أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - صائب خليل - كيف تكتب مقالاً مفيداً؟















المزيد.....

كيف تكتب مقالاً مفيداً؟


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2537 - 2009 / 1 / 25 - 06:30
المحور: الصحافة والاعلام
    


أولاً لنسأل: كيف نرى؟....ستقول: بواسطة الضوء بالطبع!....لكن ليس بالضبط، فمثلاً نحن لانرى شيئاً إذا حدقنا في مصدر الضوء الأعظم: الشمس! والناس في القطبين يعرفون مفهوم "الظلام الأبيض" حين يعمي البياض المنتشر في كل مكان، الرؤية. ونحن لا نرى كثيراً في النهار الضبابي رغم أن عيوننا تستلم الكثير من الضوء.

إذن، كيف نرى؟
في متجر صغير لفتت نظري إعلان عن مجموعة نظارات "بولارويد" مخفضة السعر و معلقة على عامود عرض. في أعلى العامود مربع رمادي – معدني، لا ترى فيه أي رسم أو شكل، حتى تلبس النظارة المستقطبة (البولارويد) وعندها يبرز أمامك فجأة رسم كثير التفاصيل! كيف ذلك؟ ولو نظرت من خلال هذه النظارة إلى الزجاج الأمامي أو الخلفي لسيارة قريبة منك، لرأيك داخل السيارة بتفاصيل أكبر مما تراها بدون نظارة. مرة أخرى، كيف ذلك؟

الزجاج المستقطب في نظارة البولارويد لايزيد كمية الضوء الذي يصل إلى العين بل بالعكس، يحجب بعضه، فإن كنا نرى بواسطة الضوء، لماذا نرى هنا بشكل أفضل عندما نحجب بعض الضوء؟
يحدث ذلك لأن "رؤيتنا" تعتمد، ليس على كمية الضوء، بل بشكل أدق، على كمية الـ "تباين" الذي نراه. ورغم أن التباين غير ممكن بدون وجود الضوء إلا أن درجة التباين كمقياس للرؤية، أفضل من شدة الضوء كما رأينا. الزجاج المستقطب في النظارات يقلل الضوء، لكنه قد يزيد التباين، فتزداد الرؤية!

لكن ما علاقة ذلك بكتابة المقالة المفيدة؟ العلاقة هي أن عقلنا يعمل بنفس الطريقة. تصور انك قرأت مقالة تنتقد كل الفنانين وتصفهم جميعاً بالتزييف، أو أخرى تلوم جميع المثقفين على نقص مبدئيتهم أو تهاجم جميع البشر لحماقتهم. ربما تتمتع بقراءة مثل هذه المقالة إن كانت كتبت بشكل جيد، لكن من الصعب أن نقول انها "مفيدة"، بمعنى أنها تساعدنا على اتخاذ قرار ما. فالقرار يكون عادة بخيار، لنقل بين (أ) و (ب)، فإن طلبت من أحدهم أن يختار لك بين كتابين ثم جاءك يقول: كلاهما سيئان! أو: كلاهما رائعان! فهو لم يخدمك بشيء. ماذا تنفعني مقالة تقول "أن جميع البرلمانيين سيئون" ؟ او كل السياسيين كذابون؟ أو جميع أنواع الحكومات مستبدة؟ ربما اتمتع وأنا أرى الكاتب يقول إن هؤلاء جميعاً من اللصوص ويسخر من كل المزيفين، لكن كيف تساعدني مثل تلك الإستنتاجات على الإنتخاب أو الخيار السياسي؟ (*)

هذا لا يعني بالطبع أن حجب المعلومات بشكل متحيز يزيد من قيمة النص. لنأخذ مثالاً فنفترض أن مقالة اقتبست من كل برلماني قولاً يبين أما أنه "متحيز لطائفته" أو هو "متحيز لقوميته" ليبرهن الكاتب بأن "جميع البرلمانيين متحيزون". هذه المقالة إلى حد ما من النوع الذي وصفناه بـ "غير المفيدة"، لكن حذف إقتباسات بعض هؤلاء من أجل ان نصل إلى الإستنتاج (المزيف) بأن هذا البعض ليس متحيزاً، لايجعل المقالة مفيدة بل مضللة! إنه يجعلها "حاملة للمعلومات" و "حاملة للقرار" لكنه حمل خاطئ مضلل وهو ما يستعمله البعض بلا شك.
كيف إذن نجعل من مثل تلك المقالة، مقالة "مفيدة"؟ بالتأكيد ليس بحذف بعض الإقتباسات تحيزاً، وإنما بحذف مؤسس على قاعدة سليمة ، مثلاً : ان نكتفي بالإقتباسات الطائفية لنشرح أي البرلمانيين طائفيون، أو القومية، بدلاً من إبقاء كليهما معاً وبشكل خليط عام. ففي حالة الخليط هذه يلعب كل من جزئي المعلومات دور التشويش على الآخر، رغم أن كلا منهما قد يكون مفيداً لوحده. إن ما تحجبه النظارات المستقطبة هو ضوء السماء المنعكس على زجاج السيارة الأمامية، فتسمح لأعيننا أن تستلم الضوء الذي يخترق الزجاج من داخل السيارة فنرى الأشخاص داخلها بوضوح أكبر. إننا نحذف "المعلومات غير ذات العلاقة" باهتمامنا، فتحصل "المعلومات ذات العلاقة" على تركيزنا كله.

لاحظ هنا العلاقة الوطيدة بين مثال البرلمانيين هذا وبين الصورة التي لا ترى إلا بالنظارات المستقطبة. فتلك الصورة كانت تحتوي مجموعتين من المعلومات، ما يحمله الضوء المستقطب عمودياً من جهة، وما يحمله الضوء المستقطب أفقياً من الجهة الأخرى. وبما أن العين لا تستطيع التمييز بين هذين النوعين من الضوء عندما يصلان اليها معاً، فإنها ترى "جميع النقاط مضيئة"، تماماً مثلما يرى القارئ للمقالة ذات الإقتباسات المختلطة بأن "جميع البرلمانيين متحيزون". ومثلما سمح حذف الجزء المستقطب عمودياً من الضوء لنا أن نرى شكل توزيع الجزء المستقطب أفقياً منه في اللوحة، سمح حذف "التعليقات الطائفية" (او "القومية") لنا أن نرى شكل توزيع المشاعر القومية (أو الطائفية) لدى البرلمانيين، وجعل النص اكثر فائدة.
وبالطبع يمكن ان تصل الفائدة المرجوة وبشكل افضل أيضاً لو أننا احتفظنا بكل الإقتباسات الطائفية والقومية، مع جهد للتمييز بينهما، فنحصل على كل من التوزيعين، الطائفي والقومي بين البرلمانيين، ومثل هذا يحدث في مثال الإستقطاب إن وجدنا نظارات تلون الإستقطاب الأفقي بالأزرق والعمودي بالأحمر مثلاً بدلاً من حذف أحدهما.

في كل الأحوال: ينتظر من النص المفيد أن يخبرنا، أو يساعدنا في معرفة أي الخيارات أفضل، وبأي شيء؟ يجب ان يقدم لنا النص صورة العالم أكثر "تبايناً" مما نراه بدون مساعدته، لنرى ذلك العالم بشكل أوضح، سواء عن طريق التمييز بالنوع أو حذف احد الأنواع إن لم يسهل التمييز.

مثال جميل آخر على الحذف عندما يصعب التمييز، نجده لدى الرسام الذي يبتعد عن لوحته بين الحين والآخر ليتأملها، أو تجد الرسام يغمض عينه نصف إغماضة وهو ينظر بتركيز، فما الذي يراه الرسام حين يبتعد وحين يغلق نصف الضوء عن عينه ولا يراه حين ينظر بعين مفتوحة من قريب؟ أية معلومات يحصل عليها في هذه الحالة دون غيرها؟
فيزيائياً ليست هناك معلومات أكثر بل أقل. ما يفعله الرسام هنا في الحقيقة هو أنه يبعد المعلومات التفصيلية الأقل أهمية ليقتصد في تركيزه ويقصره على التكوينات الكبيرة في اللوحة، فتتكفل المسافة أو إغماضة العين النصفية بحجب التفاصيل الصغيرة. هذا الإقتصاد يزيد من قدرة الذهن على التعامل مع المعلومات العامة في اللوحة، الخطوط العريضة، المساحات الكبيرة، توزيع الضوء على اللوحة عموماً، سلامة التركيب للكتل وتوازنها بين اليمين واليسار والأعلى والأسفل، دقة رسم المنظور، التوازن بين الألوان الباردة والساخنة...الخ. كل هذه المعلومات تكاد تستحيل رؤيتها من قريب حيث تختفي ضمن تفاصيل الرسم الصغيرة وضربات الفرشاة. لذا فحين نبتعد أو نغمض العين نصف إغماضة، فكأننا "نرى" أشياء لم نرها ونحن مفتحون كلياً، أي بالضبط كأن معلومات إضافية وصلت الى الذهن عن طريق حجب بعض المعلومات!

مثال آخر مفيد بتقديري لظاهرة "زيادة المعلومات" عن طريق "حجب المعلومات" العجيبة تجدونه في المقطع التالي من مقالة لي عن الإعلام والموضوعية في كتابة التاريخ:
"يقول المؤرخ الفرنسي كولانج الذي عاش في القرن 19: "إن مهمة المؤرخ جمع الحقائق وتكوين الروابط السببية فيما بينها لتحصل على صورة لما جرى في التأريخ."
لكن هذا الهدف الذي يبدو بسيطاً وواضحاً، انما هو مستحيل تماماً. فلو أردت "جمع الحقائق" بلا تدخل منك لوجدت امامك منها كما ً هائلا ً يستحيل جمعه. والأسوأ من ذلك انك لو تمكنت من جمعه فستجد كومة من المعلومات لاشكل لها وبالتالي لايمكن تقديمها الى القارئ بشكل مفيد ذي معنى. لذا يضطر المؤرخ الى التعامل مع الحقائق التأريخية بانتقائية، وهذا أول تدخل له في تلك الحقائق!" (1)

كل هذه الأمثلة تمظهرات للحقيقة الغريبة وهي أننا يمكن أن نرفع من "كمية" المعلومات بالنسبة لعقلنا عن طريق حجب جزء من تلك المعلومات، أي أننا"زدنا المعلومات بإنقاصها"!

إذن، وعودة إلى موضوع عنوان مقالتنا أقول، إن المقالة المفيدة التي تساعد في تقييم الأمور واتخاذ القرارات فيما بعد، هي التي يبذل فيها "جهد انتقاء" أو تمييز واضح فتختار وتنتقي المعلومات المفيدة دون غيرها ثم تقوم بتصنيفها ولا تقذف بكل ما يجده الكاتب بوجه القارئ ككتلة هلامية ليس لها شكل وترابط يسهل فهمه ومن ثم تذكره. المقالة المفيدة أيضاً ليست تلك التي تمتدح بشكل عام أو تذم بشكل عام، بل تلك التي تمتدح شيئاً على حساب شيء آخر!

يمكن للكاتب ان يزيد من شعبيته بشكل سهل إن أراد بامتداح عام لكل ما هو مقبول لدى الناس، أو ذم عام لكل ما يتذمر منه معظم الناس. لذا يكون الكاتب مصيباً إن توقع شعبية كبيرة لمقالة له تمتدح كل "ألأخلاق الحميدة"، او تذم "السياسيين" بشكل عام، أما كاتب المقالة التي تميز الاشياء عن بعضها وتتخذ موقفاً منها، فعليه أن يتوقع أن يرشقه بعض القراء بالشتائم، لكنها الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تساعد على رؤية أوضح للعالم وتدفع إلى التفكير الفعال.

والآن، هل هذا المقال "مفيد" من وجهة نظر ما جاء فيه؟ أتصور ذلك، لقد حاول التمييز بين المقالات ذات النقد العام وتلك التي توجه نقدها بشكل تمييزي وامتدح الثانية على حساب الأولى. آمل أنه كان حيادياً في فحوصه وقراءاته وأمثلته، دون ان يكون حيادياً في استنتاجاته.


هوامش:
(*) ليست عبارة "جميع البرلمانيين سيئون" مفيدة في اتخاذ قرار "لمن تصوت في الإنتخابات؟" لكنها قد تكون مفيدة للخيار بين "التصويت أو عدم التصويت"، وهنا المقارنة مختلفة فنحن نكون ميزنا بين "التصويت" من "عدم التصويت" ولم نمتدح الخيارين أو نذمهما معاً، وفي المثال إفترضت ان القارئ يبحث عن جواب للسؤال الأول. في جميع الأمثلة في المقالة يمكن الإعتراض على مثل هذه التبسيطات، لكني اعتبرتها ضرورية ومفهومة بدون شرح.

(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=133812



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثنان وعشرون انتصارا لسكان غزة
- قتل الأطفال، كناري الحضارة والمنبه الدقيق للمجمتع
- حكايات عن نساء في غزة
- إيميلات من غزة
- السفارة كتعبير عن الصداقة
- نحن مدينون بالكثير لهؤلاء الحمقى!
- المسير في تظاهرة ساخنة في شوارع أمستردام المثلجة
- ال.... قائداً
- شارون العربي
- الحرب على غزة والخيار بين البراغماتية والكرامة
- قصتان قصيرتان عن الغزالة والجرذان وعشيرة الشجعان
- وهاهي فضيحة الفصل السابع تعرض امامكم....
- مابعد الإتفاقية - 2- الخيار الصعب بين إغراء الإستسلام للراحة ...
- لماذا يرموننا بالأحذية؟
- الإحساس بالدونية وراء الهجوم على منتظر وليس الحرص على التهذي ...
- قصة حذائين
- الوطن المصاب بداء الشك بجدوى الكلمات
- ما شعور رسامي الكاريكاتير في العراق في هذه الفترة؟
- ما سر فتنة الحوار المتمدن؟
- ما بعد المعاهدة-2: عندما تريد شيئاً يمتلكه شخص آخر: هل صداقة ...


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - صائب خليل - كيف تكتب مقالاً مفيداً؟