أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - هايل نصر - صعق فتاة عربية بقرار















المزيد.....

صعق فتاة عربية بقرار


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 2372 - 2008 / 8 / 13 - 11:23
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


فتاة عربية, جميلة, هذا هو اسمها. دخلت فرنسا نظاميا بجواز سفر وتأشيرة. انتهت صلاحية التأشيرة, منهية معها قانونية بقاء جميلة. تخفت ولم تعد لبلدها الذي تحبه وتكره ما وصل إليه, وما أوصلها إليه. والدها التسعيني يريد عودتها ولكن ليس صفر اليدين. أختها, صفية, تنتظر ما سترسله لها من دراهم لإجراء عملية جراحية لا تملك فلسا من تكاليفها.
بعد تخفي سنتين, وشى بها أحدهم, من أبناء جلدتها, فجاءت الشرطة تتحقق من شرعية إقامتها. صدق الواشي, وأُوقفت جميلة. في الحجز garde à vue أُبلغت بحقوقها: حقها في إخبار احد أفراد أسرتها بأنها موقوفة ــ ليس لها أسرة أو صلة قرابة في فرنسا ــ. حقها في عرضها على طبيب. وفي التحدث لمحامي. و ذلك خلال الساعة الأولى للتوقيف, ليس لزيادة إنسانية من الشرطة, وإنما لان القانون, في حالة مخالفة هذه الإجراءات, يجبر قاضي الحريات والحجز على إطلاق سراحها فورا. وعودة تخفيها من جديد. وبعد التحقيق وأخذ المعلومات أصدرت المحافظة préfecture ضدها قرارا اقتياد إلى الحدود décision de reconduite à la frontière ووضعها في مركز إداري لحجز الأجانب CRA في انتظار تسفيرها.
كانت جميلة قد أضاعت, أو أتلفت, جواز سفرها, لتخفي جنسيتها وتعيق السلطات الفرنسية عن تنفيذ القرار. لأنه لا يجوز ترحيل إنسان لبلد غير بلده. ولكنها, بناء على نصيحة بعض المحجوزين معها من أصحاب السوابق والخبرة في التخفي, اعترفت باسمها الحقيقي وجنسيتها, لتجنب الاقتياد أمام محكمة الجنح بتهمة إعاقة تنفيذ إجراءات الإبعاد, وعقوبتها القصوى 3 شهور حبس, ومنع من دخول الأراضي الفرنسية لمدة 3 سنوات.
أمضت جميلة في مركز الحجز الإداري 15 يوما, في انتظار تعرف قنصلية بلدها عليها لمنحها رخصة سفر. ونظرا لعدم اهتمام القنصليات العربية بمثل هذه الأمور, أو تقاعسها في أحسن الأحوال, طلبت المحافظ من قاضي الحريات والحجز تمديد الحجز لمدة ثانية, 15 يوما , للحصول على الرخصة المذكورة. في نهاية الثلاثين يوما تصبح جميلة طليقة إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسفيرها. ولكن هذا لا يسقط قرار الاقتياد إلى الحدود. وعليه, وبهدف إلغاء القرار المذكور تقدمت جميلة بطعن إداري إمام المحكمة الإدارية.
يوم جلسة النظر في القرار المطعون فيه, ونظرا لعدم استطاعة المحامي إيجاد أي عيب شكلي أو قانوني في القرار, أو أي شيء يمكن أن يكون لمصلحة موكلته, لم يكن أمامه إلا التوسع في عرض الأسباب الإنسانية, والحالة الاجتماعية لموكلته وعائلتها. والأسباب التي دفعتها للهجرة, وما تعرضت له من إهانات واستغلال في الفترة القصيرة التي عملت بها ــ تبلغ جميلة من العمر 25 سنة ــ ومحاولة تزوجيها عنوة بقريب لها لا يكبرها إلا بثلاثين سنة. فلاح ميسور الحال ستطاع إعاشة امرأتين وقدير على إعاشة ثالثة مضافة إليهما. مذكرا انه لا يريد أن يطلب من المحكمة محاكمة الأنظمة السياسية بسبب هجر جميلة, ومئات ألاف من أمثالها, لبلدانهم الأصلية لان ذلك ليس من اختصاص محكمة إدارية فرنسية.
كان السؤال الأخيرة للقاضية هل تريدين إضافة شيء؟ أجابت جميلة باكية منتحبة: أرجوكم وأتوسل إليكم لا تعيدونني لبلدي. أفضّل السجن على ذلك (جواب يسمعه القضاة والمحامون يوميا في قضايا إبعاد الأجانب). واعتقدت القاضية أنها تسمع إضافة تقليدية. وبعد المداولة دخلت القاضية الإدارية وأعلنت بأنها مع جميلة فيما قدمته من أسباب إنسانية لبقائها, وإنها متأثرة كإنسانة بوضعها, ولكنها لم تجد في الملف سببا قانونيا واحدا تستند إليه لقبول الطعن وإلغاء قرار الإبعاد. عند فهم جميلة معنى ما قالته القاضية سقطت مغشيا عليها دون حراك, وعلى كتفي.
صُعقت جميلة بقرار. وظن جميع من في قاعة المحكمة أنها لا محال مفارقة الحياة. طمأن الإسعاف ــ الذي وصل متأخرا حوالي ساعة بعد الحادث ــ الجميع بأنها لم تزل على قيد الحياة, ولكن حالتها جدية, وبأنه لا يستطيع قول شيء قبل إجراء الفحوص التي ستجري لها في المستشفى.
لم تشر أية صحيفة أو نشرة إلى ذلك, ولم يتعد الخبر قاعة المحكمة. قد تتأسف بعض منظمات حقوق الإنسان والمهتم منها بالأجانب إن علمت بذلك. ولكن هذا لن يعيد الحياة لجميلة إن فقدتها, أو يبعد عنها ما قد يترتب على ذلك من نتائج صحية إن بقيت على قيد الحياة, كما انه, في هذه الحالة, لا يعيق تنفيذ قرار الترحيل إلى حيث لا تحب. إلى بلدها الأصلي.
إذا ما قدر لجميلة الرحيل للعالم الآخر بعد أن ضاق بها العالم الدنيوي. فلن يكون هناك من يتأسف أو يحزن لأنها وحيدة في الغربة, وتكاد تكون كذلك في الوطن. والاختلاف كل الاختلاف, كما كان في حالات من انتقلوا لذلك العالم قبلها, حول التوصية المرفوعة معها, من قبل أوساطنا العربية, لخالق الكون ليأخذ بها يوم الحساب. هل ستُسجل في التوصية شهيدة؟ أم فقيدة؟ أم قاتلة نفسها؟ أم نافقة في ديار الكفر؟... مضافا إليها كشف بأعمالها التي يمكن أن تكون قد خفيت عن رب العالمين.
هناك في الوطن كبير لم يسمع, ولن يسمع, بمثل هذه المسائل الصغيرة, كبير لاتهمه الصغائر, في عنقه أمانة ــ لم يحمله إياها أحد, حمّلها لنفسه بنفسه ــ. مسؤول عن القضايا المصيرية وحدها, وعن المستقبل وحده, ومستقبل وريثه ــ الحاضر تفصيل صغيرــ انه راع الوطن ومالكه, ملكية تشمل الأرض, ما فوقها و ما تحتها. وكل من يدب عليها عنده سواء. وله حتى على المنتشر من رعاياه في أصقاع المعمورة الواسعة, وعلى ما اكتسبوه في اغترابهم حقوق وجباية. حقوق الطاعة, والفداء بالروح وبالدم. فمن إذن جميلة وأمثال جميلة لينشغل بها فكر زعيم راع, بمسؤوليات بمثل هذا الاتساع؟
في اليوم نفسه, وفي الغرب أيضا, صعقت فتاة عربية أخرى بعصا ثورية. (لا نتحدث عن ملايين المصعوقات في الشرق بشتى الوسائل) خادمة, دخلت الغرب كدخول جميلة. وصادفها الحظ السويسري, بعكس جميلة. لم تصعق بقرار وإنما بعصا. عصا ابن زعيم تعود صعق الخدم وصرعهم, وكل "الكلاب الضالة" الهاربة للغرب, ليس للسياحة والسباحة والاستجمام, وتبديد أموال آبائهم وبلدانهم, والتنعم بالشواطئ وقاصديها, أو عقد الصفقات المشبوه منها وما لا تصله الشبهات, وإنما طلبا للجوء وللنجاة (النفاذ بالريش), في كل مرة تلاحقهم موجة اعتقال وتهديد, أو موجات جوع وبؤس وضياع, موجات مد دائم لم تعرف الانحسار من عقود وعقود.
لم يكن على جميلة , المصعوقة بقرار, تقديم اعتذار. ولكن على المصعوقة, بالعصا الثورية, الفتاة العربية, وعلى الدولة المضيفة ومحاكمها, تقديم الندم والاعتذار الفوري للصاعق, وأبيه, ومؤيديه, قبل أن تصلهم طلائع المد الأخضر, وشهر البترول سلاح, فالقضية عربية قومية و مركزية. و إن أرادوها فلتكن قادسية.
تحية لروح جميلة إن كانت قد فارقت الحياة, وتحية لها إن كتبت لها النجاة. لقد جربت حضها كالرجال. وكافحت كفاحهم في زمن القهر, وعانت من البؤس ما عانوه. انه الزمن العربي الرديء. زمن الأباطرة والسلاطين, المتطاول إلى قرننا الواحد والعشرين, إلى منطقة لم تزل استثناء.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابتكار عمره 25 قرنا أسمه ديمقراطية
- فن المحاكمة 3 l’Art de juger
- اتحاد متوسطي أنّت لولادته شعوب الضفة الأخرى
- فن المحاكمة 2 l’Art de juger
- فن المحاكمة L’art de juger 1
- مغترب على أبواب عطلة صيفية Vacances
- ساركوزي و أفول -السياسة العربية- لفرنسا
- في القضاء الدستوري 2 /2
- في القضاء الدستوري./1
- مفتاح لا يعلوه الصدأ بفعل الزمن
- امة تلفظ شبابها 3
- أمة تلفظ شبابها 2
- أمة تلفظ شبابها
- حق الدفاع في المواد الجزائية 4
- 2 الديمقراطية سعي للمساواة
- السياسة العربية. ممارسة فردية وخارج كل مساءلة.
- الديمقراطية. وبعض أوجه الحريات
- ضمير الأمة خارج فعاليات الأمة. القضاة.
- قتل طفل فلسطيني, خبر. مجرد خبر.
- رسالة من مغترب إلى الوطن


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - هايل نصر - صعق فتاة عربية بقرار