أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد منير مجاهد - مستقبل الديمقراطية في مصر















المزيد.....


مستقبل الديمقراطية في مصر


محمد منير مجاهد

الحوار المتمدن-العدد: 2697 - 2009 / 7 / 4 - 06:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


إذا تغيبت العقلانية والرشادة بجانب تجمد الأفئدة وعمى البصيرة، تنغلق الدائرة الجهنمية ويتزايد الطغيان ... ولكن للديمقراطية جنوداً معلومين ومجهولين سيدافعون عنها حتى الرمق الأخير، لأنها ببساطة تستحق ذلك، فهي – برغم كل عيوبها – أفضل من كل بدائلها أيا كانت المسميات.
د/ أحمد عبد الله
كتاب "ولو .. الديمقراطية أبداً

ما هي الديمقراطية؟

كلمةٌ الديمقراطيّة لغويّاً مركبة مِن كلمتين: الأولى مشتقة من الكلمة اليونانية Δήμος أو Demos وتعني عامة الناس ، و الثانية Κρατία أو kratia وتعني حكم. و بهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تَعني لغةً حكم الشعب أو حكم الشعب لِنفسهِ .

وتُعَدّ الديمقراطية الأثينية التي نشأت في القرن السادس قبل الميلاد أول نظام ديمقراطي موثَّق جيداً، وتشير الوثائق إلى وجود مجلس شورى ومجلس نوّاب، ويبدو من أنَّ حقوق التصويت قد توسّعت تدريجياً لتطول في النهاية جميع المواطنين – أي الرجال الذين أتمّوا تدريبهم العسكري الإلزامي، في العشرين من أعمارهم في العادة - بعد أن كانت مقتصرةً على جماعة صغيرة من ملاّك الأرض الأرستقراطيين، غير أنَّ النساء، والعبيد، كانوا محرومين من المواطنية، الأمر الذي دفع إلى القول بأنّ عشر سكان أثينا أو أقلّ من العشر هم الذين كان يحقّ لهم التصويت.

وكان البرلمان الإنجليزي في عصر النهضة أول خطوة كبرى نحو نظام ديمقراطي كامل. وتعود جذور هذا إلى نجاح الأرستقراطية الإنجليزية في تقييد السلطة المطلقة للملك الذي كان يحكم باعتباره ظل الله على الأرض، وإصدار وثيقة "الماجنا كارتا" (الوثيقة العظمى) عام 1215 التي تجبر الملك على تشكيل مجلس للوردات يضم النبلاء للحصول على موافقتهم على التشريعات التي يمكن أن تؤثر عليهم وإن كان قد ظل عامة الناس بعيدين عن التأثير في مجريات الأمور.

ويمكن اعتبار الولايات المتحدة التي استقلت عن بريطانيا عام 1776 أول ديمقراطية ليبرالية، مع حقوق دستورية واسعة نسبياً يحميها دستور الولايات المتحدة (مع أنّ الملكية والقيود الجنسية والعبودية كانت تحدّ في البداية من هذه الحقوق)، وفي عام 1789، قامت فرنسا الثورية بتبنّي إعلان حقوق الإنسان والمواطن وباتت الجمعية الوطنية - على الرغم من أنها لم تعش طويلاً - تُنتخَب من قِبَل جميع الذكور، وقد فتح هذا التحول الطريق لتحولات أكبر لزيادة نسبة المشاركة الشعبية فما لبثت أن ظهرت الحركات الاشتراكية والنقابات العمالية للدفاع عن حقوق العمال وحمايتهم من الاستغلال البشع الذي كانوا يعانون منه، وجمعيات تحرير المرأة لمنحها حق الانتخاب الذي كانت محرومة منه، ومنظمات السلام للوقوف ضد الحروب الاستعمارية التي كانت تنهك أوروبا والتي بلغت ذروتها في القرن العشرين بحربين عالميتين راح ضحيتهما ما يقرب من 100 مليون إنسان.

وتطور مفهوم الديمقراطية حتى أصبحت الديمقراطية تفهمُ عادةً علَى أنّها شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأغلبية وحماية حقوق الأقليّات والأفراد.

الديمقراطية في مصر

زلزلت الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801) أركان الإمبراطورية العثمانية في مصر، وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر استطاع محمد علي أن يصل إلى الحكم عام 1805 م وبدأ في تحديث مصر وضرب أسس الإقطاع الذي رزحت مصر تحته لقرون طويلة، إلا أنه استخدم في ذلك أساليب استبدادية أخرت من تطور الديمقراطية في مصر لقرن آخر من الزمان.

أدت البعثات التي أرسلها محمد علي لفرنسا إلى انتقال كثير من الأفكار الخاصة بالتحديث والديمقراطية عن طريق رفاعة الطهطاوي إلى مصر إلا أنها ظلت محدودة الأثر في وسط النخبة الجديدة التي شكلها محمد علي ولم تبدأ في الظهور إلا في عصر الخديوي إسماعيل الذي كان يسعى لأن تكون مصر "قطعة من أوروبا" فنشأ مجلس شورى القوانين الذي كانت عضويته بالتعيين وكان رأيه استشاريا ولكن أمكن للشيخ جمال الأفغاني أن يبدأ حركة سياسية اجتماعية جديدة تطالب بالإصلاح وشكل الحزب الوطني القديم الذي شارك فيه نخبة من دعاة الإصلاح والذين شاركوا بعد ذلك في الثورة العرابية عام 1881 التي هزمها التدخل البريطاني بدعوة من الخديوي توفيق، وبعد أقل من أربعة عقود انطلقت ثورة 1919 مطالبة بالاستقلال الذي نجحت في تحقيقه جزئيا بتصريح 28 فبراير 1922 ووضع أول دستور للبلاد عام 1923.

من الناحية النظرية إذن فإن مصر تعد دولة عريقة في الممارسة الديمقراطية فقد عرفت البرلمان في مرحلة مبكرة (1866) فكانت رابع ديمقراطية في العالم الحديث، كما عرفت أول تجربة حزبية حديثة في المنطقة العربية (منذ 1907)، وأول دستور عربي (1923) بما انبنى عليه من تجربة برلمانية، ونفس العراقة بالنسبة للتنظيم المحلي والنقابي والأهلي فيها الذي عرفت بداياته منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر ، إلا أنه بسبب غياب التراث الديمقراطي من ناحية ولتدخل الملك والإنجليز من ناحية أخرى فلم يستطع حزب الوفد حزب الأغلبية الشعبية أن يحكم أكثر من سبع سنوات متفرقة على مدار الثلاثين سنة المنقضية منذ صدور أول دستور عام 1923 وحتى إعلان الجمهورية وتعطيل الدستور وحل الأحزاب عام 1953، الذي كان ضربة قاسمة لأحزاب المرحلة الليبرالية لم تقم لها بعدها قائمة، وقد مثل العداء للنظام الديمقراطي الخلفية الرئيسية للفكر السياسي لعبد الناصر

أسباب ضعف التراث الديمقراطي في مصر

لعب محمد علي والمستنيرين من أبناءه دورا هاما في تحديث بناء الدولة المصرية، إلا أن هذا لم يتم على أرضية علمانية بل كان هناك نوع من المساومة أدت إلى نوع من الازدواجية فبدلا من تحديث الأزهر مثلا تم إنشاء دار العلوم، واستحدث منصب مفتي الديار المصرية لإعطاء صبغة "شرعية" للحكم، وإلى جانب المدارس النظامية الحديثة تواجدت الكتاتيب، باختصار ظل هناك نوع من التعايش بين الموروث الثقافي القديم والقيم الحديثة البازغة، وفي أحوال كثيرة استطاع القديم الاستيلاء على الحديث وتسخيره لأغراضه، فقد أصبحت دار العلوم لا تختلف كثيرا عن الأزهر وقد رأينا بعض من هذا حتى في "المرحلة الثورية" بعد يوليو 1952، فهى التي وضعت قانون إصلاح الأزهر الذي أسس جامعة مصرية مقصورة على "المسلمين" كما أنشأت إذاعة للقرآن الكريم...الخ، وذلك بهدف نشر الفكر الثوري في العالمين العربي والإسلامي، إلا أن ما حدث فعلا هو أن جامعة الأزهر وإذاعة القرآن الكريم أصبحتا منبرين هامين للفكر المحافظ ولمقاومة التجديد والاستنارة.

بالإضافة لعدم حسم علمانية الدولة على النحو الذي حدث في تركيا عام 1924 فقد كان هناك غياب للبعد الخاص بحقوق الإنسان ولو في صورته الجنينية وكما لاحظ أحمد عبد الله "يوجد في الواقع العملي قدر من الترادف بين الديمقراطية وحقوق الإنسان بحيث تكاد ممارسة حقوق الإنسان تتناسب تناسبا طرديا مع مستوى ديمقراطية النظام السياسي"، ونظن أن غياب العلمانية وحقوق الإنسان هما السببين الرئيسيين لضعف التجربة الديمقراطية.

وإذا أخذنا على النقيض التجربة الأمريكية فسنجد أنه رغم تغلغل العبودية في المجتمع الأمريكي حين ذاك إلا أن وثيقة الاستقلال الصادرة عام 1776 تبدأ بالكلمات التالية: "إن جميع الناس قد خلقوا سواسية; والله هو من أعطاهم الحقوق غير القابلة للتنازل ومنها: الحياة, والحرية والتطلع إلى السعادة; ومن أجل ضمان تلك الحقوق شكل الناس الحكومات".

وبعد وثيقة الاستقلال للولايات المتحدة تمت صياغة دستور في كل ولاية على حدة، وفي عام ‎1789 تمت المصادقة على "التعديلات العشرة" والتي أرست حقوق الإنسان ضمن دستور الولايات المتحدة كما يلي:
1) ‎منع التشريع الخاص بتأسيس الدين على يد الدولة.
2) ‎منع التشريع الخاص بفرض قيود على حرية التكلم, والصحافة, والاجتماع.
3) ‎منع فرض قيود على حق المواطن في حمل السلاح.
4) ‎منع إصدار أوامر اعتقال عامة.
5) ‎حق المواطن في عدم اعتقاله أو حبسه إلا من خلال الإجراءات القانونية, وفي محاكمته جنائيا إلا عن طريق محاكمة منصفة, بموجب القانون وأمام هيئة المحلفين.
6) ‎حق الإنسان في عدم إدانته بلسانه هو.
7) ‎منع الإفراط في مبلغ الكفالة المخصص لضمان إطلاق سراح إنسان من السجن قبل إجراء محاكمته, ومنع فرض غرامات مبالغ فيها وعقوبات "قاسية وغير عادية".
8) ‎حق الإنسان في المحاكمة أيضًا في أمور تتعلق بالقانون المدني أمام هيئة محلفين ووفق قوانين القضاء المعمول بها.
9) ‎حق الإنسان في عدم انتزاع ملكه إلا من خلال القانون ولقاء تعويض منصف.
10) منع إسكان جنود في منازل خصوصية في وقت السلم- بغير مصادقة أصحاب المنازل, وفي وقت الحرب - غير بموجب القانون.

وقد أمكن تطوير الحقوق التي كفلها الدستور لتشمل إلغاء العبودية، ثم منع قوانين التفرقة العنصرية حتى أمكن أن نشهد تولي باراك أوباما رئاسة الجمهورية.

النضال الديمقراطي في مصر

كان المبدأ السادس من مبادئ ثورة 23 يوليو 1952 هو إقامة حياة ديمقراطية سليمة إلا أن هذا المبدأ لم يوضع موضع التطبيق في حياة قائد الثورة الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان بتمتع بشعبية طاغية ربما ساعدت على تراجع المطالبة الشعبية بالديمقراطية حتى حدثت هزيمة 1967 التي لا زلنا نعيش آثارها حتى الآن.

كان من آثار الهزيمة عودة المطالبة بالديمقراطية ففي فبراير 1968 انطلقت مظاهرات طلاب جامعة القاهرة تطالب بمحاسبة المسئولين عن النكسة وتطالب بالديمقراطية وتكررت نفس المطالب في الظاهرات الطلابية التي انطلقت من جامعة الإسكندرية في نوفمبر 1968 ثم كانت حركة الطلبة العارمة في جميع جامعات مصر والتي لقيت تعاطفا واسعا من الكتاب والمثقفين عامي 1972-1973 والتي كانت تضع على رأس أهدافها الديمقراطية.

وقد أدى تزايد المطالبة الشعبية بالديمقراطية السليمة إلى بدء إصلاحات ديمقراطية مقيدة في عهد الرئيس السادات (1970-1981) وتم توسيع هامشها المتاح في عهد الرئيس حسني مبارك وإن كانت لم تصل بعد إلى شكلها المعروف في البلدان الديمقراطية وهو ما أدى إلى تعاظم المطالبة بالإصلاح السياسي والذي تتفق على ضرورته النخبة السياسية في مصر سواء كانت في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أو في أحزاب المعارضة وإن كانت تختلف في كيفية إجراء هذا الإصلاح.

مضي ردح من الزمان على المصريين دون أن يواجهوا الظلم أو الاعتداء على حقوقهم إلا بالدعاء الصامت على الظالمين، أو بالنكتة والسخرية من ظالميهم، ثم بدأ هذا الشعب الصابر الصامت في التململ والاستيقاظ من ثباته ورويدا رويدا تزايد الإدراك بأن الرهان على التغيير الشامل من أجل وطن تسوده قيم العدالة والحرية لن يتحقق إلا بقوى اجتماعية منظمة، وبدأ المارد يحرك أطرافه،

بدأ الشعب المصري في التململ والتحرك، وشهد المجتمع المصري في السنوات الأخيرة تحركات جماهيرية من فئات وقطاعات عديدة كالعمال والفلاحين والموظفين والمهندسين والأطباء والمحامين والطلاب، وبمتابعة تطور الاحتجاجات العمالية من تجمهر واعتصام وإضراب وتظاهر خلال الفترة 1998 – 2006 يتضح وجود اتجاه عام لتزايد الاحتجاجات بأنواعها وإن كانت السنوات الخمس الأخيرة (2004-2008) قد شهدت طفرة في استخدام سلاحي الاعتصام والإضراب.

وقد شملت التحركات الجماهيرية خلال هذه الفترة إضافة إلى العمال والمهنيين، أساتذة الجامعات والقضاة
وتجلت مظاهر هذه التحركات في ما يلي:
• نجح المهندسون المناهضون للحراسة الحكومية على نقابة المهندسين في عقد جمعية عمومية غير عادية في 13 فبراير 2006 حضرها نحو 10 آلاف مهندس طالبوا فيها بإنهاء حالة الحراسة على النقابة وتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ قرارات الجمعية وتنقية الكشوف الانتخابية تمهيدا لتقديمها لرئيس محكمة جنوب القاهرة الابتدائية لتحديد موعد الانتخابات لاختيار مجلس نقابة جديد، ورغم أن الحكومة قد نجحت حتى الآن في تعطيل إرادة المهندسين فالمعركة القضائية مستمرة.

• بدأ القضاة في اعتصامهم المفتوح بنادي القضاة 11/5/2006 إثر قرار مجلس القضاء الأعلى بتحويل المستشارَين محمود مكي وهشام البسطاويسي إلى ما يسمى بلجنة التأديب نظرا لكشفهما عن قائمة أسماء تتضمن أسماء بعض القضاة الذين شاركوا أو اتهموا بالتورط في عمليات التزوير خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت بدءً من شهر سبتمبر وحتى ديسمبر 2005، كما تم تنظيم وقفة احتجاجية أمام دار القضاء العالي وسط القاهرة في 18/5/2006 للتنديد بمحاكمة مكي والبسطاويسي.

• في 24/9/2007 أضرب عمال غزل المحلة للمرة الثانية وبعد ستة أيام من الإضراب عن العمل والتفاوض مع الحكومة نجح العمال في 30/9/2007 في تحقيق معظم مطالبهم ليثبتوا أن الحقوق تنتزع ولا تمنح وأن استخدام سلاح الإضراب والاعتصام والتظاهر يمكن الشعب من أن يفرض أرادته، وتأكد للجميع أن الرهان على التغيير الشامل من اجل وطن تسوده قيم العدالة والحرية لن يتحقق إلا بقوى اجتماعية منظمة.

• في 21/10/2007 نظم نحو ٣ آلاف موظف في مديريات الضرائب العقارية مظاهرة، أمام مقر وزارة المالية، طالبوا خلالها بضمهم إلي «المالية» بدلاً من المحليات ومساواتهم بالعاملين في الضرائب والجمارك، وفي 13/11 2007 واعتصم نحو 7 آلاف موظف في القاهرة و13 محافظة أمام مقر الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، فيما شهد عدد من المحافظات إضرابا جماعيا عن العمل، وفي 3/12/2007 نفذ 55 ألفًا من موظفي الضرائب العقارية وعودَهم بتنظيم إضراب واعتصام مفتوح أمام مجلس الوزراء، وذلك بعد أن أهمل كل المسئولين مطالبهم، بعد صمود موظفي الضرائب العقارية لمدة 10 أيام أصدر وزير المالية قراره بضم مصلحة الضرائب العقارية إلى وزارة المالية، في انتصار للعاملين بقطاع هام من جهاز الدولة المصرية، وقد فتح انتصار موظفي الضرائب العقارية، على غرار انتصار إضراب عمال غزل المحلة، آفاقاً جديدة للنضال وأعطى درساً هاماً لكل الحالمين بالتغيير والحرية والديمقراطية، ولكل الذين يبحثون عن طريق للحصول على حقوقهم الاجتماعية والسياسية، فالحقوق لا تمنح ولكن تنتزع.

• كانت الفترة الأخيرة (أكتوبر 2008-فبراير 2009) فترة مهمة من مراحل تشكل وبلورة الحركة المطلبية الاحتجاجية لفئات عديدة فقد تأسست نقابة مستقلة لعمال الضرائب العقارية، كما تأسس اتحاد أصحاب المعاشات، وفي ذات الاتجاه يسعى إداريو وموظفو التربية والتعليم إلى تأسيس نقابة مستقلة عن نقابة المعلمين، وشملت التحركات العمالية تحركات في قطاعات حساسة كقطاع النقل (عمال المترو – السكة الحديد – الأوتوبيس – الشاحنات – الميكروباصات).

• إضافة لما سبق فقد نشطت مؤسسات غير حكومية للدفاع عن حقوق المرأة والطفل والعمال والفلاحين، وعن الحق في التعليم، وعن حقوق الإنسان، وعن حقوق الأقليات و لمواجهة إرث السادات من التمييز الديني والفرز الطائفي الذي يعاني منه المجتمع المصري،

الطريق لانتصار الديمقراطية في مصر

يحدد أحمد عبد الله الأساس الذي يقوم عليه بنيان المشاركة بنوعيها السياسي والاجتماعي بأربعة أعمدة هي: "نظام الأحزاب السياسية، ونظام الإدارة المحلية، والنشاط النقابي المنظم، والنشاط الأهلي المنظم،" وأظن أن أهم عمود في هذه الأعمدة هي الأحزاب السياسية، وليس المقصود هنا البناء القانوني أو البيئة التشريعية التي تتحرك فيها الأحزاب، رغم أهمية هذا، ولكنني أقصد الأحزاب السياسية نفسها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما تقدمه من أفكار ورؤى وبرامج وسياسات قادرة على إلهام الشعب واجتذابه كطرف أصيل في المعركة من أجل الديمقراطية.

ولعل الواجب الأول لمن يعتبرون أنفسهم جزء من النخبة الثقافية-السياسية هو المبادرة بتشكيل أحزاب أو دخول الأحزاب القائمة وتطويرها بشكل جزري كما يلي:

1. بلورة رؤية مستقبلية لشكل الدولة التي نريدها وعدم الاكتفاء بالصياغات العامة المبهمة "دولة اشتراكية" أو "دولة إسلامية" أو "دولة ديمقراطية"، وهو أمر هام بالنسبة لمجمل الحركة السياسية في مصر، كما أنه هام بالنسبة للديمقراطية فالديمقراطية وسيلة للشعب كي يفرض رؤيته وإرادته لحل مشاكله وليست غاية في حد ذاتها، ولن تدافع الناس عن الآلية إلا إذا تيقنت أنها طريقها لحل المشاكل.

2. التبني الواضح الصريح للعلمانية (أو "الدنيوية" كما ترجمها الأستاذ عادل حسين، أو الدولة المدنية) وهي تعني فصل الدين عن الدولة، وإن كانت لا تعني بالطبع فصل الدين عن المجتمع أو إلغاء الدين كما يروج أعدائها، وهي تعني أنه "لا ينبغي أن تمارس السلطة السياسية نفوذها أو تستمد شرعيتها من تفسير قوم من الأقوام لنصوص الدين"

3. التصدي للتمييز الديني والفرز الطائفي بشكل يتجاوز كل ما اعتدناه من مجرد الاستنكار، والتشبث اللفظي بالوحدة الوطنية، وإحالة مسألة التمييز ضد غير المسلمين إلي مجرد كونها "مسألة اجتماعية" لن تحل إلا في سياق اجتماعي، أو "طبقية" لن تحل إلا بظهور نظام عادل، أو القول بأن حدة الصراع الديني لن تزول إلا في إطار مشروع وطني كبير، لأننا لا نستطيع أن نقول للمواطن المسيحي مثلا: انتظر قليلا، إلي أن تشرق ثورة ومشروع وطني يحقق لك ما تريد من حقوق المواطنة الكاملة، وانتظر قليلا إلي أن يهل علينا نظام آخر عادل ومنتج ومستنير، لأننا بذلك إنما نطالبهم بالقبول بأوضاعهم القائمة والخضوع لها إلي أجل غير مسمى، أي لابد لها أولا وقبل كل شيء من تبني مطالب واضحة وقاطعة، ولا تقبل الجدل، لكي يشعر المواطن المسيحي – وغيره من غير المسلمين السنة - أن الحركة السياسية والثقافية المستنيرة لا تكتفي فقط بالتخفيف عنه بكلمات العزاء، ولكنها تريد صادقة أن تحل ولو جانبا من المشكلة.

4. مد الجسور وتحقيق ترابط وثيق مع حركات الاحتجاج الاجتماعي والجمعيات الأهلية بما يمكن من مشاركة هذه الحركات والجمعيات في برامج هذه الأحزاب، ويساهم في ربط المطالب الاجتماعية لهذه الحركات والجمعيات برؤية سياسية جامعة، مما يسهم في تطوير وبلورة برامج وسياسات الأحزاب وحركات الاحتجاج الاجتماعي في آن واحد.

لقد بدأت روافد الثورة تتجمع وتتوحد لتحفر نهر التغيير الذي نتطلع إليه ومن رحم هذه الحركات المطلبية الصغيرة تتشكل صورة المجتمع الذي نصبو إليه يبقى أن تتآلف وتتجمع قواعد هذه الحركات المطلبية وقيادتها كحبات عقد مترابطة ومنتظمة في جبهة سياسية موحدة تغزل رؤيتنا للتغيير الذي ننشده وتنحت ملامح البرنامج الذي يحققه وترسم وسائل إنجازه، وأعتقد أن في الأفق لمح من هذا الحلم الذي طال انتظار تحققه لكن يبدو أنه يدنو ويقترب حتى كدنا نلمحه ونحسه ونتحسسه، فكلما اشتدت الأزمات كلما دنا الانفراج وكلما حلك الظلام كلما اقترب نور الفجر.




#محمد_منير_مجاهد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو إستراتيجية للتحرر الوطني الفلسطيني
- رد على مجدي خليل: جوهر القضية
- ملاحظات على محاضرة الأنبا توماس
- كرسي في كلوب الوطن
- ندوة على الهواء: تطوير للتعليم العالي أم تكريس للفساد والتمي ...
- بل نعم للعرب ونعم للعروبة
- مؤتمر شيكاغو خطوة صحيحة على الطريق
- الحلقة النقاشية مصريون في وطن واحد: التمييز الديني وكيف نقاو ...
- ندوة تخيلية عن القوانين والإجراءات الطائفية: شهادة غير المسل ...
- في ضيافة أبونا إبراهيم
- عن حرية الاعتقاد أتحدث
- مصريون ضد التمييز الديني وليسوا ضد الإجماع الوطني
- بل سنقاوم التمييز وندافع عن الإسلام


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد منير مجاهد - مستقبل الديمقراطية في مصر