أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الاستبداد كاغتراب سياسي














المزيد.....

الاستبداد كاغتراب سياسي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2422 - 2008 / 10 / 2 - 09:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد يمكن تعريف الاستبداد بأنه شكل من الاغتراب السياسي، من حيث أن هذا يعني انفلات شروط حياة الناس من بين أيديهم ومداركهم، ومثولها كأقدار خارجية متعالية، ومن حيث أن الاستبداد (في صيغه العربية التي نعرفها على الأقل) يتسم بتعطيل قدرة المحكومين على التنظيم والتعبير المستقلين، بما قد يساعدهم على التحكم بمصيرهم والسيطرة على شروط حياتهم.
وقد توصف "الأقدار" تلك بأنها الغضب الإلهي، أو "المرحلة التاريخية الحرجة.."، لكن تسميتها إسرائيل أو أميركا أو الامبريالية أو العولمة.. لا تقول شيئا مختلفا. لا نعني أن إسرائيل وأميركا والعولمة.. اختلاقات منا، ما نعنيه هو أننا ننكر مسؤوليتنا عن نوعية تفاعلنا الراهن مع هذه القوى والعمليات من جهة، وأننا نتوسلها لإبقاء أوضاعنا كما هي لا لتغييرها وتوسيع هامش مبادرتنا الفاعلة في العلاقة معها من جهة ثانية. وإدراكنا لهذه القوى مشوه أو مغترب هو ذاته، فلا تبدو قوى دنيوية تاريخية، لا يقتضينا فهمهما مفاهيم ومناهج مختلفة عما قد نحتاج لفهم قوى دولية وعمليات تاريخية أخرى، بل هي كائنات شريرة جوهريا، تحمل شرها وفسادها وعداوتها لنا في طبيعتها بالذات. ثمة شيء شيطاني متأصل فيها، وصراعنا معها صراع خير وشر، حق وباطل، صراع مطلق أو "وجودي". لا نكون إن كانوا، فإن كنا لا يكونون. والمعنى العملي لذلك هو تثبيت أوضاعنا الراهنة إلى أن تهزم الامبريالية والصهيونية والعولمة، بمعجزة ما في يوم ما. وهو ما يناسب تماما دوام أطقم الحكم الاستبدادي في بلداننا.
ومن سمات التفكير المغترب هذا أيضا "شخصنة" العلاقات الدولية (عبر مدرك "الامبريالية" بخاصة) وما هي عمليات تاريخية كالعولمة (معادلتها بالأمركة..)، أي النظر إليها كأشخاص فاعلين مغرضين. ومن المفهوم أنه ما إن يلج الأشخاص مسرح التفكير والسياسة حتى تتبعهم نظرية المؤامرة التي تقرر أن المؤامرات الأجنبية، وليست أفعالنا وسياساتنا، هي سبب بؤس أوضاعنا. يسعنا القول تاليا إن نظرية المؤامرة هي أعلى مراحل الاغتراب السياسي.
ويقرر التفكير المغترب أن الغريب هو أصل الشر، أو إن شئنا مصدر غربتنا في العالم والعصر. ولما كان يمكن تعريف الوطن والوطنية بالتعارض مع الغربة والاغتراب، فإن الوطنية المعادية للغريب هي الحل الجذري لاغترابنا. بيد أن هذه حل زائف ومغترب هو ذاته، يسلب أكثرية "المواطنين" إمكانية التأثير على ظروفهم، ويضعهم تحت رحمة سلطات غريبة و"أجنبية" بأتم معنى الكلمة، بمعنى أنها تعرقل توطنهم في عالمهم واستيعابهم له والسيطرة على شروط حياتهم فيه. إنها وطنية منتجة لأقسى أشكال الاغتراب السياسي، الاستعباد.
وفي ظل وطنيات معادية للغريب، يستنفد الاستنفار الموصول والعقيم ضد الأعداء الغرباء ومؤامراتهم قدرة الجمهور على المبادرة والتفاعل والفهم، ويؤول به إلى اللامبالاة والسلبية. أي بالضبط إلى الاغتراب عن مصيره. وهو ما يبدو مناسبا جدا للسلطات وإيديولوجييها. فالوظيفة الجوهرية للوعي المغترب هي إخفاء الجهة صاحبة التأثير الحاسم على شروط حياة السكان والمتحكمة بمستقبلهم والموجهة لمصائرهم، أعني السلطان الاستبدادي.
وعلى هذا النحو يصير الناس موضوعا لشروط حياتهم بينما تغدو الشروط هذه هي الفاعل والمحرك. فالاغتراب السياسي بوصفه مثول شروط حياتنا كأقدار خارجية لا قبل لنا باستيعابها وضبطها والتحكم بها متولد عن شل قدرة السكان على الفهم والإدراك، وعلى العمل والمبادرة.
وفي محاولة لتملك هذا الشرط إدراكيا يطور الشعور العام مقاربات يتناسب تجريدها مع شدة انفصال السكان عن القوى المشكلة لأوضاعهم، أي مع درجة اغترابهم. ولا ريب أن انتشار الإسلامية الاجتماعية وصعود الإسلامية السياسية متصل بهذا الشرط المنفلت تمام الانفلات. فحيال أوضاع تتعذر الإحاطة بها والتحكم بمساراتها، توفر الإسلامية تفسيرا متاحا في متناول اليد (الابتعاد عن الدين..) وعاما شديد العمومية (بحيث يتعذر اختباره ودحضه) ومولدا للشعر بالذنب (بحيث يفل الحس النقدي). وهو بالطبع تفسير مغترب بدوره، يحيل إلى مبادئ مجردة لا سبيل إلى التأثير عليها. ولا يطعن في اغتراب الإسلامية ذلك الالتباس الذي يغذيه الإسلاميون بين الاغتراب كما عرفناه (انفلات شروط الحياة من سيطرة الناس العقلية والعملية..) وبين التغريب (انتشار تنظيمات غربية، سياسية وحقوقية وثقافية..) الذي يجعلونه وحده منبعا للاستبداد والفساد والضعف في مجتمعاتنا. وهم في ذلك يخلطون بين مفهومين للخارج (أو الأجنبي أو الغريب). مفهوم يبرزونه، يحيل إلى الخارج بالمعنى الجغرافي الثقافي (لأسباب تاريخية ينصرف هذا المعنى تحديدا إلى الغرب)؛ ومفهوم يتكتمون عليه يحيل إلى ما هو "خارجي" على الفاعلية البشرية وكتيم حيالها ومتعال عليها. وهو ما يتيح لهم المطابقة بين ما هو "داخلي" ("الإسلام") وما هو تحرري، على نحو ما تطابق السلطات الاستبدادية بين الوطنية المعادية للغريب وبين الوطنية التحررية والديمقراطية.
وهكذا يولد الاستبداد الاغتراب السياسي الذي ينحل ويجد وذروته في آن معا في الشكل القياسي لكل اغتراب: الاغتراب الديني. وقد يبدو كلاهما نقيضا تاما للاغتراب. فأحدهما يحيل إلى الأصل والهوية، أصلنا وهويتنا ومصدر تجذرنا في العالم؛ والآخر يحيل إلى "الوطنية"، مقام إلفتنا وحريتنا الأكيد. غير أن ما يغلب عليهما من تكفير وتخوين موجهين لعزل المعترضين على الاستبدادين السياسي والديني يكشف أنهما، بالأحرى، حارسين للغربة والضياع لا لسكنى العالم وتوطنه والسيادة فيه.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة
- من الشعبوية والنخبوية إلى استقلال السياسة والمعرفة
- الليبرالية الجديدة والبرجوازية الجديدة في سورية
- -مرشد الأمة- وتأسيس الطغيان
- -السنة والإصلاح- لعبد الله العروي: من التسنين إلى التاريخ!
- من هم الأشرار... وكيف التخلص منهم؟
- -إعلان دمشق- وأزمة المعارضة السورية
- -نخبة- متخلفة في مجتمع متغير
- كأنها حرب أهلية...
- في شأن مسألة الحاكمية
- في أن القضايا -المقدسة- مطايا مثالية!
- انفصال عن الجدار مقالة في الثقافة والثورة الثقافية
- عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية
- من البشير الصامد إلى حنبعل الفاتح!
- قليل من السياسة، كثير من المشاعر
- الاستبداد والغرب: الحكاية نفسها دوما
- في ضروب الشعبوية العربية وبعض خصائصها
- الطغيان مخرجا من صعوبة السياسة
- -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية
- المثقفون والمسألة الإسلامية


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الاستبداد كاغتراب سياسي