزاء ، وسبيل الماء البارد ، وماء الورد ، إلا أنه أشتهر في المدينة القصية بفن اصطياد الثعالب الماكرة حتى لقبوه بصياد الثعالب ، وكما للرجل قصة في الأرض القصية أيضا هناك قصص للمرأة الجريئة ، ودور في دخول عالم الاعتماد على النفس في العيش ، فهذه مكية أم ركبة وقسمة أرملة شهيد قتله البعثيون في انقلاب شباط الأسود عام 1963 وأم كاظم يفترشن بضاعتهن على الأرض بتمويل من حجي عبد الرحمن تاجر الجملة ، وغالبا ما تكون بضاعتهن من الحناء ، البخور ، الورود المجففة ، الهيل ، العطور، القرنفل ، وكذلك دخلن العديد من النساء ومنهن صالحة أم طاهر ميدان بيع السمك الذي يطلق عليه صفاة السمك ، فها هو مشتري يعاملها ويساومها على البيع كما ورد في الرواية في ص30( - بكم هذه السمكة ؟

- بمئة فلس – يا حاج - ؟

- بكم قلت ؟

- بمئة فلس !

- بسبعين فلس !

قلت لك - يا حاج – بمئة فلس ، خذها بتسعين .

- بستين فلسا )



وهنا في الرواية تطوف بنا بحب عذري جميل للفتى محسن الخجول الحزين العينين مع الفتاة حبيبة التي تحلم بقنينة عطور صغيرة لتسعد أنفاسها بعطرها ، وتتضوع ملابسها بها ، لكن من أين تشتريها وهي لا تملك المبلغ الزهيد ، أنها تحلم أن يقدم لها محسن هذا العطر كي تملكها السعادة في ليلة مقمرة ، وكما هي تحلم ، كانت الليالي لا تفارق عيني محسن ، يراها طيفا مقدسا ترقد بجانبه ، دائما كان يسترجع صورتها وهي آتية من الهور تحمل جرتها على رأسها ، سأذهب إلى هور الحمار ، وسأبقى عاما حتى استطيع الصيد الذي سيوفر لي المال لأتزوج حبيبة ، هذا ما كان يدور في مخيلته إلا أن الكاتب وصف ذلك بتوفيق ونجاح محذرا في ص89 ( عاما ستقاتل يا محسن ! عاما سيمضي ثقيلا ، ستنزل الماء في حدة البرد ، وقسوة الشتاء ، ستصعد البلهارزيا من بين أظافرك ، أو مثانتك ، قبل أن تبني أنت كوخ حبيبة ، عاما ستنهض فيه قبل أن ينهض الفجر ، وتعود فيه بعد أن يلقي الغروب شمسه في مياه الأهوار ، فماذا ستبقى لحبيبة التي لبست ثوبا جميلا ، وفرشت لك فراشا جديدا ؟ ) .



أما سالم وهو الشخصية الرئيسة في الرواية مأخوذة من واقع الحياة ، فيها ملامح العمق والتكوين ، فقد تحولت شيئا فشيئا إلى توحيد جذري ، وإلى تميز واع ، وانعزال فكري مدرك عن الشخصيات الأخرى ، فهو باهر ، وذكي ، وهادئ ، فيبدو هو شخصية مزدوجة أو مركبة من عدة شخصيات ليمزجها الكاتب سهر العامري في شخصية واحدة منفردة ، ويكون من المنطقي والمعقول أن تتمتع بمواصفات الأصالة في الشجاعة ، والصدق ، وحب الوطن ، وطموحة ، واستعداد على التضحية بالنفس من أجل قضايا نبيلة ، ولذلك ناهض سالم ، وناوأ انقلاب شباط الأسود عام 1963 ، وقد ردد حينئذ مع نفسه ص95 ( ما مات ميت إلا وترك وراءه حيا ، ما سقط لك بطل أيها الشعب إلا ونهض آخر ، حين غمدت سيوف الحسين انتضت سيوف الزنج ، وحين هوت نبالهم فوقت نبال القرامطة ) . ثم أسس جماعة الوعي الديمقراطي التي أخذت على عاتقها إلصاق المنشورات على البيوت ومركز الشرطة ، وهذا ما أرعب العهد الأسود الجديد .



أن رواية المقهى والجدل لسهر العامري صدرت عن دار ميشون عام 2003 في السويد في 168 صفحة ، وهي رواية واقعية بين مدينتين الأولى صغيرة والثانية كبيرة - المدينة القصية – الناصرية - تدور حوارات – جدل في مقاهي خاصة مقهى كاظم التي تسمى مقهى البوهة ويرتادها العاطلون عن العمل والكادحون والطلبة ، وتميل إلى الطابع الشعبي في لغتها السردية بروافد متعددة المظاهر في مدلولها وقيمتها لمراجعة التاريخ ، تاريخ العرب ، تاريخ الإسلام ، تاريخ العراق ، وتخاطب الجميع ، وتواجهنا بالوصف للفقر المدقع ، والخلل السياسي – سيادة دولة الاستبداد – الذي وراءه الأجنبي ، يسانده ، ويدعمه ضمن مصالحه النفطية ، وتدعونا الرواية إلى إدانة الأجنبي ، ومحاربته ، خاصة توفر مقدمات ومكونات مادية وروحية لتجاوز الانهيار والتقهقر وبناء مجتمع زاه يكون مثالا للشعوب العربية في العراق ، وقد ذكرنا الكاتب بمخاطبة هارون الرشيد لسحابة مرت فوق رأسه ( أمطري أينما مطرت فإنك في أرضي ) .



إن الرواية متجانسة ، فمسيرة تجانسها تتجه إلى أهلها ، وموضوعها المحدد في الصراع من أجل التقدم والقضاء على الفقر والتخلف الذي وراءه الشركات الاحتكارية والدول الصناعية الرأسمالية الكبرى ، وتكمن حداثة الرواية في نوعيتها الخاصة بتتابع الأحداث سواء كان قديما أو حديثا بمنظور آخر تقدمي إنساني وأيضا انعكاس للواقع ، فصهرت شخصيات في زمن البلبلة والفوضى السياسي ، فهي ذات اثر وبعد وامتداد بعيد للماضي ، ومستوى نثري يتناول عالم حقيقي واقعي .



تتحدث الرواية عن فترة ما بعد ثورة 14 تموز عام 1958 ، في عصر حافل بالقلق ، مليء بالاضطراب السياسي ، بالرغم من تصاعد نشاط الحركة الجماهيرية اليسارية ، إلا أن كثير من الكتاب والمؤرخين يعتقدون أن قادتها كانوا ضعيفي التجربة والمهارة السياسية والحنكة السياسي ، مثلها مثل قادة الثورة العسكريين الذين عبروا مرحلة تاريخية غير ناضجة ، وغير مؤهلين لقيادتها مع دعم الشعب لها ، وقد فتحوا بابا للدماء ، وهذا ما استغله القوميون الشوفينيون والرجعية الداخلية ، مدعومين من المخابرات الأمريكية ، ليقضوا على الثورة ومنجزاتها الكثيرة ، وتدخل البلاد في قتل ومذابح و إرهاب لا مثيل له .كل ذلك امتدادا وتتويجا حيا للأوضاع التي آلت إليها البلاد في الوقت الحاضر من تمزق وضعف ومستقبل مجهول غير واضح المعالم .



لقد أراد الكاتب أن تأخذ نهاية الرواية شيئا من التميز ، فهو سرعان ما ينتقل الى مكان بعيد عن العراق هو ليبيا حين يفرض تشابه الاحداث ذاك عليه. او ينتقل الى اعماق التاريخ الذي يتوحد في وسيلة القتل للخصوم ، تلك الوسيلة التي قضى بها السيد صادق وهو أحد شخوص الرواية ، وهي وسيلة يمكن ان تكون لاي واحد من شخوص الرواية المعارضة للسلطة والتي مر عليها الكاتب .

كان لي توق أن أقرأ المزيد من الوصف لبساتين النخيل وللحيوانات وطيور الأهوار . عسى نجد ذلك في روايات أخرى .





حمودي عبد محسن

2 /12 / 2009




#حمودي_عبد_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي عبد محسن - الحداثة في رواية المقهى والجدل