أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - مسرح.. كليب















المزيد.....

مسرح.. كليب


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2417 - 2008 / 9 / 27 - 08:25
المحور: الادب والفن
    



الهوة سحيقة بين المسرح الذي نادى به ونظّر له الفيلسوف اليوناني أرسطو وما نشاهده الآن من عروض مسرحية ، تؤمن إيماناً عميقاً بفكرة موت المؤلف ، تلك التي فجرها كتاب (موت الخالق) للفيلسوف الألماني "نيتشه" صاحب فكرة (القوة هي الحق) فمنذ أن فجرت هذه الدعوة؛ تفشت في حقل الأدب عامة والأدب المسرحي وفنون عرضه تلك الدعوة وتمكنت من أهله؛ ذلك أن المؤلف هو خالق للنص المسرحي والمخرج المسرحي هو باعث ذلك النص إلى الحياة الفعلية من جهة نظر ما ، وهو خالق العرض المسرحي من جهة نظر أخرى.
ولأن الفن المسرحي لا يقوم بدون خالق أول هو المؤلف وخالق ثان هو المخرج بصفته باعث النص بعد انقطاع صلته بالمؤلف الذي سواه خلقاً إبداعياً نصياً – ليسويه الإخراج كياناً نابضاً بالحياة ملء سمع المتفرجين وبصرهم، لذلك أصبح لفن المسرح (خالقان) الأول فارقه نصه أو خليقته فراقاً طبيعياً؛ كما يفارق الطفل والديه في مرحلة ما أطلق عليها علماء نفس الطفولة (مرحلة الفراق الطبيعي) تلك التي ينفر فيها الطفل من كل ما يطلبه منه والداه؛ بغية الاستقلال والاعتماد على نفسه. وقد وجدت فكرة موت المؤلف صدى كبيراً في الحقل المسرحي . ولربما أكدت مقولة للكاتب المسرحي الفرنسي (جان جيرودو) ذلك المعنى حيث يقول (إن القانون الخالد في عملية التأليف المسرحي تتمثل في توالد الشخصية المسرحية وبعثها في كل مرة تمثل فيها لتصبح مخلوقاً جديداً ، فكل ممثل يعطينا للدور الواحد حياة جديدة للشخصية التي مثلها قبله عشرات أو مئات الممثلين؛ ومع كل إعادة تمثيل لشخصية مسرحية تبتعد بتلك الشخصية عن خالقها الأول – مؤلفها – ولا تبقى على صلة بمؤلفها إلاّ تلك النصوص التي تظل حبيسة أدراج مكتب مؤلفها.
ومع اتساع الهوة أكثر فأكثر بين الخالق الأول للنص المسرحي ومخرجيه - من ناحية - وممثلي شخصياته - من ناحية ثانية - وخالقي بيئة أحداث نصه المسرحي - مكانه وزمانه – اضمحل اعتماد المسرحيين على النص أكثر فأكثر ، حتى تم الاستغناء عنه في تيار العروض المسرحية الما بعد الحداثية – وهو ما جسدته عروض مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي على مدى عشرين دورة وما جسدته عروض فرقة الرقص المسرحي الحديث التابعة لدار الأوبرا المصرية – ومع تفشي ظاهرة " الفيديو كليب " وتقنية (الكولاج) في مجال التشكيل وصناعة الصورة الفنية وفن الإعلان وتقنية (الريبورتاج) أو التحقيق الصحافي تأثرت أغلبية العروض المسرحية التي تظهر على الساحة في أيامنا هذه ، فبرزت عروض يمكن أن أطلق عليها (مسرح كليب) وهي عروض تعتمد على تقنية (الكولاج) – دون هدفها - وهي عروض شكلانية في صورتها الكلية، لأنها مجموعة من الصور والتشكيلات التجميعية لعناصر متعددة من فنون متعددة أهمها التشكيل والحركة الراقصة واللقطات السينمائية دون أن يكون في صياغتها الفنية قصد التوحد لخلق معنى واحد أو وحدة معنى لكل لوحة – ولا أقول مشهد أو منظر – ومن ثم فليست وحدة المعنى في العمل ككل متقصدة أيضاً من مبدع ذلك العرض . كما أن الحدث أيضاً مفتقد ولا وجود لوحدة فنية من أي نوع، وإنما المقولة والمقولة فحسب التي يريد مبدع العرض أن يقولها ، تماماً كما يتقصد كاتب المقال الصحافي توصيل فكرة ما أو رأي ما من وراء مقاله . ومثال ذلك في المسرح عرض (ساعة في قلبك) الذي أبدعته ورشة عمل مسرحية بقصر ثقافة الأنفوشي في عام 2002 ، وهو عرض خال من الحدث ومن أي وحدة فهو يتمحور حول أسلوب تربية الأطفال في الأسر المصرية ليكتشف المتفرج حقيقة لا يعرفها فحسب بل هو يعيشها في بيته أو في بيت أسرته الكبيرة.
ولقد شاهدت منذ شهرين في مسرح (الجراج) بالجزويت بالإسكندرية عرضاً مبهراً يدخل في إطار أسلوب الشكلانية القائم على استدعاء الشكل للمضمون - ممتزجاً بأسلوب التفكيك القائم على كشف تناقضات النص أو الفكرة من خلال عناصر وصور متشظية وتداخل مكاني وزماني .
وأقصد عرض (جوا قلبي) ولا أدري ما الفرق بين عنوان العرض الأول (ساعة في قلبك ) والعرض الثاني (في قلبي) فكلا العنوانين يشي بوجهة نظر أو شعور خاص بمبدعه أو مبدعيه باعتبار أن كلا العرضين هو نتاج ورشة مسرحية. وهذا لا يقلل بحال من عنصر الفرجة الذي أمتعنا به كلا العرضين .. فكلاهما كانا فرجوياً وممتعاً وكلاهما كانا يستدعيان فكرة ما. (ساعة في قلبك) يستدعي فكرة خطأ أسلوب تربيتنا لأطفالنا وعرض (جوا قلبي ) يستدعي خاصية تتكرر في أسلوب كتابة سترندبرج – الكاتب المسرحي السويدي – لمسرحياته – وهي تتمثل في التمرد في طقس الرقص تفريغاً للطاقة الزائدة لأبطاله المتمردين ؛ لذلك تشكل العرض من حركات راقصة أو شبه راقصة (تعبير بلغة الجسد) مع تعبير بلغة الصورة السينمائية دون أن يكون بين التعبيرين صلة ما؛ فإسقاط صورة من مشهد الساحرات في عرض فيلم (مكبث) لبولانسكي غير مرتبط بالمقولات المسرحية لنصوص سترندبرج ، ولا علاقة للأداء الصوتي الذي يصاحب التحريك الإيقاعي الدرامي الملمح - لعدم وجود حدث – باللقطات السينمائية التي تتساقط على هيكل الكرة الأرضية الشفاف الذي ينفرج حين تنشطر الكرة الأرضية إلى شطرين في حركة دائرية ليتحول إلى خلفية بانورامية شفافة كنصف قوس يحتضن المؤدين – ولا أقول الممثلين باعتبار الأداء إلقاء معبراً أكثر منه تمثيلاً لغياب الحدث ومن ثم عنصر الصراع يدور حول فكرة رفض كل لفظ يمت إلى العبودية بأدنى صلة الأمر الذي توجته بعبارة ( أنا أكره عباد الشمس ) التي ما أن تلقيها إلاّ وتترى خلف أدائها تعبيرات كل مؤد ممن شاركوها ذلك العرض (الدراما كليب) ليعلن كرهه لعبودية شيء ما. وتتكرر تيمة حرية الإرادة الفردية في رفض المؤدية أن تجلس على المقعد في الوضع الذي أعد لها من قبل المؤدي الرجل فهذه الحركة تؤكد حالة التمرد التي تبرز عند المرأة في مسرح سترندبرج.
وتتداخل استعمالات الإكسسوار المسرحي مع التحريك الإيقاعي والإلقاء الصوتي المتبني لتيمة رفض كل ماله علاقة بلفظة (عبد) أو (عبودية) لتدل دلالة علاماتية (شيفرية) رمزية على فكرة مسرحية (مس جوليا) الرئيسية مثل (قفاز اليد) و (حذاء الصيد) و (رنين الجرس) وهي مفردات (إكسسوارية) يعرفها من قرأ أو شاهد عرضاً لمسرحية (مس جوليا) لسترندبرج ومن ثم لاتصال الفكرة الرئيسية أو المقولة الأساسية للمسرحية لمن لم يقرأ النص أو يشاهد العرض كله. من هنا فإن المتفرج الذي حضر عرض (جوا قلبي) إن كان ممن قرأ النص الأصلي أو شاهده عرضاً كاملاً قد يلتقط بعناء وبدون تشبع من خلال العلامات الإكسسوارية الثلاث أن تلك العلامات تشير – إن استطاع فك شيفرتها – إلى حذاء الكونت والد الآنسة جوليا وأن رنين الجرس هو جرس مطبخ قصر الكونت الذي يلقي بأوامر السيد من علٍ ليلتقطها الخادم جان بكل كيانه فيسرع إلى تلبيتها . وأن القفاز هو علامة رمزية ترمز إلى الطبقة العليا رمز لعضو منها هو (جوليا ) نفسها التي خلعته رمزاً لخلعها لطبقتها.
وينطبق القول نفسه على مصور الفوتوغرافيا الذي يقتحم لوحات عرض (جوا قلبي) ليوحي بأن العرض مجرد تصوير للقطات متفرقة من مسرح سترندبرج وهو نفسه لا يخرج عن أسلوب الفيديو كليب.
كما ينطبق القول نفسه على لوحة النعش الأبنوسي الأنيق الذي يحمل اسم سترندبرج بتاريخ ميلاده وتاريخ وفاته وقيام المؤدين بنشره إلى أربعة أقسام متساوية للدلالة على المراحل الفنية التي مر بها مسرح سترندبرج . كما يؤكد النعش فكرة المخرج حول متحفية مسرح سترندبرج، وهو بذلك يجسد رأي المخرج المعد كما يعد مجرد مزار للمهتمين والدارسين وهذا لا يعني أن المتعة مفتقدة عند المتفرج العادي لذلك العرض، على العكس فالمتعة قائمة ومبهرة . غير أن ما قدم لا يرضي سترندبرج ولا يرضي فنان المسرح وناقده وجمهوره التجريبي وهذا لا يعني أن العرض يعدم نقداً منصفاً ، بل سيجد ناقده أو سيوجد ناقده الذي يستمد عناصر نقده من العرض نفسه وليس من خارجه .
والعرض ينحو منحى منهجياً في تجريبيته شأن عرض (ساعة في قلبك) وهذا شيء جديد في مصر. قد يحسب للمخرج ريادة ذلك اللون من التجريب المسرحي : (كليب) إن لم يكن قد اقتبسه من عرض أجنبي شاهده في زياراته المتعددة للمسارح الأوروبية. ولو كان المخرج قد اتخذ من أعمال مؤلف مسرحي مصري محور العرض المسرحي لما كان يمكن أن يشتبه أحد في أن فكرة لوحة نعش سترندبرج رمزاً لمتحفية مسرحه ومراحله الأربعة يمكن أن تكون نتيجة لمشاهدات خارجية للمخرج ولكانت ريادته لفكرة مسرح كليب لا تشوبها شائبة.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيرجينت.. وفن الإهانة
- جماليات الإخراج المسرحي وتجليات الفاعل الحضارى - دراسة في تح ...
- الميتا ذات .. طفل الأنابيب المسرحى
- ذاكرة المسرح السكندرى
- جماليات الفن التشكيلي بين اللوحة المقروءة واللوحة القارئة
- تأملات فلسفية حول المسرح والمصير الإنساني
- التجريب واصطياد فراشات المعني بشبكة الصورة
- تقنيات الكتابة السينمسرحية في- تسابيح نيلية- لحجاج أدول
- المسرح في زمن الحكي
- حوارية القطع والوصل في الحديث عن المسرح الشعرى
- الفن بين ثقافة الاباحة وثقافة المنع
- أشكال الفرجة الشعبية وعناصرها في المسرح العربي (سيميولوجيا ا ...
- توازن الصورة الفنية بين المسرح والفن التشكيلى (1)
- مسرح إبسن بين المتخلفات والمتغيرات المعرفية المتلازمة
- محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكي
- التعبير المسرحي الشعري بين التأمل الذاتي والانفتاح على المعن ...
- بيرجنت وفن الإهانة
- تعليقا ً على دراسة ازدواجية اللغة لمهدى بندق


المزيد.....




- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
- فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...
- بعد ضجة واسعة على خلفية واقعة -الطلاق 11 مرة-.. عالم أزهري ي ...
- الفيلم الكويتي -شهر زي العسل- يتصدر مشاهدات 41 دولة
- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - مسرح.. كليب