أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - دكتور عالم أم شيخ مفتي؟!!















المزيد.....


دكتور عالم أم شيخ مفتي؟!!


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 14:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الحقيقة، لم يسبق لي أن تناولت أي موضوع يمس أي دين من الأديان, ولم أكن أريد ذلك حقاً لأنني أظن بصراحة أن قراءة واستيعاب شطر واحد من كتابات وأفكار نيتشه أو فوكو أو فرويد أو فتغنشتاين يعادل كل ما ورد في كتب التراث التي تتخم مكتباتنا العربية، ولا أحب أن أضيع وقت قرائتي الذي أعتبره مقدساً على خزعبلات وتهويدات أبو هريرة وتلميذه البخاري وأمثالهم، بينما نرى مكتباتنا تفتقر للكتب العلمية والمجلات التي تتحدث عن أحدث النظريات العلمية والاجتماعية والاقتصادية علنا نلحق بعض الشيء بركب الحضارة ونرتقي إلى رتبة البشر المتحضرين، إلا أنّ الفرد الباحث سيلاحظ بدلاً من ذلك كم السفاسف والتفاهات التي تملأ تلك الكتب التي أكل عليها الزمان وشرب، والمشكلة أننا ما زلنا نعتقد أن الغرب يستميت لكي يحصل على كتبنا ليستقي منها علومه وفلسفاته وأفكاره.
إلا أن المناسبة التي دعتني لكتابة هذا المقال فهو مقالة كنت قد قرأتها في مجلة من المفترض أنها مجلة علمية محترمة "مجلة الخيال العلمي" الصادرة في سوريا، إذ ورد فيها مقال بعنوان "الأنفاق الكونية" (العدد الرابع، تشرين الثاني 2008) بقلم (الدكتور) مخلص عبد الكريم الريس: أستاذ في الفيزياء، جامعة دمشق [هكذا] إلا أنه في نهاية هذا المقال لم أفهم ما إذا كان هذا الدكتور هو "دكتور" حقاً أم شيخ مكانه الجامع بدلاً من أن يكون في ذلك الحرم المقدّس الذي ينبغي أن يكون منارة العلم والتقدم، بعيداً عن كل الاعتبارات الأخرى، عدا الحقيقة.
لقد فوجئت حقاً مما ورد في هذه المقالة من عبارات تعكس خلفية الكاتب الدينية، حيث أنه قام بربط كل فكرة علمية في مقالته بالله أو بآية من القرآن وذلك محاولة يائسة لإثبات أكذوبة الإعجاز العلمي في القرآن التي بدأها الشختور [شيخ- دكتور] زغلول النجار زعيم أو شيخ عصابة بازار الإعجاز العلمي، ومازال يصم آذاننا باكتشافاته الذرية والجينية حتى هذا اليوم، والتبجح بتلك العلوم التي خطفها الغرب منا، وصار يحاربنا بها: علوم الاستنجاء والاستجمار والدواء والداء على جناحي الذبابة _ومع أنه قفع طبلتي أذنينا بنظرية الخطيرة هذه, إلا أنه لم يحدد أي من الجناحين يحمل الجراثيم، وأيهما يحمل الدواء. ولا ننسى أيضاً علوم الضراط والفساء ومتى يكون إطلاق الريح مفسداً للوضوء والصلاة، ومتى يكون غير مفسداً.
ألم يتمكن العلماء الإسلاميين من التمييز والتفريق بين الفسوة والضرطة والجشوة وفك شيفرتها بعد أن عجز علماء الغرب وباحثوه الكفرة عن ذلك. لننظر في كتاب ابن حزم الأندلسي "إعلام الموقعين عن رب العالمين" حيث يوضح الفرق بين الريحين في إجابته عن هذه المسألة ((وفرّق بين الرّيح الخارجة من الدبر وبين الجشوة فأوجب الوضوء من هذه دون هذه، فهذا أيضًا من محاسن هذه الشريعة وكمالها… والجشاء من جنس العطاس الذي هو ريح تحتبس في الدّماغ ثم تطلب لها منفذًا فتخرج من الخياشيم فيحدث العطاس. وكذلك الجشاء، ريحٌ تحتبس فوق المعدة فتطلب الصعود، بخلاف الريح التي تحتبسُ تحت المعدة. ومن سَوّى بين الجشوة والضرطة في الوصف والحكم فهو فاسد العقل والحسّ {ابن حزم، ج2، ص107- 108})) [انتهى]
أما علوم الحيض والرجس والنكاح فحدث عنها ولا حرج، فقد أفرد جهابذة الدين وفقهاءه آلاف المؤلفات تشرح فيه وتفصله، وأعطوني أي فرع من العلوم الغربية تمكن علمائه من تأليف أكثر من بضعة كتب فيه. ألم يخرج إلينا الإمام والعالم النحرير جلال الدين السيوطي بكتابه القنبلة "نواظر الأيك في فوائد النيك" وأتحفنا بأقواله وتنظيراته الفذة.
...............................
المهم، وكي لا نخرج عن الموضوع، أعود على مقالة الدكتور الفيزيائي الذي أتحفنا بمقالته التي تشرح الأنفاق الكونية وبعض مفاهيم الفيزياء العالية، مستشهداً ببعض الآيات القرآنية التي ستكسبه مصداقية وشهرة أكبر لدى الناس.
يقول العالم الفيزيائي (( ....وعلى هذا تكون اللمحة الزمنية حسب رأي العالم ستيفن هاوكينغ بأنها الزمن الذي احتاجه الكون كي يعبر نفقاً كونياً وصل بين عالم العدم المتناظر اللامتناهي وعالم الوجود المادي الرباعي الأبعاد (طبعاً، كل ذلك تم بأمر الله) ..)) [انتهى]
هنا يقدم لنا العالم شرحاً عن قضية فيزيائية علمية عالية وبالغة التعقيد، حللها العلماء وشرحوها من خلال آلاف المعادلات الفيزيائية المعقدة، أما العالم هنا فقد ختم شرحه بمقولة "طبعاً، كل ذلك تم بأمر الله". وكلمة "طبعاً" هنا تحمل معنى اليقين والتأكيد، وبأن هذا العالم متيقن من أطروحته يقيناً مطلقاً، والعالم الحقيقي لا يؤكد شيئاً من أقواله لأن العلم متغير وفي سيرورة دائمة، قد تظهر نظريات وتنهار أخرى كنا متأكدين من صلاحيتها.
..............................
يقول الفيلسوف كارل بوبر " قيمة أي نظرية علمية هي قابليتها للتكذيب"
ماذا لو جاء اليوم الذي نفى فيه العلم هذه الفرضية واستبدلها بأخرى مناقضة لها تماماً فهل سيكون لتأكيده هذا الذي راهن فيه على القدرة الإلهية أي معنى أو قيمة.
في مكان آخر يشرح العالم فكرة استعارة الجسيمات مقداراً معيناً من الطاقة لكي تقوم بقفزتها الكمومية، وهذه العملية تعد من أساسيات وجوهريات نظرية الكم فيقول موضحاً طريقة وسرعة انتقال الجسيم ((... مثل اندفاع جمل هائج بسرعة كبيرة ليعبر سمّ إبرة المخيط)) [انتهى]. هل يحاول هنا إثبات إيمانه بقدرة الله بأنه قادر على كل شيء حتى بإمكانه تمرير جمل من سمّ إبرة... هل يحاول إقناعنا بمرور جمل من سمّ الإبرة بطريقة علمية.
حسناًُ، هنا أقول: لن تستمر أمة بالوجود وهي تؤمن بكل قواها العقلية أنه يمكن تمرير جمل من سمّ إبرة، ولو كان الله بنفسه.
وبعد أن يتحدّث باقتضاب واختصار عن مسألة الانتقال بين نقطتين محددتين في الكون والعودة إلى نقطة الانطلاق (( قبل أن يبرد موضعه _المسافر_ الذي كان جالساً عليه في دنياه))[انتهى] يتساءل متفكراً عله يثير في نفوس القراء الرغبة بالتفكر والتأمل فيقول ((فكيف ينكر بعض من دعاة العلم معجزات الأنبياء ويقول أنها غير صحيحة أو غير منطقية وها هي علوم اليوم تكشف أسراراً لم يكن يحلم بها الإنسان؟!!!)) [انتهى]
بالله عليك يا دكتور... علوم اليوم أصبحت تثبت معجزات وخوارق الأنبياء والأولياء؟!!!. وماذا عن كل ذلك الجدل والصراع القائم بين العلم والدين، والذي يشهد أشرس معاركه في الوقت الحالي. هل دعمت نظرية التطور شيئاَ من الدين أم أنها ناقضته تماماً؟... هل أيد العلم العلاج ببول الإبل والحبة السوداء والذبابة، أم أن الطب قد تطور إلى مرحلة العلاج الجيني والخلايا الجذعية!!...
يقول الدكتور في موضع آخر من مقالته ((كم هي راقية وشفافة علوم الفيزياء وكم فيها من سحر ومفاجئات وعجائب وتفسيرات مثيرة مدهشة تثلج الصدور؟!!! الله لطيف... لكنه شديد المحال)) [انتهى]
ما علاقة قوانين الفيزياء ومفاجئاتها بلطف الله وشدة (محاله)؟!!! لم أفهم هنا سوى أن الدكتور يقوم بدور المفتي الذي يمد إصبعه أمام وجوهنا ويهزها تحذيراً من غضب الله، وهو شديد العقاب... أو _عفواً_ المحال.
يتابع العالم ((والغريب في الموضوع أن أفلام الخيال العلمي الغربية الحديثة تتضمن الكثير عن تلك الأنفاق الكونية، والأكثر دهشة أنها مذكورة بطريقة إعجازية في القرآن الكريم في سورة الذاريات الآية 7: (وَالسّمَاءُ ذَاتَ الحُبُك). والحبك كما جاء في التفسير هي الأنفاق والممرات الكونية.)) [انتهى]
ومن دون أن يذكر لنا العالم اسم التفسير الذي ورد فيه هذا المعنى. فهل جاء بهذا التفسير جراء ثقافة شفوية التقطها من أحد ما، أم أن ذلك التفسير نتاج بحوثه وعلومه الإعجازية.
طبعاً إذا رجعنا إلى أشهر التفاسير _وبغض النظر عن أن هذه الأنفاق والممرات الكونية ما زالت مسائل نظرية ورياضية بحتة، ولم يظهر أي دليل علمي مؤكد وصارم على وجودها_ وأكثرها اعتماداً فلن نرى أي إشارة إلى أن معنى كلمة (حبك) هي الأنفاق والممرات الكونية.
فإذا عدنا إلى معجم لسان العرب، وفتحنا على مادة "نسج" ((... ومن المجاز، الريح تنسج رسم الدار، والتراب والرمل والماء إذا ضربته فانتسجت له طرائق كالحبك... وحكت الثوب أي أحكمت نسجه)) [لسان العرب]
نفهم من هذا أنّ معنى (الحبك): النسيج المحكم وليس الممرات أو الأنفاق الكونية.
• تفسير الجلالين: الحبك، جمع حبيكة كطريقة أو طرق أي صاحبة الطرق في الخلقة كالطريق في الرمل.
• وجاء في تفسير ابن كثير: السماء ذات الحبك، أي ذات البهاء والجمال والحسن والاستواء. وقال الحسن بن أبي الحسن المصري: ذات الحبك، أي حبكت بالنجوم. وعن أبي صالح: ذات الحبك، الشدة.
• أما تفسير القرطبي: فقد أورد عدّة تفسيرات وردت من مصادر متعدد هي:
ذات الخلق الحسن والسوي، ذات الزينة، ذات النجوم، ذات الشدة، ذات الصفاقة.
• وأخيراً يورد الطبري أقوال كافة صحابة محمد والمقربين إليه، إلا أنه لم يذكر أحد فيهم أن معنى الحبك هي الأنفاق الكونية _هذا إن كانوا يعرفون ما هي_ بل تجمع أقوالهم على معنى الحلق الحسن، أو الزينة، أو الحبك المتقن.
إذن، هذا التفسير جاء به العالم من عنده وابتدعه _فكل جديد بدعة، وكل بدعة ضلالة_ ولم يرد ذكره في أي من المرجعيات والتفاسير القديمة، فالإنسان دائماً يتصور ويتخيل ما يرغب به ويتمناه، حتى وإنّ كان بعيداً كل البعد عن الحقيقة.

يتابع الدكتور كلامه ((... وعدد الممرات التي ذكرت فيها أبواب السماوات والمعارج في القرآن كثيرة جداً {سُقُفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون} [الزخرف 43] {من الله ذي المعارج} [المعارج 70]... إذ يذكر أبواب السماء والبرزخ وصعود الملائكة ودخولهم للكون في لمحات، بل وبشكل آني وباستمرار، وكذلك حادثتي الإسراء والمعراج لنبينا محمد (ص) وصعود السيد المسيح وهو حي إلى للسماء، وكذكلك وصول الأوامر الإلهية من خلق وتصريف لمجريات الأمور وتسيير شؤون القدر... وإحياء وبعث الأموات وقيامها آخر الزمن، وأن تلك النهايات سوف تحدث لا محالة وبمنتهى السهولة والعلم يقر بذلك بعد اكتشافه لتلك الحقائق)) [انتهى]
ما الذي أقره العلم، أية حقائق؟؟ الإسراء والمعراج والصعود؟
إذا كان العالم يقصد بالعلم علوم رجال الدين والفقهاء، فهم يثبتون ذلك ويبصمون بالعشرة، أما العلم بمعناه الصارم والحقيقي الذي أعرفه, فهو لم يثبت أي من تلك [الحقائق!!]. فقد أصبح من البديهي أن رحلة الإسراء لم تحدث، إذ أن العالم لم يعرف بعد أن المسجد الأقصى الذي أسرى إليه محمد لم يكن موجوداً في ذلك الوقت، بل بني بعد ذلك بفترة طويلة، وقد أثبتت الدراسات المقارنة أن سورة الإسراء قد أقحمت في القرآن في وقت لاحق على يد الحجاج، ولم ينطق بها محمد. كما أنه بات من المعروف أن جميع هذه القصص والأساطير ما هي إلا شطحات توراتية اقتبسها المسيحيون والمسلمون والأوائل عن التراث اليهودي _ومن قبله التراث الفارسي واليوناني وحضارات بلاد الرافدين وشعوب شبه الجزيرة_ مع تغيير بعض الأسماء.
................................
يتابع الدكتور محاضرته العلمية الثمينة والغنية بالمعلومات إذ يقول ((ولعل حجر رشيد الذي كشف سر تركيب جسم الإنسان أنه ليس أرضياً بحتاً هو شظية صخرة مريخية انفصلت عن سطح المريخ نتيجة حدوث صدم كارثي بين جسم سماوي وسطح المريخ وبقي هذا الحجر يدور في الفضاء نحو ستة عشر مليون سنة، وأخيراً ارتطم بالأرض وحط رحاله على سطحها قبل نحو ثلاثة عشر ألف سنة، وبقي محفوظاً في الجليد دون أن يتعرض عوامل التعرية، وبالدراسة والتحاليل الفائقة الدقة اكتشف فيه وجود بقايا أحياء دقيقة وهذا فتح ملف تاريخ الحياة في المجموعة الشمسية.)) [انتهى]
الأمر الغريب هنا هو أن الدكتور لم يحاول معرفة ولو معلومات صغيرة عن الأفكار التي أوردها في مقالته هذه، فوقع في الخطأ _وغلطة العالم بألف، أم أني مخطئ_. حجر رشيد الذي يقول عنه أنه هو الذي كشف أسرار الجسم البشري، لم له أية علاقة بذلك. فحجر رشيد Rosetta هو حجر بركاني أسود عثر عليه من قبل جنود فنود فرنسيين في وادي النيل بمنطقة رشيد في مصر، ويعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد عليه، قام بدراسته العالم الفرنسي جان فرانسيس تشامبليون عام 1824، يحمل على أحد الوجوه كتابات هيروغليفية أو الكتابة المصرية القديمة المقدسة يحيه مباشرةً يحمل الأحرف الأبجدية اليونانية، وحصل ذلك بمناسبة احتفال تكريمي للفرعون بطليموس بعد تنصيبه، لذلك فقد دون نص الحجر باللغة الهيروغليفية ثم نسخة تحت النص الأصلي باللغة الإغريقية، وقد استخدمه العالم الفرنسي في تحليل وفك طلاسم الكتابة الهيروغليفية المصرية. ولم يثبت أن الحجر مريخي أو زحلي أو أي شيء آخر أو أنه يحمل أسرار الجسم البشري، فهو حجر بركاني يعتبر بمثابة قاموس أو معجم قديم، لولاه لما تمكنا من فك أسرار اللغة المصرية القديمة والتعرف على ثقافة الفراعنة. أما بشأن أنه كان محفوظاً في الجليد أو أنه يحتوي على كائنات دقيقة من المريخ، فتلك حجة ضعيفة ومرود عليها، فإذا كان في الجليد فكيف وصل إلى مصر؟ ثم إن عملية انحفاظ الحيوانات الدقيقة ضمن صخور وأحجار هي حالة معروفة جداً في الطبيعة، ويمكن مشاهدتها في الأحافير المستخرجة لبعض الكائنات الحية التي كانت موجودة في الماضي. بالإضافة إلى أن هناك كائنات دقيقة مجهرية بإمكانها العيش في أقسى البيئات وحتى لو كانت بركانية، وتمت مشاهدة هذه الكائنات في قيعان المحيطات حيث أنها تعيش على فوهات البراكين الثائرة تحت سطح الماء، ويمكنها احتمال درجات الحرارة العالية جداً، وهي لا تحتاج إلى الأكسجين في تنفسها وإنتاج غذائها، بل تعتمد على غاز الكبريت الخارج مع الصهارة. ومن المحتمل أنه أثناء ثورة أحد البراكين انجرفت بعض تلك الكائنات مع الماغما، ثم تحجرت داخلها بعد برودتها وتصلبها.
ما أقوله هنا هو أني لا أنفي وجود حياة عاقلة أو غير عاقلة على الكواكب الأخرى، فأنا من أنصار هذه الرؤية، إنما أقول أن تفسير وجود كائنات دقيقة داخل حجر رشيد هو حدث بركاني وقع في مكان ما قريب، وبأن تلك الكائنات أرضية وليست مريخية أو فضائية غريبة.
أما إذا كان الدكتور يقصد من قوله ((لهذا يعتقد العلماء أن العناصر الأولى لبذور الحياة ربما لم تنشأ على الأرض بل ربما خلقت قبلاً بأمر الله في عوالم أخرى. ثم انتقلت للأرض عبر أنفاق كونية متتالية، وفي أزمنة موغلة في القدم. وأخيراً حط رحالها على سطح الأرض ذات البيئة الأكثر ملاءمة وترحباً للحياة حيث تكاملت عناصر تكوينها)) [انتهى]. إذا كان بقصد هنا نظرية البذور الكونية الموجهة، أو البانسبيرميا Panspermia، فهذه النظرية لم يثبت صحتها بعد، إلا أن هناك بعض العلماء الذين يؤمنون بها، أو يأخذونها بعين الاعتبار. وسأتناول هذه النظرية في مقالة منفردة لاحقاً.
..............................
ثم يستمر الدكتور في خيالاته ((... ومن هنا كان اعتقاد العلماء بأن كوكب المريخ كان الكوكب الأخير الذي استضاف الإنسان قبل وصوله الأرض وحلوله على سطحها بعدما هبط آدم وحواء من الجنة عبر أنفاق كونية.. أو بانبثاق دقائق عضويتهما من أنفاق كونية .. ثم حدثت النشأة من أديم الكون هنا على الأرض... والله أعلم.)) [انتهى]
إذن نلاحظ هنا أن الدكتور يؤمن بهبوط آدم وحواء من السماء إلى الأرض _أو حسب قوله أنهما هبطا على أحد كواكب المجموعة الشمسية ثم انتقل نسلهما بين كواكبها حتى استقر في النهاية على سطح الأرض_ وأريد هنا أن أسأله: ألم يسمع الدكتور بعملية التطور، ثم إذا كان الإنسان قد جاء إلى الأرض من المريخ منذ أقدم العصور فهذا يعني أنه قادر على السفر الطويل في الفضاء، فلماذا لم يرجع إليه حتى الآن، وأين هي تلك التكنولوجيا التي أوصلتنا إلى الأرض، إلا ينبغي أن نكون قادرين على الرجوع إلى موطننا الأصلي منذ أمد بعيد، فلماذا لم يصعد الإنسان إلى سطح القمر إلا مؤخراً؟ هذا إن كان الدكتور يؤمن بهبوط الإنسان على سطح القمر، لأن هنا الكثير من الناس الذين لا يؤمنون.
وما شد انتباهي هنا أن الدكتور استخدم عبارة _الله أعلم_ ومدى الشبه بين عبارته والعبارات التي يستخدمها رجال الدين في خطبهم وتفاسيرهم الخيالية، وإذا أردت الدليل عزيزي القارئ، افتح أي كتاب ديني ستجد هذه العبارة فيه. من إذن كتب هذه المقالة: هل هو رجل دين أم عالم من المفترض أنه يدرس الأجيال القادمة أسس العلم ومبادئه؟
..............................
ما أريد قوله أخيراً هو أن الدكتور العالم قد خالف في مقالته هذه كافة أسس وأساليب البحث العلمي الموضوعي، وأرجع جميع العلل والظواهر على سبب غيبي مفارق غير قابل للإدراك أو الفحص، وغير كافٍ لتفسير تلك الظواهر، حيث أنه قد اكتفى بالاقتناع واليقين بذلك السبب، وهذا يخالف الطريقة العلمية الصارمة في البحث والملاحظة ووضع الفرضيات، ثم محاولة تكذيبها للخروج منها بنظريات وقوانين فيزيائية أكثر ثباتاً وتماسكاً من الفرضيات الأولية.
ولكن، ما لنا وما للرجل، أليس كل إنسان حر باعتقاداته وأفكاره؟... ثم ألم يشجع الإسلام على العلم والبحث العلمي؟ ألم يقل محمد أن العلماء هم ورثة الأنبياء؟ ألا يقول الله في كتابه { إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ } [فاطر 27]؟...
على الرغم من الارتباك واللغط اللغوي في هذه الآية إلا أن كافة التفاسير تجمع أن المقصود بالعلماء هم أولئك الدين يعرفون أنه قدير على كل شيء وأنه واحد لا شريك الله [وأنه قادر على تمرير جمل من سم إبرة المخيط]... أما الذين قاموا بالقضاء على الأمراض والأوبئة، وشيدوا الصروح الجامعات، وأنزلوا الإنسان على سطح القمر، واخترعوا الآليات والسيارات والطائرات التي تنقل الإنسان من مكان على آخر بوقت قصير بدل أن يركب الدابة أو الجمل، والذين يفتتون الذرات والنوى ويفكون شيفرة المادة الوراثية، فطالما أنهم لا يعرفون أن الله مطلق القدرة وأنه قادر على أن ينسف الجبال نسفاً، فأولئك ليسوا بعلماء.
وبما أن القرآن عندما جُمع لم تكن هناك علامات ترقيم وإعراب، ربما كانت الآية الصحيحة (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ) أي أن الله يخاف من العلماء لأن العلماء الشرعيين هم الذين استغلوا الدين لإرضاء السلاطين وتاجروا به وجمعوا الأموال الطائلة، ولذلك يخشى اللهُ العلماء. أما العلماء الحقيقيون فلا يؤمنون بإله في السماء. فالعالم الإنكليزي واطسون الذي فك شيفرة المادة الوراثية DNA قال عندما سألوه إن كان يعرف أي علماء يؤمنون بالله، قال (لا أحد). وزميله كريك الذي اشترك معه في الاكتشاف، استقال من عضوية جامعة كمبريدج لأن إدارة الجامعة كانت قد قررت بناء كنيسة صغيرة داخل الحرم الجامعي.
يقول العالم الإنكليزي ريتشارد دويكنز عندما أجرى بحثاً عن العلماء الحائزين على جائزة نوبل للعلوم، وجد ستة فقط يؤمنون بإله في السماء من بين مئات العلماء [أضلولة الإله: ص 100] فالعلم والدين نقيضان لا يجتمعان يا حضرة الشيخ الدكتور.
ختاماً، لقد قلت سابقاً أني لم أتناول الدين أو أي موضوع له علاقة بالدين من قريب أو من بعيد، كما أني قلت بأني لا أرغب بذلك حقاً. إلا أن هناك بعض الأمور التي لا يمكن السكوت عنها وتجاهلها. لأنها تعيث فساداً في عقول الأجيال القادمة، والثمن سيكون باهظاً في النهاية.
ليس هنا شيء آخر يذكر في باقي المقالة سوى أن الدكتور يغرق في خيالاته وشطحاته عن مثلث برمودا وتفسيراته الغيبية لتلك الظواهر، حيث أنه يقول في ختام مقالته ((وطبعاً لم يتمكن أحد من البشر إلى الآن من الاستفادة من هذه الظواهر عدا الأنبياء قديماً)) [انتهى]
فهنيئاً لهذه الأمة أنبيائها... وليذهب العقل مع ألف سلامة.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الأولى)
- أوديب: بطل على مفترق طرق
- الشواش: العلم الجديد
- سيكولوجية الخضوع 2
- سيكولوجية الخضوع والطاعة (1/2)


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - دكتور عالم أم شيخ مفتي؟!!