أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل علي صالح - من تداعيات أحداث 11 أيلول 2001 م العرب بين مطلب النهوض الحضاري وأزمة نظم الحكم وثقافة العصبية السائدة















المزيد.....


من تداعيات أحداث 11 أيلول 2001 م العرب بين مطلب النهوض الحضاري وأزمة نظم الحكم وثقافة العصبية السائدة


نبيل علي صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2773 - 2009 / 9 / 18 - 18:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


    تتراءى أمامي الآن –وأنا أكتب هذه الكلمات في الذكرى الثامنة لأحداث 11 أيلول 2001م– مجموعة من الصور السريعة المتعلقة بمجمل الأحداث السياسية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالعالم منذ ما جرى في ذلك اليوم العاصف، عندما تلاحقت تلك الوقائع بصورة دراماتيكية لتلهب العالم كله، ممتدةً في دوائرها وتأثيراتها السلبية على أكثر من مستوى في هذا الموقع أو ذاك.
في هذه الدراسة المقتضبة سنحاول تسليط الضوء الفكري على الأسباب الذاتية الكامنة وراء قيام شبان عرب مسلمون بتدبير وتنفيذ تلك الحادثة.. ونحن لن ندخل في سجال سياسي لتحميل الولايات المتحدة مسؤولية ما عن تلك الأحداث.. فكلنا يعلم بأن أمريكا تتدخل في شؤون العالم كله، مستفيدةً من قوتها وجبروتها الاقتصادي والعسكري والسياسي لفرض سياساتها على العالم بأجمعه.. وهي تمارس سياسات فوقية تسلطية بحقنا جميعاً (عرباً وغير عرب)، وهي سياسات مدانة ومستنكرة، ولها دور أساسي في زيادة الشرخ بين العوالم الدولية، وفي نشوء ردود أفعال غاضبة وسياسات عنفية مضادة في أكثر من موقع عربي أو دولي.. وإن كان من الأجدر بنا أن نواجهها بالعقل والعلم والمعرفة وتفعيل وجودنا الحضاري، وعدم تهيئة الأجواء والمواقع العربية الداخلية لها، لتعميق جراحنا ومآسينا ومعاناتنا، وزيادة حجم تدخلها المباشر وغير المباشر في كثير من شؤوننا السياسية وغير السياسية.. طبعاً هذا الواقع كله الذي فرضته أمريكا –والغرب عموماً- يشكل جزءاً أساسياً من المشكلة القائمة، لا تكتمل الصورة الفكرية التحليلية إلا بالإشارة إليه، منعاً (للالتباس!) لدى الكثير من نخبنا ومفكرينا ومواطنينا..
ولكننا من جهة أخرى نجد أنفسنا ملزمين تماماً (كعرب ومسلمين) –في كل ما حدث من تحولات ومتغيرات مترافقة وناتجة عن تلك الحادثة– أن نقف، ونهدأ، ونتأمل قليلاً بحثاً عن حقائق الأمور وبواطن الأشياء، ونتساءل عن جملة الأسباب الداخلية (الذاتية) –قبل الأسباب الخارجية الموضوعية[1]- الكامنة في داخل نسيجنا الاجتماعي والديني والسياسي التي تكرس وتثبّت -يوماً بعد يوم– وجود بنى ومظاهر وتشكيلات العنف الداخلي المتعددة، وتقوي مواقعه وامتداداته الدولية المنتشرة هنا وهناك؟! ولنكن أكثر دقة وموضوعية في طرحنا لسؤالنا السابق الذي قد يقول البعض بأنه نوع من جلد الذات وطلب الغفران، وهو ليس كذلك بالتأكيد، بل هو سؤال نقدي بامتياز ومحاولة بحث وتقصي معرفي عن أسباب حدوث تلك الواقعة الدامية عندنا قبل غيرنا:
ألسنا مسؤولين -بصورة مباشرة أو غير مباشرة– عن صنع العنف وتأصيل عقلية التعصب، وإنتاجه وتطويره وحتى تصدير بعضه (أو كثيره) للآخرين؟!.
ألا تتحمل النخب السياسية العربية والإسلامية المثقفة في السلطة والمعارضة -من اليمين واليسار على حد سواء- المسؤولية الذاتية المباشرة عن تطور (وتزايد وتضخم) الحجم المادي والكيفي للتيارات (والقوى والنخب) السياسية ذات التوجه الأصولي في داخل بلداننا ومجتمعاتنا؟!.
إننا نجزم هنا بأن كثيراً من النخب والنظم السياسية والفكرية العربية القائمة في عالمنا العربي والإسلامي عموماً تتحمل نسباً ومقادير نفسية ومادية عالية عن نمو بذور العنف الداخلي، وامتداده إلى مواقع الآخرين. ويبدو لنا أن لهذه النتيجة الحاسمة -التي وقفنا عليها هنا- مقدمات أساسية ارتُكز عليها للوصول إلى النتيجة الحاسمة السابقة.. فما هي هذه المقدمات؟!..
 لا شك بأن هناك معاناة حقيقية شاملة، وتخلف سياسي واجتماعي عام يلف واقع العرب والمسلمين. ويظهر أمامنا حالياً كنتيجة طبيعية للسياسات العقيمة والفاشلة التي اتبعتها الحكومات والإدارات السياسية العربية –في كل مواقعها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية– منذ بداية عهود الاستقلال الشكلي عن الاستعمار الغربي وحتى الآن، والتي أدت إلى إلحاق الضرر والخراب الكبير بحق أفراد مجتمعاتنا، وبحق ثرواتهم ومواردهم الطبيعية الهائلة التي أضحت في حالة يرثى لها نتيجة العشوائية وعدم التخطيط، وكذلك نتيجة النهب والفساد.
ومن المعروف –بالنسبة إلينا جميعاً– أنه لا توجد (في معظم البلدان العربية والإسلامية) حياةٌ ولا مظاهر سياسية حقيقية تقوم على احترام رأي الفرد-المواطن كأساس لبناء المجتمع الحي الحر والمسؤول، الأمر الذي يدفع تلك المجتمعات باتجاه سلوك طرق (واتباع وسائل) غير سلمية للتعبير عن حقوقهم ومعتقداتهم وآرائهم وثقافاتهم، خصوصاً أولئك الناقمين والساخطين والمتضررين مباشرة من هيمنة وتطبيق السياسات التسلطية القاهرة.
ومن الطبيعي أن نؤكد هنا على أن سلوك طرق التعصب والعنف واستخدام الوسائل العنيفة –في التعبير عن الرأي، وممارسة السياسة– هو أمر مرفوض ومدان من قبل كل من يملك عقلاً حراً ووعياً إنسانياً متقدماً في الفكر والممارسة.. ولكن المسألة هي أن هناك من يدفع مجتمعاتنا دفعاً نحو تلك الطرق والوسائل العمياء غير المجدية والمرفوضة كلياً.. وعند البحث عمن يكمن وراء ذلك تجد أن الفضاء الثقافي المسيطر منذ أيام أمجاد الماضي التليد له دور، وسياسة الفشل الاقتصادي والاجتماعي المتبعة لها دور، والسلطات القائمة المشرفة والموجهة لها الدور الأهم، فهي التي تهيئ –في داخل استراتيجيتها السياسية– الأجواء المناسبة، وتخلق التربة الأخصب لنمو أفكار ومشاريع وسياسات العنف الداخلي، ومن ثم العنف الخارجي، وذلك من خلال منعها أبناء المجتمع من مزاولة النشاط الحياتي الطبيعي، واتباع الطرق والأدوات والمناهج السياسية السلمية.. ويشهد على ذلك واقع الحضارات والأمم في الماضي والحاضر، حيث نجد هناك أن النظم والحكومات المستبدة هي المتسبب و(الأم الحنون؟!) لتوليد (ورعاية) وتغذية حركات (وعناصر) العنف والإرهاب.
وبالإضافة إلى انعدام الحياة السياسية الطبيعية في معظم دولنا العربية والإسلامية، فإننا نجد أن هذه الدول لا تزال تشكو من تفاقم حالة المعاناة الاقتصادية والاجتماعية الشديدة نتيجة تطبيق (وفرض) سياسات تنموية قاصرة وعقيمة على شعوبها ومجتمعاتها.
كما أن لوجود وتجذر مرض الفساد العريض الدور الأكبر في الوصول إلى تلك النتائج المأساوية والخطيرة التي أفقدت مجتمعاتنا توازناتها وإيقاعاتها الداخلية، وخربت الإنسان -الذي هو أساس بناء الأوطان– من الداخل، وتركه حائراً من أمل بحياة شريفة، هادئة ومطمئنة.
وعندما تصل الأمور –على الصعيد الاقتصادي- إلى هذا المستوى الكارثي الخطير من التدهور والسوء والانحطاط -الذي يعبر عنه من خلال تفشي مظاهر اليأس والإحباط والقنوط والعدمية واللا إبالية- فإنه من الطبيعي جداً أن تتحول مجتمعاتنا إلى مواقع وبؤر توتر حقيقية لتفريخ الأصوليين والإرهابيين، ونمو بذور العنف الذي يمكن أن تتطاير شرره وشره إلى مسافات بعيدة ليصيب بلهيبه وشظاياه هذا البلد أو ذاك، ومن دون انتظار ومعرفة النتائج السلبية الخطيرة المترتبة على مثل هذه الأفعال الشنيعة.
من هنا نحن نعتقد أن صناعة الإرهاب وإنتاجه، وتوسيعه، وتركيز خطوطه –كقيمة عملية، لها أسسها، وقواعدها، وآليات عملها المباشرة وغير المباشرة في داخل المجتمعات المتخلفة والفقيرة على مستوى النخب السياسية والاجتماعية الحاكمة ككل- هو الذي يساهم في إعطاء الانطباع بأن العرب والمسلمين إرهابيون، وبالتالي يدفع باتجاه تكوين رأي عالمي موحد ضد العرب والمسلمين في كل مكان وزاوية من هذا العالم.. مع العلم أن للدول الغربية وغير الغربية الكبرى نصيباً وافراً في تعميق ثقافة الإرهاب وتوليد الإرهابيين وصناعة العنف والدم في داخل بلداننا ومجتمعاتنا من خلال تدخلاتها وغزواتها وحروبها الموجهة ضد عالمنا العربي والإسلامي في غير موقع هنا وهناك.
ولذلك فالمشكلة القائمة حالياً لا تقتصر فقط على وجود قوى ومنظمات وشخصيات تؤمن بالعنف، وتعتقد اعتقاداً يقينياً بأولوية الإرهاب والنشاط الجهادي[2] المسلح على السياسة والسجال السلمي لأخذ الحقوق، وتعمل في السر أو العلن هنا وهناك، بل إنها تتعدى ذلك لتصل إلى مرحلة وجود مناخ أو جو عربي وإسلامي عام يتعامل –بصورة شبه طبيعية- مع قضية الإرهاب المحلي والدولي، وذلك كنتيجة منطقية لوجود نخب سياسية تُرعب وتُرهب ولا تهتم إلا بمصالحها الخاصة على حساب مصالح الأمة كلها..
 ونحن بالرغم من عدم انسجامنا (أو اتفاقنا) مع السياسات العملية المطبقة في معظم البلاد العربية -التي تكرس ثقافة العنف– فإننا لا نزال نأمل وننتظر من تلك النظم القائمة أن تنطلق من لحظتها الراهنة –مستفيدة من تعاظم متغيرات العالم وتسارعاته الكبيرة– لإجراء إصلاحات سياسية جدية وتنمية اقتصادية[3] واجتماعية حقيقية على مستوى جوهر الحكم وممارسات السلطة، وفي كل ما يتصل بضرورة مواكبة معايير ومبادئ التنظيم السياسي والاجتماعي الإنساني الحديث، ووضع حد نهائي لمناخ الكبت والرأي الواحد من خلال إشاعة جو الحرية والأمان الاجتماعي الحقيقي، لأن الحرية والأمان شرطان أساسيان لازمان لكل عمل خلاق ومبدع، حيث أنه لا تنمية حقيقية، ولا تحديث صحيح معافى (وليس التحديث الشكلي القشري الذي يقوم على استهلاك حضارة ومنتجات الآخرين بما يبقينا تابعين ومستلبين لهم) دون تمثل وتطبيق تلك التطلعات الكبرى.
وحتى لا نتهم بالنظر إلى نصف الكأس الفارغ فقط، نشير ونثني على ما قامت وتقوم به كثير من بلداننا العربية والإسلامية من جهود على صعيد محاولتها تحديث بنيتها السياسية، وتطوير مختلف هياكلها ومواقعها الاقتصادية العملية..
وحتى نتمثل تلك الطموحات العالية -ونتحرك في خط التنمية المطلوبة فردياً وجماعياً- لابد أن تحظى أنظمة الحكم القائمة في داخل اجتماعنا السياسي والديني (والتي تدير وتشرف وتنفذ السياسات العامة في المجالات كلها)بالحد الأدنى من القبول الطوعي (لا قسري) بين أبناء الأمة.
وهذه هي الإشكالية الأكبر التي لا نزال نعاني منها، ولا أعتقد بأننا سنخطو خطوة واحدة نحو الأمام من دون إيجاد حلول جذرية علمية وعملية لها. إنها إشكالية إحجام الناس عندنا، وعدم مشاركتهم بشكل فاعل ومنتج في مجمل النشاطات السياسية والاقتصادية العامة، وبالتالي عدم الاستفادة القصوى من كل الإمكانيات والطاقات والجهود  البشرية (والطبيعية) المتاحة أمامنا.
ونحن نعتبر أن تثمير جهود وقدرات أفراد الأمة في طريق العمل الخلاق والمبدع    -الذي نحن بأمس الحاجة إليه حالياً– لا يمكن أن يصل إلى نهايته السعيدة ما لم نوجد إطاراً ثقافياً[4] ونفسياً صحياً لعملية التنمية المطلوبة، يمكنه أن يدمج الأمة ضمنه لتتجاوب معه، بما يساعد على الشروع بتطبيق خطط اقتصادية وإدارية يشارك فيها كافة أفراد المجتمع[5]، وتمهد لمعالجة حقيقية وجدية لآفة الفساد، وتساعد في خلق مناخ نقي وصحي جديد مشجع على العمل والإنتاج والاستثمار من أجل أن يتحرك الناس (كل الناس) على طريق إنجاح التنمية، وبناء المجتمع الحديث. حيث أن حركة الأمة والمجتمعات ككل تعبير عملي حر عن وجود إرادة حقيقية جامعة في التحرك والانطلاق -من خلال مواهب أفراد المجتمع الداخلية وطاقاتهم الكامنة- نحو المشاركة الفاعلة في عملية البناء والتنمية للثروة الخارجية من خلال تنمية ووعي الثروة الداخلية.
وبتعبير أكثر صراحة ووضوحاً وشفافية نحن نعتبر أن إطار التنمية الثقافي والنفسي الشامل السابق ينبغي أن يتأسس -في العمق الروحي والنفسي– على مناهج فكرية ومعرفية عملية لا تتعارض (ولا تتواجه ولا تتناقض) مع طبيعة التركيب النفسي والشعوري التاريخي المتركز داخل البنية النفسية والفكرية لأبناء الأمة.. أي لا تتعارض مع الإسلام كفكر حي متحرك ومنفتح على الحياة والإنسانية جمعاء.
لأن وجود التعارض والمواجهة مع طبيعة التركيب النفسي للأمة (مع الإسلام كرسالة دينية روحية غير مسيسة) سينعكس حتماً بصورة سلبية خطيرة على واقع مجتمعاتنا في الحاضر والمستقبل، ويتمظهر-كما ذكرنا- من خلال امتناع أفراد الأمة عن المشاركة في صياغة ومناقشة القضايا الرئيسية، وممارسة رقابتهم على الأجهزة المختلفة للدولة.
لذلك -وحتى ينخرط الجميع في عملية بناء الوطن وتطوير المجتمعات من خلال تحقيق وإنجاز عملية التنمية المطلوبة لها- فإن الدولة يجب أن تكون تعبيراً حقيقياً عن إرادات الناس ومصالح المجتمع، وتجسيداً عملياً لقيمه الثقافية والتاريخية المنفتحة، في تقدير وجود الإنسان واحترامه، وتوفير العمل اللازم لمعيشته، ونمو وعيه.. وبذلك تثبت الدولة، وتستقر وتتطور قدماً نحو الأمام.
ولذلك نقول بأن افتقاد الأمة للمشاركة الشعبية الطوعية الواعية للجماهير الواسعة في عملية التنمية الذاتية، والتغلب على واقع التخلف، والخروج من أنفاق التبعية والارتهان، لا يمكن إلا أن يضعف الشأن العربي والإسلامي في قضاياه الإستراتيجية المصيرية، وبكل مستوياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبالتالي: عندما نحقق مناخ الحرية، ونؤسس البناء السياسي الصحيح والمعافى، فإنه يحق لنا أن نتحدث هنا عن وجود قدرات أكبر وأوسع تسمح لنا بتوفير قاعدة مادية صلبة لمواجهة تحديات الخارج الاقتصادية والسياسية وغيرها.. حيث أن واقع هذه المواجهة (المؤكدة في المستقبل القريب أو البعيد) يزداد ضعفاً كلما زاد ابتعاد الحكام والزعماء عن هموم الشارع العام (أي عن متطلبات المواطن الأساسية)، وكلما فرض (هؤلاء الحكام) على الناس نموذجاً واحداً في الفكر أو الاعتقاد والعمل أو الممارسة.. وهذا ما يحدث حالياً في معظم بلداننا العربية والإسلامية بشكل واضح تماماً حيث تتصور الكثير من النخب السياسية أن الهيمنة على الشعب، والتحكم بمعتقداته وأفكاره ومعيشته وقدراته، وتفتيت قواه وثرواته، هي الوسائل الأسهل والمباشرة التي قد تمكنها من تنفيذ سياساتها الداخلية والخارجية بسهولة ويسر أكثر فأكثر.
ولكن الحقيقة هي أن هذا التصور المزعوم قد يصدق حيناً، ويسقط أحايين كثيرة أخرى. فالشعب يحتاج –بدايةً- من أنظمته الحاكمة إلى توفير أجواء ومناخات حرية دائمة تسمح بوجود حوار فكري متحرك ومفتوح، يشارك فيه الجميع، وتتعمق من خلاله النقاشات الجادة والمثمرة، وتطرح فيه الرؤى والأفكار المتعددة التي تنصبّ أساساً على طريق بلورة الوعي القادر على محاصرة كل أنواع القهر والتخلف والتأخر في واقعنا، والمتمثلة -كما تحدثنا سابقاً- في التجزئة والاستلاب والارتهان والتشتت واتباع الأهواء وفقدان إرادة التغيير الصحيح، وضعف (تضعيف) المؤسسات الدستورية، وهيمنة التدخلات الأجنبية على الداخل، والاستكثار منها تعويضاً عن غياب (أو تغييب) الإرادة العربية والإسلامية الجامعة (حيث أن العرب يجتمعون على أفكار الآخرين أكثر مما يجتمعون على قراراتهم هم).
..وأخيراً أحب أن أشير إلى نقطة أراها ضرورية لاستكمال هذه الكلمات، وهي أننا كعالم عربي -نعيش في الحياة بين مجموعة من الأمم المتقدمة والمتخلفة- لا نزال نفكر فيها بعقلية البلدة والوطن الصغير.. ولم نعد نفكر بعقلية الأمة والوطن الكبير.. مع العلم أن كل المسؤوليات الخاصة والعامة (بما فيها مسؤوليتنا أمام المجتمع والأجيال المستقلية) قد ألزمتنا بضرورة أن نتضامن مع بعضنا البعض من أجل تحقيق هدف وجودنا الحضاري الأساسي في الحياة، كأمة لها رسالتها الإنسانية، ولها دورها المحوري الرائد بين أمم ورسالات العالم كله. وهذه هي الأمانة الحقيقية التي حُمّلنا إياها، أمانة بناء إنسان عاقل وسعيد ومفكر وواعي بنفسه وبعالمه.. فهل نحن مؤتمنون حقاً عليها؟!. وهل أدينا وعملنا على ما تستلزمه منا هذه الأمانة الثقيلة؟!.
    إننا وقبل أن نبدأ بالإجابة على السؤالين السابقين، يجدر بنا أن نلتفت جيداً إلى واقعنا الراهن.. لأننا سنجد فيه ما يوفر علينا عناء التدقيق والتأمل في أسئلة باتت بلا معنى، والبحث عن إجابات وافية وشافية لأسئلة كثيرة لا تنتهي.. فنحن قوم لا نزال نتفيأ بظلال وأغاني وأناشيد الماضي التليد، ونرفض الانهماك والاندماج في مسيرة الحضارية العالمية، ولا نحب العمل والكد في طرق ذات الشوكة، ولا نرغب بإجهاد أنفسنا وعقولنا في البحث والتنقيب هنا وهناك. وهذه هي للأسف أكبر مصيبة ابتلينا بها.. أن يفكر الآخرون بالنيابة عنا، فقد أعطينا عقولنا إجازة طويلة منذ زمن طويل.. طويل جداً.. وأعلنّا على الملأ الإفلاس والاستقالة العقلية والعملية من الحياة والوجود كله!.
 
*باحث وكاتب سوري
 الحواشي والتعليقات:


[1] من المؤكد هنا –وهذه من دون شك من البديهيات السياسية في علم التاريخ السياسي لمنطقتنا- أن للتاريخ الاستعماري الطويل الذي شمل معظم أوطاننا العربية والإسلامية الدور الأكبر والأبرز في تكريس نزعة العنف والعدوان في بيئتنا ومجتمعاتنا.. كما كان لوجود إسرائيل غير الشرعي على أرض فلسطين (المؤسس والمدعوم كليةً من الغرب) دوراً مهماً في تعميق ثقافة الإرهاب والعنف.. حيث أن العنف يستولد عنفاً والإرهاب يستولد إرهاباً. والاحتلال يستدعي مقاومةً وعنفاً مضاداً. وهذا ليس تبريراً بمقدار ما هو إشارة لجزء مهم من المشكلة القائمة.
 
[2] نذكر هنا أن الإسلام كدين معني بفكرة الجهاد ومؤسس لها عملياً من حيث كونها –بحسب العقيدة الإسلامية- أحد أركان الإسلام، ميز بين نوعين من الجهاد، الأول: الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس.. والثاني: الجهاد الأصغر، وهو جهاد العدو.. وفضل الأكبر على الأصغر لأنه أساسه ومعياره وناظمه العملي.
 
[3] تعرف التنمية الاقتصادية بكونها زيادة حقيقية لدخل الفرد وتحسين واقعه المعاشي بشكل تراكمي سريع ومتواصل عبر فترة ممتدة من الزمن.. بحيث تكون هذه الزيادة أكبر من معدل نمو السكان، مع توفير الخدمات الإنتاجية والاجتماعية، وحماية الموارد المتجددة من التلوث والاستنزاف الجائر، والحفاظ على الثروات والموارد غير المتجددة من النضوب.
 
[4] وذلك كإطار "اجتماعي–سياسي" معين يحترم أفراد الأمة من خلاله طبيعة المناهج التي تتخذها الدولة أساساً لتنظيم حياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وموالاتهم الطبيعية لا القسرية لها وإيمانهم في التنفيذ والتطبيق.
 
[5] يجب أن تلحظ هذه الخطة أولاً وقبل أي شيء ضرورة القيام الفوري بإصلاحات سياسية كمقدمة للإصلاحات الاقتصادية، لأن السياسة تقود الاقتصاد، وترتبط به ارتباطاً مباشراً خصوصاً في بلداننا العربية والإسلامية، حيث أن السياسي يتحكم بالاقتصادي، مع أن المطلوب هو وجود مناخ اجتماعي وقضائي وسياسي يعمل فيه الجميع مشتركين لخدمة الصالح العام.. كما أن العالم المعاصر الذي نعيش فيه حالياً أضحى متسارع الخطى في كل مواقعه، وتتحكم بمساراته مجموعة من المؤسسات الاقتصادية الدولية كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وغيرها كثير، وبالتالي ليس من سبيل أمامنا للإسراع في إنجاز موضوع التنمية الاقتصادية البشرية سوى الانفتاح على العصر وإجراء إصلاحاتنا الضرورية والحيوية المطلوبة.
 



#نبيل_علي_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولاية الفقيه بين الجمود والثبات أو الانفتاح والتجديد
- الأميركيون فرحون بالتغيير، فماذا عن العرب؟!
- المعارضات العربية بين حق الحرية ومنطق الاستئصال
- نظرية الحركة الجوهرية والتكامل النفسي بين العلم والفلسفة الق ...
- نظرية الحركة الجوهرية والتكامل النفسي بين العلم والفلسفة الق ...
- نظرية الحركة الجوهرية والتكامل النفسي -القسم1
- نظرية الحركة الجوهرية والتكامل النفسي-القسم 2 والاخير
- العقل وماهية الإدراك العقلي
- ضرورة الانتظام العربي والإسلامي في عالم الحداثة والتنوير
- المفاعل النووي السوري بين الحقيقة والوهم..
- المقاومة الوطنية والإسلامية.. ومعادلة الصراع الاستراتيجي ضد ...
- محنة الاستبداد السياسي والاجتماعي في العالم العربي - القسم ا ...
- الفساد في العالم العربي معناه، دوافعه وأسبابه، نتائجه وعلاجه
- إلى الصدر الصغير: العراق بين الدولة المدنية أو الدولة الطائف ...
- محنة الاستبداد السياسي والاجتماعي في العالم العربي 1/2
- الإعلام العربي بين واقع التضليل وطموح التغيير


المزيد.....




- بايدن على قناعة بأن ترامب لن يعترف بهزيمة في الانتخابات
- قائد -نوراد-: الولايات المتحدة غير قادرة على صد هجوم بحجم ال ...
- أبرز مواصفات iPad Pro 13 الجديد من آبل
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- الجيش الإسرائيلي: معبر -كرم أبو سالم- تعرض للقصف من رفح مجدد ...
- -يني شفق-: 5 دول إفريقية قررت إنهاء عمليات الشحن البري مع إس ...
- جبران باسيل لـRT: الهزيمة ستكتب لإسرائيل في حال انتقالها إلى ...
- ?? مباشر: بايدن يهدد بإيقاف إمداد إسرائيل بالأسلحة إذا اجتاح ...
- بايدن: لن نزود إسرائيل بالأسلحة إن دخلت رفح
- بايدن: القنابل التي قدمناها لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل علي صالح - من تداعيات أحداث 11 أيلول 2001 م العرب بين مطلب النهوض الحضاري وأزمة نظم الحكم وثقافة العصبية السائدة