أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - حوار الأديان السماوية في شبه الجزيرة الآبيرية















المزيد.....


حوار الأديان السماوية في شبه الجزيرة الآبيرية


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2352 - 2008 / 7 / 24 - 10:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ربما يكون من المشجع للبعض أن يدعو العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى مؤتمر عالمي لحوار الأديان، ولكن قبل ذلك كان عليه أن يُصلح بيته في الداخل، فشيوخ الدين الوهابي بالمملكة هم أكثر الناس غلواً وتطرفاً واحتقاراً للآخر المخالف وتمسكاً بالسلف الذي يعتقدونه صالحاً. فلو أصلح الملك عبد الله بيته لما احتجنا لمثل هذا المؤتمر، لأن كل الأديان والمعتقدات الأخرى يعيش أتباعها في انسجام مع بعضهم البعض، مع اختلاف ما يؤمنون به. فنجد بلداً مثل أمريكا مثلاً، بها جميع معتقدات العالم، ولكن الكل يعيش في أمريكا كمواطن أمريكي له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، ولا دخل لمعتقده في مواطنته. ولم نسمع يوماً بحوار بين البوذية والمسيحية لأن كلا الديانتين تدعوان للسلم والتسامح.
والمؤتمرات عامةً لا تفيد شيئاً. هناك حكمة تقول: إذا أردت أن تقتل أمراً هاماً فكوّن له جمعية أو اعقد له مؤتمراً. ونحن، بلا شك، قد شبعنا من المؤتمرات عن الإسلام وعن المرأة المسلمة وعن فلسطين. وجميع هذه المؤتمرات لم تنجز شيئاً مما عُقدت لأجله غير إتاحة الفرصة للمؤتمرين لرؤية بلاد جديدة، خاصةً في أوربا، وتمكين هؤلاء المؤتمرين من التسوق وشراء أحدث المنتجات الغربية. وفي السنوات الأخيرة كثرت المؤتمرات في مكة على أساس أنها منبع الإسلام ولها مكانة خاصة في قلوب المسلمين، فكان هناك مؤتمر مكة لعقد الصلح بين منظمة فتح وحركة حماس، والذي عُقد تحت رئاسة خادم الحرمين الملك عبد الله في فبرائر (شباط) 2007. وفعلاً حدث الصلح في مكة المكرمة وتصافح الفريقان أمام بيت الله الحرام، وتنفس الملك عبد الله الصعداء. ولكن للأسف الشديد، وقبل أن يجف الحبر على الورق، وصل وفد حماس إلى غزة وأعلن أن الاتفاق لا يعني الاعتراف بالاتفاقيات التي عقدتها المنظمة مع إسرائيل. ورجعنا إلى خانة الصفر أو خانة اليك، كما يقول البعض.
ثم كان هناك مؤتمر مكة للتقريب بين السنة والشيعة العراقيين، في أكتوبر(تشرين الأول) 2006. ووقف "العلماء" العراقيون من سُنة وشيعة أمام البيت الحرام وتعاهدوا واتفقوا أن الدم العراقي تحرم إراقته. وتنفس الملك عبد الله الصعداء مرة أخرى وشكر الله على نعمة الاتفاق. وبمجرد وصول المؤتمرين إلى بغداد والنجف سالت الدماء العراقية حتى اختلطت بماء دجلة، كما خلطها الحجاج بن يوسف قبلهم، براً بقسمه.
وكانت هناك مؤتمرات في الأردن وفي الدوحة وفي غيرها للتقريب بين المذاهب الإسلامية أو للحوار بين الإسلام وبقية الأديان. وقد قاطع هذه المؤتمرات من قاطعها من الشيوخ لأن الحاخامات كانوا مدعوين لها، وحضرها من حضرها، لكنها لم تقدمنا قيد أنملة في طريق التقريب بين المذاهب أو الأديان. وفي خطوة لا تخلو من الذكاء العربي الوراثي، قرر الملك عبد الله عقد مؤتمر عالمي للحوار بين الأديان، شريطة أن يُعقد هذا المؤتمر في الأندلس التي يحن المسلمون إلى استرجاعها إلى الحظيرة وطرد النصارى منها. ويظهر الذكاء في تفادي الإحراج إذا عقد الملك عبد الله المؤتمر في الرياض مثلاً، لأن بعض المؤتمرين ربما يطلب زيارة مكة التي لا يسمح المسلمون لأتباع الأديان الأخرى أو للملحدين بدخولها، لأن أرضها قد وطئتها أقدام الرسول المطهرة ولا يجوز بعد ذلك أن تطأها قدم كافر أو ملحد. ولكن كي لا يحرم الملك عبد الله المسلمين من بركات مكة المكرمة، فقد عقد مؤتمراً مبدئياً في مكة جمع خمسمائة من "علماء" المسلمين حتى يتفقوا على مرجعية للحوار مع غير المسلمين. وكالعادة أختلف "علماء" المسلمين، فرفض الشيخ عكرمة، مفتي القدس مثل هذا الحوار، بينما انقسم الآخرون حول مفهوم "الحوار المستسلم" و "الحوار من دون حجج"، وهم يعنون أن غير المسلمين ليست لديهم حجج يحاورون بها، فالحجج محصورة في الإسلام فقط لأنه دين العقل ودين "إقرأ". وتأكيداً لذلك افتتح دكتور التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، المؤتمر بالتأكيدات المشهورة من أن (الإسلام دين حوار وإقناع واقتناع لأسباب كثيرة أولها أنه يحترم العقل الإنساني ويحث على استخدامه..الخ) وأكد الدكتور حسين الأهدل، المدير العام للإعلام والعلاقات العامة برابطة العالم الإسلامي أن الهدف الرئيسي من المؤتمر هو توحيد كلمة المسلمين ووضع مرجعية لهم في الحوار مع غير المسلمين (الشرق الأوسط 4/6/2008). ولكن نفس الأهدل هذا قد رفض( فكرة أن يكون هدف المؤتمر في مدريد هو التقريب بين الأديان، كان ذلك باتجاه الإسلام أو أي دين آخر، مفيداً إن فكر التقريب بين الأديان مرفوض تماماً من قبل المسلمين كما إنه مرفوض من قبل الأديان الأخرى، ففكر التقريب لن يكون مجدياً ولن يحدد موقفاً وسطاً بل أن كل أتباع الدين الراغبين في التقريب لا يهدفون إلا لاستقطاب شريحة الدين الآخر لإدخالها تحت ديانتها ومعتقداتها.) انتهى. بمعنى آخر فإن المسلمين يرفضون مناقشة النقاط التي تُقرّب بين الأديان لأن ذلك ربما يقود إلى التبشير بالمسيحية في بلاد المسلمين، أو إلى التبشير بالمذهب الشيعي في البلاد السنية، كما أكد الدكتور القرضاوي في مؤتمر الدوحة للتقارب بين المذاهب. والتبشير بالنصرانية في بلاد المسلمين يقود إلى السجن، كما حدث مؤخراً في الجزائر وفي مصر والسودان.
أما المؤتمر الذي يهمنا أمره الآن هو مؤتمر مدريد في شبه جزيرة آيبيريا أي الأندلس. وقد ترددتُ في الكتابة عن هذا المؤتمر لأن عدداً كبيراً من الكُتاب قد طرقوه. ولكن عندما ظهر البيان الختامي وجدت نفسي مندفعاً للكتابة عنه لأن المسلمين بدؤوا البيان الختامي، كالعادة، بكيل الثناء على الإسلام ووصفه بما يتمنونه أن يكون عليه، وهو بعيد كل البعد عما يقولون، ولم يمدحوا أي ديانة أخرى أو حتى يذكروها بالإسم. فدعونا نلقي نظرة على بيانهم الختامي الذي من المفروض فيه أن يعكس فكر الأديان الأخرى كذلك وليس الإسلام فقط.
بعد أن قدم المؤتمرون خالص تقديرهم لخادم الحرمين الشريفين لرعايته للمؤتمر وافتتاحه له، وبعد أن اعتبروا الكلمة التي ألقاها وثيقة تاريخية مهمة تضاف إلى وثائق المؤتمر، شكروا الدولة الإسبانية لما تتمتع به من إرث تاريخي بين أتباع الديانات، أسهم في الحضارة الإنسانية... فما هو ياتُرى هذا الإرث الذي شكروهم عليه؟ هل هو إرث عقبة بن نافع وطارق بن زياد الذين قتلا وسبيا مسيحيي إسبانيا قبل أن يسميها المسلمون "الأندلس"، أم هو إرث الموحدين والمرابطين الذين أجبروا اليهود على الخروج من إسبانيا وقتلوا من تبقى منهم، أم هو إرث الملك فيردنانس والملكة اليصابات الذين استردا إسبانيا من المسلمين وقتلا ما تبقى منهم مع بقية اليهود، إذا لم يتحولوا إلى المسيحية؟ ومن ثم خلت إسبانيا من الإسلام والمسلمين واليهود رغم الاحتلال العربي الإسلامي الذي دام ثمانية قرون؟ إنها المجاملات الجوفاء التي لا تقدم ولا تأخر في حوار الأديان.
واستمر البيان الختامي، فقال (وإذ يستذكرون إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1994 والمبادئ الداعية للتسامح ونشر ثقافة السلام، واعتبار عام 1995 عاماً للتسامح، وإعلانها عام 2001 عاماً للحوار بين الحضارات) انتهى. ومدام الملك وبقية المسلمين يتذكرون دعوة الأمم المتحدة للتسامح والتي صدرت قبل ثلاث عشرة سنة، هل لنا أن نسأل خادم الحرمين: أين التسامح مع المسيحيين والبوذيين في مملكتك؟ أين كنائسهم وكتبهم المقدسة؟ أين التسامح مع شيعة السعودية، أين مساجدهم وأين أساتذتهم بالجامعات السعودية؟ أين التسامح مع البهائية ومع الإسماعيلية؟ أم أن التسامح لابد أن يكون من أتباع الديانات الأخرى للمسلمين؟ لماذا لم يمنع الملك شيوخ الوهابية من تسمية بلاد الغرب "دار الحرب" ولماذا مازالو يمنعون بيع الورود الحمراء في فبرائر (شباط) من كل عام، ومازالوا يلقون على مسامع طلابهم دروس الولاء والبراء؟ وماذا عن التسامح مع الدروز ومع الأيزدية الذين يسميهم المسلمون "عبدة الشيطان" ويذبحهم مسلمو العراق ذبح النعاج؟ ربما نسي المؤتمرون أن شيخ الإسلام ابن تيمية، القدوة الحسنة لشيوخ الوهابية، قال عن الدروز ( كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم، لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون، فلا يباح أكل طعامهم، وتسبى نساؤهم، وتؤخذ أموالهم، فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، بل يقتلون أينما ثقفوا ويلعنون كما وصفوا). وفتاوى ابن تيمية هذه تُدرّس في مدارس السعودية وفي مدارس الجامع الأزهر. ياله من تسامح تحسدون عليه. إذا لم يتسامح المسلمون مع بعضهم، كيف يتسامحون ويتحاورون مع الكفار؟
وقد أكد المؤتمرون على المباديء الآتية التي لا تمت لأرض الواقع بصلة، إنما تعكس اعتزاز المسلمين بدينهم ومحاولة تجميل صورته:
1- (المساواة بين الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وثقافاتهم) انتهى. وطبعاً هذا الادعاء إدعاء أجوف لأن الإسلام من أول أيامه جعل قريش فوق جميع العرب، ثم العرب الآخرين بعدها ثم العجم من أكراد وأتراك وغيرهم ثم العبيد. وأنشؤوا فقهاً خاصاً للعبيد والإماء ما زال سارياً. وعندما قرر الخليفة عمر بن الخطاب تدوين سكان المدينة(دعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وكانوا من نُسّاب قريش فقال اكتبوا الناس على منازلهم فكتبوا فبدؤوا ببني هاشم ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه ثم عمر وقومه على الخلافة فلما نظر فيه عمر قال لوددت والله أنه هكذا ولكن ابدؤوا بقرابة رسول الله الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله) (تاريخ الطبري، ج2، ص 570). ويقول ابن حبان (قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، و اصطفى قريشاً من كنانة ، و اصطفى بني هاشم من قريش ، و اصطفاني من بني هاشم ، فأنا سيد ولد آدم و لا فخر ، و أنا أول من تنشق عنه الأرض و أنا أول شافع و أول مشفع) (السيرة النبوية لابن حبان، ص 9). فقريش أفضل الناس رغم أنهم حاربوا الإسلام حتى آخر لحظة قبل فتح مكة. فالإسلام لا يعرف المساواة في أي شيء، حتى الأنبياء فضل الله بعضهم على بعض، وفضّل الرجال على النساء درجات. وإذا كان الإسلام يدعو إلى المساواة بين المسلمين إن لم نقل بين كل الناس، لماذا حكمت إحدى المحاكم الشرعية في السعودية في سبتمبر (أيلول) 2006 بتطليق امرأة سعودية من زوجها السعودي المسلم على أساس أنه غير كفء لها في النسب، ومازالت تلك المرأة تعيش مع ابنتيها الصغيرتين في أحد السجون؟ المسلمون دائماً يقولون ما لا يفعلون، كالشعراء الذين يتبّعهم الغاوون.
2- ( سلامة الفطرة الإنسانية، فالإنسان خُلق محباً للخير، مبغضاً للشر، يركن إلى العدل وينفر من الظلم) انتهى. ولا أعلم من أين أتوا بهذه الصفات عن الإنسان الذي يقول عنه قرآنهم (إن الإنسان لظلومٌ كفار) (إبراهيم 34). وكذلك عندما تحدث عن الأمانة التي حملها الإنسان، قال (وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً كفوراً) (الأحزاب 72). ويقول (إن الإنسان خُلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً. وإذا مسه الخير منوعاً) (المعارج 19-21). فإضفاء الصفات الجميلة على الإنسان لا يغيّر في طبيعته الشرسة. ومحاولة الأديان تغيير طبيعة الإنسان لم تنجح في يوم من الأيام. والاعتماد على مثل هذه المقولات في الحوار لن يقدم شيئاً.
3- (الديانات الإلهية تهدف إلى تحقيق طاعة الناس لخالقهم وتحقيق السعادة والعدل والأمن والسلام للبشر جميعا، وتدعو إلى نشر الفضيلة بالحكمة والرفق ونبذ التطرف والغلو والإرهاب) انتهى. فإذا كانت الديانات السماوية تهدف إلى تحقيق الأمن والسلام للبشر جميعاً، لماذا غزا المسلمون فارس والروم ومصر وشمال إفريقيا وإسبانيا التي لم تهاجمهم أو حتى تسمع بهم، والسند والهند؟. ألم يكن من حقهم، وهم المسيحيون أو البوذيون، أن يعيشوا في سلام في بلادهم؟ وماذا عن الكنعانيين وبقية القبائل التي كانت تسكن أرض كنعان (فلسطين) وأبادهم أنبياء الإله "يهوه" بتشجيع منه، وبقيادة جيوشهم في بعض الحالات؟ وإذا كانت الأديان تدعو إلى الفضيلة بالحكمة وبالرفق، هل يحق لنا أن نسأل الملك عبد الله: لماذا يجوب شوارع مملكته أكثر من خمسة آلاف مطوع مسلحين بالعصي والسياط لإجبار الناس على الصلاة ومنع الاختلاط؟ ولماذا أصبحت مملكته بؤرة التعصب والغلو الوهابي ومفرخة الإرهاب في العصر الحديث؟ ولماذا كلما زادت مظاهر التدين في العالم الإسلامي، كما في مصر والسودان وإيران، زادت معها نسبة الجرائم الأخلاقية من رشوة واغتصاب وزنى وسرقة المال العام؟
4- (احترام الديانات الإلهية وحفظ مكانتها وشجب الإساءة لرموزها) انتهى. وهنا يحق لنا أن نسأل: إذا كان فقهاء الإسلام المجتمعون في مدريد يوصون باحترام الأديان الإلهية، ناهيك عن غيرها، هل سوف يحرقون كل كتب التراث التي تقول إن الإنجيل والتوراة كتب محرّفة وإن النصارى واليهود أحفاد القردة والخنازير؟ وماذا عن الكتب العديدة عن أحكام أهل الذمة. وهل سوف يسمح الملك عبد الله للمسيحيين أن يدخلوا أناجيلهم إلى مملكته، حتى إن لم يسمح لليهود حتى تتحرر فلسطين؟ ما فائدة أن نحترم الأنبياء ونؤمن بهم ونضطهد أتباع أؤلئك الأنبياء وننعتهم بشر النعوت؟
5- (أهمية الدين والقيم الفاضلة ورجوع البشر إلى خالقهم في مكافحة الجرائم والفساد والمخدرات والإرهاب) انتهى. وإذا كان التمسك بالأديان يمنع انتشار الموبقات والمخدرات والجنس، لماذا بنت المملكة الوهابية أربع مستشفيات لعلاج الإدمان؟ أليست المملكة حصن الإسلام المنيع التي يحكمها آل سعود بشريعة الله وشريعة نبيه محمد منذ تأسيسها؟ لماذا أصبحت افغانستان، حتى في أيام الطلبان، من أكثر دول العالم إنتاجاً للأفيون، وأصبحت الآن مليئة بالمدمنين وتجارة الجنس بين الأطفال الأيتام الذين لا يجدون قوت يومهم؟ وإيران التي يحكمها الملالي منذ عام 1979 بلغت نسبة الإدمان فيها قدراً مخيفاً إذ بلغت النسبة بين طلبة الجامعات 20 بالمائة (صباح الموسوي، إيلاف 10 ديسمبر 2006). فالدين لا يحمي من الإدمان والأمراض الجنسية والبغاء إذا استشرى الفقر في الناس. وقد قال الحكماء "لا كرامة مع الفقر" وقال علي بن أبي طالب "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".
6- (الأسرة هي أساس المجتمع، وهي لبنته الأولى، والحفاظ عليها وصيانتها من التفكك أساس لأي مجتمع آمن مستقر) انتهى. الأسرة لا شك هي أساس المجتمع ولكن الطلاق شرٌ لابد منه كذلك، وهو أبغض الحلال عند الله، كما يقولون. ونسبة الطلاق في جميع البلاد الإسلامية بما فيها السعودية لا تقل عن نسبة الطلاق في البلاد غير الإسلامية. تفكك الأسرة لا علاقة له بالدين وإنما هو حاصل تقدم المجتمعات مادياً وحيازة المرأة على مدخول يحفظ لها كرامتها إذا كان الزوج مهيناُ لها. كلما تعلمت المرأة وأصبحت مستقلة بمدخولها كلما رفضت أن تعيش في كنف رجل يذلها ويضربها. وحتى في السعودية التي يندر أن يكون للمرأة فيها دخل منفصل عن دخل الزوج نجد أن نسبة الطلاق فيها مرتفعة، ففي العام 2003 كان هناك 18 ألف حالة طلاق و60 ألف حالة زواج (د. صالح عبد الرحمنى سبعان، إيلاف 24/1/2004). فالحديث عن الأسرة وعن الحفاظ على البيئة لا يمت للحوار بين الأديان بأي رابط. فبدل أن يتصافح المسلمون مع اتباع الديانات الأخرى ويحاولوا فهم تلك الديانات وما ترمي إليه، وكيفية التعاون معها، قضى المؤتمرون وقتهم في نقاش الأسرة والبيئة ومحاسن الإسلام والافتخار بأنه دين الحوار والعقل.
فبنظرة سريعة على هذه الإحصاءات نرى أن الأديان لم تغير شيئاً في طبيعة البشر التي تنحو نحو الاستيلاء على الأحسن ونحو الظلم وحب السلطة والتسلط وجمع المال. والقرآن نفسه يقول (يحبون المال حباً جما). والتراث الإسلامي جعل التقارب بين الأديان أمراً مستحيلاً إذ أنه لا يعترف بأي دين آخر غير الإسلام. ولم يكتف المسلمون بذلك وإنما أصروا على تسفيه بقية الأديان التي يسمونها "غير السماوية" كتلك التي يدين بها غالبية سكان العالم من بوذية وهندوسية وشنتو وغيرها وسموها فلسفات. وما زال المسلمون يصرون على أن الأديان الأخرى محرفة ولن يقبلها الله وأن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح، ومع ذلك ظلوا يدعون إلى الحوار مع الأديان الأخرى. وقد كان الشيخ عكرمة أصدق من الجميع عندما رفض فكرة الحوار. والحوار بالطريقة الإسلامية لن يفيد شيئاً، فقد بدأه الملك فيصل عندما زار الفاتيكان قبل عدة عقود، ثم استلم الراية الجامع الأزهر الذي ظل يرسل رئيس جامعة الأزهر إلى كل المؤتمرات الغربية، ثم دخلت منظمة العالم الإسلامي وألقت بدلوها في بئر الحوار. وفي جميع هذه المؤتمرات يكتفي المسلمون بتكرار محاسن الإسلام وأنه يدعو إلى الحوار لأن النبي قد حاور الوفود المسيحية. فإذا كان الأمر كذلك، ماذا انتج هذا الحوار بين المسيحية والإسلام منذ زمن النبي محمد؟
وفي الرياض (اجتمع مجلس الوزراء السعودي حديثاً وأشاد بكلمة الملك عبد الله في مدريد التي أكد بها أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح ورسالته تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان وتبشر الإنسانية بصفحة جديدة يحل فيها الوئام محل الصراع) (إيلاف 21/7/2008). فها نحن نستبشر خيراً بهذه البشارة الملكية، ولكن سوف يظل المسلمون يكررون تلك العبارات ويربتون على ظهورهم مهنيئن بعضهم البعض بوسطية الإسلام ودعوته للحوار دون أن نرى أي نتائج محسوسة لهذا الحوار، ويظل أهل الأديان الأخرى يسمعون جعجعةً ولا يرون طحناً.
ويبدو أن المسلمين لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط، فقد قال الملك عبد الله في كلمته "حكمة الله اقتضت أن يختلف الناس في أديانهم" ولكن هذه المقولة تتعارض تماماً مع رسالة الإسلام التي التي يدعو لها فقهاء الوهابية والتي قال نبيها "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي يهودي أو نصراني ولا يؤمن بي إلا حرمت عليه رائحة الجنة". فليس هناك أي فرصة للاختلاف إذا أردت أن تدخل الجنة التي لا يدخلها إلا المسلمون. والقرآن أخبرنا أن من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه. والفقهاء قالوا إن محمداً مرسل لجميع البشر ومن لا يؤمن به فهو كافر. فأين حكمة الإله التي اقتضت أن يختلف الناس في أديانهم؟
الطريق إلى التقارب بين الأديان هو أن يحدد المسلمون ماذا يريدون أولاً، وعليهم أن يعترفوا أن هناك مشكلة يريدون حلها. ولكنّ المسلمين لا يرون أن هناك أي مشكلة لأن الهدف من حوارهم هو إقناع الآخرين أن الإسلام هو الحق، وعليهم اتباعه حتى يكونوا في الفرقة الناجية. فإذا اعترف المسلمون أن تعاملهم مع بقية الأديان هو المشكلة، وقتها يجب الجلوس مع غيرهم لتحديد الآليات التي نستطيع بها التغلب على تلك المشكلة، ثم العمل على متابعة آليات تنفيذ تلك الحلول. فالقرارات التي تظل حبراً على ورق لا تفيد أحداً. وبعض هذه الحلول يكمن في تغيير الذهنية الإسلامية الفوقية، وتغيير مقررات المدارس التي تكيل السباب إلى أهل الذمة وأبناء القردة والخنازير. وعليهم إلغاء جميع الأحاديث التي هي عبارة عن أحاجي جدات لا مصداقية لها، واعتبار بعض آيات القرآن أحداثاً تاريخية كانت صالحة لفترة معينة، وأنها لا تنطبق على عالم القرن الحادي والعشرين. وعليهم أن يسمحوا للآخرين بالتبشير بأديانهم في بلاد المسلمين كما يبشر المسلمون في بلاد غيرهم. أما إذا أصر المسلمون على الفهلوة والدعوة للمؤتمرات في باريس وبرلين ومدريد بينما تنتشر اللافتات التي تقول "طريق غير المسلمين" حول مكة والمدينة، وتنتشر المساجد في أوربا وتخلو السعوددية من أي كنيسة، فإن الحوار بين الأديان يصبح حوار الطرشان ومضيعة للوقت والمال.





#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيمكن أن يكون عيسى ابن الله؟
- الإسلام والرعب
- أسلوب قصص الأطفال في شرح القرآن
- الأديان لم تفد البشر
- لا فرق بين الإسلام وغيره من الأديان
- منطق الأطفال في الإيمان
- الصلاة على محمد
- الإسلام هو الإشكال وليس الحل
- خداع وتنتاقضات القرضاوي 2
- عبث نواب الإخوان الأردنيين
- خداع وتناقضات القرضاوي 1
- الإسلام والعقل والزيتون
- عندما يلجأ المسلمون إلى الخداع
- بعض تناقضات السنة المحمدية
- الشيخ القرضاوي وإنكار الحقائق المؤلمة
- الفرق بين الشيخ والقس
- لماذا نساؤنا أشجع من رجالنا؟
- تأويل القرآن من أجل احتكار العلم 2-2
- تأويل القرآن من أجل احتكار العلم 1-2
- لو شاء الله لما فعلوه


المزيد.....




- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - حوار الأديان السماوية في شبه الجزيرة الآبيرية