أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد القاضي - هل تراجع د. طه حسين عن اطروحاته في كتاب ( في الشعر الجاهلي )؟!















المزيد.....


هل تراجع د. طه حسين عن اطروحاته في كتاب ( في الشعر الجاهلي )؟!


احمد القاضي

الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 09:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل تراجع د. طه حسين حقآ عن اطروحاته الجريئة والخطيرة التي تضمنها كتابه ( في الشعر الجاهلي ) ؟!...فقد علق احد المعلقين على مقالي ( الشعر الجاهلي ام القرآن الجاهلي ) قائلآ:((كلام هذيل جدا وللعلم لقد تراجع طه حسين نفسه عن هذا الطرح )) ..ولا اريد ان اعود هنا الي تلك المقولة الشهيرة " لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون "..فالرجل في حقيقة الامر غير ملام لان ذلك من الاغلاط الشائعة حتى بين النخب المثقفة، للحد الذي فوجئت فيه بأن المستشرق الروسي المعاصر اليكسي فاسيليف يورد ذلك في كتابه (( مصر والمصريون )) الصادر عن دار التقدم في العام 1986حيث يقول: (( وقد ادت محاولة عميد الادب العربي طه حسين لتعميم التفسير المنطقي للشعر الجاهلي على الصفات الادبية للقرآن الي انفجار احتجاجي في الازهر والي التهديد بالاتهام بتدنيس المقدسات.وقد كلفته تجربته العلمية الادبية كرسي الاستاذية في جامعة القاهرة كما اصبحت هذه التجربة درسآ لكل الادباء الآخرين.وقد تميزت الفترة الاخيرة من النشاط الابداعي والاجتماعي والعلمي لطه حسين بتوجه اكثر فاكثر الي اليمين في الاتجاه المحافظ. وقد املت الانتهازية السياسية والحياتية على المثقفين المتعلمين في اوربا وعلى الشخصيات السياسية الاخرى عدم التعرض، على الاقل علنآ، لقضية الدين الحساسة )) ...وهذه ملاحظة غير متعمقة ويبدو انه اعتمد فيها على افادات سماعية من بعض المثقفين المصريين على غرار ما هو شائع..فالدكتور. طه حسين لم يتراجع قيد انملة عن اطروحاته الواردة في كتابه ( في الشعر الجاهلي ) ولم ينحرف نحو اليمين.

وكما هو معروف انه تم مصادرة كتابه وسيق الي المحكمة وكان من المفترض ان يسجن لو لا ان النائب العام، وربما كان متعاطفآ معه او من محبيه او من المستنيرين، بحث له عن كل مخرج ليثبت عدم القصد الجنائي بالقول انه قد اخطأ ولكنه خطأ مع اعتقاد الصواب وان آراءه جاءت في سياق البحث الادبي وانه اعتمد على آراء بعض المستشرقين ولمحاكمته لابد من الاطلاع على جميع المؤلفات التي اعتمد عليها وان المدعي نزع تلك الآراء التي اعتمد عليها في شكواه من سياقها وما الي ذلك من المخارج اللطيفة والبعيدة عن الحقيقة في نفس الوقت....نجا د طه من السجن لكنه فقد منصبه في الجامعة وصودر الكتاب فهل تراجع عن آرائه واطروحاته؟...ليست هناك اية وثيقة تشير الي انه تراجع عن آرائه المبثوثة في كتابه الاشهر ( في الشعر الجاهلي ).ولم ينشر اي كتاب او مقال يعلن فيه خطأ آرائه وتراجعه عنها كما فعل، على سبيل المثال، ابوحامد الغزالي الذي كتب عن شفائه من الشك والكاتب المصري مصطفى محمود الذي كتب معلنآ انتقاله من الشك الي اليقين حيث انتهى الي الدروشة الفكرية ويقين العوام...ولو كان هناك شئ من هذا القبيل لما توانى السلفيون من كل شاكلة ولون على ابرازه ونشره لما في ذلك من اضعاف للحركة التنويرية الضعيفة اصلآ في مصر بطرح الثقل الفكري النوعي لطه حسين منها ..واخيرآ لتبخيس الآراء الجريئة والخطيرة الواردة في الكتاب وكأنها نذوة مراهق يتخلى عنها في اول منعطف.

التف د طه حسين على الحملة الظلامية الجاهلية بقيادة المؤسسة الازهرية الكهنوتية...والواضح انه كان على اصرار قوي بان تصل اطروحاته تلك الي الناس والا يذهب جهده التنويري سدى بمصادرة الكتاب ليطمر في غياهب كهوف السلفيين...وبالطبع لم يكن د طه يدري انه سيأتي زمان سيرى فيه كتابه النور وسيطبع بلحمه وشحمه بعد اكثر من ستين سنة خارج بلده مصر العصية على الفكر العقلاني.... اصدر د. طه حسين في نفس العام الذي صودر فيه كتابه ( في الشعر الجاهلي ) كتابآ آخر بعنوان: ( في الادب الجاهلي ) ونلاحظ انه استبدل كلمة ( الشعر ) بكلمة ( الادب) ...وضمّن كتابه الجديد كامل نص الكتاب المصادر مع اضافة فصول جديدة مثل ( الشعر طبيعته ونوعه وفنونه ) و( شعر مضر ) و( النثر الجاهلي ).... يتكون كتاب ( في الشعر الجاهلي ) من اربعة ابواب بينما يتكون كتاب ( في الادب الجاهلي ) من سبعة ابواب....ولا شك ان ذلك قد تم لمقتضيات الالتفاف على المصادرة غير ان الاضافات قد عمقت البحث.

وبمضاهاة نص ( في الشعر الجاهلي ) الذي ضمّنه بالكامل في الكتاب الجديد ( في الادب الجاهلي ) نجد ان د. طه حسين لم يقم باعادة صياغة شئ غير الفصل الرابع من الكتاب الاول وعنوانه (الشعر الجاهلي واللغة ) وهو الفصل الذي ينكر فيه الوجود التاريخي لابراهيم واسماعيل...واسطورة بنائهما للكعبة وانتساب العرب المستعربة اليهما قائلآ بان قريشآ ساقت تلك الاسطورة لتعزيز مكانتها بين القبائل العربية ولتجعل من مكة قبلة العرب التجارية والدينية..ومشيرآ الي انه ليس مضطرآ الي تصديق الاحداث التاريخية الواردة في القرآن لمجرد انها واردة في القرآن....ولكن اعادة الصياغة وحذف تلك الآراء القوية المباشرة التي اقامت عليه الدنيا وساقته الي المحكمة لم يكن من باب التنازل عن آرائه ..فقد بث د. طه آراءه في ثنايا الصياغة الجديدة متخذآ طرقآ متعرجة تستوجب اللف والدوران للوصول الي الهدف..يقول مستنكرآ تقسيم العرب الي بائدة وعاربة ومستعربة وهو الاستنكار الذي ينفي ضمنيآ وجود عرب ينتسبون الي اسماعيل حسب الاسطورة.. يقول (( ومن الاسراف وازدراء العقل والعلم ان نطمئن- في غير تحفظ ولا احتياط لما كان القدماء قد اتفقوا عليه من ان العرب منقسمون الي بائدة وباقية، فالبائدة عاد وثمود وطسم وجديس والعماليق ومن اليهم، والباقية تنقسم الي عاربة ومستعربة، فالعاربة قحطان والمستعربة عدنان. نقول من الاسراف ان نقبل كله من غير نقد ولا احتياط.....)) "انتهى"..... فاين اذن التراجع عن آرائه وهو ما انفك يشكك في الاصول التي تنسب اليها العدنانية والقحطانية؟؟؟....ويمضي في رفضه للانساب التي تنتهي الي عدنان بقوله: (( واذن فمن الحق على الذين يريدون ان يحددوا المعنى الذي يدل عليه لفظ اللغة العربية الفصحى ان يعتمدوا في هذا التحديد على الموطن الجغرافي لا على الانساب والاساطير. والموطن الجغرافي للعدنانيين هو شمال البلاد العربية والحجازونجد منه خاصة. فنحن اذا ذكرنا العدنانية فانما نريد سكان هذا الاقليم من بلاد العرب، دون ان يكون هذا تسليمآ منا بصحة هذه الانساب التي تنتهى الي عدنان. ونحن اذا ذكرنا القحطانية فانما نريد سكان هذه الاقاليم من جنوب البلاد العربية، دون ان يكون هذا قبولآ منا لهذه الانساب التي تنتهى الي قحطان...)) "انتهى" ...وهنا يطلب د. طه ان تنسب القبائل العربية في الجزيرة العربية الي مناطقها الجغرافية في سياق البحث عن الموطن الاصلي للغة العربية الفصحى دون الاعتماد على الاساطير وما يرويه النسابة.....ومما لا شك فيه ان هذه الصياغة ليست بالقوة التي عليها تلك العبارات المباشرة في رفض اسطورتي بناء ابراهيم وابنه اسماعيل للكعبة وانتساب العرب المستعربة ومنهم العدنانيون الي اسماعيل بن ابراهيم كما صاغها في كتاب ( في الشعر الجاهلي ) ولكن يبدو ان ذلك ما كان في مقدوره لتمرير افكاره وآرائه في اتون الحملة الظلامية التي ادت الي مصادرة كتابه.

ومما يثير الاستغراب انه ترك الفصل الثالث من الكتاب الثاني الذي يحمل عنوان ( الدين وانتحال الشعر ) كما هو بلا اعادة صياغة او اي حذف دون ان يثير ضجة جديدة وربما انشغل السلفيون بما اجراه من صياغة جديدة في فصل (الشعر الجاهلي واللغة ) واطمأنوا الي الكتاب.....والفصل الذي نحن بصدده جاء فيه ان من الاغراض الدينية لانتحال الشعر (( تعظيم شأن محمد من ناحية اسرته ونسبه في قريش )) لاقناع الناس بانه من صفوة الصفوة البشرية..وكذلك لاثبات صحة نبوته اوكما يقول د. طه حرفيآ (( فكان هذا الانتحال في بعض اطواره يقصد به الي اثبات صحة النبوة وصدق النبي، وكان هذا النوع موجهآ الي عامة الناس. وانت تستطيع ان تحمل على هذا كل ما يروى من هذا الشعر الذي قيل في الجاهلية ممهدآ لبعثة النبي، وكل ما يتصل به من الاخبار والاساطير التي تروى لتقنع العامة بأن علماء العرب وكهانهم واحبار اليهود ورهبان النصارى كانوا ينتظرون بعثة نبي عربي يخرج من قريش او مكة ...)) "انتهى"..فهل في هذا ما يدل على ان د. طه قد تراجع عن اطروحاته التي جاءت في كتاب ( في الشعر الجاهلي )؟؟.

وفي مجرى التأكيد على عدم تراجع د.طه عن آرائه نلاحظ ان مؤلفاته التالية تؤكد نزوعه الشديد والمستمر الي الحداثة واعلاء شأن العقل..ففي كتاب ( مستقبل الثقافة في مصر ) يذهب الي ان بلده مصر ليس جزءآ من الشرق لا بالمفهوم الجغرافي ولا بالمفهوم الثقافي وانما هي تنتمي الي حضارة حوض البحر الابيض المتوسط..ويؤكد بان نهوضها الثقافي يرتبط بعودتها الي جذورها الفرعونية واحياء شخصيتها القومية المصرية.لان الاسلام حسب رأيه قشرة خارجية للجوهر الفرعوني في الشخصية المصرية لم يؤثر فيه رغم انه ديانة شرقية مثلما ان المسيحية، وهي ديانة شرقية، لم تؤثر في جوهر الغربيين ...ودعا د. طه في نفس الوقت الي الاخذ بكل اسباب الحضارة الاوربية والعب من علومها وفنونها وآدابها ونظمها الادارية والعسكرية....وبقدر ما في هذا الكتاب من حماسة الي الحداثة واعلاء سلطة العقل فان فيه من المصانعة ما فيه لاسترضاء الكهنوتية الازهرية حتى لا تتهمه بمعاداة الاسلام مرة اخرى مما اوقعه في العديد من التناقضات مثل رفضه للقومية الاسلامية ودعوته للقومية المصرية واستنكاره في نفس الوقت لدعوة الداعين لجعل العامية المصرية اللغة الرسمية للبلاد واعلان تمسكه بالفصحى لغة القرآن.....وايضآ مثل دعوته بعدم المساس (( بجوهر التعليم الديني في الازهر وما يتصل به من المعاهد المنبثة في الاقاليم)) لان (( الدين مقوم من مقومات الشخصية الوطنية )) حسب زعمه مع انه اول من نادى في العام 1933 بالا يتضمن الدستور المصري الجديد مادة تقول ( الاسلام دين الدولة )....من المؤسف ان تدفع البيئة الدينية الشعبية الضاغطة في مصر والارهاب الفكري الذي تمارسه المؤسسة الكهنوتية الازهرية بامام التنويريين والعقلانيين في مصر الي الوقوع في مثل هذه التناقضات...وما انفك الارهاب الفكري مستمرآ ويزداد شراسة بتواطؤ الدولة مع التعاظم المستمر لتأثير الافيون الديني في خلايا ذلك المجتمع.

ولعل من السذاجة بمكان ان تعتبر الكتب الاسلامية التي الفها مثل ( على هامش السيرة ) و ( الشيخان ) و( الوعد الحق ) و(الفتنة الكبري ) وغيرها بمثابة ترويج لما الف الكتّاب التقليديون على ترويجه عن الاسلام ونبيه واصحاب نبيه...فالدكتور. طه حسين يأخذ المادة التاريخية من مصادرها الاسلامية ويشكلها كعجينة بالصورة التي تساعده في تحقيق مشروعه في تحفيز الاذهان لقراءة الاسلام قراءة عقلانية نقدية واعية.... وتساعده كذلك في تعرية اساطيره وتاريخه الذي ليس سوى سلسلة متصلة من الفتن والحروب والقتل والمؤامرات انغمس فيها نبي الاسلام وخلفاؤه والصحابة... فكتاب ( الفتنة الكبرى ) يقدم صورآ حية للفساد والظلم والتكالب على السلطة والمال عبر الدسائس وخيانة الامانة واراقة الدماء لينتهي الامر في نهاية المطاف باشعال حرب قتل فيها الآلاف من المسلمين.......وحين نقرأ "حفر زمزم" في الجزء الاول من كتاب (على هامش السيرة ) تتداخل الصور وتمتزج الاسطورة مع الوقائع التاريخية المروية في كتب السير الاسلامية حتى لا ندري عمن يجري الحديث.... عن عبد المطلب ام عن حفيده محمد.......فهذا الطيف الذي ظهر بصورة متكررة لعبد المطلب وامره بصوت مسموع بحفر زمزم اليس هو نفس الطيف الذي ظهر لمحمد بصورة متكررة وامره بالتبشير بالاسلام....والفزع الذي اصاب عبد المطلب من جراء ذلك الطيف وصوته المسموع حتى ظن ان به مسآ من الجنون اليس هو نفس الفزع الذي اصاب محمدآ حتى ظن ايضآ ان به مسآ من الجنون عندما رأى الطيف الذي امره بالتبشير بالاسلام وسماه " جبريل"...اليس لجوء عبد المطلب الي زوجته يروي لها ما حدث ملتمسآ عندها الامان هو نفس لجوء محمد الي زوجته خديجة يروي لها ما حدث في الغار علها تطمئنه وتنزل السكينة على قلبه...والطريف ان د. طه حسين يقول بصراحة في مقدمة ( على هامش السيرة ) انه يعلم ان من يكبرون العقل ولا يثقون الا به سوف يضيقون بهذا الكتاب لانهم ( يضيقون بكثير من الاخبار والاحاديث التي لا يستسيغها العقل ولا يرضاها )........وكتاب ( الوعد الحق ) المستمدة مادته من التاريخ الاسلامي يعكس استمرار الصراع بين ارستقراطية مكة التي يمثلها بعد الاسلام في هذا الكتاب عثمان بن عفان وخالد بن الوليد وبين ارقائها السابقين ويمثلها عمار بن ياسر وعبدالله بن مسعود خادم محمد وحامل حذائه...وتتكشف لنا قسوة عثمان وفظاظته واستبداده في تعامله مع عماربن ياسر الذي تم ضربه حتى حدث له فتق من جرائه، وكذلك اصداره الامر بان يؤخذ المصحف الذي كان يحتفظ به عبد الله بن مسعود عنوة حتى انه تم جذبه وجره وضربه من قبل رجاله الي ان كسرت اضلعه.....فقضية حرق عثمان لكل المصاحف المخالفة لمصحفه تبرز من خلال التيمة الرئيسة في الكتاب....وفي كتاب (( الشيخان ) يشكك د. طه في العديد من الوقائع التاريخية ذات الصلة بالشيخين ابي بكر وعمر...ويقول بالحرف الواحد ( وانا بعد اشك اعظم الشك فيما روي عن هذه الاحداث، واكاد اقطع بأن ما كتب القدماء من تاريخ هذين الامامين العظيمين ومن تاريخ العصر القصير الذي وليا فيه امور المسلمين اشبه بالقصص منه بتسجيل حقائق الاحداث التي كانت في ايامهما، والتي شقت للانسانية طريقآ الي الحياة جديدة كل الجدة )) "انتهى".....وكان الطهطاوي قد لجأ الي هذا الاسلوب المراوغ قبل قرن من محنة طه حسين... يقول المستشرق الروسي المعاصر اليكسي فاسيليف في كتابه ( مصر والمصريون ) انه لما كانت افكار الثورة الفرنسية من حرية وديمقراطية وحقوق انسان ونظام فصل السلطات غريبة عن المجتمع المصري فان الطهطاوي لجأ من اجل بثه (( الي الطريقة القديمة المجربة )) وهي :(( ادخال الافكار المقتبسة مصوّرآ اياها كأفكار اسلامية تخصه. وقال الطهطاوي ان الاشكال الاوربية للتنظيم الاجتماعي لا تناقض الاسلام بل انها كانت معروفة منذ زمن لهم، اما افكار الثورة الفرنسية فهي تتطابق مع القرآن واورد للبرهنة علي رأيه عشرات من المقتطفات من القرآن والسنة ))

ولذا فان كتب د. طه حسين ذات الصلة بالتاريخ الاسلامي وجدت اوسع الهجوم من الكتّاب التقليديين السلفيين وفي مقدمتهم الرافعي ومحمود محمد شاكر وانور الجندي وغيرهم.. فالرافعي يرى ان طه حسين لا يعتبر ان القرآن موحى به من الله بل يعتبره من نسج محمد..ولا يعتبره نبيآ موحى اليه انما يعتبره سياسيآ ويرى ان كتاب ( على هامش السيرة) ليس غير صور ومشاهد من السخرية والتهكم .........اما انور الجندي فكان اشدهم هجومآ على د. طه حسين حتى انه تجاوز النقد الموضوعي الي الهجوم الشخصي الموتور ..وهو يرى ان كتاب ( الفتنة الكبري ) محاولة لتبرئة عبد الله بن سبأ اليهودي من تبعات موقعة الجمل.. ويعتبر كتاب ( الوعد الحق ) تهوينآ للائمة ....وفي مذهب انور الجندي ان د. طه حسين اندفع في بداياته في الهجوم المباشر على الاسلام وعندما واجه ما واجه لجأ الي اسلوب استرضاء المسلمين وكسب ودهم ليدس بعد ذلك السم في الدسم برفق ولين وعلى مراحل حتى ظن الناس ان كتبه ( على هامش السيرة ) و(الفتنة الكبري ) وغيرهما دفاع حار عن الاسلام...وفي منظوره ان د. طه حسين لم يغير آراءه قط.وليس هناك ما يدل على ذلك.

في كتاب (أعلام واقزام في ميزان الاسلام ) للطبيب والكاتب السلفي الدكتور سيد بن حسين العفاني نجد زعمآ بتوبة د. طه حسين حيث يستند الي كلام قاله، حسبما اورد، الدكتور عبد الحليم عويس استاذ التاريخ الاسلامي في ندوة اقامتها نقابة الصحفيين المصريين في 28 يناير 2002 لتأبين انور جندي ...ويتلخص كلام عويس في ان د. طه كان قد تاب ولكنه لم يكن قادرآ على اعلان ذلك وان مجلة ( العربي ) الكويتية كانت قد نشرت تحقيقآ عن حج طه حسين وتقبيله ( الحجر الاسود ) وهو يبكي وان العلمانيين (( يتعمدون اخفاء هذه الصفحة من حياة طه حسين ))....ويذهب عويس ابعد من ذلك - حسبما جاء في الكتاب المذكور - بالزعم بان الدكتور محمد عبد المنعم خفاجة والدكتور علي علي صبح ( عميد كلية اللغة العربية بالازهر ) ذهبا الي طه حسين بعد جلسة لمجمع اللغة العربية في اواخر حياته وقالا له ( بحق الله أكتبت " في الشعر الجاهلي" عن علم ام كتبته للدنيا والشهرة ؟!) فاجاب طه حسين:( بل كتبته للدنيا والشهرة ).....وفي سياق تلك الحجة التي يقولون ان د. طه قد قام بها عندما زار السعودية في منتصف الخمسينات في مهمة ثقافية مكث فيها تسعة عشر يومآ تقول الكاتبة المصرية سناء البيسي في مقال بجريدة " الاهرام" عن طه حسين بتاريخ 24 اكتوبر 2009 ان كامل الشناوي ذهب اليه غداة وصوله من السعودية الي ارض بلده ليسأله عن حجته تلك....ورغم ان الكاتبة اوردت الاسئلة والاجوبة لتأكيد توبة طه حسين الا ان الاسئلة ليست سوى اسئلة استنطاقية ..وجاءت اجوبة د. طه مراوغة ومداهنة لكنها باردة خالية من اي قدر من حرارة المشاعر الدينية الحقة وتشئ الي قلب خال من اليقين الساذج........يسـأله الصحفي :(( ‏ كيف كان شعورك وأنت في هذه الأماكن المقدسة؟ )) فيجيب طه حسين متهربآ ((لقد سألوني هناك مثل هذا السؤال فقلت لهم‏:‏ ما بالكم تقحمون أنفسكم بين المرء وربه‏.))....فيعاود الصحفي الكرة:(( لكنني بهذا السؤال لا أقحم نفسي بينك وبين ربك‏,‏ ولا بينك وبين قلبك‏‏ ولكن أحاول أن أقحم معلوماتي عن المفكر‏,‏ الحر‏ الثائر طه حسين‏..‏ لقد عرفتك لا تبالي بما يقول الناس عنك‏ وما أكثر ما قالوا عنك‏ بل ما أكثر ما صنعوا‏ لقد اتهموك بالكفر‏,‏ ووصل الأمر إلي النيابة العامة‏,‏ وخرجت من الاتهام بريئا نقيا‏,‏ وكان ذلك منذ ربع قرن أو أكثر‏,‏ لقد عرفنا الشائعات ومن حقنا معرفة الحقائق؟‏!‏)) فيجيب طه حسين ((‏:‏ لقد سبق أن عشت بفكري وقلبي في هذه الأماكن المقدسة زهاء عشرين عاما منذ بدأت أكتب على هامش السيرة‏..‏ ولما زرت مكة والمدينة‏,‏ أحسست أنني أعيش بفكري وقلبي وجسدي جميعا‏,‏ عشت بعقلي الباطن‏,‏ وعقلي الواعي‏..‏ استعدت كل ذكرياتي القديمة‏,‏ ومنها ما هو من صميم التاريخ‏,‏ ومنها ما هو من صميم العقيدة‏,‏ وكانت الذكريات تختلط بواقعي فتبدو حقائق حينا‏,‏ ورموزا حينا‏,‏ وكان الشعور بها يغمرني‏,‏ ويملأ جوانب نفسي‏.))..ويسأل الصحفي ((‏:‏ هل أخرجك هذا الشعور عن المألوف )) فيجيب د. طه وهو يبتسم :(( على أية حال لم أصل إلي درجة الانجذاب‏..‏ كنت دائما في كامل وعيي‏..‏ أخذتني الرهبة والخشية والخشوع كل مأخذ عندما كنت وحدي‏.‏))..ويمضي الصحفي في محاولة محاصرة د. طه في الكمين المنصوب ويوجه اليه اسئلة يستحي الانسان ان يوجهها الي تلميذ في الصف الاول الابتدائي ناهيكم عن اديب مرموق ومفكر بحجم د. طه حسين...وهي ((وبماذا ناجيت ربك في صمت وخشوع؟)) و ((‏ ومتي حفظت هذا الدعاء الجليل؟)) و((نعود إلي دعائك أمام الكعبة‏..‏ هل سبق أن ناجيت ربك بهذا الدعاء قبل اليوم؟)) و((هل خاطبت به ربك علنا؟))

ولا ندري عن اي توبة يتحدث هذا الحشد من الكتاب واساتذة الجامعات الذين يتحدثون بلغة العوام حتى بلغ الامر باستاذ جامعي ان يزعم بان العلمانيين يريدون اخفاءهذه الصفحة من تاريخ طه حسين...هل الاعتذار عن اطروحات خطيرة ما برحت تنتشر وتأخذ مكانها في العقول يكون بتقبيل الحجر الاسود ام بكتاب او حتى بمقال يفند فيه اخطاءه ويعتذر عما كتب كما فعل ابوحامد الغزالي ومصطفي محمود وغيرهم ممن ارادوا اراحة عقولهم من التفكير....وكيف لم يخطر ببالهم ان د. طه حسين كان يصانع؟..وبالفعل كان يصانع وهو يواجه بمفرده في ذلك الزمان حشود الجهالة والظلام من العامة وحملة الالقاب العلمية ولابسي الكاكولة..ونحيل هؤلاء مرة اخري الي الكاتب السلفي المصري انور الجندي الذي كان من اشد المهاجمين لطه حسين واحد القائلين بعدم تراجعه حيث قال ان د. طه حسين لم يتراجع قط عن آرائه الواردة في كتاب ( في الشعر الجاهلي ) لان المتراجع يقول كنت مخطئآ حين قلت كذا وكذا والصحيح كذا وكذا ....ويضيف ان طه حسين اندفع في مهاجمة الاسلام بصورة مباشرة في بادئ الامر ولكن حين جوبه بما جوبه به اتخذ اسلوب استرضاء المسلمين ليدس السم في الدسم برفق ولين وعلي مراحل حتى ظن البعض انه يدافع عن الاسلام دفاعآ حارآ.

والكاتب السلفي المصري انور الجندي محق في قوله فالدكتور. طه حسين لم يتراجع قط عن اطروحاته ( في الشعر الجاهلي ) ..وليس هناك من مقال او كتاب اوثيقة اعلن فيها تراجعه.....كان الفلكي الايطالي جاليلو قد تراجع عن نظريته بدوران الارض حول الشمس امام محكمة التفتيش الكنسية وهو يقول سرآ لنفسه ( ولكنها تدور ) واخذ ينشر نظريته سرآ بين تلاميذه....والتنويري الكبير د. طه حسين لم يعلن تراجعه عن آرائه ولكنه صانع المؤسسة الازهرية الكهنوتية وداهنها واستطاع ان ينشر عددآ من الكتب التي تعري في خطتها وجوهرها حقيقة الاسلام وتاريخه واساطيره وخرافاته وشخوصه....كان المأمول ان يستمر د. طه علي نفس نهجه في كتاب ( في الشعر الجاهلي ) ولكن من الواضح انه لم يكن في الامكان افضل مما كان في ذلك الزمان وهو يواجه وحيدآ بلا نصير المؤسسة الكهنوتية الازهرية المطلقة اليدين بمعرفة الدولة المتواطئة معها في جميع الحقب..ولاتزال تلك المؤسسة الظلامية تطارده حيث منعت في شهر يناير الماضي تدريس كتاب ( الايام ) في المدارس المصرية بدعوى انه يسخر من الازهر وشيوخه.



#احمد_القاضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادونيس...اودكتور جيكل ومستر هايد !
- الشعر الجاهلي ام القرآن الجاهلي
- اول صوت في صندوق عمر البشير الانتخابي
- الكوميديا الالهية علي الطريقة المحمدية
- البيدوفيل واعتساف عائشة
- نبي يضاجع في الخلاء !
- سويسرا افضل حالآ دون مآذن
- لا شئ تم في الخفاء ايها الحالم بعرش اليونسكو
- عودة الي الدكتور القمني
- الدكتور القمني.....ليته سكت!
- واخيرآ...تم تشييع مايكل جاكسون علي الترانيم المسيحية والسنة ...
- البشير والمارستان العربي
- الرد علي برهان غليون في امر توقيف البشير هادر القانون
- بالروح بالدم نفديك يا بشير
- الروائي الطيب صالح في مدح الحاكم بأمر الله عمر حسن البشير


المزيد.....




- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد القاضي - هل تراجع د. طه حسين عن اطروحاته في كتاب ( في الشعر الجاهلي )؟!