الحرية عند ستيوارت ميل

محمد نبيل الشيمي

الحوار المتمدن-العدد: 2507 - 2008 / 12 / 26 - 09:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

تقديم
الحر لغويا الخالص من الشوائب أو الخالص من قبضة الرق والحرية تعني الخلوص من الشوائب أو الرق أو اللؤم فهي التحرر من القيود التي تفيد حركة الإنسان وعطائه وقدرته على الاختيار وهي تفيض الفرض والإجبار .
الحرية ملك للناس جميعاً يحق الولادة بدونها يفقد الإنسان جزءاً من إنسانيته .
يقول الأستاذ / خالد محمد خالد في الحرية لم تضح البشرية في سبيل شيء كما ضحت في سبيل الحرية ولم ترفع قبضتها في وجه شيىء كما رفعتها في وجه الاستبداد .
لقد أبلت الحرية بلاءً عظيماً عاملة وكادحة في سبيل تطهير الروح الإنساني من رواسب الماضي الرهيب وتطهير العقل وأوهامه وتطهير الإرادة من أغلالها الغلاظ .
وعلمت الحرية بني الإنسان أن يحتقروا الطغاه الكبار وكذلك علمت الذين تراودهم أنفسهم المريضة وتوحي لهم الإنقاص من حرية الشعوب .. علمتهم أن الاستبداد هو الأب الشرعي للمقاومة وأن الرأي المكبوت المكظوم يتجول داخل النفس إلى قذيفة مدمرة وعلمت الناس جميعاً أن أفضل الطريق لحضارة حقيقية هو فتح منافذ الملاحة الفكرية والقضاء على كل بواعث التهيبفي الشعوب
الحرية عند حول ستيوارت ميل (1806 – 1873) في كتابة الحرية يرى أن حرية الفكر وحرية العمل هما أثمن ما تقدمه الحكومة لرعاياها وليس لأي فرد أو جماعة تعويق حرية الإنسان إلا دفاعاً عن النفس وما من مسوغ لاستخدام القوة المشروعة ضد إرادة الفرد إلا لمنعه من إيقاع الأذى بالآخرين وإنه لا يجوز التعرض لحرية الفرد إلا لحماية الغير منه أو لمنعه من الإضرار بغيره .
يرى ميل أن ما يتصل بسلوك الفرد ولا يؤثر في الغير أو يؤثر فيهم طوعاً ورضا وقبولاً فهو المنطقة الحرام في حرية الإنسان وتتمثل :
1. في حرية الضمير وما يتصل بها من حرية الفكر والعقيدة والتعبير والمناقشة بأوسع معانيها .
2. في حرية الفرد في اختيار ما يوافق ذوقه ومزاجه وتكييف حياته على ما يحب ويرضى ما دام لا يتعرض للآخرين بأذى حتى وإن جلب على نفسه المصره .
3. حرية الاجتماع للراشدين دون إكراه أو تدليس لأي غرض لا يضير الغير.
فما من مجتمع يجل تلك الحريات ويكفلها إلا وهو مجتمع حرمهما كان طرازه ومهما تكن حكومته فجوهر الحرية يقوم أصلاً على الانطلاق الذي يحمل الأفراد على السعي وراء مصالحهم إيان يريدون وكيفما يبتغون ما داموا لا يعرضون غيرهم بالأذى .
حرية الفكر والمنافسة عند مل
يؤكد ميل على عدم أحقية أي حكومة سواء بنفسها أو بتأييد الشعب أن تخرس فردا واحداً عن إبداء رأيه حتى لو خالف الجميع في الرأي (يعتقد أن الإجماع لا يعد دليلاً على الصواب والقلة ليست دليلاً على الخطأ) ووجهة نظر ميل في هذا أن حرمان الفرد من إبداء الرأي مضرة للناس وحرمان للإنسانية من دواعي الرقي والتقدم فإذا كان الرأي صواباً فقد حرم المجتمع من فرصه التغيير وإن كان على خطأ فقد حرم من فرص المقارنة التي تؤكد ما هو عليه من حق .
ويستمر مل في عرض وجهة نظره في حرية الفكر والمنافسة حيث يرى أن المفكر لن يبدع ما لم ينطلق بفكره وحرية الفكر تمنح القدرة والتبصر الذهني للطبقة الوسطى فالثورة على الجمود مفتاح التقدم وتحريم المنافسة أو ينقلها مما يؤدي إلى الغموض فتتحول التقاليم إلى ألفاظ مبهجة غير مفهومة بل قد تصبح جوفاء تردد دون وعي أو إدراك وفي معرض رأيه عن الحرية أنتقد مل الديمقراطية فهي في نظره تمثل سيطرة من الأكثر على حرية الأقلية حتى ولو كان فرداً واحداً وهذا يعني عنده أن الحرية تتطلب وجود معارضة وتبادل في الآراء كي تنمو الأفكار الحرة أما إذا سلم الجميع بالأمور وعدم وجود ما يستدعي النقد والمساءلة هنا بجمد الفكرويضمحل الابتكار .
ويستطرد مل "لا نزاع في أن الحياة السياسية كغيرها من جوانب الحياة الأخرى لا تقوم إلا على رأيين متعارضين وحجتين متقارعتين تقفان على طرفي نقيض وأن صلاح الناس عقلياً وفي كافة شئونهم إنما يستلزم كفالة حرية الفكر والمنافسة وحججه في هذا .
- إن إخماد رأي قد يخمد حقاً ومن يفكر احتمال ذلك فإنما يدعي العظمة .
- إذا افترضنا لإخماد الرأي مجافاته للصواب جاز افتراض أنه يتضمن بعض الحق وهو الواقع فعلاً فلا تكتمل الحقيقة إذن إلا إذا قارع الرأي السائد رأي مخالف .
- إذا كان الرأي صواباً واشتمل على كل الحقيقة وجب كفالة الحرية في مناقشته مناقشة جادة ليقع في أذهان الناس على ثقة ويقين .
- وتضعف الآراء وتتلاشى حتى تفقد تأثيرها على الإطلاق وتغدو العقيدة ألفاظاً جامدة جوفاء لا تحقق خيراً ولا نفعاً ولا تؤثر في سلوك الناس إذا ما حيل بينها وبين المنافسة .
ويؤكد مل على أهمية عدم الحجر على حرية المنافسة حتى وإن تجاوزت حدود الصرف والآداب ولكن على الرغم من ذلك فإن على الناس الالتزام بالحق والإخلاص في النقاش وأن يحذروا التعرض لخصومهم في أشخاصهم والتهكم عليهم وخاصة إذا كانوا من المختلفين معهم في آرائهم ... ويكون هنا الحكم للرأي العام ... إن هناك حاجة ماسة للإلتزام بالحق ومحاربة التعصب والشطط والنفاق ـ وما أحوج المجتمع التزام الأمانة في مقارعة الخصم وتنفيذ حججه ... وهذا أحد أهم عناصر الحرية .
2. دور الفردية عند مل :-
- يرى أنه لا ضرر من إطلاق حرية العمل للأفراد أسوة بحرية الرأي ما دام هذا لا يتسبب في ضرر للآخرين فعنه ما يصدق على حرية الرأي يصدق على حرية العمل ولن تستقيم الحياة ما لم تتأكد شخصية الفرد والحضارة لن ترتقي ويزيد التمدن بدون فردية ذات كيان مستقيل ـ والفردية عند مل دعوة للخلق والإبداع والنمو والتطور ويعتقد مل أن رغبات الإنسان وأهواءه كزواجره ومعتقدانه وهي جانب جوهري في الإنسان الكامل وأهواء الإنسان لا تمثل ضرراً إلا عندما يختل توازنها الذي قد يحدث عندما يصاب الضمير بالوهن ويؤكد مل على أن أهواء الإنسان ورغباته دليل على العواطف الزاخرة والحيوية الجياشة وهي صانعة الأبطال ودافع الناس إلى الخير ـ وأن وأد الأهواء أو اعامتنها عن الانطلاق يؤدي إلى وأد المجتمع عن الإنطلاق والتقدم .
إن كل جديد في الحياة هو من عمل الفرد ... والغريب أن مل لم يكن يؤيد مبدأ "عبادة البطل" فليس لعبقري أو عباقرة وحدهم المخالفة والخروج عن المألوف ولكن من المهم أن يكون للأفراد والمنفردين أهمية خاصة لدى الرأي العام أن من الأهمية بمكان ترك شخصية الفرد كي تنطلق وأن تضاءل هذه الشخصية من شأنه إصابة الأمة بالجمود ... هذا الجمود الذي يرى مل أنه قضى من قبل على شعوب الشرق وقضى على كل دعوة للإصلاح والحرية ...
حدود سلطة المجتمع على الفرد ,
يرى مل أن ما يخص الفرد وحده هو حق له ... وما يزيد عن ذلك فهو حق المجتمع ... وفي كل الأحوال فعلى الفرد تحاشي الأضرار بمصالح الفرد فضلاً عن تحمل نصيبه من التضحية التي يتطلبها المجتمع .

وركز مل على أنه لا يجوز للمجتمع التدخل في شئون أفراده إلا فيما يتجاوز ذواتهم إلى ذوات الآخرين فالإنسان حر في كل ما يتعلق بذاته ... وتتوقف هذه الحرية عندما يصيب الآخرين بضرر ويندرج تحت مفهوم الضرر عند مل لغش والخداع والظلم حتى سلبية الفرد التي قد تلحق بالغير ضرر يعد من قبل التجاوز في الحرية وكل الأفعال التي تتجاوز الذات وتخل بحقوق الغير تقع تحت ما يسمى بطائلة الجزاء الأولى حيث يترتب عليها أذى الآخرين وهذا يعني لديه سلوكاً يتجاوز نطاق الحرية ويندرج تحت دائرة الجزاء الأدبي .
.. كان مل عاشقاً للحرية ومدافعاً عنها مؤمناً بأنها حق طبيعي منحها الخالق العظيم لبني الإنسان ... وهي بذلك تعد ملكاً للناس جميعاً ... والحرية في نظره مؤسسة للحضارة وعندما تقرب الحرية تنطفىء شمس الحضارة .
أما ما يتعلق بما قد تقرضه الحكومات على أنشطة التجارة والصناعة ففي نظر مل لا تمثل تعارضاً مع الحرية الشخصية طالماً كانت وقفاً على ما يمس المجتمع بأسره وهو في هذا الصدد يؤمن بأن مصلحة المجتمع قد تقتضي أحياناً تنفيذ الحرية حتى لا تنقلب الأمور ويكون هذا من خلال نزع الأفعال التي تسبب الضرر وترك الأمر هنا للفعل الأخلاقي أو القانوني .

ويضرب في هذا الصدد أمثلة فعندما يتولى المجتمع مراقبة الغش التجاري ويقوم بفرض شروط صحية على المصانع أو تحريم السموم والمخدرات فإن ذلك لا يمثل اعتداءً على حرية الفاعل أو من ينتوي القيام بها .
كان مل مؤمناً بأهمية الحرية المشروعة للفرد في إطار مجتمعي يقوم على التوازن بين الفردية والجماعية ضارباً عرض الحائط بنظرية أستاذه (بتنام) رفيق والده في طبيعة المنفعة لقد فضل مل منفعة المجتمع شريطة ألا تطغي على حرية الفرد ... خروجاً على رؤية بنتام التي فضلت منفعة الفرد على منفعة المجتمع لقد سعى إلى صياغة فكرة الحرية كي تكون لها مكانة في التاريخ وفي المجتمع ـ كان يرى أن الحرية نعمة بذاتها .. وهي في نظره لصالح الفرد والمجتمع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :-
- جان توشار وآخرون ـ تاريخ الفكر السياسي ـ ترجمة أ. د على مقلد ـ
- عبد الرحمن بن صمايل السلمي ـ الليبرالية نشأتها ومجالاتها ـ
- تنظير السياسة د. محمد طه بدوي
- د. حسين فوزي النجار ـ عن الحرية لستيوارت مل .

#محمد_نبيل_الشيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات