أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صائب خليل - الفريسة القاتلة















المزيد.....

الفريسة القاتلة


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2356 - 2008 / 7 / 28 - 10:44
المحور: كتابات ساخرة
    


بينما كانت الفهدة تستعد لإنطلاقة الهجوم على قطيع الغزلان اللاهي بقضم الحشائش تحت الشمس الهانئة، إذ تغيرت الريح فجأة، فتغير وجه الفهدة وأرخت عضلاتها وأشارت إلى أبنها بالهدوء، ثم انسلا معاً الى الخلف متراجعين بعيداً عن نظر القطيع وأنفه.

جلست الأم تنظف نفسها في انتظار الريح المناسبة بينما جلس الصغير منزعجاً من تأجيل المطاردة الأولى في حياته.
"هل للغزال فرصة أن يهرب إن أمسكناه بين أنيابنا يا ماما" سأل الصغير ليس للمعرفة، وإنما للتمتع بجواب يتوقع أن يشيد بحدة أنياب الفهود وقوة عضلات فكها، لكن جواب أمه جاء مخيباً:
"أحياناً....لو حالف الفريسة الحظ وجاء منافس اقوى، فاضطر قانصها أن يتركها تسقط من بين أنيابه، فسيكون لديها بضع ثوان للهرب قبل أن تحكم أنياب المفترس التالي إغلاق فمه عليها".

لم يعجب الصغير الجواب فغير الموضوع بضجر: "لكن يا ماما...ألم نكن على وشك الهجوم؟ هل من المعقول أن تؤثر علينا تلك النسمة الخفيفة؟"
قالت الأم، دون أن تتوقف عن التنظيف: "إن أردت أن تكون صياداً، فعليك بالصبر حتى يحين الوقت الأنسب لهجومك.."
الإبن:" لكن كيف ستؤثر علينا نسمة هواء؟ حتى لو شم الغزلان رائحتنا فلن توفر لهم أكثر من ثانية واحدة!"
الأم: "ليست ثانية واحدة، بل أثنتان. حين تكون الريح في إتجاه الركض يستفيد الغزال منها أكثر مما نستفيد نحن. الريح المعاكسة تعرقله أكثر مما تعرقل جسمنا الرشيق وركضنا المنخفض."
الإبن: "ولتكن ثانيتين...هل تؤثر ثانيتان على أسرع راكض في العالم؟ إننا نركض بضعف سرعة أسرع غزال، نتمتع برشاقة لايحلم بها وبمخالب قاطعة وأنياب خارقة وعيون ثاقبة...ألا يكفي كل هذا للتعويض عن ثانيتين؟"
أكملت الأم تنظيفها واستلقت تحك ظهرها على العشب ثم اعتدلت في جلستها ونظرت في عين صغيرها ثم قالت:
"لا تكفي يا بني لا تكفي..."
أكملت الأم وهي تلحس طفلها:"يجب أن تكون شديد الإعتزاز بمخالبك وسرعتك، لكن يجب أن تفهم أيضاً أننا لانملك أحتياطاً نبذره...إننا بحاجة إلى كل سلاح نملكه، بل.إننا نسير على حافة الحياة والموت يا ولدي..." عادت الأم تتفحص الهواء قليلاً ثم أكملت: من تعتقد منا المهدد أكثر بالإنقراض، نحن أم الغزال؟"
لم يكن الطفل يعرف الجواب، لكن مجرد طرح السؤال كان يفضح جوابه، فكاد ينفجر بالبكاء من الحقيقة المهينة!

"هذه المخالب والأنياب يا بني، إنها أسلحتنا العظيمة، وهي أيضاً نقاط ضعفنا "
"كيف؟ أسلحتنا نقاط ضعفنا؟ أنا لا أفهم هذا"
"كلما التقطت سلاحاً يا ولدي، جعلك متفوقاً في البداية، لكن سرعان ما تصبح معتمداً عليه لاغنى لك عنه، وكلما ازداد ما لاغنى لك عنه كنت أضعف......لو كسر ناب لك ضاعت فرصك، ولو انقصف أحد مخالبك لصرت في خطر، ولو آلمتك يدك أو ساقك لقضي عليك، بل لو قطع نصف ذيلك لفقدت قدرتك على تغيير اتجاهك بالسرعة اللازمة....هكذا كلما ازدادت أسلحتك زادت احتمالات فقدانك أحدها وزادت احتمالات موتك... ...لقد سرنا في هذا الدرب طويلاً حتى صار كل عضو فينا سلاحاً، فصار كل جزء فينا نقطة ضعف "

تأملت الأم أثر كلماتها القاسية على إبنها، لكنها كانت تعلم أن الحقيقة يجب أن تقال، فأكملت:
"أتذكر السلحفاة العرجاء التي لعبت معها أول أمس؟ ما هي فرصة فهد أعرج في العيش؟"
"نعم أننا نعيش في قلق مستمر من أن يصيب أي عضو فينا أي شيء"
"لكن لماذا حولنا كل عضو فينا إلى سلاح مادام كل سلاح نقطة ضعف يا ماما؟"
"لم يكن الأمر واضحاً حينها، كما ان الإغراء كان قوياً...لقد أخترنا طريقنا عندما اخترنا الغزال فريستنا، الغزال لذيذ كما تعلم لكنه خطير."
الإبن:" الغزال؟ "
الأم: "نعم الغزال! إنه أخطر الفرائس، إن استهنت به قضى عليك.."
الإبن وقد شعر بالإهانة "القومية": "الغزال يقضي علي، أنا الفهد؟ أسرع الكائنات ووريث أرواح القطط السبعة؟
إنك تمزحين يا ماما، إنني استطيع منذ الآن أن أقتل ثلاثة غزلان معاً...الفارق بين قوتنا كبير، انني اخجل من أن أقولها، لكن الا نستطيع الهرب منه متى احسسنا بالخطر, ونحن أسرع منه كثيراً؟"
"للأسف يا ولدي لا نملك الهرب...قدرنا أن نطارد الغزال ولا نهرب منه...الجوع يدفعنا اليه شئنا أم أبينا"
كان صمت الأم أبلغ جواب فتململ الفهد الصغير وبدا عليه الفزع:
"لكن يا ماما...كيف يستطيع الغزال قتلنا؟ هل قرونه خطرة إلى هذه الدرجة؟"
"ليست قرونه هي المشكلة يا ولدي"...."إنها سيقانه...الغزال يقتلنا بقدرته على الهرب منا!"
إنفجر الصغير بالضحك الممتزج بالفرح ، فقد اطمأن أن أمه كانت تمزح معه...لكنه صمت حين لم ير أثرا للمزاح على وجهها، وسأل متردداً: "كيف يقتلنا الغزال بالهرب؟ هل يمكن أن ينتصر علي من يهرب مني؟"
"بالتأكيد...هل تعلم لماذا نسمى نحن القطط بذوات الأرواح السبعة؟ ليس لكثرة أرواحنا بل لقلتها! ففي كل مرة ينجح غزال بالهرب منا يقتل من أرواحنا روحاً، فإن نجح بالهرب سبعة مرات متتالية، قتلنا الجوع....."

صمتت الأم وهي ترى أثار الحديث عن الموت على وجه طفلها....
"وكيف يهرب منا ونحن أسرع منه" سأل الصغير محاولاً الهرب من أفكار الموت المزعجة...
" إنها لعبة رباطة الجأش بيننا وبين الغزال يا ولدي...من يفقد أعصابه أولاً يخسر المعركة...في كل مطاردة نضع أحدى ورقاتنا السبع في المراهنة ويضع هو ورقته الوحيدة....وعندما تبدأ اللعبة يعرف كل لاعب دوره: عليه أن يصمد لنصف دقيقة، وعلينا أن نصطاده قبل انقضائها. عندما تبدأ المطاردة تبدأ ساعة الموت تدق الثواني، يبدأ الخوف يخترقنا معاً، لكن أحداً لن يسمح لخصمه أن يرى أي أثر لخوفه, وإلا خسر الرهان...
حين تبدأ المطاردة يتلكأ الغزال القوي قليلاً مستعرضاً شجاعته ومقتصداً بطاقته حتى نقترب منه قليلاً ويعرف وجهتنا لأن سلاحه ليس في الركض بخط مستقيم بل في القفز يساراً ويميناً وهو ما لايبدأ حتى تكون المسافة بيننا أمتاراً، ثم تبدأ رهانات الموت والحياة في كل قفزة وتبدأ نصف دقيقتنا تدق. يهرب الغزال في طريق يحفظ عن ظهر قلب مكان كل حجر فيه وكل حفرة وكل غصن شجرة ناتئ...والغزال الشجاع لايطلق سيقانه للريح بأقصى طاقتها أبداً، بل بالسرعة التي يستطيع أن يستمر عليها نصف دقيقة على الأقل"
"وهل يتمكن من الهرب.." سأل الطفل بقلق
"ليس دائماً وإلا لما تمكنا من العيش....لكن كل غزال يعلم أن فرصته كبيرة في النجاة إن تمكن من الصمود نصف دقيقة....مهمتنا أن نخيفه ليسرع فوق طاقته أو يخطئ في اتجاهه، ومهمته أن يقاوم الرعب، ويرفض الخوف مما لايخيف ليتمكن من القفز في الإتجاه الصحيح كل مرة ولمدة نصف دقيقة....نصف دقيقة فقط ويفلت منا إلى بر الأمان، هكذا يفكر الغزال.....أما نحن فلدينا نصف دقيقة لكي نرعبه ليتخذ قراراً خاطئاً فيقفز إلى أحضان مخالبنا، وخطأه الأول يجب أن يكون خطأه الأخير...هكذا نفكر نحن، وهكذا يجب أن يكون"..
هبت نسمة خفيفة فرفعت الفهدة انفها قليلاً والتفتت الى صبيها وقد تغيرت نظرتها، ففهم الصبي أن لحظة الصفر قد حانت، فاندفع خلف أمه برشاقة وهو يتمتم..."نصف دقيقة...نصف دقيقة فقط".





#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدرسة الأمريكتين – قصة معمل لتفريخ الدكتاتوريات والسفاحين
- أربعون سبباً لمعارضتي المعاهدة الأمريكية 1 – ألأسباب العامة
- التصويت السري وكركوك - أيهما الهدف وأيهما الوسيلة؟
- أحتفالية غير اعتيادية بيوبيل الثورة العراقية
- ليس باسمي - تصرفات علمانيي تركيا تشوه صورة العلمانيين
- لو كان الشهرستاني كردياً...
- كيف ندعم مفاوضينا في المعاهدة؟
- مرحى أيتها البرلمانيات العراقيات!!
- طالباني يبصق على مشاعر شعبه- هذا الرجل لايمثلني
- هل يمكن مناقشة السياسة بالمفاهيم الأخلاقية؟ مع رد على السيد ...
- لم الفزع من رفض المعاهدة؟ 3- 3 الدكتور عبد الخالق حسين ونظري ...
- لم الفزع من رفض المعاهدة؟ 3-2 مناقشة موقف د. كاظم حبيب
- بل لماذا هذ الفزع من رفض المعاهدة؟ 1-2
- بعد اتفاقية طهران سقطت آخر مبررات المعاهدة
- المقالة رقم 400 والكتاب الأول– قناعاتي العامة مع قائمة مصنفة ...
- سر متعة الحكومة في تجاوز البرلمان ونتائجها
- فيصل القاسم يسلخ ضيفه في الإتجاه المعاكس للحضارة
- مثال الآلوسي يقلب العالم ليتهم الشعب العراقي بالعمالة لإيران
- أيمكن رفض المعاهدة دون قراءة بنودها؟
- كروكر يحاول منح إيران شرف رفض المعاهدة


المزيد.....




- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- صدور ديوان الغُرنوقُ الدَّنِف للشاعر الراحل عبداللطيف خطاب
- صدر حديثاً رواية - هذا أوان الحبّ- للأديبة الفلسطينية: إسرا ...
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صائب خليل - الفريسة القاتلة