أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري - فاروق سلوم - تداعيات شخصية















المزيد.....

تداعيات شخصية


فاروق سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 774 - 2004 / 3 / 15 - 03:08
المحور: ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري
    


إبك كـــألنســاء.. ملكا لـم تحفظه..مثل الرجال
كنت اواخر شهر تشرين أول 2002أتأمّل الحالة السيئة التي نمضي اليها..كل يوم..
رأس النظام..أصبح أعمى ولايرى قدميه..ووزير الثقافة حامد حمّادي موغل في فتونه..
فهو مثل سيّده ..موهوم ومغرور ومتماهي في شخصيّة القائد الضرورة..
وحين كاشفته يوما بسوء ألأوضاع وكنت يومها مديرا عاما للفنون الموسيقية..خاطبني بغضب
وأمرني أن أحسّن أداء لجنة التعبئة في دائرتي ..دائرة الفنون الموسيقية..وأن أحفر مواقع
في مدرسة الموسيقى والباليه..ومعهد الدراسات الموسيقيّة..وفي قاعة الرباط حيث تقدم الفرقة السمفونية الوطنية حفلها الشهري..وأن أخّزن الوقود وألأسلحة والطعام ..وأنا أصغي بصمت..
وحين رآني ما أزال أحدّق في وجهه..قال بأبتسامة مغرورة وبلهاء..( لاتنسى أن السيد الرئيس
في طالعه أنه سيحكم خمسين عاما..وهو الذي ذكر لي ذلك ) وحين أنهى الوزير حكايته..أخرجت المنديل..
ومسحت جبهتي منسحبا بكلمات رسمية..من لقاء الوزير الكبير..كانت في داخلي تداعيات ..وإرجاعات عن كل ما سمعته من آهتمامات القائد الضرورة بألسحر وقراءة الكف والخيرة..
ولذلك فأن من قرأ له الطالع ..أدخل في روعه أنه سينتصر في هذه الحرب..وتذكرت وأنا أجتاز ساحة المرآب الخلفي ذلك المسافر اليماني الذي شاركني الكرسي على الطائرة من دبي الى عمّان قبل بــضــعة أسابيع وكنت في طريق العودة من دبي الى عمان فبغداد…
..فقد حكى لي قصص ألأولين حول جيش سيغزو العراق..ويقتل ألآلاف من العراقيين ..وسينتصر أولا ثم يصطدم هذا الجيش ألأجنبي بجبل النار في العراق عندها سيخسر وسينتصر على جيش الكفار رجل ليس عادلا وقد ملأ بلاده ظلما وقتلا وجورا..
ويظن هذا اليماني أن المقصود الذي سينتصر هو : صدام حسين وسينكسر الجيش ألأمريكي..
قلت مع نفسي.. هذا واحد من هؤلاء الذين يداعبون عواطف صدام الذي يضم في شخصه كل تلك التناقضات..وقطعت الطريق وأنا أفكر في ترتيب الخلاص يوما رغم فوات ألأوان ..
ورغم ذلك كان اول شيء فعلته حين وصلت مكتبي..هو الدعوه الى أجتماع الملحنين لأعادة المسابقة الخاصّة بتلحين سلام ألأمراء ( الذي أكتشف القائد أنه من مؤلفات شوبان وهذا لا يجوز
كما ابلغني الوزير يومها )..ومسابقة موسيقية لمواكب التشييع ..وكنت أقرأ ملامح ألأستغراب على وجوه الموسيقيين العراقيين وأعضاء اللجنة الوطنية للموسيقى..ففيما كانت ألأشارات كلها تؤكّد الحرب ينصرف الدكتاتور ووزير ثقافته الى التلحين والغناء ومهرجان الميلاد كما سنرى..
وحين أنفض ألأجتماع منتصف النهار ..رن الهاتف وإذا به السفير الفرنسي السيد جانييه..
الذي يتكلم العربيه بطلاقه وهو يقول أن أحد الدبلوماسيين الفرنسيين القدماء المتقاعدين يزور البلاد وقد التقى بعض المسؤولين..وطلب أن يلتقي بعض المثقفين وقد أخترناك أنت والفنان فيصل الياسري والممثل جواد الشكرجي والأذاعي محمد السيد محسن ..وكان لكل منا برنامجا ثقافيا للعمل المشترك مع المركز الثقافي الفرنسي وتربطنا بأركان السفارة دعوات بروتوكولية متبادلة ..لذلك فأنهم يضعون الرجل في مكان آمن..للتعرف الى شؤون وشجون البلاد..
أجبت السفير بألأيجاب وشكرته على دعوته..وتوجهت الى مطعم بغدادي في الكرّادة حيث سنلتقي هناك..بدا الرجل وقد تجاوز الستين ويتكلم العربية ..إنه متزوج من لبنانية ويقيم في
لبنان ..وقد خمنت من الحديث أنه ربما يحمل رسالة لم يستطع إبلاغها إلاّ الى طارق عزيز في أفضل الحالات في ذلك الوقت المشحون..كان حديثنا متنوعا وكنت ألاحظ العديد من رجال مخابرات
النظام دخلوا المطعم وتحلّقوا حول مائدتنا..رفقة فتيات أظن أنهن من عناصر العمل..ورغم ذلك
كنت حريصا في اللحظات ألأخيرة أن أسأله قرب باب السيارة التي ستقله عن الزمن التقريبي للحرب فقال مصافحا: إنها حتمية ولكن ليس هذا العام 2002 بل في شباط أو آذار 2003 ..صافحنا الرجل بعد أن أستمع الى أحاديث شتى في الحضارة والحياة والثقافة..ثم أستقل سيارته
فيما بقينا نحدق في وجوه بعضنا أنا وجواد وفيصل الياسري..وودعنا بعض دون كلام..


في صباح اليوم التالي ونحن ندخل شهر تشرين الثاني وصلتني رسالة عاجلة عن أجتماع عاجل للجنة العليا لأحتفالات ميلاد القائد..وقلت في نفسي إنهم يتصرفون وكأن الحياة مستمرة بشكل طبيعي فلا حرب ولا خطر على القائد إذن..وهكذا كانت سياسة العمل تقوم على مبدأ كرة الثلج وعلى رسم أنطباع أن كل شيء عادي ..فألقائد يشاهد معارض لوحاته ..ومعارض الكتب
ويستقبل ويهش ويبش حتى أن همام عبد الخالق الوزير ألأسبق قال يوما معلقا على الثقة التي يحاول أن يزرعها فيهم القائد الضرورة ( إنه جبل ..يارجل..جبل ) ..
..في اليوم التالي أصطحبت صديقيّ (جورج ملبرونو وكرستيان شيسنو ) وكانا يعدان سريا
لكتابهما ( صدام حسين : صورة شخصية ) ورجوني أن أصطحبهما الى تكريت..والعوجه من أجل قراءة المكان..وحين حكيت لهما ماكان قاله همام عبد الخالق من قبل ..ظل جورج يسخر
ويردد طوال الطريق بلهجه مخلخلة ..(جا با.. ل هبيبي جابل ) ..ولـمّاصدر كتابهما أبان الدخول ألأول لقوات التحالف كان من بين أكثر الكتب مبيعا حيث نفذت أول ثلاثين ألف نسخة مطبوعة..وحرص جورج على زيارتي بعد سقوط النظام لأهدائي نسخة خاصة وهويردد
بسخرية خفيفه جبل..حبيبي جبل..
كنت طوال ألأيام أسمع ولدي المهندس في الدائرة الهندسية التي تنفذ قصور صدام ( الدولة ساقطة
ياوالدي ) ..كان يرددها منذ سنوات وأنا أكمّمه لكي لا يسمعه أحد وتنتهي حياته ..لكنه كان يقص لي كل يوم المعانات وألألم ..والسرقات والرشاوى وتصرفات صدام غير المتوازنه عندما يزور تلك القصور قيد ألأنشاء فيغير كما يشاء ويحور ويطلب إنجاز تغييرات معمارية تتطلب أسابيعا ويأمر بتنفيذها خلال يوم وليلة..وكيف كان الجميع يخاف من نزقه وظلمه..كنّا نتهامس الى أين تمضي البلاد..ونقضي أوقات طويلة كل مساء فيما الحرب تدق ألأبواب..
كنت أكتب زاوية أسبوعية في جريدة العراق ..بعنوان أوراق وكنت أحرص على تحييدها ..ورغم ذلك فكانت تأتيني رسائل من رئيس ديوان الرئاسة تبلغني بأطّلاع صدام على مقالتي ويبلغني السلام ..كان يفعل ذلك مع عديد الكتاب والشعراء بغية إشعارهم بأن الرئيس يقرأ ماتكتبون ..وأنكم مطالبون بألكتابة التشجيعية التي تعلي شأنه ..وقد دفعت المكافآت المادية العديد من الكتاب والصحفيين للكتابة عن مناقب القائد وصفاته والحقيقة هوكان يفعل ذلك مع القصيدة والفكرة ..وحتى الزاوية الصغيرة ..من أجل أن يظل الكاتب يشعر بألخوف والمتابعة وأن ظلّ القائد موجود في القراءة والمتابعة..وفي كل نأمة أو حركةولدي الكثيرمن ألأدلةأذكر أنني حين
ضربت بغداد عام 1998 كلفت بألأشراف على محطة تلفزيون الموصل بعد السيد أمير الحلو وكانت الضربة يومها قد دمرت كل محطات ألأذاعة والتلفزيون ..وكان من مهمتي متابعة المهنديسين الذين كلّفوا برفع محطة البث في سنجارونقلها الى بغداد..من مقر عملي الجديد في الموصل ..وبعد أكثر من شهر أتـممت مهمتي وعدت بعد أن أنقطعت عن الكتابة كل تلك المدّة..وحين عدت تذكرت بضعة مهندسين من الموصل قاموا بعمل بارع في نقل المحطة وإعادة تشغيل تلفزيون بغداد دون أن يتململوا أو يطلبوا مكافئة أو حتى كتاب شكر ..فكتبت في جريدة الجمهورية زاوية صغيرة بحجم
الكف بعنوان / هذا هو العراق / وشرحت فيها تفاني هؤلاء في العمل وعدم مطلبيتهم ودورهم في تشغيل تلفزيون بغداد يومذاك..وفي صبا ح اليوم التالي جاءتني رسالة عاجلة من ديوان الرئاسة تقول ..( أن السيد الرئيس أطلع على مقالتكم المعنونه كذا .. وعلّق سيادته قائلا : أين أنت يافاروق ..هل جفّ قلمك أم ماذا..) والحقيقة أن الرسالة أرعبتني فهي بقدر ما تبدو أنها تنطوي على التحفيز في الحملة الصحفية ضد الضربة العسكرية وقرار الرئيس كلنتون بضرب العراق عام 1998 لكنها في نفس الوقت تنطوي على تهديد وإنذار ..ويمكن تحليل لغة الرسالة للوصول الى
وسائل الدكتاتور يومذاك للتعامل مع رهائنه من مختلف ألأختصاصات ..ومختلف شرائح الشعب
وأنا أظن أن كل عراقي لديه قصّة توضح ألأجبار وألأرهاب والتخويف الذي تعرض له الشعب لأظهار الولاء والتسبيح بحمد القائد..كما يمكن الحديث طويلا عن ألأمراض النفسيّة وتناول ألأدوية والكحول عند شرائح متنوعة للتأكد من الحالة الكابوسية اليومية للناس ..فكيف بألأدباء والفنانين والصحفيين وعموم اللذين لم يستطيعوا الهرب أو الهجرة الى خارج البلاد.. ولذلك ننظر
بكثير من ألأستغراب الى أولئك الذين يكيلون التهم لنا ويضفون علينا من الصفات ..حيث يتوجب
ألتماس ألأعذار لهم فقد حملوا من الجراح والهجرات وألأضطهاد والقتل ما يجعل الغصة والحرقة واللوعة والحقد والضغينة والكراهية التي في نفوس المقيمين في الخارج مدفوعين بغضبهم لأتهام الجميع،وهي مشاعر وأحاسيس..
أكبر من إمكانية النظر الى حقيقة معاناتنا في الداخل على أنها نمط آخر من ألأسى والمعانات..
وأذكر ..في سلسلة أجتماعات اللجنة الخاصة بميلاده..كنا ننظر في وجوه بعض ..فلم يكن وزير التربية ـ رئيس اللجنة أحسن منا حالا فقد كان ممثل ديوا ن الرئاسة وممثل ألأمن الخاص يقرران
المطلوب من ألأطفال أن يفعلوه أمام القائد الضرورة..وهم يشكلون اللجان ويقررون ماينبغي أن تفعله المجاميع..وبقينا طوال تلك ألأجتماعات نعتقد أن الحرب القادمة ..هي ..صفقة إذن..
في الفترة ذاتها مر زائرا الصديق هانز فون سبونك ـ رئيس برنامج ألأمم المتحدة ألأنمائي الذي إستقال..وشرب قهوة في مكتبي وهو يتأمل بغداد من الطابق السابع وقال : ربما هذه هي المرة ألأخيرة التي سأزور بها بغداد..خذ حذرك وصافحني وغادر بعد أن شكرني على العون الذي قدمته للتلفزيون السويسري على إنتاج أفلام تسجيلية متنوعة..وأظن أن تعاوني مع نشاطات ألأمم المتحدة هو الذي دفع السيد فرانسيس دو بوا الرجل الذي حل محل السيد سبونك أن يمنحني فيما بعد شهادة حليف للأمم المتحدة في حفل أ ستقبال قبل الحرب..
كان الوقت يمر سريعا..وكنت هيأت الوفد الموسيقي للتوجه الى مدريد لتقديم موسيقى عراقية هناك..ومرة ..مثل كل تلك المرات التي يحصل فيها عادة ..جاء من يبلغني أن علي أن أحضر الى
أستعلامات القصر الجمهوري صباحا..كان ذلك أواسط كانون الثاني عام 2003 وفيما ينصرف الزمن وألأحداث في سباق محموم نحو الحرب ..كنا نعاني من يأس قاتل فيما هو يلتقي كل ليلة بقادته وعسكرييه لتزجية الوقت بألكلام المكرر وألأنتصارات الموهومة..أستقبلني الموظف الناوب ثم رافقني الى سيارة بيضاء توجهت بي الى داخل المجمع الرئاسي في كرادة مريم..كنت أشاهد أعمال البناء التي لاتنتهي حول قاعة الخلد..ومنازل كرادة مريم التي هجّر منها أهلها أو أستملكت عنوة..وكنت ألحظ السكون والشحوب..والعزلة القاتلة التي يعيشها المكان المحيط
ببناية المجلس الوطني..عند الباب المواجه لمركز المدينة رمتني السيارة وأول شيء صدمني هو الجدار
الذي يغلق المدخل ..وأنتظرت قليلا في ألأستعلامات ..لا كلام ولا توضيح ولا مجاملة ..ثمة كراهية تملأ الوجوه..تلك الكراهية التي علمنا إياها القائد لكي لانحب بعض يوما … ا.. ..ثمة أنفعال غريب بكل من رأيت ثم جاءني من يأخذني الى مكتب السكرتير..الممرات صامته وخلف أعمدة المبنى يختفي الحراس الخاصين..وفي زوايا المكتب..لم أتأخر طويلا فقد أدخلوني الى الغرفة من بوابة تنفتح على مكتب الرئيس..كان صدام واقفا مبتسما وأنا أتقدم المسافة التي أحسست أنها أبعد بكثير من الخطوات القليلة التي علي أجتيازها..مد يده مصافحا ثم جلس خلف مكتبه وأشر لي فجلست ..أمتدح نشاطي الذي يقرأ عنه ..وحياني لأهتمامي بألفنانين ..ثم رفع عينيه وكأنه ينهرني لأني كنت أحدق في جبهته الضيقة ..قلت كلاما مجاملا فأنا
تركت خلفي زملاء العمل كل يتدبر فكرته للخلاص من الموت القادم ..كان الجميع يعرف أن القائد يقودنا الى السقوط ..( فأما العراق وإما الطوفان ) كما كتبت صحيفة عدي ..بابل تلك ألأيام..كان صدام يقوم بما يسمّيه هو : فن تمرير الوقت ..كما قال مرة في اواخر السبعينات..
وألتفت إلي ليقول : أنا أشكرك على مقالتك بألأمس في جريدة العراق..وهو يضحك ..وبسرعة خاطفة أستعدت فكرة الزاوية ..فربما يقصد بألعكس..وخلاصة المقالة التي يقصدها كنت أقول أن رواية مصّاصو الدماء يعود فيها البطل دراكولا ليمتص دماء صانعيه..فهل سيعود الوحش العسكري ألأمريكي المدجج بألتكنولوجيا الحديثة ليأكل صانعيه ..ويبدو أن الفكرة أستهوته الى
هذه الدرجه فهو يهتم بألفكرة التي تثيره ..تحدث عن ألأعلام طويلا ..ولم يتحدث عن الثقافة ثم طلب المصورين لنلتقط صورة..كان عاديا ويبدو طبيعيا ..ولكن ثمة تشتت واضح وهروب من ألأفكار ..وفي طريق الخروج كنت ألاحظ الشحوب على وجوه الجميع وشبح المجهول يرافق الجميع من المرافقين الى السكرتارية ..وحتى سائقي العربات ..وقد تأكد حدسي حين ذهبت في اليوم التالي الى دائرة السفر للتوقيع أمام المدير لأستلام جواز سفري الجديد من الفئة ألأدارية ..
دبلوماسي..حيث لاحظت العديد من المعقبين ينجزون عشرات جوازات السفر لعوائل المسؤولين في أعلى سلم الدولة..كما كانت الدائرة الصغيرة تعج بمئات ألآلاف من المواطنين وهم ينجزون جوازات سفرهم هربا من المصير الذي جرّهم اليه صدام بجنونه ونرجسيّته وعناده ودمويّته..
وحين عدت الى المكتب أبلغني مدير مكتب الصحاف ان الوزيرغاضب عليك فسألته مالسبب ..قال تبنّيك لقضية ( جـين عرّاف ) مراسلة سي أن.أن في بغداد .. وجعلت أتأمل والحقيقه أن
إخراج الصديقة جين كان يعبّر عن نفاد صبر السلطة ..فكل الذي فعلته جين هي أنها أعدت خبرا عن المواطنين الذين تظاهروا قرب وزارة ألأعلام يسألون عن أبنائهم المفقودين بعد أن اطلق الطاغية سراح المجرميتن والقتلة واللصوص..وكانت التظاهرة تعبير عن شجاعة الناس ونفاد صبرهم..وحين جاءتني زميلتها المراسلة ريم ألأبراهيمي تطلب مني ظرورة التدخل لأن جين صديقة مشتركة ..حاولت ألأتصال هنا وهناك..رغم اني مقتنع انه قرار علوي ويومها قال لي أحد المسؤولين ..لاتتدخل في ألأمر ..الموضيع كبير..رغم أن الجريدة التي تعنى بألفنون (ألوان)التي
كنت أرأس تحريرهاكانت تحمل مقالة في نفس اليوم عن قضية طرد جين عرّاف ( أنا والسي.أن.أن )..وهو ألأمر الذي أثار وزير ألأعلام ..ولحسن الحظ كنت أتبع الى وزير الثقافة وليس ألأعلام ..كما أن الوزيرين لم يكونا على وفاق وإلاّ لكان أشتكاني الصحاف عند حامد حمادي ويومهاكانت الدلائل تشير الى أنكسار الوضع المعنوي داخل الجيش ..,ان الدفاعات الجوية في وضع سيْ والتعيينات من طعام وعدد لاتصل إلاّ لماما للجنود ..وكنت تأكدت من ذلك حين زارنا الفريق الركن محمد عبد القادر مسؤول لجنة التعبئة في وزارة الثقافة..حين أشعرني أن كل ألأجراءات هي إجراءات شكلية ..يومها أحسست حقا أن كل شيء يمضي الى نهايته ..وحين زارني الصيديق ( جون لي أندرسون / محرر النيويوركر ) ورآني في حالة من القلق وألأرتباك سألني مستفسرا ..فقلت له كل شيء سيىء وكل المؤسسات منهارة ..الواجهات واقفة فقط ولذلك
أنا سأغادر..وهكذا أستدعيت الوفد الموسيقي وطلبت أن يتهيأوا للسفر أوائل آذار..رغم أن أحد عناصر الـمخابرات كان ضمن الوفد ..وقد لاحظت عليه رغبة بألتبكير للسفر والخلاص من مطحنة الموت..وفي دمشق أستقر الجميع وكان الفنان حسين ألأعظمي..يضفي من روحه المرحة على الجميع وكان يسمّي أية قضية تثار بأنها لغاوي..ويجب أن يصفي الجميع قلوبهم..
بحيث عاش الجميع في دمشق جوّا عائليا بعد أن أعتذرت السفارة الأسبانية عن منحنا الفيزة..
ونصحتهم بألبقاء..فقال أحد أعضاء الوفد إذا بقينا دون الذهاب الى جهة إيفادنا ..مدريد..
فإننا حين نعود الى بغداد سيطالبنا البنك بإعادة الخمسمائة دولار التي صرّفت لنا ..وهنا قلت دون شعور : ومن قال لك أن البنك سيبقى ..لن تجد من يطالبك ..فساد الصمت في الغرفة
حيث تنبهت أن لاأحد ينطق في إشارة الى وجود عنصر المخابرات بيننا ,,ولكني لاحظت عليه هو أيضا علامات ألأقتناع بما قلت ..وحين بدأت الحرب بضربة هدف مهم تفرقنا كل الى أتجاه ..فمنهم من عاد الى بغداد ومنهم من أختار البقاء حتى تنجلي ألأمور..وقد آثرت البقاء في دمشق معتقدا أن اللعبة أنتهت ..كنت ألتقيت في دمشق الصديق العزيز الدكتور عبد الحسين شعبان والسيد صلاح عمر علي والكاتب عبد القادر البريفكاني وجمهرة من ألأصدقاع الكورد في طريقهم الى العراق بعد أن توضحت الصورة وتساقطت ألأهداف والمدن الواحد ةتلو الآخروكانت ألأسئلة وألأرتباك ..والفرح وألأستغراب..والتشفي ..والشعور بألأنعتاق هي خليط الحوارات والمشاعر ..فلم أجد إلا أن أزور الشاعر الكبير مظفر النواب في مقهى الهافانا..الذي منحني اللطف والهدوء والمحبة..ولذلك حين أتصلت بي المذيعة نيكول تنّوري من ألأم.بي.سي في تلك الليلةفي برنامجها ( العراق وسط العاصفة ) الذي كان من ضيوفه الدكتور مصطفى العاني من المعهد الملكي للدراسات الستراتيجية والعميد..العبيدي الناطق بأسم الوفاق الوطني في لندن ..أوضحت بعض ألأفكار والتعليقات حول ألأسماء والمواقع..وألحقائق التي قيلت..وحين طلبت الي أن أقول عبارة مختصرة في نهاية البرنامج ..كررت العبارة الشهيرة التي قيلت يوم سقوط ألأندلس ..موجها كلامي الى الطاغية الذي دمّر كل شيء:
( إبك..كألنساء ملكا لم تحفظه مــــثل الرجال )
***



#فاروق_سلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مـــن الســماوة الى ..البـوزار
- مــوفـق مـحـمـد : الشعر يسقط المراوغـة
- كريمة هاشم.. الخزف خارج العاطفة
- نـزار عـباس :العــــمل الـمـفرد..والذات المفردة
- أضــداد
- مواكب النهار
- فـــوّ هـا ت
- لوحـة سـتار كاووش
- عـن المكاشفة ..والتقية ..والحوار الغاصـب
- وجهـة نظر
- خاطرة..محمد خضير يتسلّم جائزة عويس
- الأعتراف والمكاشفة ....
- كتاب الصابئة المندائيون كنـزا ربا :قراءة في الكنـز العظيم..
- حول عشائر المثقفين.. مـراثـي..الياقات البيضاء
- جوقة الجنرال


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري - فاروق سلوم - تداعيات شخصية