أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - العراق ومعركة المياه -مصححة-















المزيد.....

العراق ومعركة المياه -مصححة-


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3000 - 2010 / 5 / 10 - 19:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعاني العراق من كارثة مائية خطيرة تتعلق بشحّ المياه واتخاذ إجراءات من دول الجوار، أسهمت في تفاقم أوضاعه وزادت من عملية التصحّر وأدت إلى موت الكثير من المزارع والبساتين، لاسيَّما قيام إيران بتغيير مجرى الأنهر الحدودية، وتغيير مجرى نهر كارون الذي يصب في شط العرب، وإنشاء 12 سداً وخزانات كبرى، وتغيير مجرى نهر الكرخه الذي يغذّي شط العرب وهور الحويزة.
وكانت تركيا منذ نحو أربعة عقود من الزمان قد بنت نحو 22 سداً بما فيها سد الغاب الكبير Gap، الأمر الذي أثّر على منسوب المياه التي تصل إلى العراق من حوضي نهري دجلة والفرات، وإلى حدود غير قليلة تضررت سوريا، وقد نشبت في السبعينيات معركة ضارية شكلها مائي وأساسها سياسي بين العراق وسوريا، ثم تمت بعض التسويات، ودخلت كل من سوريا والعراق مفاوضات مع تركيا طيلة العقود الماضية.
ولعل مشكلة المياه الإقليمية تفاقمت واتخذت أبعاداً خطيرة بعد اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية التي دامت ثماني سنوات (1980-1988) وفي ظروف الحصار الدولي الجائر الذي دام 13 عاماً، وعند انهيار الدولة وحل مؤسساتها.
وكنت قد تابعت هذا الملف قبل ثلاثة عقود من الزمان، وقد نشرتُ كتاباً عن النزاع العراقي- الإيراني وعدداً من الدراسات، تعرضت فيها لمشكلة شط العرب والمياه الإقليمية، وأشرت فيها إلى أثر العوامل الطبيعية على وقوع النهر لاحقاً في الأراضي الإيرانية، لاسيَّما إذا تم اتباع خط الثالويك Thalweg، وتسنّى لي متابعة شحّ المياه على المستوى العربي والدور الخارجي لتفاقم المشكلة، وبعد توقف الحرب وبُعيد غزو الكويت، كتبت مقالة في جريدة الحياة (1991) حول معركة المياه العربية، وبضمنها مسألة شط العرب، حيث تمت العودة إلى اتفاقية الجزائر الموقعة في 6 مارس لعام 1975 بين شاه إيران والرئيس السابق صدام حسين (عندما كان نائباً)، وعالجت ذلك لاحقاً في كتابي «عاصفة على بلاد الشمس» الصادر عام 1994، بتخصيص فقرة خاصة عن ذلك باعتبارها المعركة القادمة. ولم يكن بمقدوري تصوّر أن الأمر سيصل إلى ما نحن عليه، خصوصاً لما تعانيه بلاد الرافدين الآن، من عطش وشح في المياه.
وإذا كان ارتفاع بعض الأصوات ضد معاهدة 6 مارس عام 1975 بين بغداد وطهران لاعتبارات سياسية، فإن الأمر يتجاوز ذلك لأسباب تتعلق بمصالح العراق وأمنه الاستراتيجي، لاسيَّما أن النظام السابق قدّم تنازلات كبيرة لنظام شاه إيران، وبخاصة باعتبار خط الثالويك هو الحد الفاصل للحدود العراقية الإيرانية، وهو خط وهمي يمتد من وسط مجرى النهر عند أعمق نقطة فيه وحتى البحر، علماً بأن شط العرب ليس نهراً دولياً، وإن كان هناك جزء منه كحد فاصل للحدود، بل هو نهر وطني عراقي، وأن الضفة الشرقية اليُسرى له كانت هي الحدود الفاصلة بين البلدين، رغم أن المعاهدات التي تم التوقيع عليها سواءً في عهد الدولة العثمانية أو عند تأسيس المملكة العراقية وبخاصة معاهدة عام 1937 قدّمت بعض التنازلات لإيران.
وكانت آراء بعض الخبراء والمختصين قد تحدثت مبكراً عن احتمال ذهاب شط العرب -بسبب الطمي والغرين والعوامل الطوبوغرافية- إلى داخل إيران وانحساره عن العراق، وحسب بعض التقديرات فإن الأمر سيحصل خلال قرن من الزمان أو أكثر قليلاً، الأمر الذي تعتبر معه اتفاقية الجزائر تفريطاً بحقوق عراقية في المياه واليابسة، وبغض النظر عن بعض التبريرات السياسية، بما فيها السكوت عن المطالبة بالجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) فضلاً عن التصدّي لحركات المعارضة، بما فيها ثوار ظفار والمعارضة الإيرانية لنظام الشاه بحجة ملاحقة المتمردين، وكذلك للمعارضة العراقية السابقة، وبخاصة البيشمركة الأكراد، فإن الاتفاقية كانت لصالح إيران باستثناء وقف دعم الكرد العراقيين، الذي كان الهدف الأول للحكومة العراقية.
وإذا كان المحذور قد حصل، لاسيَّما بإشعال الحرب العراقية- الإيرانية، فإن من وصل السلطة من المعارضة لم يحرّك ساكناً، وهكذا تمت العودة الى اتفاقية الجزائر بعد حرب ضروس وظلّت هي التي تحكم العلاقات بين البلدين، وهي اتفاقية مجحفة ومذلّة وغير متكافئة، وقّعها نظامان أطيح بهما، لكن التأثيرات السلبية الخطيرة لها لا تزال تفعل فعلها، بل إن أحد رؤساء مجلس الحكم الانتقالي طالب بتعويض إيران مبلغ 100 مليار دولار بتحميل العراق مسؤولية الحرب، علماً بأن النظام الذي بدأ الحرب كان قد انتهى، حتى وإن كان يتحمل مسؤولية في شنّها، في حين أن إيران واصلت هذه الحرب، رغم إبداء العراق استعداده للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ثم انسحابه منذ عام 1982 إثر معركة المحمرة (خورمشهر)، إلى أن وافقت إيران على القرار 598 الصادر في عام 1987، وتوقفت الحرب في 8/8/1988.
اليوم وبعد مرور 30 عاماً على اندلاع الحرب تزداد كارثة المياه في العراق، وهو ما نبّه إليه مركز علوم البحار ومحافظة البصرة وعدد من النواب، وذلك بسبب جفاف الكثير من الأنهار والروافد الصغيرة، إضافة إلى قطع وتحويل مياه بعض الأنهر والروافد، التي تصبُّ في مياه دجلة والفرات، وترافق ذلك مع حبس حصة العراق المائية في تركيا بسبب السدود الكبيرة، وتسبب ذلك في شحّ المياه في العراق، وبسبب عدم الاستقرار السياسي وضعف الحكومات المتعاقبة بعد احتلال العراق في عام 2003، وقبلها لأسباب الحصار الدولي وانشغال الحكومة بمشاكلها الداخلية، فقد تسلل العطش والتصحّر إلى محافظات كثيرة بما فيها البصرة «أم المياه» كما يقال، حيث أسهم بانجراف التربة البحرية وتهديد إغلاق القنوات الملاحية في البحر وإغلاق بعضها في المواني العراقية، مثلما هي قناة خور عبدالله بعد قرار مجلس الأمن 833 بشأن ترسيم الحدود العراقية- الكويتية.
إن هذا الوضع يتطلب بحث المسألة مع دول الجوار، لاسيَّما إيران وموضوع شط العرب وخور عبدالله والكويت ومياه حوضي دجلة والفرات والسدود التركية مع تركيا، إضافة إلى التفاهم مع سوريا على عمل مشترك وتنسيق المواقف إزاء حقوقهما لدى الجانب التركي وفي كمية المياه التي تأتي عن طريق سوريا في نهر الفرات.
إن ما يحصل اليوم هو بمثابة ناقوس خطر فيما يتعلق بالمياه الإقليمية والمواني العراقية والمنافذ البحرية، وينعكس ذلك سلباً على البيئة البحرية والموارد المائية، إضافة إلى تأثيراتها الاستراتيجية على مرور السفن والناقلات العراقية، حيث يخسر العراق سنوياً الكثير من أراضيه، بسبب النشاط الترسبي وعمليات التعرية، وهذه الأراضي تضاف إلى إيران.
إن شط العرب هو المنفذ الملاحي العراقي الوحيد إلى الخليج العربي، ويتألف من التقاء نهري دجلة والفرات عند كرمة على جنوب العراق، ويبلغ طوله 204 كم، ونصفه في العراق (بكلتا ضفتيه)، أما عرضه فيتراوح بين 400 متر أمام مدينة العشار ليصل إلى 1500 متر عند مصبه في الخليج.
ومع جميع التنازلات التي قدمتها الدولة العثمانية لبلاد فارس، فإن معاهدة إرضروم الأولى 1823 ومعاهدة إرضروم الثانية 1847، اعترفتا بأن الحدود تسير مع الضفة الشرقية اليسرى لشط العرب، أي أن الشط بقي بكامله داخل الأراضي العراقية باستثناء جزء منه اعتبر الخط الفاصل للحدود، وهو ما أكده بروتوكول طهران لعام 1911 وبروتوكول القسطنطينية لعام 1913، وبهذا المعنى فإن النهر كلّه ظلّ عراقياً، باستثناء موافقة الدولة العثمانية على بناء مرسىً أمام ميناء المحمرة (لمسافة نحو 7.5 كم)، وهو ما أقرّته اتفاقية عام 1937 وكذلك باعتراف وضع خاص مقابل مدينة عبادان طوله نحو 7 كم، مع تأكيد سيادة العراق وبقاء النهر مفتوحاً للسفن التجارية والأخرى ومراعاة خصوصية الوضع الإيراني.
وإزاء سوء العلاقات أقدمت إيران على إلغاء معاهدة عام 1937 من طرف واحد عام 1969، في حين ألغى العراق اتفاقية 6 مارس عام 1975 من طرف واحد أيضاً، تمهيداً لشن الحرب (17 سبتمبر 1980) وقامت الحرب بعدها بخمسة أيام.. وإذا كانت العلاقات بين الدول وتنظيم حياة المجتمعات تقوم على أساس الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين الأطراف، وأنه يجب عليها احترام التزاماتها طبقاً لنظرية «العقد شريعة المتعاقدين»، حسبما تنص عليه معاهدة فيينا لعام 1969 (قانون المعاهدات)، الأمر الذي يقتضي الدخول في مفاوضات لاستعادة حقوق العراق، لاسيَّما المائية وإلاّ فإن الكارثة زاحفة لا محالة، ولن ينفع تشكيل كتلة دولة القانون أو القائمة العراقية للوزارة، إن لم تستند المفاوضات على إرادة شعبية وسيادة قانون واستقرار وحكومة قوية!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة السجون السرية في العراق
- حلم وردي مرعب!
- الثقافة والشرعية: الوعي الموروث
- ثقافة التغيير وتغيير الثقافة
- الجواهري وسعد صالح: صديقان وثالثهما الشعر!
- العراق بعد لبنان: تجربة الحكم التوافقي-
- الوصل والفصل بين العالمية والخصوصية
- أرمينيا وسيمفونية المبارز!
- كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*
- العالم الثالث وسلة المهملات
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (24) ملكوت السماء وملكوت الأرض
- فضاء الثقافة القانونية وحكم القانون
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (23) الاشتراكية والإيمان الديني
- الشراكة والتنمية
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (22) كاسترو والدين
- موسم القمة العربية والخيار العسير
- كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (21) «الشبح» والأسطورة: هل اختلط ...
- ليس لأي تيار شمولي مستقبل في العراق؟
- الموساد والجريمة والعقاب
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (20) القبعات الخضر والصيد الثمين!


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - العراق ومعركة المياه -مصححة-