أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نارت اسماعيل - قصة قبرين














المزيد.....

قصة قبرين


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 2845 - 2009 / 12 / 1 - 18:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



القبر الأول موجود في المقبرة الاسلامية في مدينة برامتون قرب تورونتو
القبر الثاني موجود في مدينة Meaux قرب باريس

القبر الأول لا توجد عليه أية علامات محددة ولا شاهدة وغير مرتفع عن الأرض ولا يمكن التعرف عليه إلا بوجود لوحة صغيرة أبعادها حوالي 10× 5 سنتم ومكتوب عليها رقم 774 مجرد رقم، لا اسم المتوفي ولا تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته ، لاشيء
عليك أن تراجع سجلات إدارة المقبرة حتى تعرف من يسكن ذلك القبر الموحش، عليك أن تزيل الثلوج والحشائش الجافة حتى تستطيع رؤية تلك اللوحة الصغيرة

القبر الثاني مصمم بشكل جميل، أحجار رخامية وشاهدة كبيرة عليها صورة المتوفي ، صورة قديمة بالأبيض والأسود ضمن إطار زجاجي وتحت الصورة نقشت معلومات عن المتوفي وأبيات من الشعر

في يوم 10 ديسمبر عام 2007 أقنع شاب أخته ذات الستة عشر عامآ أن تعود الى البيت الذي كانت قد هربت منه خوفآ على حياتها وهناك كان والدها ينتظرها لكي يخنقها بوحشية ويسلبها حياتها
هل تذكرونها؟ إنها أقصى برويز، شهيدة الحجاب الحقيقية، فتاة بعمر الزهور من أسرة باكستانية مهاجرة الى كندا، كانت على علاقة متوترة مع أهلها لأنها رفضت ارتداء الحجاب وكانت في الفترة الأخيرة من حياتها تتنقل بين بيوت صديقاتها والملاجئ، كانت تقول لزميلاتها أنها تريد أن تعيش مثل بقية الناس وأن ترتدي ملابس طبيعية
حادثة موتها هزت كندا وحركت الرأي العام وتجمع عدد كبير من الناس من أصدقاء المدرسة وأناس آخرين قرب المركز الاسلامي في ميسيساغا قرب تورونتو ليشاركوا بتشييعها وتوديعها ولكن الأهل أصروا عل دفنها بجنازة عائلية محدودة ودفنوها بقبر لا يحمل اسمها، فقط يحمل رقم 774
بعض الناس من الناشطين جمعوا مبلغآ من المال وعملوا شاهدة لكي يضعوها على قبرها ولكن الأهل رفضوا ذلك ومازالت أقصى تصارع لكي يكون لها مكان مكتوب عليه اسمها وليس مجرد رقم ، كثيرآ ما نجد بعض الورود بجانب اللوحة 774 من صديقاتها المخلصات

في عام 2000 كنت أجري دورة تدريبية في مدينة Meaux قرب باريس وكان من عادتي أن أمشي في أزقة وشوارع هذه المدينة الصغيرة الوادعة، في إحدى المرات كنت أمر بقرب المقبرة فشدني فضولي للدخول والتجول في أرجاء المقبرة ولاحظت أن القبور القريبة من الشارع الرئيسي جديدة وكلما تعمقنا في الداخل تصبح القبور قديمة أكثر وتظهر عليها علامات التآكل بفعل الزمن
لاحظت مدى إهتمام الناس بقبور ذويهم ووجود أزهار جديدة حتى على قبور قديمة جدآ وأكثر ما استوقفني قبر يعود الى عام 1942 وهو قبر جميل مع أنه قديم والشاهدة عليها صورة لشاب قتل في الحرب وتحتها نقشت بعض الأبيات التي كتبتها زوجته، عندما قرأت تلك الكلمات اغرورقت عيناي بالدموع تأثرآ من رقة الكلمات، لم أعد أذكرها الآن ولكنها قريبة من الكلمات التالية :
كم كنت جميلآ كم كنت رقيقآ كم كنت تهتم بي كم كنت أحبك .....
زوجتك المحبة
ما أريد قوله من هذه المقارنة بين القبرين هو إظهار الفرق الكبير في تعاطي الناس مع موتاهم، والفرق الكبير بمكانة الميت وكرامته وطريقة توديعه من مجتمع لآخر
كنت أعمل في مكة في فترة من الفترات، رأيت رجالآ خارجين من المسجد حاملين ميتآ على لوح من الخشب ملفوفآ ببطانية وكانوا يركضون به ويكاد الميت أن يسقط على الأرض من الاهتزاز، كانوا كمن يحمل فطيسة يريدون التخلص منها بأسرع وقت ويكاد الميت يصرخ بهم : شوي شوي يا بجم
إنهم يطبقون تعاليم دينهم التي تقول أن إكرام الميت التعجيل بدفنه
ماهذا التوحش وهذه القسوة؟ كيف يتوحش الإنسان ويتجرد من أحاسيسه هكذا؟ ألا يعني دفن الميت بشكل لائق وفي قبر جميل وزيارته من وقت لآخر ووضع بعض الزهور شيئآ ؟
صحيح أن الميت لن يشعر بهذه الأشياء ولكننا نفعل ذلك من أجلنا نحن، من خلالها نثبت أننا نحس ونشعر ونقدر ، نعبر عن مستوى رقينا وتحضرنا، إنها أشياء رمزية بسيطة تميز الانسان المتحضر عن الهمجي
إنها مثل تقديم وردة لزوجتنا
مثل رؤية وجه الحبيب على سطح القمر
مثل الوقوف دقيقة صمت إكرامآ لإنسان مات من أجل وطنه أو من أجل قضية سامية
هناك أسئلة لا يمكن للمرء إلا أن يثيرها
لماذا لم يسمح أهل أقصى برويز بإقامة جنازة لائقة لها والسماح للناس الآخرين بالمشاركة بتوديعها؟
هل كانوا يخجلون من طقوس دفنهم المقتصرة على الرجال؟
هل كانوا يخشون إذا دخلت النساء مقبرتهم أن تتحرك شهوة موتاهم الرجال؟
هل كانوا يخافون أن يدنس ( الكفار) مقبرتهم الاسلامية (الطاهرة) ويقلقوا أرواح الأموات المسلمين (الطاهرين)؟
هل كانوا يخجلون أن يشاهد ( الغير ) كيف يقرأ الشيخ على الميت آيات مرعبة مخيفة وينصحه ويعطيه الأجوبة على الأسئلة التي سيسألها أنكر ونكير ؟
ما أقبح هذا الثوب المهترئ الذي ألبسونا إياه منذ صغرنا
إنني أخجل من نفسي لأنني مسلم ، هذا هو شعوري بكل صدق
لننزع هذا الرداء المهترئ القادم من الصحراء والذي يجعلنا نخجل من أنفسنا

ملاحظة: يمكنكم مشاهدة صور لقبر أقصى برويز على الرابط التالي :
http://atlasshrugs2000.typepad.com/atlas_shrugs/2008/12/aqsa-parvezs-gr.html






#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخنساء والشهداء الأربعة حقيقة أم خيال؟
- يوم الحساب ودفتر بوزقندة
- يوميات أبو أحمد في الجنة
- أعلنكما زوجآ وزوجة، بامكانك أن تنكحها الآن


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نارت اسماعيل - قصة قبرين