أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسقيل قوجمان - مجزرة الكوت كما اتذكرها















المزيد.....

مجزرة الكوت كما اتذكرها


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 2935 - 2010 / 3 / 5 - 12:05
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مجزرة الكوت كما اتذكرها
في سنة ١٩٥٣ اجرت الحكومة العراقية مجزرتين في السجون السياسية مجزرة في سجن بغداد ثم مجزرة في سجن الكوت. لم اكن في بغداد ولا اعرف كيف بدأت المجزرة ولكن نهايتها كانت نقل السجناء الناجين من المجزرة الى سجن بعقوبة ونقل اليهود منهم الى سجن نقرة السلمان. وفي هذا المقال اسرد ذكرياتي عن مجزرة الكوت لان ما قرأته عنها ليس دقيقا وبه بعض المبالغات.
بدأت المجزرة في الحقيقة منذ مجزرة سجن بغداد. فقد كتبنا رسالة احتجاج شديدة اللهجة موقعة بامضاء جميع سجناء منظمة الكوت الشيوعية وارسلناها الى السلطات. وبعد مدة وجيزة بدأت المشاكل في سجن الكوت. فجأة حضر الى السجن مدير السجون العام والمجرم جبار ايوب ومعهما الحاكم العسكري. واجريت محاكمة السجناء واحدا بعد الاخر في غرفة مدير السجن عن الرسالة وحكم على جميع السجناء باحكام اضافية.
كان المسؤول الاول في سجن الكوت منذ الهروب الفاشل من النفق اخي موشي قوجمان وقد انضم اليه بعد الانتفاضة التي حدثت في بغداد وقدوم وجبات جديدة بعدها عدد اخر مثل عزيز الشيخ ولا اتذكر الاسماء الاخرى. وربما جرى تغيير المسؤول الاول ولكن ذلك لم يعلن. فكلنا كنا نعتبر موشي المسؤول الاول حتى يوم المجزرة. ونظرا الى اني لست عضوا في لجنة القيادة فأنا لا اعرف تفاصيل المفاوضات التي جرت بين ممثل المنظمة اكرم حسين والادارة. واذا كان اكرم حسين ما يزال على قيد الحياة فهو احسن من يمكنه الادلاء بتفاصيل تلك المفاوضات.
حين اراجع احداث المجزرة اليوم اشعر بانه ربما كان بالامكان تحاشي المجزرة ولكني انذاك لم اشعر بشيء من هذا القبيل. اقول اني اشعر بانه ربما كان بالامكان تحاشي المجزرة لاني لا اعرف بالضبط ماذا كان مجرى المفاوضات. فاذا كانت المفاوضات حول نقل السجناء غير اليهود الى بعقوبة والسجناء اليهود الى نقرة السلمان فان الحكومة بلا شك تستطيع فرض ذلك مهما قاومنا. ولذلك ربما كان بالامكان تحاشي المجزرة بالرضوخ الى عملية النقل "سلميا". اما اذا كانت المجزرة هدفا مقررا ومقصودا مهما كانت الظروف فالامر يختلف تماما.
بعد انتهاء المحاكمات جرى فجأة قطع الطعام والماء عن السجن. وطبيعي ان في مخزن السجن توجد بعض المواد الغذائية ولكنها لا تكفي لاكثر من يومين او ثلاثة ايام وهذا يعني الحكم على السجناء بالموت جوعا. ولكن الاشد من ذلك كان قطع الماء عن السجن في جو حزيران او تموز الحار. وهذا كان يعني الموت عطشا خلال ايام معدودة. وقبل هذا الاجراء اخلي السجن من السجناء غير السياسيين واحيط السجن بمئات الشرطة. ومنذ اليوم الاول لقطع الماء والطعام اخذ الشرطة والسجانة يلقون علينا الحجارة من فوق السور فجأة وفي منتصف الليل بحيث اضطررنا ان ننام في غرف السجن في تلك الايام اللاهبة لان النوم في الساحة اصبح مستحيلا. وكانوا يصرخون بكلمات التهديد المبتذلة بالمكروفونات. اتذكر ان احدى تلك النداءات المضحكة كانت "لقد القينا القبض على يعقوب قوجمان وسينال جزاءه قريبا". وطبيعي اننا نعلم ان يعقوب قوجمان ترك العراق بعد اعتقال حميد عثمان بمدة وجيزة.
في فترة يومين او ثلاثة نفد ما لدينا من ماء واصبح العطش اكبر خطر على حياتنا جميعا. وقد قررت اللجنة القيادية حفر بئر في وسط ساحة السجن للحصول على الماء. ورغم ان الحفر جرى في وضح النهار وفي الساحة لم تقم الحكومة باطلاق النار على السجناء الذين تطوعوا بالحفر ونجحنا اخيرا في الوصول الى الماء. كان الماء غير صالح للشرب مليئا بالاملاح مما ادى احيانا الى الاسهال لدى عدد من السجناء ولكننا نجونا من الموت عطشا.
وخلال ثلاثة او اربعة ايام نفد ما لدينا من مواد غذائية وقد استخدمت حتى ما وجد في الصيدلية من دهن السمك كغذاء. كان الوضع في الواقع حكما على السجناء بالموت عطشا وجوعا. دام هذا الوضع شهرا كاملا كان الشرطة يلقون الحجر على كل من يتواجد في الساحة. وفي احد الايام فاجأنا الشرطة باطلاق النار من على السور وقتل في هذه الحادثة شاب لا يتجاوز السادسة او السابعة عشرة من العمر اسمه وحيد وسجين اخر اسمه صبيح مئير. فقد اصيب صبيح مئير حين كان واقفا في باب غرفة السجن بطلقة في رأسه فجرت رأسه كأنها مصوبة ببندقية قناص تصويبا دقيقا. واصيب وحيد بطلقة في رئته. كان وحيد بطلا في موقفه رغم شعوره بقرب موته جراء الطلقة. وقد اجرينا تشييع صبيح مئير في الساحة بمظاهرة وسلمنا وحيد الى السجن حيا. ولكنه ترك في الفسحة بين بابي السجن حتى وفاته بدون ان يأخذوه الى المستشفى لمعالجته.
في النهاية اتفقوا مع ممثلنا اكرم حسين ان نسمح لهم بتفتيش السجن عن الاسلحة ثم يعيدون لنا الماء والطعام. ومسألة الاسلحة كحجة للمجزرة كحجة اسلحة الدمار الشامل لاجتياح العراق واحتلاله. فلم يكن في السجن ما يمكن ان يسمى اسلحة سوى سكاكين المطبخ التي زودونا هم بها من اجل طبخ الطعام. بدأوا بالتفتيش صباح اليوم الى المساء فاخرجوا كل ما في السجن من افرشة وملابس وادوات فاصبح السجن مجردا من كل شيء ومع ذلك لم يعيدوا لنا الطعام والماء. وفي اليوم الثاني بدأ التفتيش ثانية فنقلونا الى الجناح الذي كان مخصصا للسجناء العاديين واخلوا الجناح الذي كان مخصصا لنا وبدأوا بالحفر بحثا عن الاسلحة فحفروا كل قاعات السجن والمطبخ ولم يجدوا شيئا ودام هذا طيلة اليوم الثاني. وفي مساء هذا اليوم زودونا بالماء ووجبة من الكباب والخبز والرگي. ولم يعطونا سكينا لكسر الرگي فكسرناه بالقائه على الارض. وبعد العشاء لم يبق في السجن سوى قشور الرگي. ان ما كتب عن المجزرة من مقاومة بطولية ليس له ذرة من الصحة.
في مساء اليوم الثاني بعد هذا العشاء دخل الى السجن عشرات الشرطة المزودين ببنادقهم وجاؤوا بعشرات العمال لكي يجهزوا ساحة السجن بمئات المصابيح الكهربائية بحيث اصبح جو السجن ليلا مليئا بالنور كما لو وجد احتفال فيه. وكان الشرطة يقولون لنا ان الامر ينتهي في الساعة الخامسة صباحا.
كنا موشي اخي وانا مستهدفين علنا في تلك الليلة. فكان السجانة يعلمون الشرطة واحدا واحدا هذا موشي وهذا حسقيل. كل ما استطعنا ان نقوم به كمقاومة هو ان القيادة كلفت سجينا كهربائيا محترفا ان يجري شرارة كهربائية بالاسلاك الموجودة في احدى الغرف لكي يطفئ جميع هذه الانوار التي نشروها في ساحة السجن. اذا كان هناك ما يسمى مقاومة فهو نجاح هذا الكهربائي في تحقيق ذلك اذ في اللحظة التي بدأت فيها المجزرة انطفأت جميع الانوار فلم يفلحوا في اصطياد الاشخاص الذين كانوا هدفهم فجرى اطلاق النار عشوائيا ونتجت المجزرة عن عشرة قتلى وجرح جميع السجناء تقريبا.
في الساعة الخامسة صباحا سمعنا في المكروفون اسماء عدد من السجناء يجب خروجهم فرفضت القيادة خروجهم وبدأ اطلاق النار فالتجأ السجناء الى الغرف وحاولوا تجنب النار الذي كانوا يطلقونه من الشبابيك. وخرج السجناء بين صفين من الشرطة تقوم بالضرب باخامص البنادق من باب الغرفة الى باب السجن. فمن وقع في تلك المسيرة قتل ومن استطاع الوصول الى الباب نجا. وفي الصباح استدعى متصرف اللواء موشي اخي لمقابلته وتحدث معه ولا ادري ماذا كانت تفاصيل المقابلة. ولكن موشي اصيب ببعض الرضوض في يده وانا اصبت بجروح في جبهتي اثناء المرور بين صفي الشرطة من الغرفة الى الباب.
ان الادعاء بان احمد علوان كان المسؤول الاول في السجن واستشهد في المجزرة لا اساس له من الصحة واعتقد انه كذب مقصود لاخفاء ان المسؤول كان يهوديا. فاحمد علوان كان سجينا له تاريخ طويل من السجون في العراق وفي ايران ولكنه في هذه الفترة كان عضوا عاديا ليس له اي مركز في اللجنة القيادية سواء في نقرة السلمان او في الكوت. وقد كان احمد علوان ملقى بجانبي عند خروجنا وقد قبلنا بعضنا وكان حيا ولكن جرحه كان مميتا ولم يؤخد الى المستشفى لمعالجته بل ترك حتى وفاته في ارض السجن. ولكن كان شجاعا وبطلا في تلقيه الموت حتى النفس الاخير.
كانت الادارة قد افرغت مستشفى الكوت قبل المجزرة من اي مريض فيها ولذا كانت خالية جدا ونقل جميع السجناء الناجون من المجزرة الى المستشفى بعد ان البسونا الملابس السجنية التي تشبه الجنفاص وكبلونا بالسلاسل بعد ان كنا محررين منها بعد الاضراب الناجح الذي ادى الى نقلنا من نقرة السلمان الى الكوت.
حقن جميع السجناء على ما اعتقد بحقنة مضادة للتيتانوس وعولج الجرحى من قبل اطباء المستشفى وكان موقف الاطباء عاطفيا ووديا. وفي ذلك الوضع حدث لي حادث غريب لا يمكن تصوره.
في صباح المجزرة ارسلت الحكومة وفدا طبيا من بغداد برئاسة مدير صحة بغداد لاجراء تحقيق في المجزرة. وعند تجول اعضاء الوفد في المستشفى وتفقد احوالنا ونحن جالسون على الارض بوضعنا المزري مر رئيس الوفد الطبي بجانبي وفورا ناداني باسمي حسقيل وصافحني واخذ يتحدث الي عدة دقائق. كان رئيس الوفد احد اصدقائي في الثانوية المركزية اثناء الدراسة الثانوية ولم ينس صداقتنا وكانت له الشجاعة الكافية لمحادثتي كصديق لصديق رغم تلك الاوضاع المزرية وامام مدير السجون العام ومدير السجن.
نقلنا نحن اليهود في مساء ذلك اليوم الى مركز الشرطة حيث نمنا على الارض حتى صباح اليوم التالي وفي الصباح سفرونا الى نقرة السلمان رغم جروحنا واوضاعنا الصحية الفظيعة وكان السفر قاسيا الى درجة اني فور دخولي قلعة سجن نقرة السلمان عانيت من نزيف حاد من الامعاء لم يتكرر سوى مرة واحدة.
بهذا تنتهي ذكرياتي عن مجزرة سجن الكوت وارجو ان اكون قد نجحت في سردها سردا صحيحا لا مبالغات فيه سواء من جانب تصرف السجناء او من جانب تصرف الحكومة.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبابة او العناية الصحية في السجون السياسية
- الانشاد والغناء في السجون السياسية
- رسالة شكر للاخ وصفي يوسف
- هل ستالين ام تروتسكي احد قائدي ثورة اكتوبر؟
- دولة العدالة الاجتماعية 2
- دعوة موجهة الى شيوعيي وتقدميي العالم
- دولة العدالة الاجتماعية
- قانون الانتخابات وموضة دولة القانون
- ذكرى ثورة اكتوبر بمفهوم فالح عبد الدجبار 2-2
- ذكرى ثورة اكتوبر بمفهوم فالح عبد الجبار 1-2
- حوار مع د, وسام جواد
- ملاحظة حول مقال -التناقض بين المادية والديالكتيكية-
- ملاحظة حول قانون فناء الضدين
- ملاحظة حول مقال د. صباح الشاهر -ليس اليسار يسار القاعة-
- متى يجوز للماركسي التحالف ومع من (اخيرة)
- متى يجوز للماركسي التحالف ومع من (رابعة)
- متى يجوز للماركسي التحالف ومع من (ثالثة)
- ملاحظات حول كتاب تاريخ الحزب الشيوعي العراقي بقلم طارق اسماع ...
- متى يجوز للماركسي التحالف ومع من (ثانية)
- متى يجوز للماركسي التحالف ومع من (اولى)


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسقيل قوجمان - مجزرة الكوت كما اتذكرها