أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جهاد الرنتيسي - تسونامي الغموض الاميركي















المزيد.....

تسونامي الغموض الاميركي


جهاد الرنتيسي

الحوار المتمدن-العدد: 2573 - 2009 / 3 / 2 - 09:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يكاد الجمع بين محاولات استشراف المواقف الدولية ، والتأثير فيها ان يكون ممارسة عربية بامتياز ، تعود الى الحضور الدائم لعنصري المفاجأة ، والارتباك في الوعي والسلوك العربيين .

ففي المنطقة العربية تدار السياسة بطرق اقرب الى البدائية " كل يوم بيومه " كما يقول المثل الشعبي الدارج .

هذه الطريقة تعفي اصحابها من بذل جهد كبير في قراءة مؤشرات المستقبل كاقامة مراكز بحث حقيقية توفر المعطيات اللازمة لاتخاذ القرار .

لكنها تبقيهم في دائرة الارتباك ، وردود الافعال ، وتحول دون انتقالهم الى فضاءات التفاعل الحقيقي ، الذي يترك اثرا في الاخر ، ويأتي بمكاسب سياسية .

التحركات السياسية التي تشهدها المنطقة مع قرب انعقاد القمة العربية في الدوحة لا تخرج عن هذا السياق ، فهي اقرب ما تكون الى صحوة اهل الكهف ، وربما خروج خجول لراس النعامة من الرمال ، بعد فوات الاوان .

فهناك محوران رئيسيان على اجندة القمة ، ينصب الجهد المبذول على التوافق حولهما ، يتمثلان في التوصل الى الحد الادنى من الاتفاق على كيفية مواجهة حكومة اليمين الاسرائيلي قيد التشكيل ، واتخاذ موقف مشترك من سياسة التسلح النووي والعقلية التوسعية الايرانية .

ويكفي هذان العنوانان الكبيران لتفجير اية قمة ، اذا اخذت بعين الاعتبار التباينات الواسعة في نظرة العواصم العربية لكيفية تصريف امورها ، وتجاوز ازماتها ، ومنظومات علاقاتها الاقليمية المتضادة في معظم الاحيان .

والواضح ان النظام الرسمي العربي الذي وصل الى مرحلة متقدمة من العجز عن خوض المعارك ـ الخارجية والداخلية والبينية ـ بات يعي هذه الحقيقة اكثر من اي وقت مضى مما يدفعه للبحث عن الارضية الملائمة للخروج بقواسم مشتركة .

علاوة على هذين العنوانين ، وارث انعدام الثقة ، يواجه النظام الرسمي العربي وهو يعقد قمته في الدوحة عدم وضوح الموقف الاميركي تجاه بؤر التوتر في المنطقة .

فالاولويات الاميركية موزعة بين عملية سلام متعثرة ، وازمة نووية ايرانية متصاعدة ، والرمال الافغانية المتحركة .

والاشارات التي ترسلها الادارة الاميركية متضاربة الى الحد الذي يزيد من ضبابية سياستها ، الامر الذي ينعكس تلقائيا على السياسات التي يتبعها النظام العربي ، ويكرس حالة الارتباك التي يعيشها .

فالموقف من الملف الفلسطيني مثلا يندرج في سياق الخطوط العريضة التي حددتها الادارة الاميركية السابقة والمتمثلة في اقامة الدولة الفلسطينية .

الا انه لم يتضح بعد مدى تمثل باراك اوباما لشعارات التغيير التي اوصلته الى البيت الابيض ، لدى تعاطيه مع جوهر ازمات المنطقة ، فالمطلوب لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ممارسة ضغوط جدية على الجانب الاسرائيلي ، ولا يخفى ذلك على طاقم ادارة الرئيس الاميركي ، ومراكز الابحاث في الولايات المتحدة .

خطوات مثل ارسال المبعوث الاميركي جورج ميتشل الى المنطقة فور تولي اوباما مهماته الرئاسية ، والتصريحات التي تطلقها وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون لم تصل بعد الى الحد الذي يشجع على التعامل معها باعتبارها مؤشرات يمكن ان تبنى عليها تصورات بان واشنطن بصدد ممارسة ضغط حقيقي على اسرائيل وارغامها على التوصل الى اتفاق ينهي الصراع .

وتضارب المؤشرات لا يقف عند العموميات ، ففي التفاصيل ما يكرس حالة القلق ، حيث غموض الموقف الاميركي تجاه مواصفات الحكومة الفلسطينية التي يمكن التعامل معها كشريك في عملية السلام .

في سياق هذه التفاصيل تندرج ايضا سياسة اللاموقف الاميركي تجاه احتمالات فتح قنوات حوار مع حركة حماس مما يبقي شهية الحركة مفتوحة على لعب دور البديل لحركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية رغم مشاركتها في الحوار الوطني .

والرسالة المبهمة التي ارسلتها الحكومة المقالة عبر السيناتور جون كيري خلال زيارته للقطاع ، وتصريحات احمد يوسف القيادي في حماس فيما بعد حول الاستعداد للحوار مع اوباما تقود الى قناعة بان الحركة مهيأة اكثر من وقت مضى للحاق ببالونات الاختبار الاميركية حتى آخر الشوط .

جوانب الغموض لا تنحصر في بدايات تعاطي ادارة اوباما مع الملف الفلسطيني ، المعروف بتعقيداته ، وتشعباته ، وامتداداته ، وتعدد الاطراف الاقليمية والدولية المؤثرة فيه .

فلم يخرج المسار التفاوضي السوري الذي توقف في محطته التركية من دائرة المؤشرات الاميركية المتضاربة .

احد مؤشرات التضارب انطلاق الحوار الاميركي ـ السوري في واشنطن متزامنا مع اعلان بعض اطراف الادارة الاميركية بان واشنطن لم تزل في طور دراسة خياراتها في المنطقة ، وتاكيدات هيلاري كلنتون على ان الوقت ما زال مبكرا للحديث عن ذوبان الجليد ، ومثل هذا المؤشر يضع لقاءات السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى ومساعد وزير الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان في سياق محاولات جس النبض .

بوادر الانفتاح الاميركي على سوريا لا تخلو من تفسيرات اخرى ، فهي من وجهة نظر البعض محاولة لابعاد دمشق عن الفلك الايراني ، واستخدام هذه الورقة في الضغط على طهران .

وفي تضارب هذه المؤشرات ما يبرر تقليل السفير السوري في واشنطن من اهمية شعارات التغيير التي يطرحها اوباما حيث اشار في احد تصريحاته التي سبقت اولى جلسات الحوار لوجود عدة مراكز لصنع القرار الاميركي.

هذه الاشارة قابلة لاكثر من تفسير ، ويمكن ادراجها في سياقات مختلفة مثل الحرص على الحد من الافراط في التفاؤل تفاديا لصدمة الفشل ، وحفظ خط الرجعة ، والضغط على الجانب الاميركي ، وتطمين الحليف الايراني .

الا ان خطورة الغموض الاميركي فيما يتعلق بالملفين الفلسطيني والسوري تتجاوز الحسابات الضيقة ، ففي احدى جوانبها تقدم اغراءات كافية لتفكير حكومة اليمين الاسرائيلي قيد التشكيل في استئناف سياسة اللعب على المسارات التفاوضية ، للافلات من اية ضغوط اميركية محتملة .

كما ان من شان هذه اللعبة القديمة ـ الجديدة ان توفر للجانب الاسرائيلي غطاء للتهرب من استحقاقات السلام على كلا المسارين .

واذا لم يستطع النظام الرسمي العربي استجماع عناصر قوته ، وايجاد رؤية مشتركة تجاه عملية السلام ، لا يوجد ما يمنع استثمار الجانب الاسرائيلي حاجة الفلسطينيين والسوريين للمفاوضات في هذه اللعبة ، والاستمرار في سياسة فرض الوقائع الجديدة على الارض .

النظام السياسي العربي ليس التائه الوحيد في مدارات الغموض الاميركي ، فهناك تائهين اخرين في المنطقة ، كالايرانيين ، والباكستانيين ،والافغان ، وتهب رياح التيه بشكل او بآخر على بعض العواصم الغربية .

و لا تبتعد ايران كثيرا عن النظام الرسمي العربي ، لدى قراءة سياساتها من زاوية التعامل مع ضبابية السياسة الامريكية ، في بداية عهد ادارة اوباما .

فالتفسير الايراني لمؤشرات رغبة الادارة الاميركية الحالية في فتح قنوات حوار مع طهران لم يبتعد عن ارضية قراءة نهايات عهد ادارة الرئيس جورج بوش الابن والتي تدور حول القناعة بان الولايات المتحدة وصلت الى مرحلة من الوهن والعجز تجبرها على الاذعان لنظام الملالي .

ومع استبدال السياسيين الايرانيين القراءة الواعية للتاريخ بالشعارات النارية التي تطرب البسطاء في شوارع طهران يستمرئ النظام الايراني فكرة التعامل مع الولايات المتحدة باعتبارها انقاض امبراطورية ، مضطرة للتسليم بما تفرضه عليها قوة اقليمية صاعدة .

قدرة مثل هذه الرؤية على محو الذاكرة تغيب عن تفكير السياسيين الايرانيين الجانب الاخر من المشهد ، فهم يتجاهلون الدعوات الاميركية لانهاء الطموحات النووية الايرانية ، ولا يلتفتون الى ردة الفعل المحتملة للنمر الاميركي الجريح ، التي ظهرت بوضوح حين استخدم اليانكي القنبلة النووية في اخضاع اليابان ، والقسوة التي تظهرها واشنطن في قصف المدنيين في افغانستان لضرب قدرات طالبان .

واللافت للنظر ان اتجاه الادارة الاميركية المحتمل للصدام مع طهران يحاكي رغبة عربية لا تقتصر على بعض اطراف النظام الرسمي العربي .

فلم يعد جزء كبير من الشارع العربي يخفي عدم ارتياحه للنزعة القومية الايرانية ، التي يخفيها نظام الملالي بشعاراته الثورية ذات الطابع الديني، وتطفو على السطح بين الحين والاخر ، مرة حين يطلق احد السياسيين الايرانيين تهديدا ضد دول الخليج العربي ، واخرى حين يتعامل مع العراق باعتباره منطقة نفوذ متنازع عليها بين واشنطن وطهران ، وثالثة مع وضع العصي في دواليب الحوار الفلسطيني ، او توتير المعادلة اللبنانية بالغة الحساسية .

وفي ظل تنامي القلق الرسمي والشعبي العربي من التهديدات الايرانية المقبلة تتجه المؤشرات نحو انتقال فوضى الاولويات من واشنطن الى الموقف العربي بشقيه الرسمي والشعبي .

ففي موازاة القوة الاقليمية الاسرائيلية وتداعيات اتساع دورها في الاستراتيجية الكونية تظهر القوة الاقليمية الايرانية بصورة الطامح الى دور مماثل في اخضاع العرب .

ومن المرجح ان تنتقل فوضى الاولويات التي يفرخها تسونامي الغموض الاميركي ، والتهرب الاسرائيلي من استحقاقات عملية السلام ، وتعديات ايران على عروبة الخليج ، واستثمارها لبؤر التوتر الى اعمال القمة العربية المرتقبة في الدوحة ، ليتم التعامل مع القضايا الساخنة من زاوية البحث عن قواسم الحد الادني .

الا ان القرارات المتوقع ان تنجم عن القواسم العربية المشتركة لن يكون مصيرها افضل من قرارات القمم السابقة ، مع قدرة دهاليز المتاهات ، ومدارات الغموض ، وضبابية الموقف الكوني على ابتلاعها .




#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبل اطلاق رصاصة الرحمة على خيار الدولتين
- سلام مشوه ... وازمات برسم التصدير
- ايران تخطف القطار الفلسطيني
- ازمة الخيارات الفلسطينية مع تلاشي حل الدولتين
- ضيق الخيال الايراني
- في نهج الاقصاء الحمساوي
- افق عربي ... لعراق مختلف
- حول صورة العربي في فضائية العالم
- ازمات المركز ...ومأزق الاطراف
- قلة الاستيعاب في صحافة الاعراب
- عار الصحافة العربية
- حماس تواجه الواقع باختزال التاريخ
- ديمقراطية الامعاء الخاوية
- خطاب -التخريف- السياسي
- علمانيون برسم الاسلمة
- من اجل فايز .... ورفاقه
- صراع الهويات الشرق اوسطية
- الخطيب يحاكم التجربة القومية
- حين يبحث -الغريق- عن قشته في -طبخة حصى-
- المالكي يحترف اللعب على التوازنات


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جهاد الرنتيسي - تسونامي الغموض الاميركي