أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - صبحي حديدي - روح سيطان الولي














المزيد.....

روح سيطان الولي


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 2343 - 2008 / 7 / 15 - 10:12
المحور: حقوق الانسان
    


بعد 23 سنة قضاها في سجون الإحتلال الإسرائيلي، عانى خلالها مرارات الأسر وآلام سلسلة من الأمراض (المعدة والمفاصل وتآكل العظام وأوجاع الظهر، فضلاً عن داء عضال)، نجمت في الإجمال عن ظروف احتجاز بربرية، استجابت سلطات الإحتلال إلى التقارير الطبية الخطيرة التي قدّمها المحامي مجد كمال، فأفرجت عن الأسير السوري الجولاني سيطان نمر الولي (42 سنة)، مختصرة بذلك أربع سنوات فقط من مدّة حكمه. وكان الولي قد اعتُقل يوم 23/8/1985، بتهمة المشاركة في تأسيس حركة المقاومة ضدّ الإحتلال الإسرائيلي، وهو من أبناء بلدة مجدل شمس البديعة العريقة، وأحد أبرز الأسماء في صفوة من السوريين الجولانيين الأسرى (بشر المقت، صدقي المقت، كميل خاطر، شام شمس، محمد عبدو شمالي، وئام عماشة، جولان أبو خير، لؤي مرعي، نديم قضماني، عاصم الولي، محمود الخطيب...).
وإذْ أهنّيء ابن بلدي بملاقاة الأهل والصحب والحرّية، متمنياً له الشفاء والعافية، واثقاً من أنّ تضحيات أمثاله لم تذهب هدراً، ولن تكفّ عن صناعة الأمثولة، وترسيخ الجولان السليب في صميم الوجدان الوطني السوري؛ فإني لست على الثقة ذاتها من أنّ النظام الذي يحكم بلدنا سوف يحفظ القيمة السياسية والأخلاقية لهذه التضحيات، حين سيفاوض، ثمّ يقبل، ما ستعرضه عليه الدولة العبرية من أراضٍ في الجولان. والأرجح أنّ بلدات وقرى وينابيع ومزارع وبساتين الجولان لن تعود تماماً إلى أهل الجولان الذين كانوا هناك قبل السادس من حزيران (يونيو) 1967، حتى إذا رفرف العلم السوري في ما ستطلق عليه آلة إعلام النظام صفة «الأراضي المحرّرة». وهذا الإفتراض الأليم ينهض على حقيقة بسيطة قاسية تقول إنّ الجولان سوف يكون إقليماً منزوع السلاح ومنزوع الحياة في آن معاً: مساحات من الـNo Man s Land، مقفرة إلا من عناصر «حفظ ومراقبة السلام».
وللمرء، في هذا الصدد، أن يتخيّل ما يشبه المعجزات السوريالية في إدارة الجولان ما بعد أيّ إتفاقية سلام سورية ـ إسرائيلية، كأنْ تصير الأرض سورية دون أن تعود تماماً إلى السيادة السورية؛ وأن تنتقل مواقع مثل «جبل الشيخ» و«تلّ أبو الندى» و«تلّ الفرس» إلى سورية إسماً فقط، على أنّ تكون تحت التدويل الأمريكي أو الياباني أو الفرنسي. هذه دُرَر الجولان الأهمّ ستراتيجياً، وبافتراض أنّ إسرائيل سوف تتنازل عنها تحت أيّ ثمن، فإنّ المعضلة لن تتوقف عند إصرار الإسرائيليين على تحييدها وتجريدها من السلاح ووضعها في قبضة فريق ثالث ضامن وحليف، بل على أن تواصل هذه الجبال والتلال خدمة الأمن الإسرائيلي.
ولدينا مثال مدينة القنيطرة، التي «حُرّرت»، بعد توقيع اتفاقية سعسع سنة 1974، ولكنها بقيت مدينة أطلال وخرائب وأشباح، تماماً كما تركتها القوّات الإسرائيلية عند الإنسحاب منها وتسليمها إلى «السيادة» السورية. وقد يجهل الكثيرون أنّ أبناء القنيطرة ممنوعون من زيارتها، لأسباب أمنية وعسكرية كما يُقال، وزوّارها الوحيدون كانوا ضيوف سورية الرسميين العرب والأجانب، الذين كان النظام يستطيب اصطحابهم إلى المدينة الشهيدة لكي يشهدوا على البربرية الإسرائيلة، ولكي يتبرّعوا، والله يحبّ المحسنين!
القرى الأخرى التي أعادتها الدولة العبرية إلى سورية بموجب اتفاقية سعسع، مثل «الرفيد» و«خان أرنبة» و«نبع الفوّار» و«مزرعة بيت جان»، لا تقطنها اليوم سوى أعداد من السكّان تُقدّر أحياناً بالمئات وليس بالآلاف. وفي ظلّ غياب أيّ برنامج لإعادة إعمار قرى الجولان «المحرّرة» هذه، لم يبق أمام عشرات الآلاف من النازحين سوى خيار الإستيطان (نعم، ولا مناص من استخدام هذه المفردة!) في مخّيمات ومدن صفيح على هوامش العاصمة السورية. ولقد مرّ زمن كانت فيه أحياء كاملة، مثل «برزة» و«جرمانا»، موطناً للنازحين من الجولان.
وفي مناسبة إطلاق سراح سيطان الولي، ابن مجدل شمس، أستعيد حكاية سبق لي أن سردتها أواخر العام 1999، حين لاح أنّ اتفاقية سورية ـ إسرائيلية تُطبخ على نار هادئة، وقد تنضج في أيّ وقت قريب، آنذاك. ففي أواخر السبعينيات، وبحكم عملي مع الأمم المتحدة حينئذ، أتيحت لي فرصة نصف شهرية للإطلال على مجدل شمس، من خلال الطقس العجيب الذي يدعى «لقاء العائلات»، والذي تشرف على تنظيمه (حتى اليوم) قوّات الفصل والصليب الأحمر الدولي. كان أبناء البلدة المحتلة يحتشدون على أطرافها السفلية، حاملين مكبرات الصوت اليدوية، فيتحاورون مع أهلهم المحتشدين على الهضبة الثانية المواجهة في الأرض السورية، وتختلط الموضوعات والأخبار والحكايا والهموم، ويتحوّل المشهد إلى جوقة صوتية معقدة لا يستطيع فرزها والتقاط تفاصيلها سوى المعنيّ بالجملة المنطوقة على الجانبين.
ولكن كان يحدث أن تتوقف الأصوات بغتة، وتحلّ محلها أهزوجة مشتركة تؤديها النساء على الطريقة الدرزية الفريدة. وذات مرّة سألني ضابط نمساوي، كان قد انضم حديثاً إلى قوّات الفصل: «لماذا يصدرون أصوات الفرح هذه فجأة»؟ فأجبته: «كلما زفّت أسرة البشرى بأنّ أحد أبنائها بلغ سنّ الرشد، وأحرق الهوية الإسرائيلية في احتفال جماعي أقرب إلى تدشين طور الرجولة». آنذاك أطرق الضابط النمساوي، ثمّ غامر بالتخلّي عن الحياد الدبلوماسي المفروض عليه، وقال: «أيّ غباء يجعل الإسرائيليين يعتقدون أنّ في وسعهم تقويض هذه الروح»؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسد في باريس: مجازفة الإرتهان وعسر الإنفتاح
- سياسة ساركوزي في الشرق الأوسط: أقرب إلى حصاد الهشيم
- استئناف المسار السوري الإسرائيلي: ماذا سيصلح العطّار التركي ...
- مدنيّة الوحش
- جنوب اليمن: انتفاضة المظالم أم نار تستعر تحت الرماد؟
- نبض الشارع العربي
- اغتيال عماد مغنية: علام استمرار الصمت الرسمي السوري؟
- إعلان دمشق في المحكمة: كاريكاتور القضاء بعد سوط الجلاّد
- نساء البيت الأبيض
- بوش الإيديولوجي: مشعل الحرّية أم تصنيع الحزام الناسف؟
- أيّ عاصمة، دمشق؟
- إعلان دمشق: آلة القمع دائرة ومطحنة المصطلح قاصرة!
- الساكت عن الحقّ
- إدوارد سعيد: عود على بدء
- نمطان في -تكريم- حقوق الإنسان: هراوة الأسد وممسحة ساركوزي
- شحارير الرياء
- اقتصاد السوق والديمقراطية الغربية: زواج أضداد أم سفاح قربى؟
- الغريبان
- صفقة ساركوزي الجديدة: ألعاب ذرّ الرماد في العيون
- النظام السوري بين غارة وأخرى: العجائب الخمس


المزيد.....




- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...
- ممثلية إيران: القمع لن يُسكت المدافعين عن حقوق الإنسان
- الأمم المتحدة: رفع ملايين الأطنان من أنقاض المباني في غزة قد ...
- الأمم المتحدة تغلق ملف الاتهامات الإسرائيلية لأونروا بسبب غي ...
- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - صبحي حديدي - روح سيطان الولي