أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - على شان شفة فودكا















المزيد.....

على شان شفة فودكا


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2636 - 2009 / 5 / 4 - 07:46
المحور: كتابات ساخرة
    


كل ممنوع مرغوب ,وحتى تستطيع في قريتنا أن تشرب لتر فودكا , يجب عليك أولاً وأخيراً أن تكون ماهراً جداً في تسلق الجبال , وفي المشي لمسافات بعيدة تبلغ 10 كيلو متر ذهاباً وإياباً , وأنت تمشي تشعرُ أنك تريد أن تلف الكرة الأرضية ,كما حدث معي أنا وأولاد حارتنا .

كان لتر الفودكا بالنسبة لنا أبعد من الشمس وكان الحصول عليه معجزة , فالحصول عليه دون أن يشعر بنا أحد من أهالينا يعتبر عملاً إستخبارياً ونشاطاً مذهلاً , لأن قريتنا أو مقبرتنا لا تقتني مثل تلك البضائع وتعتبرها عملاً شيطانياً مضللاً.

ولقد إجتمعنا يوماً في منزلي أنا وأربعة أولاد من أولاد الحارة وأنا أصغرهم سناً وكان سني يومها 19سنة , وكنت معلم بناء في وقتها لا يشق له غبار وأنا أكثر ولد كسيب في الحارة لأن مهنتي كانت في اليوم الواحد 5 دنانير أردني سنة 1990م, في الوقت الذي لا يحصل بها الشباب الصغار الذين بمثل سني على نصف دينار في اليوم الواحد , وقررنا في ذلك اليوم أن نشرب الخمرة ,والفكرة عند البعض كانت منطلقة من مبدأ حب التجريب , وقد وقع الإختيار على شخصي من أجل إحضار المشروب , لأنني كنت ُ أولاً ولداً شاطراً هكذا كان يعتبرني أولاد الحارة ,وثانياً لأنني مثقف في المشروبات الروحية , فدفعتُ من جيبي الخاص نصف القيمة ولملمتُ الباقي من الأولاد , وغادرتُ القرية متوجهاً إلى المدينة لإحضار المشروب , وتخيلتُ نفسي مثل دريد لحام في مسرحية الغربة حين ذهب لشراء (تراكتور) لأهل القرية .

ورجعتُ من المدينة ومعي لتر فودكا أورنج , ووصل باص القرية بي قبل مغيب الشمس, والمشروب الذي معي ما زال بارداً , والتسالي الطازجة ما زالت ساخنة , ونزلتُ في آخر القرية ومشيتُ أكثر من 3 كيلو مترات من أجل أن أقوم بتخبئة المشروب عن عيون الناس وأهالينا , فصديقي الأول كان أبوه على إستعداد لقطع رقبته إذا سمع أن إبنه يشرب مشروبات روحية , وصديقي الآخر كان عمه وخاله وجده على إستعداد لقطع خبره لو سمعوا أنه يشرب مشروبات روحية وأنا كذلك , فأبي كان متوفياً منذ سنين ليست بالقليلة أما عمي وأمي وخالي فكانوا على إستعداد لتعليقي في شجرة الزيتون الرومية الكبيرة في وسط الدار لو أنهم فقط يشتمون رائحة المُنكر الذي أتعاطاه , إننا فعلاً أولاد طيبون,أبناء ناس محترمين وأبناء ذوات وأعيان البلد ومثل تلك التصرفات لا تليق بإبن الشيوخ كما قالت أمي حين عرفت بالموضوع ,وليس لدينا نية في قهر أهلنا أو مخالفتهم ولكننا كأولاد نريد أن ننتشي ,وخصوصاً بعد أن قرأت على مسمع أصدقائي قصيدة إبي النواس والتي مطلعها :
دع عنك لومي فإن اللوم إغراءُ

وداوني بالتي كانت هي الداءُ

صفراء لا تنزلُ الأحزانُ ساحتها

لو مسها حجرٌ مسته سراءُ.
فتلهف أصدقائي لتناول الماء السحري, وسالت( إريالتهم – لعابهم)على قصيدة أبي النواس, المشروب هو الذي يجعلك تتخيل أحلامك حقيقية ,أو هو بنظرنا الذي يحقق الأمنيات , فلقد وصفتُ لهم أنني حين أشربُ الفودكا أتخيل محبوبتي بين ذراعي تقبلني وأقبلها , والشباب أو الأولاد طبعاً ساخوا من حالهم, ومات كذبوش خبر ,أما الولد اليتيم فقد كان كل هدفه أن ينسى أنه يتيم ولو لربع ساعة من الزمن ,لأنه سمع من سكير عربيد في الحارة أنه يشرب من أجل أن ينسى همومه ومشاكله, وبعد أن عدتُ إلى المنزل جاء الشباب إلى منزلي وسألوني بالألغاز عن المشروب وهم يغمزونني بعيونهم ويلوحون بأيديهم :
-شو جبت معاك الغرض, إللي وصيناك عليه؟إللي معاك خبره؟
- لعاد ..طبعاً جبته وجبت أخته .
- طيب بدنا إنروح إنشوف الموضوع , شو رايك ؟

-الموضوع ؟ آه هيني بس بدي ألبس, وأجيب معايه العود, تبع إحمد عشان إنغني, ونسلطن , عشان أنا وأحمد أهم شيء عندنا الطرب الأصيل , وليس النسيان لأننا مجربون من قبلهم , فقد كان إعتقادنا أن الخمرة تنسي الهموم والمشاكل والأوجاع , ولكننا مع تكرار التجربة إكتشفنا أنها لا تنسينا أي شيء .
وخرجتُ بهم من منطقة إلى منطقة ومن شارع إلى شارع , ومن حاكورة إلى حاكورة , وهذا ثقيل الدم نهربُ منه ومن رفقته , فكيف نأخذه معنا ليشاهدنا ونحن نشربُ هاي فضيحة كبرى , وكلما واجهنا أو وجدنا شاب من هذا النوع نهربُ منه حتى أننا في النهاية إتفقنا على أن نتفرق شيّعاً , لنتحجج أن كل واحد منا يريدُ أن يذهب إلى البيت , وإتفقنا على أن نلتقي خارج حدود القرية لنبدأ رحلة جديدة لكي يتناول كل واحد منا شفة فودكا , وكانت أرجلنا يومها قد تعبت جداً من كثرة المشي من شارع إلى شارع , وفعلاً إلتقينا خارج حدود القرية ومشينا مع بعضنا البعض وكان لقاؤنا مثل لقاء تجار الحشيشة, أضوية , وبريق من بعيد , وأصوات صفير ,كأننا نهرّبُ المخدرات والمنشورات السياسية الممنوعة , وكنتُ أحمل معي مسجل كاسيت وشريط من أشعار أحمد مطر ومظفر النواب , وإكتمل عددنا ومشينا سوية حتى وصلنا إلى النقطة أو إلى الموقع الذي ستبدأ به مسرحية الجريمة , أو اللص والكلاب أو المقامر , الذي خبيت فيه (الفودكا) كان الموقع عبارة عن جبل كبير من القمح المحصود وكانت هنالك ثلاثة أكوام بجانب بعضها أما الآن فوجدتُ أكثر من عشرة أكوام , وتفرقنا مرة أخرى وشكلنا فريق بحث عن لتر الفودكا والتسالي , وبعد أكثر من ساعتين وجدناه بين الأكوام ما زال بصحة جيدة ,ولكنه فقد البرودة وأصبح ساخناً مثل إبريق الشاي , والثلج الذي أحضرناه معنا أيضاً أصبح ماءاً عادياً , و نحنُ لم تعد صحتنا جيدة لأننا إستنفذنا طاقاتنا في البحث عن الفودكا ,وجلسنا كما يجلس الرومنسيون وشربنا, فودكا حارة , وظن الذين شربوا معنا لأول مرة أنها هي هكذا تشربُ وهي ساخنة ههههه, وعزف (أحمد)وغنى(إعزاز , مرينا بيكم حمد,للفنان ياس خضر.).

وغنيتُ أنا لسيد مكاوي وعبد الحليم وأغنية سعاد حسني التي سلطن عليها الشباب :
الدنيا ربيع والجو بديع
أفّلي على كل المواضيع .

وأغنية :

بانوا بانوا بانوا
على أصلكوا بانوا..



ولا غنى ولا زيط ولا ...
وكتابنا يبان من عنوانه



أثريه مش كذا على طول الخط
طبع الردي من جواه نطع.


خلاص بقى مهما إنشال وانحط
ما فيش دمعة حُزن عَشانه


وعرفنا سيد الرجال
وعرفنا عين عين الأعيان



من برى شهامه وأصاله
تشوفوه أعظم إنسان
إنما من جوى يا عيني عليه


وهو ده إللي إتعلمنى ع إديه
القهر وقلة هريانه



دوروا وشُّكوا عني إشويه
كفاني وشوش




ده أكمن وش غدروا
بيّ ولا ينكسفوش

..وعصير العنب
العِنّابي العِنابي

نقطه ورى نقطه
يا عذابي يا عذابي


يكشفلي حبايبي وصحابي

والقلب على الحب إيشابي.
والحب بعيد عن أوطانه

وضحكنا وبكا بعضنا على معشوقته , وأخرج الشباب أحزانهم من قلوبهم , كما تخرج الأشياء الغالية من جيوبهم , أو كان خروجها سريعاً كما تخرج الطلقات النارية من فوهات البنادق والمسدسات ,وتقييء البعض لعدم إعتياده على الشرب , وأعتقد آخرون أن الخمرة تنزل بالمعدة وإذا بهم يتفاجأون بأنها تنزل في الرأس قبل المعدة , وأنا طبعاً كنتُ مثل عريف الحفل أقرأ للحزين شعراً ولليتيم مثلي أبكي معه على بكائه, فكان واحد منا أبوه ميتٌ ليس من مدة بعيدة فبكى على أبيه وشرب شفتين من الفودكا حتى ينسى لساعة من الزمن أنه يتيم ,وكانت هذه أول مرة يشربُ بها الخمرة , فنظر بي بتعجب وكأنه يقول لي : أنا مش قادر أنسى , هو لم يقلها ولكنني شعرتُ به , وأنا بكيت لبكائه وذكرني بأبي الذي لم يرفع يده في وجهي ليضربني , ولكن هذا عمي في الدار سيضربني إذا عرف أنني أشربُ الفودكا , كانت ليلة (إمجندله) وحين غادرنا مسرح الجريمة ومشينا أحسسنا بالتعب , ومشينا ومشينا حتى إذا دخلنا الحارة وجدنا قومنا وأهالينا يبحثون عنا في كل مكان , واعترف الشباب بكل شيء قبل أن يسألهم أحد عن شيء , لأنهم كانوا يتخيلون أن الناس تعرف أنهم سكارى,وأفتضح أمرنا , ومنعنا أهالينا من المشي مع بعضنا البعض , وقالت أمي :

-إبني مسكين وجده شيخ عشاير وأصله بمنعه يعمل هيك ومؤدب ما بعرف هاي الشغلات , أكيذ إنه ...هو هظاك الهامل .
وجارتنا قالت عن إبنها مثل ما قالت أمي , وكل أم قالت عن إبنها مثلما سمعتم .


في بلدتنا لا يوجد مكان نجلس به لنشرب المشروبات لذلك ما زال المكان الذي ذهبتُ إليه موجوداً وغالبية الشباب تذهبُ إليه سراً , أما أنا فلم أرجع إليه منذ ذلك اليوم , ولأن الخمرة محرمة فإن منازلنا تخلو منها ولكن على أطراف القرية والقرى المجاورة آلاف من الزجاجات المتكسرة بين الزيتون في الحقول والسهول , ولو كان في قريتنا نادي ليلي لما إنتشرت الزجاجات بين الأشجار والسهول , كل ممنوع مرغوب .

"من ذكريات عامل في الريف والمدينة"



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاجرة بين مسلم ومسيحي
- الخوري يستحم
- رسالة إلى بابا روما بمناسبة زيارته الأردن2009م
- أخطاء إملائية أم رسوم قرآنية ؟
- كلب إفرنجي أفضل من وزير عربي
- الوضع في الدول العربية طبيعي جداً
- نظراتي كلها جنسيه مش نظرة واحد عموه
- كاتب الشعر وكاتب الرواية
- شيخ الإعلان المُضلِل
- تطوير الإستبداد العربي
- بدي سيجارة
- مكان تحت الشمس
- أكثر من قرآن
- الفن من أجل الذين لا يقرأون ولا يكتبون
- مؤتمر في الجامعة الأردنية عن المرأة
- مصادر الفساد
- اللذة في رواية عبد الله رضوان :غواية الزنزلخت
- عريس لُقطهْ
- باص القرية وباص المدينة
- رأس المرأة ورأس الرجل


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - على شان شفة فودكا