أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجح شاهين - عذاب الجسور تحية لشرطي المعابر على الرغم من المعاناة














المزيد.....

عذاب الجسور تحية لشرطي المعابر على الرغم من المعاناة


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 916 - 2004 / 8 / 5 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


عمان 4 آب 2004
أتصلت برقم الجسور 233555 أو مايشبه ذلك. كنت أريد التأكد من أن المرء ليس في حاجة الى تشغيل ثمرة معارفة في مسيرة الحياة من أجل الوفاء بمسيرة الجسور ضمن الحد الادنى من المعاناة والذل والشقاء .قلت" لي " : لا أريد السفر مطلقا ، لم أعد راغبا فيه فقد نجحت الفكرة وكما ألمح صنع الله في " اللجنة " بدأت أكل نفسي .
جاءني صوت السكرتيرة ناعما في غير دفء ، وقالت أن الجسور لا تشهد أزمة أبدا .فلججت بالسؤال " إذن هل أتى غدا صباحا حوالي الثامنة ؟ " – نعم ، تستطيع ذلك . لكنني عدلت الخطة فالجسور تتطلب مرونة في كل التفاصيل تماما كما هي حياة الفلسطيني من الميلاد الى المعياد .
هكذا قررت إصطحاب زوجتي وطفلتي حديثة الولادة للمبيت عند أصدقائي في أريحا وذلك أسهل من معاركة الحواجز والزمن بعد منتصف الليل بقليل .
في أريحا ذهبنا الى الاستراحة وما هي بإستراحة . ربما يجدر بنا أن ندعوها " إستعابة " من الجذر اللغوي " تعب " لكن ذاك أسمها في الدفاتر والسجلات ، فماذا نصنع ؟
أردت الاطمئنان على رحلة الغد . فكان أن فاجأني شرطي تلوح على وجهه علامات الانهاك ، أن المكان مزدحم ولا مجال للحجز أو حتى التفكير في السفر غداً وأردف قائلاً في غير مبالاة تعال صباحا الساعة الثالثة وخذ رقما ، يمكن أن تسافر على أساسه بعد غد ، لا أعرف . كأنما أحدهم – كما يحصل عادة في التحقيق – بصق في منتصف وجهي .وبعد سجال وأخذ ورد تبين لي أن هذا الرجل المتعب لا يملك من الامر شيئا ، ومن منا يملك منه أكثر من أقل القليل .
طلبت من السائق المضي من فوره الى" المعابر " وهناك دخلت في جدال أشبه بالزعيق مع شرطي تجاوز منتصف العمر تضج ملامحه بالطيبة والعجز . كان لسان حاله يقول ولكنني لست أكثر من برغي صغير في هذه الماكينة العملاقة التي يملك ناصيتها كثير من الاقوياء الذين لا أنتسب لعالمهم .
تحملني الرجل وتأسف لمصابي ، خاصة بعد أن أكدت له أنني أحب عمان كثيرا ، لكن ليس حد التضحية برضيعة لا ذنب لها إلا أننا لا نتروى عند قرار الزواج والانجاب .
عندما حضر احد الضباط من الداخل كان كل غضب الدنيا يعتمل في صدري ، فقد تذكرت في لحظة كل شئ بدءاً من نكسة 1967 وإنتهاء بأسلو والجدار وتذكرت المشافي من أريحا الى غزة مرورا بطول كرم ورام الله . وتذكرت التعيينات والمدارس والجامعات والمواصلات. وكأنما كان على رجال الشرطة ان يتحملوا كل تلك الاخطاء.
وسط الغضب، انتصب ضابط كبير نسبياً وابتسامة واسعة وطيبة تعمر وجهه، وطلب مني ان اخبره بالمشكلة، طلب لي شاياً، وسجل اسمي مع قائمة المغادرين من المعابر، لا من الاستراحة. وهكذا امُتص كل شئ بالنسبة لي. اي حلت مشكلتي الشخصية.
في الليل ذهبنا الى الحديقة الاسبانية، وهناك كان عدد من رجال الشرطة الذين شاهدتهم في "المعابر"، فدعوني للجلوس معهم "ليبثوا همومهم" ، وقد فوجئت انهم يخافون ذكر اسمائهم. اشتكوا من الدوام الذي يبدأ الساعة الثالثة صباحا وسط تعامل صعب وقاس مع جمهور غاضب ومحتج على امتداد الشاعة. ينتهي العمل بعد الرابعة عصراً.
اكثر من اربعة عشر ساعة من الشقاء في مواجهة عيون تتهم وأفواه تصرخ وتناكف. قال شاب ذكي ومتعب:"نحن يا سيدي بشر، واريد ان تعرف اننا لا نتحمل مسؤولية ما يجري من فوضى وانتهاك لحقوق الناس. نحن مجرد آلات يحركها الكبار. انا اريد للأسعار ان تتحدد، واريد للثلاجات ان توضع في مكانها الصحيح، واريد ان اعرف ماذا تقدم الاستراحة" لتنهب مال الناس، واريد ان اعرف لماذا لا يلتزم السائق بالأجرة، ولا اريد رؤية الواسطة. اريد أن ينصفني أخي المواطن والسادة من جماعة الصحافة، فلست من يأتي بكل الشر الذي يحدث في المكان".
فوجئت انهم قد دفعوا حساب "ارغيلتي التمباك" ومشروبي، رواتبهم القليلة لا تسمح بذلك. صحيح انني اسعدتهم بتقديم نشوة الاصغاء وبوهم الكلام الى مثقف، لكن ذلك لا يغني عن الخبز شيئاً.
في الصباح، عند المعابر، فوجئت – ام لعلي لم اعد قادر ان ادعي المفاجأة – بأن هناك استراحة استراحة صغيرة للمسافرين "بالتنسيق"، وهو الاسم الملطف لواسطة. عددهم يكفي لتشغيل كافتيريا ودكان صغير لتقديم المشروبات وبعض الشطائر والبسكويت.. الخ. . كان شيئا محزناً ان يصل الفساد الى حد ان يتحول فيه الى القاعدة لا الاستثناء. كان رجال الشرطة الطيبون قد أخبروني على دخان الأرجيلة ان نسبة المسافرين بالتنسيق تصل أحياناً نصف الركاب وهو رقم دال بذاته. يحتج احد المسافرين ان الشرطي يدفع بالبعض ممن جاء بعده الى الباص قبله، وقد اتصل بـ "رام الله" ليحتج، لأنه ينتظر منذ ربع ساعة - علما ان الناس على الاستراحة قد ينتظرون أياماً – وأن دوره اي دور الواسطة ينتهك.
في خضم ذلك، يتعالى الصراخ ويفقد الناس اعصابهم ويبدأ رجال الشرطة برفع اصواتهم بسبب او دون سبب. مثلا طلبوا منا "التكرم بالجلوس على المقاعد " ففعلت. لكن عندما نادى اسمي ولم اسمع لأنني جالس بعيداً كما طلب، صرخ: "انت يا اخي ما بدك تسافر؟ بلاش " فضحكت، كان هو نفسه يوم أمس في المكتب لطيفاً ومهذباً، لكنه الآن تطحنه كما تطحننا جميعا ماكينة عملاقة واحدة، الجسور احدى تجلياتها. ولا بد أن على المرء ان يقر بأننا في حاجة الى علم جديد لتشخيص ما يحصل: إنه علم الاقتصاد السياسي للفساد.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والعنصرية
- الماء أولاً، الحريات الغربية أخيرا
- يقتلون ويبتسمون
- إرهاب الاحتلال وإهاب المقاومة ومجموعة ال55
- ما جرى في أبي غريب ليس بغريب
- ماذا بعد الرنتيسي؟
- حقوق المرأة كل لا يتجزأ
- أولاد آرنا
- المرأة إنسان في المطلق لا في النسبي
- لماذا لا نغلق المدارس والجامعات؟
- أغنية - الكليب - وحقوق الإنسان
- حول الفرق بين الإرهاب والمقاومة إلى إبراهيم وبقية الضحايا
- حقوق الإنسان لا تكون إلا اشتراكية
- العقيد القذافي
- في فلسطين شهادة عليا لكل أسرة نظرة إلى التعليم ما بعد أسلو
- الليل وآخره
- العولمة، المتوسطية، والشرق أوسطية
- رحلة البحث عن المعنى
- حساب الأجيال
- تصفية المقاومة غايتها الأسمى: قراءة في النص الرسمي لخريطة ال ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجح شاهين - عذاب الجسور تحية لشرطي المعابر على الرغم من المعاناة