|
الأيديولوجيا الناعمة
سالم العوكلي
الحوار المتمدن-العدد: 2594 - 2009 / 3 / 23 - 04:15
المحور:
ملف- دور الفضائيات العربية في تسويق الإعلام وبناء الوعي و توجيه الرأي العام
يزداد في الفترة الأخيرة تعلقي بالتلفزيون ولا أنكر متعة هذا التعلق الذي كثيراً ما يجعلني ممتناً لأنني شهدت هذا العصر ، لكن هذه المتعة لا تخلو من هاجس شك تجاه هذا الدفق التقني، ونوع من الاسترابة تجاه تظاهره بالحياد والاختلاف ، زاعماً أن هذا التنوع الشكلي يغطي على تسويق فكرة مهيمنة ومدفونة تحت هذا التعدد الهائل للقنوات ، وكانت العديد من الأسئلة المقلقة تنكد على هذا التعلق الممتع ، وصادف أن قرأت كتاب "التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول" للمفكر وعالم الاجتماع بيير بورديو ، الذي يتوجه بنقد بنيوي تجاه تركيبة هذه الأداة الإعلامية التي غدت مسيطرة على الأذهان ، مستنداً على بحث مضني لآليات وخطاب العديد من شبكات الإرسال المرئي العالمية التي لا تنفك تعمل عبر الليل والنهار وبطرق مستحدثة وخلابة على صياغة رأي عالمي عام تجاه فكرة موحدة تتجه بأكملها لأخلاقيات السوق والتبرير ، حيث هذا البازار العالمي الكبير المشرع لتجميل كل البضائع وتسويقها من المشروبات إلى الجسد البشري ، وضجيج المعلومات الذي لا يعطي معلومة ، والبرامج الوثائقية التي أغلبها يعيد إخراج الخطاب الاستشراقي التقليدي عبر بنية بصرية مبتكرة ، وحيث الحوارات التي يتهافت عليها الأكاديميون والسياسيون والمثقفون ، إذ يقول بورديو في كتابه المذكور : "أصبحت شاشة التلفزيون اليوم نوعاً من مرآة نرجس .. مكاناً لاستعراض حب الذات" وهي حوارات تختزل عادة مواضيع شائكة ومركبة في بلاتوهات معدة للعرض، يقوم بها أفراد يظهر أنهم مختلفون ولكن بطريقة مصطنعة ، من شانها أن تجذب العدد الأكثر من محبي الإثارة ، لأن ما يسيطر في الواقع على مالكي هذه الشركات الإعلامية الكبرى هو قياس الأوديمات التي تعني مقياس نسبة الإقبال التي تتمتع بها القنوات ، ويغدو اللهاث والسرعة عوامل مهمة للسباق على المشاهد والتشويش عليه في الوقت نفسه ، يمكننا أن نلمس ذلك في بعض البرامج الأمريكية التي تعتمد على سَوْق الأخبار المثيرة بطريقة متواترة وسريعة، بالشكل الذي لا يعطيك فرصة للتفكير بها أو التقاط الأنفاس، وتلحق هذه السرعة حتى بندوات الحوار ، لتطرح مشكلة أساسية في عصرنا، وهي العلاقة بين التفكير والسرعة، حيث يتساءل بورديو : "هل يمكن التفكير أثناء اللهاث؟" وهو ما يظهر عملياً في برامج المسابقات التي يسمونها "ثقافية أو فكرية" ، والتفكير السريع آلية مبتكرة أوجدتها التقنيات العسكرية الحديثة التي تسعى لإرباك الطرف المقابل ، وبالتالي فأن هذا الجهاز يمكن اختصاره في حالة شاملة من الترويج بجميع أنواعه ، ترويج ثقافة النظام المسيطر ودافعي ثمن الإعلانات التي يخدمها صحفيون يتوهمون أنهم يعملون باستقلالية تامة، بينما هم الوسيط المعد بإتقان للتواصل المخطط له بين هذا النظام المتعدد اللغات أو الأيديولوجيا الناعمة وبين المجال الذي يشكل فضاءً اجتماعياً مشيداً ، ووسط هذا الصخب المنظم تغيب محاولات عدة للخروج عن هذا النظام لكنها تقف عاجزة أمام سلطة الأوديمات التي يتحكم بها مدى الإثارة ومعرفة أقصر الطرق إلى الغرائز الإنسانية ، الشأن الذي حول التلفزيون من أداة رائعة للديمقراطية إلى أداة للقمع الرمزي ، أداة للتلاعب الأكثر روعة.
#سالم_العوكلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التغريبة الفلسطينية
-
الحرية والجمال
-
التسوية الممكنة
-
حوار حول الديمقراطية في ليبيا
-
من هنا إلى مكة .. يوتوبيا الصادق النيهوم
-
لا بد من الجلوس خلف المقود المجتمع المدني والعلمانية
-
الكتابة بالأظفار
-
العلم جمالية العقل
-
لغة الهيمنة: هيمنة اللغة ،
-
اليوتوبيا والدكتاتورية
-
من أول السطر
المزيد.....
-
اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
-
حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
-
بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو
...
-
بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص
...
-
فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا
...
-
السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د
...
-
ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا
...
-
العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
-
اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
-
موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها
المزيد.....
|