أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - من أنت أيها الإنسان؟















المزيد.....

من أنت أيها الإنسان؟


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 2855 - 2009 / 12 / 11 - 18:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من أنت أيها الإنسان؟
زهير الخويلدي
"ارجع إلى نفسك وتأمل هل تغفل عن وجود ذاتك ولا تثبت نفسك"
ابن سينا – الإشارات والتنبيهات

عندما تنظر إلى الكون وتتطلع إلى الطبيعة وتشاهد البحار والجبال وتلمح التنوع والثراء في الكائنات فإنك تتساءل ترى ما سر هذا التناسق البديع وهذا التصميم الجميل وتفتش عن القوة العجيبة التي تقف وراء كل هذا النظام وعندما ترجع إلى نفسك وتتأمل ذاتك فإنك تتردد بين الغفلة واليقظة وبين النسيان والتذكر وبين الإهمال والإدراك وتتفحص بعقلك عن وعيك وتستعمل مشاعرك وأحاسيسك للبحث عن جسدك وتفاجئ أنك تجهل ذاتك ولا تثبت نفسك وتتساءل: من أنت أيها الإنسان؟ وماهي مكانتك في الكون؟ وبماذا تدرك ذاتك؟ وما المدرك من ذاتك؟ أترى أحد مشاعر جسمك أم قوة عقلك؟ وماذا يترتب عن هذا الإدراك للذات؟
ما نراهن عليه عند التفكير في هذه القضية هو أنه "ليتعلم الإنسان كيف يقوم بشكل صحيح الأرض والممالك والمدن ونفسه فان عليه العودة إلى نفسه وينظر ماهي عليه قياسا إلى الوجود".
أول ما يبحث المرء في هذه الدنيا هو عن نفسه محاولا جاهدا التفرد والتميز في هذا الوجود بالحصول على أنا وامتلاك شخصية مستقلة يسكن إليها وبناء ذات لها كامل درجات الشرف والسؤدد ، ويعرف الأنا بكونه الضمير المتكلم الفردي والمراد بها الإشارة إلى النفس ، وأيضا يمثل جانبا من الشخصية يتكون بالتدريج عبر اتصال الطفل بالعالم الخارجي ويمثل القطب الدفاعي للشخصية في الصراع مع الهو الذي يحركه مبدأ اللذة ومع العالم الخارجي الذي يحتكم إلى مبدأ الواقع.
من هذا المنطلق الأنا هو جهاز تكيفي ينطلق من الهو ويحتكم إلى العالم الخارجي وتعرفه نظرية التحليل النفسي عند فرويد على أنه نتيجة تقمص شخص محبوب تعلق به الهو ويسمى الأنا الأعلى وهو في الغالب مرتبط بالأنا الاجتماعي. وقد ذكر كانط في كتابه "الأنثربولجويا من وجهة نظر برغماتية" أن:"قدرة الإنسان على امتلاك الأنا في تمثله تسمو به غاية السمو فوق سائر الكائنات الحية الأخرى على وجه الأرض".
من البين إذن أن الكينونة الإنسانية انبثقت من صلب هذا الأنا وظهرت فكرة الذات كمقولة فلسفية أصيلة تدل على استكمال الطبيعة البشرية لتحققها على صعيد الوعي والحرية والارتقاء الوجودي،بالرغم من أن الذات كانت تعني جوهر كل شيء و يقال الذاتي لكل شيء ما يخصه ويميزه عن جميع ما عداه. الذات هي ما يقوم بنفسه ويقابله العرض وقيل ذات الشيء نفسه وعينه، وفي المنطق الذات هي الموضوع ويقابلها المحمول، وتطلق على الماهية بمعنى ما به الشيء هوهو ويراد بها حقيقة الشيء ووجوده العيني، ولذلك فهي تدل على النفس والجسم وهي أهم من الشخص الذي يمكن أن يتركز اهتمامه على نفسه ويقصي الآخرين فتظهر عنده الذات مركزية.
بيد أن الإجابة عن سؤال ترى من يكون الإنسان؟ يرتبط أساسا بإثبات الإنية، فما المقصود بهذا الأمر؟
الإنية عند الفلاسفة وخاصة في كتاب "التعريفات" للجرجاني "هي تحقق الوجود العيني من حيث مرتبته الذاتية"ونجد ابن سينا في كتاب الشفاء في الفصل الخاص بالمنطق ( المدخل 46.) يضبطها بالفصل النوعي بقوله:" فيكون كل لفظ ذاتي إما دالا على ماهية أعم وسمي جنسا وإما دالا على ماهية أخص وسمي نوعا وإما دالا على إنية وسمي فصلا" ويعنى ذلك كله أن الفصل كالناطق للإنسان هو الذي يدل على إنيته ومرتبته الذاتية بالنسبة إلى غيره من أنواع الحيوان وهو الذي يدل على تحقق وجوده العيني. لكن هل كل من يقول أنا قادر عل إثبات إنيته؟ وهل الوعي هو الطريق الملكي الوحيد لتحقيق الإنسانية في الإنسان؟ ألا يمكن أن تتعرض ملكة الوعي نفسها إلى عملية نقد ومراجعة جذرية؟
يمكن نقد ملكة الوعي بإبراز محدوديته على صعيد المعرفة والوجود وذلك بخلع الكوجيتو الديكارتي عن عرشه والتفطن إلى أن الذات ليست بديهية وقادرة على معرفة ذاتها بطريقة شفافة ومباشرة وأن الإنسان ليس بالضرورة يحدد كحيوان ناطق وإنما من سلالة عالم الحيوان وعرضة للتطور والأنا ليس متحكما في أقوالها وأفعالها وإنما هو خاضع للعبة الأهواء والجسد وتابع للتاريخ والمجتمع والثقافة التي يندرج فيها. من هنا كشفت الفلسفة المعاصرة مشكلة زيف الوعي وباعتباره زيفا وبينت أن الذات ليست فقط تتحرك فوق مسرح من الأوهام وإنما هي نفسها وهم خالص وذلك بعد أن تبين أن الوعي لا يمثل سوى القشرة الخارجية منها وتبعيته لللاوعي عند فرويد وللوجود الاجتماعي والاقتصادي عند ماركس وللغرائز واللغة عند نيتشه. فهل مازال للحديث عن الإنسان أشرف الكائنات معنى في ظل هذا التفكيك وهذه الرجة؟ وهل يستقيم تعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق ؟
إن تعريف الإنسان على أنه حيوان ناطق يثير عدة مفارقات ويوقعنا في عدة تناقضات ولا يقدم لا حدا جامعا مانعا للإنسان بل يصادر على المطلوب ويزيد المشكلة تعقيدا ويستدعينا إلى معرفة معنى الحيوان ومعنى النطق وهذه بدورها تستدعي عناصر أخرى لتحديد وهكذا ننساق إلى تسلسل لامتناه.
إن تعريف الإنسان على أنه حيوان عاقل يسقطنا في تصور إقصائي للجسم ويجعلنا ننفصل عن العالم ونسقط في الأنانة (الأناوحدية) ونتعمد شيطنة الآخر وصياغة خطاب تبجيلي افتخاري تجاه الذات.
عندئذ المطلوب هو الانطلاق من الإنسان كما يعيش في حياته اليومية وكما هو موجود في الواقع بوصف مختلف الأنشطة التي يقوم بها وفهم مختلف المكونات التي تتألف منها طبيعته على وجه المساواة وبعيدا عن تفضيل عنصر على آخر لاسيما وان العلاقة بين النفس والجسم هي علاقة اتصال ومخالطة ولكونهما يتكاملان في إثبات الإنية والارتقاء بالإنسان إلى درجة الوجود الأفضل.
إن الآدمية الكائن البشري تفد التعقل الوسطي بين البداهة الاعتقادية المحبذة والانزعاج الريبي المنفر وتعني أيضا قدرته على الاستجابة لنداء الوجود واستعماله لحريته في الدفاع عن غيريته واختلافه وصنع كيانه وتوجيه ذاته نحو خيره وسعادة الإنسانية في الدنيا والآخرة وتفيد كذلك قدرته على المساءلة والاستفهام والاعتراف بالتناهي والهشاشة والحاجة المستمرة إلى معرفة المصير الغامضة الذي يتربص بمستقبل الحياة على الأرض ولذلك فإنه يظل يبحث عن المطلق ويستشعر الكلي الآخر في الإلهي مرددا قولة باسكال الشهيرة التي ذكرها في خواطره : "أي موجود هو الإنسان ضمن الطبيعة في آخر المطاف؟ انه عدم بالنظر إلى اللامتناهي وانه كل شيء بالنظر إلى العدم، وانه توسط بين لاشيء وكل شيء"،. وما عسى الإنسان إلا أن يعبر عنها بشكل آخر حتى يلمح بعض مما يظهر وسط النور:ترى من أكون؟
كاتب فلسفي







#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصول المعاش وسياسة الأحوال عند الفارابي
- الشجاعة هي قوة الإرادة
- هيدجر والبحث عن أصالة الذات : من دكتاتورية الهم إلى تحليلية ...
- التناول الهرمينوطيقي للذات
- مطلب الغيرية بين الاستعصاء والاعتراف
- حروف السؤال عن الإنسان عند الفارابي
- الذهاب إلى المابعد
- الجزء الثاني من بحث ما لديكارت وما على الديكارتية
- نهاية الإنسانوية ومولد إنسانية الآخر
- مراجعة كتاب تجديد التفكير
- ما لديكارت وما علي الديكارتية
- الصداقة والتضامن عند هانس جورج غادامير
- تأملات لاديكارتية
- عولمة الأنفلونزا بين التخويف والاستثمار
- ماهي الآفاق التي تنفتح أمام الفلسفة عندما تتساءل عن الكلي؟
- المسألة الثقافية وضرورة التثقيف
- منزلة الحقيقة في العلوم
- السببية وأزمة الأسس في العلم
- حديث العقل
- التجديد المنهجي في التفسيرات القرآنية المعاصرة


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - من أنت أيها الإنسان؟