أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالخالق حسين - البرابرة















المزيد.....

البرابرة


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 795 - 2004 / 4 / 5 - 09:20
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


حقاً، إننا نعيش في زمن اللامعقول، اختلطت فيه مختلف مراحل التطور في آن واحد، فيه أناس يمثلون قمة التطور وعلى استعداد للتضحية بأنفسهم في سبيل الخير والإنسانية وآخرون مازالوا في مرحلة البربرية التي عاشها الإنسان القديم في الأزمنة السحيقة عندما كان البشر يأكل بعضهم بعضاً. يوجد الآن تلاقي مختلف الأزمنة ومختلف مراحل التطور وأنواع البشر في بلد واحد ألا وهو العراق وتحديداً في الفلوجة وأماكن أخرى حيث يقوم الجناة بقتل الأبرياء والتمثيل بجثثهم وحرقهم والرقص على أشلائهم، تماماً على طريقة آكلة لحوم البشر.



الجريمة البشعة التي ارتكبها الجناة يوم 31/3 في الفلوجة ضد الأمريكيين المدنيين فاقت في بشاعتها الوصف وحتى كلمة البربرية لا تكفي للتعبير عن وحشية المجرمين وهمجية فعلتهم المنكرة. هل حقاً ينتمي هؤلاء إلى الجنس البشري وإلى الشعب العراقي بالذات، شعب الحضارات وبلد أول قانون مدون في التاريخ؟ لم يأت هؤلاء من خارج الحدود، بل إنهم نتاج محلي وبضاعة بعثية "وطنية" فاسدة وبكل المقاييس. هؤلاء هم خريجو المدرسة البعثية، مدرسة التجهيل وغسيل الدماغ وتحويل الناس إلى همج وأدوات مدمرة وضباع كاسرة، وأحواض الأسيد والمثارم البشرية والمقابر الجماعية، يرتكبون جرائم يندى لها الجبين. جرائم ترتكب وفق مواصفات الأيديولوجية البعثية والمنظمات الإرهابية الإسلامية. إنها لطخة عار وصفحة سوداء في تاريخ العراق وسوف لن تمحى من ذاكرة البشرية.

أربعة مقاولين مدنيين أمريكان ودعوا عائلاتهم قبل أيام وتوجهوا إلى العراق لأداء مهمة مدنية حضارية، لإعادة بناء العراق. وهم في سيارة نقل مدنية، في طريقهم لبناء المستشفيات والمدارس والمشاريع الإنمائية لجعل الحياة أفضل لأهالي الفلوجة، ليواجهوا بالمقابل، القتل والتمثيل بهذه الصورة البربرية البشعة. لقد قابل أهل المدينة هؤلاء الأبرياء بالقتل وحرق جثثهم والتمثيل بها والرقص على الأشلاء وهتافات «بالروح بالدم نفديك ياصدام» و«تعيش الفلوجة» و«الله أكبر» و«يعيش الاسلام».

أي إسلام هذا الذي يبيح لهم قتل الأبرياء وحرقهم وسحل جثثهم وهي تحترق والتمثيل بها وتعليقها بالجسر، ملوحين بأيديهم بعلامات النصر ويضحكون بملء أشداقهم بفرح. ألم يسمعوا بالحديث الشريف (إياكم و المثّلة حتى ولو بالكلب العقور)؟ ولكن هؤلاء تخلوا عن آدميتهم وانتموا إلى فصيلة الوحوش الكاسرة بسبب الجهل والعنصرية وثقافة الكراهية التي استمر عليها النظام البائد خلال 35 عاماً من حكمه البغيض. هؤلاء هم الذين استخدمهم النظام الفاشي في أجهزته القمعية ضد الشعب العراقي في نشر المقابر الجماعية والمحارق البشرية واستحوذوا على ثروات البلاد والعباد. لذلك جن جنونهم بسقوط سيدهم وولي نعمتهم، فهم عبيد لا يستطيعون العيش بدونه.

إن ما جرى في الفلوجة كان تطبيقاً حرفياً لما كان يتدرب عليه فدائيو صدام. إذ كان أحد التمارين التي يتدربون عليها أن يقوموا بصيد ثعلب أو أي حيوان آخر ومن ثم يتدافعون على الفريسة بالعشرات وهم في حالة هياج وصراخ هستيري أشبه بحفلات الزار يمزقون الفريسة ويأكلون لحمها نيئاً والدماء تسيل على وجوههم وملابسهم أمام عدسات الكاميرات التلفزيونية ليبث الفيلم على الشعب ويريهم كيف يربي صدام حسين الجيل الجديد على الوحشية وكإنذار لمن تسول له نفسه بمعارضة نظامه. هذه هي تعاليم المدرسة البعثية التي تربى عليها هؤلاء الفاشست البعثيون خلال ما يقارب الأربعة عقود من حكم صدام حسين.



ليس الأفراد المعدودين الذين نفذوا الجريمة وحدهم يتحملون المسؤولية فحسب، بل حتى الجماهير المتواجدة في مكان وزمان الحادث التي شاركت في التعبير عن فرحتها بدون أدنى خجل أو واعز من ضمير أو رادع من إخلاق، وأمام الكاميرات التلفزيونية لوكالة رويترز، حيث شاهدتها البشرية بالصوت والصورة في جميع أنحاء المعمورة وأعادت بثها جميع قنوات التلفزة الأمريكية على الشعب الأمريكي. لقد أثارت هذه المناظر البشعة مشاعر السخط والاستنكار والذهول لدى الشعب الأمريكي وكل شعوب العالم وكشفت عن مدى وحشية وهمجية وانحطاط إخلاق هؤلاء المجرمين وإلى أي درك كارثي حيواني هبطوا.



لقد قرأنا وسمعنا عن مشاعر الأمريكيين بحزن وألم عميقين إزاء هذه الجريمة الوحشية. إذ راح المواطن الأمريكي، حتى الذي يختلف مع جورج بوش، يتساءل بألم ودهشة، هل هذا هو الشعب العراقي الذي أرسلنا أبناءنا وبناتنا لتحريره من أبشع نظام همجي متخلف ودفعنا عشرات المليارات من أموال دافعي الضرائب لإعادة بناء بلده وهذا كل ما نتلقاه منهم بالمقابل؟ لقد اشتكى تشرشل مرة من العراق بقولته الشهيرة «يا له من بركان ناكر للجميل». فهل حقاً يمثل هؤلاء القتلة في الفلوجة الشعب العراقي؟



لقد استغربتُ صباح اليوم من تصريحات شيخ عشيرة يدعي أنه زعيم لحزب سياسي يحمل إسم (ديمقراطي) في الفلوجة لمراسل البي بي سي، إذ يبدأ بنقد خجول عملية التمثيل بالجثث بقوله أنها لا تعكس ديننا وتقاليدنا، ولكن هذا كان مجرد تمهيد لتبرير العملية وكالمعتاد، ليلقي باللائمة على القوات الأمريكية وإن ما جرى كان مجرد رد فعل "مشروع" من أهل الفلوجة لما يفعله الأمريكان بالمدينة. عجيب هذا المنطق التبريري المفلوج. بل والأغرب أن يصدر الجناة بياناً يدعون فيه أن الجهة التي قامت بالعملية هي (كتاب أحمد ياسين) انتقاماً للشيخ ياسين. عجيب أمر هؤلاء، يقوم شارون بقتل الفلسطينيين في غزة المحتلة ويقوم هؤلاء بالإنتقام من الأبرياء المدنيين الأمريكيين في الفلوجة بدلاً من الجنود الإسرائيليين قتلة الشيخ ياسين. هذا هو العقل العربي، لذلك لا غرابة أن تتوالى الكوارث على العرب إذا كانوا هكذا يفكرون.

لا شك أن الجريمة كانت منظمة أعد لها بمنتهى الدقة، ودليلاً على اختراق قوات الأمن العراقية من قبل فلول النظام الساقط، وإلا كيف عرف الجناة السيارة المدنية التي كانت تقل المقاولين الأمريكان والزمان والمكان المعينين؟ كذلك حجم التحضير وتحشيد الجماهير للاحتفال بالمجزرة؟ كما حصل قتل موظفين تايلنديين ويابانيين وأمريكان وغيرهم من المدنيين على فترات متعاقبة بذات الطريقة، مما يدل على علم الجناة المسبق بتحركات ضحاياهم ومكان وزمان تواجدهم لتنفيذ جرائمهم. ولا شك أن هذه المعلومات تأتيهم من متسللين بعثيين داخل أجهزة الشرطة العراقية.

إن القوى التي حركت الجناة لارتكاب الجريمة اعتقدوا أنهم بعملهم هذا سيرغمون الأمريكان على الانسحاب من العراق كما انسحبوا من الصومال إثر قتلهم وتمثيلهم بجثث الجنود الأمريكيين في مقاديشو في نهاية الثمانينات. ولكنهم لا يدركون بأن انسحاب أمريكا من الصومال قد أدى إلى تدمير الشعب الصومالي من جهة وتشجيع الإرهابيين على التمادي في ارتكاب المزيد من الإرهاب ضد أمريكا وغيرها. وقد أدرك الأمريكان هذه الحقيقة المرة جيداً. وبناء على هذا الدرس القاسي الباهظ الثمن، يؤكد الأمريكان، ومن جميع الاتجاهات السياسية، إصرارهم على ملاحقة الإرهابيين وعدم الإذعان لابتزازهم والبقاء في العراق إلى أن يحققوا جميع الأهداف التي جاءوا من أجلها وعلى رأسها سحق الإرهاب. وهذا هو الموقف الجديد الذي آلت أمريكا على نفسها اتخاذه. والعراق سوف لن يتحول إلى صوماليا كما يتمنى المجرمون من آكلة لحوم البشر.

ومما يحز في النفس، أن الأحزاب والقوى السياسية العراقية والقيادات الدينية، التزمت جانب الصمت إزاء هذه الجرائم المنكرة. لا بل وحتى الصحافة العراقية لم تصدر أي بيان استنكار عدا صحيفة واحدة، هكذا أفادت الأنباء. يبدو أنهم في حالة خوف من إرهاب فلول صدام، وهذا جبن ما بعده جبن. كان المفروض بالقيادات الدينية التي حرضت طلبة الجامعات على الإضرابات والمظاهرات ضد الدستور المؤقت لأنه أقر حقوق الأكراد في الفيدرالية، وما انفكوا يتظاهرون بالألوف احتجاجاً على غلق صحيفة (الحوزة) كان المطلوب منهم أيضاً إصدار الفتاوى ضد الإرهاب والدعوة للتظاهر ضده ليبرؤا ساحة الشعب العراقي من تهمة اللامبالاة إزاء هذه الجرائم. ولكن بدلاً من ذلك، التزموا صمت المقابر. بل قرأنا عن أحد آيات الله أنه بدلاً من التنديد بالإرهاب، راح يرِّوج للتطبير وادعى أنه عبادة والتخلي عنه خطأ لأنه يعد تنازلاً لطلبات الغربيين وإذا تخلينا عن التطبير اليوم فسيشجعهم هذا على مطالبتنا بالتخلي عن بقية العبادات(كذا).

كذلك نسأل السادة الذين أصدروا توصيات مؤتمر أربيل يناشدون فيها مصالحة البعثيين ونسيان الماضي وإلغاء قرار (اجتثاث البعث) أن يعيدوا النظر في مواقفهم من هذه القضية. أنهم اكتفوا بمطالبة الضحية بالعفو عن الجلاد وسكتوا عن فلول الجلاد الذين يفتكون بالشعب. فهل يصح المصالحة مع الجزارين المتمادين في غيهم وارتكابهم الجرائم بحق الشعب وأصدقائهم من الأجانب؟

أين أنتم من أسبانيا، فبعد مجزرة مدريد، خرج 16 مليون أسباني في جميع المدن الأسبانية بمظاهرات جماهيرية غاضبة استنكاراً للجريمة، كما شاركت الشعوب الأوربية بالمسيرات المليونية تضامنا مع الشعب الأسباني. يا للكارثة، لم تخرج أية مظاهرة في أية مدينة عراقية لتستنكر جريمة الفلوجة أوالجرائم الأخرى. أما الشعوب العربية الشقيقة فراحت تهلل للإرهاب في العراق وتعده مقاومة وطنية.

لذا فإني أهيب بجماهير شعبنا في العراق ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية بتنظيم المظاهرات الاحتجاجية استنكاراً لجريمة الفلوجة الوحشية وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في أربيل وكربلاء والنجف والكاظمية والناصرية والبصرة وغيرها من المدن العراقية ليبرزوا للعالم الوجه الإنساني الحضاري لشعبنا العراقي وليس فقط الوجه الإجرامي القبيح الذي تمثله البرابرة، فلول البعث المقبور وحلفائهم من الخارج. تقول الحكمة: (الخاذل كالقاتل).



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانفجار السكاني من أهم المعوقات للتنمية
- تعقيب على توصيات مؤتمر أربيل رفض (اجتثاث البعث) وصفة لإفشال ...
- ماذا يعني عندما يكون الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع؟
- مجموعة مقالات
- مجموعة مقالات
- مراجعة بعد عام على حرب تحرير العراق
- التداعيات المحتملة لجريمة اغتيال الشيخ ياسين
- نعم للمصالحة والمسامحة والاجتثاث!
- هل إلغاء قانون الأحوال الشخصية أول الغيث... يا مجلس الحكم؟
- رسالة إلى آية الله السيستاني حول قتل المسيحيين في العراق
- حل الجيش العراقي... ضرر أم ضرورة؟
- حول تصريحات السيد الحكيم بشأن تعويضات إيران من العراق
- عذق البلح - وعقلية أيتام صدام التآمرية
- سقوط صدام... سقوط آيديولوجية القومية العربية
- تهنئة لشعبنا العراقي العظيم
- تهنئة حارة وباقة ورد للحوار المتمدن
- لماذا يخاف العرب من الشيعة والديمقراطية في العراق؟
- لا للملشيات الحزبية في العراق
- الانتخابات تحت سيف الإرهاب وسيلة لإجهاض الديمقراطية
- العرب والسياسة


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالخالق حسين - البرابرة