أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خسرو حميد عثمان - ليلتان فى حُضن تأريخ شائك وبعدها














المزيد.....

ليلتان فى حُضن تأريخ شائك وبعدها


خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)


الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 17:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الليلة الأولى
كنت وحيدا بين جمع حاشد من المكلفين الجدد ومودعيهم ممن تجمعوا أما م دائرة تجنيد أربيل صباح يوم1/1/1970. حيث كان السوق الى الخدمة الأجبارية بلغة الشعب ، أو خدمة العلم بلغة الحُكام، من المنعطفات المهمة والخطيرة فى حياة كل شاب ممن لا مفر له غير الرضوخ منصاعا لهذا( الواحب الوطنى المقدس) فى وطن يعيش فيه المواطن من ميلاده الى مماته بدون أيةحقوق مقدسة . عدم المساوات، الراتب الضئيل للجندى المكلف، معاملته بما لا تُليق بالبشر، اجباره على العيش فى ظروف قاسية ومهينة أحيانا ناهيك عن زجه مرغما فى سلسلة من المعارك داخليا وخارجيا فى حروب لا معنى لها ..... جرد ت هذه التسمية (الوطنى المقدس) من كل معنى.
كانت حصتى من هذا (الواجب الوطنى المقدس) أن أنخرط فى الجيش ،بموجب القانون الجديد، سنة كاملة بصفة جندى مكلف غير مسلح (ج م غ م) بسبب القصر الشديد فى النظر.
لقد سا قونا كقطيع من الماشية الى محطة قطارأربيل تمهيدا لنقلنا الى معسكر تدريب العمارة . حيث كانت بانتظارى مفاجئة لم أتوقعها، على الأطلاق، بأننا نُنقل بالقطار من أربيل الى العمارة وبالدرجة الثالثة مما تعنى بأننا نقضى ليلتان فى القطار الى البصرة ومنها بالسيارات الى العمارة فى أقسى فصل من فصول السنة. لم يكن من بين حشد المودعين من جاء لتوديعى حتى أستطيع بواسطته تجاوز هذه الهفوة التى نتجت عن اهمالى وسوء تقديرى للأمور .
لم تكن هذه أول سفرة لى بهذا القطار العتي . بالأمس سافرت بواسطته عشرات المرات الى بغداد،وأنا طفل بصحبة جدتى وأمى، ومنها الى سجون نقرة السلمان او الكوت لمواجهة أحبائنا وهم وراء القضبان، أيديهم وأرجلهم مكبلة بالسلاسل........ أما اليوم أسافر به لأدخل سجن كبير لأقضى فيه سنة كاملة هكذا بدا لى المشهد وأنا ضمن جموع تتدافع لصعود القطار ليدخلوا بدورهم الى نفس السجن لمدد تختلف حسب ظروف المكلف بهذا (الواجب الوطنى المقدس) وحظه .
خمسة عشرة عاما أو أكثر تفصل بين الأمس واليوم، قلتها لنفسى بعد ان وجدت مكانا لأعطى لنفسى حق احتكاره، طوال السفر، لأننى سبقت الأخرين فى الجلوس عليه وحمدت الله باننى استطعت أن أحافظ على مناظرى الطبية من الوقوع تحت الأرجل . لم يكن صعبا على الأندماج، بسرعة، مع هذا الخليط المتنوع ، عموديا وأفقيا، من الشباب . وكان أطراف الحديث تدور بين مجاميع مختلفة تشمل كل نواحى الحياة باستثناء السياسة . فيهم من كان بارعا فى سرد النكات أو الحزورات أو الحديث عن الرياضة وأخر يقلد أصوات الطيور أو الحيوانات ......وأخيرا بدأ النعاس و النوم يغلب على الجميع باستثناء عدد قليل منهم، ممن حملوا معهم همومهم الكبيرة . وكان همى الوحيد أن لا يغلبنى النوم حتى لا يستطيع البرد اللعين أن يداهمنى ويشنج كل جسمى ويحولنى الى قطعة خشب ، وأنا المتعود على السهر الطويل لأجد الوقت الكافى لأنجاز ما كان يكلفنى بها والدى الى جانب واجبات دراستى الجامعية . ولكن الشعور بالأمان الذى يمنحه القطار للمسافرين على متنه الى جانب الأهتزاز الرتيب والصوت المتكرر الذى كان ينبعث عند عبور العجلات على فواصل التمدد الموجودة بين قضبان السكة الحديدية جعلتنى فى صراع غير متكافئ مع عدو اسمه النوم، اضطررت، بين الفينة والأخرى، أن أغادر مكانى و أتحرك لأحافظ على درجة حرارة جسمى. ولكن الحافز الى النوم فى مثل هذه الأحوال لا تغلبه الا حضور اثارة أقوى وفرض نفسها بقوة، من النوع الذى تثير القلق والشعور بالخوف . وهل يوجد ما يثير القلق والخوف حتى الهلع أكثر من التفكير العميق فى ما حدث بين الأمس واليوم وما يحدث غدا لهذه السفينه التى تتلاطمها الأمواج والرياح العاتية من كل الجهات .
بدأت تمر أمام عينى ما حدثت بين الأمس واليوم كشريط سينمائى، بصورة متكررة،.لقد حدثت الكثير الكثير فى العراق خلال هذه الفترة المتقلبة، حد الغليان أحيانا: حدثت ثورات وانقلابات لتغيير نظام الحكم أو الحكام اضطرابات فى المدن ومذابح بشرية ، ثورة مسلحة فى الأهوار اشتعلت وخبت وأخرى في الجبال ما زالت قائمة، قانون رقم 80 ، توزيع الأراضى على الفلاحين انقسامات وانشطارات فى جميع الاحزاب اغتيالات فردية واعدامات بالجملة وحملات ابادة و معارك وسحل الجثث فى الشوارع ظاهرتى عدنان القيسى وأبو الطبر....الفاعل والمفعول به كانا من أبناء الوطن الواحد، وكانا يتبادلان المواقع بتغير اتجاه الريح القادم من الشرق أو الغرب ، كأن البلد قد خلت من الحكمة وانسحب الحكماء أو هجروا ، ليخلوا الساحة تماما لمن لايهمه غير السيطرة على الملعب بمفرده ممن لا يعرفون غير تهييج المشاعر والعواطف، القسوة المفرطة و روح الأنتقام والتأمر والأستقواء بالأجنبى. ....كل هذا وما زال هذا القطار الهرم يؤدى واجبه ، على قدر حاله، بدون كلل أو ملل ولم يحدث له أن تصادم أو عطل أو خرج عن مساره والفضل لا يعود الى ركابه، اللذين ينامون طول الطريق، وانما الى من يقوده ومن يصونه، الى هذا الفريق الذى كان يؤدى واجبه بمعرفة واخلاص ويسهر ليتحاشى حدوث الكارثة . لم يكن لنا نصيب يُذكر من كل ما حدث بسلبه وايجابه، باستثناء اكمالى الجامعة، ولكننى كنت أشعر بالغثيان كلما تذكرت هذه السنوات العجاف التى انقسم البلد على نفسها هكذا كان شعورى والأحداث تمر أمام عينى كشريط سينمائى عند وصول القطار الى محطة باب الشيخ (كما كانت تسميها جدتى عائشة جرجيس)
عندها طغت الذكريات المرتبطة بهذا الأسم (باب الشيخ) على بقية الذكريات، كل شئ فى هذه المنطقة كان مفعما بالأمال من الحاج على وبيته فى كرادة مريم، مرقد الشيخ الذى كانت جدتى تهرع اليه للدعاء وطلب النجدة فى الأوقات الصعبة كملاذ أخير، و مام(العم) أحمد بطيبته وحنية زوجته وبيتهم الصغير الواقع فى احدى أزقة باب الشيخ الضيقة الذى كان بابه مفتوح لنا، بحرارة، كلما اضطررنا للمكوث فى يغداد.



#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)       Khasrow_Hamid_Othman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل الذى وهب نفسه لحلم كبير2/2
- الرجل الذى وهب نفسه لحلم كبير2/1
- البحث عن طريقة للهروب
- عندما يعادل البلوك الواحدعشرة دفاتر بعينها
- الى رجل أصبح.....
- المدينة التأريخية التى تغيرت ملامحها -أربيل-
- حكاية الحكايات
- من يبنى هذه الخرِبة يا بُنى
- رسالة مفتوحة الى فخامة رئيس اقليم كوردستان


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خسرو حميد عثمان - ليلتان فى حُضن تأريخ شائك وبعدها