أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم جاسم الشريفي - مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 3/6















المزيد.....


مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 3/6


كريم جاسم الشريفي

الحوار المتمدن-العدد: 2274 - 2008 / 5 / 7 - 10:51
المحور: سيرة ذاتية
    


مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 3/6
الترشيح لوظيفةلمحافظ بابل...(3)
*القرامطة حركة فكرية متحّررة ،تؤمن بالشعار التالي ـ تقسيم الرزق في مراعيهّا. واباحة طعمة العنب في براريّها. حكمت ثلاثة قرون نصف تقريبا ًـ قارعت سلطة الأقطاع الأصولي والأبوّي والخِلافيّ . فأتهموها بالزنّدقة والكفر وانها حركة باطنية رافضية. كانت أهوازية المنشأ، كوفية التبشير،بحرينية السلطة.

أُخذ رجل ادعى النبّوة أيام الخليفة المهدي ...قال الخليفة أدخلوه عليّّ .. فقال له المهدي: أنت نَبيٌّ؟ قال نعم . قال المهدي والى مَنْ بُعثتْ؟ قال أوتركتوموني أذهب الى أحد؟ ساعة بُعثتْ وضعتمونني في الحبس..!!(العقد الفريد.. لأبن عبد ربة). بعد وصولي بأيام قررت التعرف عن قرب على الناس، والأشياء ، والظواهر ،والآراء وكنت مستمع جيد .لكن الكل يريد أن يستمع مني أدركت ذلك بسهولة.يردون الأستماع والأستمتاع بأشياء جديدة عليهم يتساءلون هل من المعقول من شخص امضى اكثر من عقدين ونيف بالمنفى ليس في جعبته مايقصه علينا! في الحال تذكرت(( جيراننا العتيق ـ عباس الصّلاخ ـ وكان راوية بأمتياز حيث ذهب الى الحج نهاية السبعينات من القرن الماضي ثم رجع من الحج ،وبدأ يخبر الجالسين عن رحلته ووقتها كنت طفلاً مبهوراً بما أستمع .. حيث روى رحلته في ثلاث ليالي متتالية وفي كل ليلة يقضي عدة ساعات بالحيث ,والآخرين مشدودين للأستماع لكل حرف وجملة يقولها)) .بدأت وبقصد أتحدث عن اشياء وظواهر تساعد على نبذ السلبيات، وتأكيد الأيجابيات وبالأمثلة بناءً على تجربة المنفى الطويلة هدفي هو شحذ همم الآخرين لمحاولة تغيير الواقع أو جزء منه اذا أمكن بالأعتماد على تجارب الشعوب التي مرت بمحن وأزمات كبيرة وتعافت منها.. كان ذلك تمهيد ومدخل لأستكشاف دواخل المُستمع واستجابته ، اذا وجدت استجابة ورضى وقبول ،عليّ المُضيّ قدماً الى أبعد مما ذهبت اليه.حتى تتهأ أرضية متواضعة للأنطلاق. وبالتالي أستطيع المساهمة مع الخيريين لتغيير مايمكن تغييره اذا تضافرت الجهود ،وصدقت النوايا. رغم مظاهر البؤس ،والحرمان ،والعوز، والحاجة... وجدت المجتمع موزع الى شريحتين متداخلتين بشكل يصعب معهما تمييز حدود كلٍ منهما .. والعلاقات اذا تداخلت بهذا الشكل المعقد ، تصبح المهمة صعبة وغير ممكنة للتخاطب. فأول محاولة عليك ان تقوم بفك هذا الترابط رغم مشقة فعل ذلك. ـ مثلما يقول علماء الأجتماع ـ لهذا الترابط أرضية خصبة تساعد على حمل تناقضات فكرية وسلوكية متغايرة تماماً.فأول المهام هو ايجاد خطاب موحد تلتقي به هذين الشريحتين ولو على الحد الأدنى ،وهو فهم وشرح وتجذير الوطنية كسبب ونتيجة لكل فعل أونشاط فردي أوجماعي يكون مسّلم به. ولو ان الحس الوطني شعرت به باهت، ودون المستوى المتوقع لدي الناس. أولاً: بسبب التجارة الرخيصة التي كان يمارسها النظام البائد بالوطنية ، والديماغوجية التي سأمتها الناس بالمزايدة الفارغة على الوطنية المفككة أصلاً. ثانياً:اختيار النخبة التي تستجيب لهذه المهام وتقتنع بها ،وهذا أمر شبه مستحيل في الظرف الأجتماعي .ثالثاً: التعود على العمل الجماعي ،ونبذ الفردية السلبية التي تعّود عليها المجتمع، القائد يقرر، ويفهم، يقود، ويخطط، ويبني ويعمل كل شيئ. هذا السلوك تكريس فجّ للفردية .رابعاَ: التخلي عن الأمراض الأجتماعية التي اكتسبها الفرد وتعود على ممارستها. مثل النفاق، والمداهنة ، والسطحية، والممالقة، والتزلف،والمحاباة،والكذب، والتلون ..رغم ان النفاق الأجتماعي قديم لكن يمكن التحّرر منه. أو على الأقل نسعى ماأستطعنا الى ذلك سبيلا . رغم وجود هذا الفايروس من القدم.واذكر هنا طرفه ذات مدلول تأريخي تؤكد هذا المرض الأجتماعي هي ان : معاوية عندما نصّب ابنه يزيد لولاية العهد استدعى شيوخ العشائر للتهنئة والسلام ،على ولي العهد الجديد فكان( الضحاك ابن قيس) وهو احد الدهاة والفصحاء والشجعان العرب جالس بجوار معاوية فمّر شيخ بني تميم اثنى ثناءً على معاوية بخلافته يزيد قائلاً ـ انك لو لم تُولّ هذا امور المسلمين لأضعتها ويشير الى يزيد ـ فأختلى هذا الشيخ مع الضحاك عند خروجهم من المكان قائلاً له : أن أشّر من خلق الله هو هذا يقصد معاوية وابنه . فقال الضحاك له .. ذو الوجهين لايكون عند الله وجيها... ـ الضحاك كان مجاملاً بجوابه ـ يفترض ان يكون صريحاً أكثر بعباراته ويقول له انت منافق لا تحضربعد الآن أي مجلس اًتواجد فيه ، حتى ينتهي عن هذا السلوك الذي جذر لنا آفات وسرطانات . بلعها الشيخ وهي اهانة كبيرة! التداخل الذي أقصده هو بين الدين السياسي المتحّزب وبين نظام العشيرة .ربما سائل يعقب بقول هو ان ـ أبناء العشيرة ـ متدينين ،ويكون تداخلهم منسجم ! لا.. أبداً هذا الرأي غير عملي على الأرض اطلاقاً. ينسحب الدين السياسي ويتوارى أمام مصالح العشيرة ، والعكس بالعكس حسب البيئة أذا كان الدين السياسي (ميلشياوياً) يتراجع دور العشيرة ومثل ذلك في بغداد، والرمادي ، والبصرة . وأحداث السماوة والديوانية والناصرية خير شاهد على ذلك لتأكيد دور وقوة العشيرة وهي في تقاطع مستمر مع الميلشيات السياسية. هذا سوف افصله فيما بعد . ان العشائر القاطنة في بغداد التي بعض ابناءها منخرطين بالأحزات السياسية الدينية لديها توازن مصالح دائماً تنتهي عند عتبة العشيرة .لذلك ادارة الدولة تُدار فعلياً من قبل هذه الشريحتين.لان الدولة امست جثة هامدة حتى في زمن الطاغوت ،لكنها مهابة الجانب بسبب القسوة التي مارستها على مدى عقود ، وهذا كرّس الخوف والبطش لدي الناس.في حين الدولة تحنطت أواسط التسعينات ،لكن لاأحد يجرئ على الأقتراب من هذه الجثة المُحنطة لانه يتذكر مشاهد القسوة، أو يسمع عن قصص الخوف والأرهاب. لكن القريبين من أدوات السلطة يعرفون ذلك.عندما تلاشت الدولة ،وسقطت الجثة المحنطة وتحولت الى أشلاء يرها الناس بالية متآكلة ، تحفز الجانب المقموع لدى الناس ليسترد الأشياء المسلوبة منه بطريقة الفوضى العارمة، والنهب ،والقتل. هنا ظهرت البدائل لسد الفراغ لهيبة الدولة بهذين الشريحتين.تصور مشاكل الناس تُحل في ثلاث أماكن الآن في العراق 1ـ القضاء ومحاكم الدولة ، وهي في الأغلب ضعيفة ومرتشية،وخاوية من أي معنى للعدالة ولدي مقالات تحت عنوان (مثالب القضاء في العراق) بالوثائق استدل بها على هشاشة القضاء وانهياره .بسبب حضور الميلشيات في هذه المؤسسة . 2ـ قانون العشيرة يسمى (سانتو) العشيرة عندما تتعاطى لحل مشكلة ما تبدأ وكأنها عبارة عن معاملة سوق تؤكد وتدلل على رخص واحتقار الأنسان. اروي حادثة .. شخص دهس طفل بسيارة نتيجة حادث . انكسرت رجل الطفل..طلبو اهل الطفل ـ ﮔوامة ـ لحل المشكلة ـ يعني أرادو دية أو فدية في وقت محدد للتعويض عن ساق الطفل.وكنت مشارك مع الوفد الذاهب الى أهل الطفل بدافع الفضول. دخلنا تقريباً 20 شخص. ومعنا سيد يعني ينتمي الى بيت رسول الله (ص) لغرض الجاه،والحقيقة للمساومة. وفعلاً كان من أكبر المساومين هذا السيد . المهم طلب شيخ أهل الطفل عبر عملية حسابية تخلوا من أي مروءة أو شرعية . مليون ونصف دينار عراقي وبعد ساعتين من الأخذ والرد والمعاملة، قََبِل الشيخ الذي يمثل أهل الطفل وعشيرته أمام الكل بمبلغ 250 الف دينار، بطريقة لاتعبر حتى عن كرامة للذين حضروا الجلسة ـ أنا شعرت بالتفاهة ـ . البعض من الجالسين امامي كان يتحدث بالمجد، والكرامة ،والبطولة، ويتهامس مع الآخرين ويغمزهم على الأنتصار الذي حققه بخفض المبلغ الى 250 الف دينار. مع شديد احترامي كانت معاملة تشبه معاملات الغجر .. لعيون فلان ناقص 100ألف دينار ، والى وجاهة فلان 300ألف ، ومن أجل مقدم فلان 200ألف وهكذ ا.هذا يدلل على رخص الأنسان العراقي. دعاني صديق للقيام بمساعدته في الترجمة بسبب فقدان والده برصاصة طائشة من القوات الأمريكية بالقرب من مشروع المسيب التابع الى محافظة بابل.ذهبت معه للقاعدة العسكرية وأنا متألم للحادث ،وأتوعد هؤلاء على هذا الخطأ المميت. وصلنا القاعدة ، التقيت بنقيب مسؤول عن التعويضات . تأسف واعتذر لوقوع الحادث.وأنا أغلي لهذا السلوك البارد .. أخيراً أعطى الى ابن الضحية مبلغ 2800 دولار أمريكي كتعويض ،التي تعادل 3 ملايين دينار عراقي وقتها .انتفضّت بوجه النقيب الأمريكي ـ الذي كان عمله محام ـ على هذا الثمن البخس . قلت له ما المبلغ الذي يعوضوك عنه اذا جُرحت ؟ قال كثير . قلت كيف تُعوضون شخص يموت بعذا المبلغ الزهيد ويترك عائلة بلا معيل؟ قال هذا ثمن الدية للعراقي الذي يموت بدون عمد. قال جمعنا شيوخ عشائر عديدة وهم الذين عينّوا هذا الرقم .لا... بل أقل من ذلك ونحن أضفنا له 20% اكثر مما طلبوه! بالمناسبة في عمليات الزواج أيضاً توجد معاملة وأحياناً أخس من تلك .. وحدثت معي حادثة من هذا القبيل ولم أدرك وقتها مغزى الأرقام. لماذا يضعون هذه المبالغ كمهر ؟ حقيقة أطرقت عندما والد البنت عيّن الملايين وطلبها مني لتزويجي ابنته . قبلت لانني اريد بناء اسرة وكنت جاداً بذلك. ولكن عندما أقام علي دعاوى بالتفريق فيما بعد . أدركت مضمون المبالغ لأنه باعني بضاعته وكان ثمنها بخساً مهما كان الرقم .3ـ المجالس الحوزوية أو مايسمى الحق القرآني ، اقامة الحد على كل من يثبت بالأدلة ادانته. وأغلب المشاكل التي شاهدتها اشكالات( سيارات المنفيست) التي دخلت بعد السقوط ولم تسجلها دائرة المرور . تُباع الى أكثر من شخص وبالتالي من يدفع ثمنها له الحق أن يدعي حيازتها ، ولكن مالكها الأصلي مفقود فيتنازع على الملكية كل المشترين وهذا يسبب المشاكل. دائماً يتم التراضي بدفع الى هذا الطرف أو ذاك الطرف .كحل وسط . بكل تأكيد توجد مشاكل كثيرة . مكاتب السيد الشهيد الصدر في كل حسينية في بغداد تحل عشرات بل مئات المشاكل اليومية بسبب قدرتها الأجرائية وسطوتها .هذا المشهد يمثل صورة لدولة العراق بغياب الحكومة. لانه لم تكن وقتذاك حكومة . حيث الحاكم الأمريكي (جي غرنر، وبعده بول بريمر) يرأس مجلس الحكم فقط .دولة بدون جيش ولا شرطة ،ولا أمن حدود ،ولا دوائر دولة ولا وزارات. الدولة مشلولة ومعطلة عن الفعل.البديل الجماعات التي اصبحت ميليشيات.أقترح عليّ بعص المتنفذين عشائرياً أن ارشح كمحافظ ولدي مايؤهلني لذلك تأريخي السياسي المشرف ،وعلميّتي الأدارية واستقامتي. استحسنت الأقتراح .خصوصاً بعد أن وجدت امامي تحدي كبيروهو معاناة الناس وبؤسهم ثم كيفية تخفيف هذه المعاناة . وجدت ان الحل يكمن بضعف الأدارة وعدم نزاهتها.لذلك عليّ خلق قاعدة من النخبة البابلية ، ولو هي مبعثرة ، ومشتتة ، ودورها مشلول لكن يمكن جمع شلة وطنية من هذا التبعثر. أشار علي احدهم اولاً عليّ أن أضمن الجانب الأمريكي، وهو الآمر الناهي بتعيين الوظائف آنذاك . كانت المحافظة تدار بالنيابة من قبل السيد (عماد قائمقام) الحلة، بسبب عزل السيد اسكندر وتوت من المحافظة لسوء استخدامه ممتلكات الادارة المحلية، والبعض يقول انه تلاعب بملكيتها، اضافة الى كونه كان ضابطاً في جيش صدام وحصل على مكارم وهبات عديدة ،منها حقول دواجن كبيرة تقع أطراف الحلة ، بالاضافة الى استهتار ونزق ابنه بالأعتداء على الناس. هذا مما جعل التجمعات والميلشيات ومقلدين السيد السستاني يحتجون علية وعلى الممارسات التي تنسب اليه وفعلاً ترك المنصب وتوارى بعد أن باتت الجموع في خيم نصبتها أمام المحافظة . بسهولة اجراء التماس مع الأمريكيين ،لكن علي ان أضمن مجموعة نظيفة تعمل معي ، خصوصاً قطاع الخدمات صفر. ذهبت بالبداية على التعرف على طبيعة جهاز المحافظة وكيفية ادارته. تعرفت على السيد عماد لأول مرة ولدي نسخة من تأريخه الشخصي. لكنه بدى دمث الأخلاق ،ولديه الحرص على العمل بشكل جدي لخدمة الناس .قبل أن أدخل الى مكتبه كانت جموع تنتظر بالدور.لكن كان كريم أدخلني فوراً بعد أن ترك بعض الشيوخ الأنتهازيين جالسين في الأنتظار . وكأنهم في مقهى. سألته بأختصار عن رغبتي في ادارة المحافظة . دخلو الشيوخ عندما استفزهم دخولي طبعاً ،ولو كان بأذن منه بعد أن عرّفت موظفه بشخصّيتي. دخلت الفوضى واللأمركزية بالحديث أثناء دخول هؤلاء،بدأت مواضيع تشبه مواضيع المُضيف. استأذنت السيد عماد بعد ان عرفت ارتباكه انه لايعرف ماذا يعمل بسبب تراكم الضغط عليه. لكني عرفت ان التعيين بيّد الأمريكان قائلاً ( دكتورة ماريا ) هي التي تُعين محافظ الحلةـ يابئس التعيين ـ . دخلت الى مكتبها ،قدمت لها السيرة الذاتية شفهياً، وتناولنا أطراف لأحاديث متنوعة. قالت نذهب الى الفندق ـ هو مقر قيادة الفرات الأوسط عسكرياً وسياسياً ـ للتعرف على المسوؤل الأمريكي هناك . ونحن في باحة المحافظة التي كانت بنايتها في شارع أربعين. غادرت الدكتورة على عجل وتأجل اللقاء بسبب طارئ حدث لها. لكني شعرت انها كانت كمن يبحث على شخص ووجده. ربما بسبب العيش بالغرب. خصوصاً تسلسل الأفكار، ومنهجية الطرح اضافة للحديث بالللغة الأنكليزية ، والمهنية الأدارية، والتّعود على نظام الغرب ، والتأريخ النظيف الذي لاأعتقد كان يعني لها شيئ . الذي يعني لها لم أكن انتمني للبعث ربما استحسنت ذلك مني. في المحافظة لمست حراك ، ودسائس، ونفاق، وزعامات،وميليشيات، ومافيات، وقراصنة،وحتى جواسيس ، وقيادات ظّل الكل يتطيّر ويحوك لغرض الوقيعة والتصفية بالآخر اذا اقتضى الأمر.. غادرت المكان الى غير رجعة لاني بعيد عن هذه المستنقعات الوسخة .بدافع الوطنية جئت أخدم مدينتي ووطني لاغير.عدت الى البيت وشكرت كل الذين وقفوا معي واعطوني ثقتهم حرصاً وتقديراً لأستقامتي ووطنيتي. بعدها قررت الذهاب الى بغداد . في اليوم التالي اتصلت بي الدكتورة ـ مارياـ ممكن تحضربعد غداً لنتداول الأمر الذي تحدثنا به في فندق بابل. أعتذرت لها بأدب موضحاً الأسباب وذكرت لها اني لاأستطيع العمل في أجواء بوليسية. الصراعات الشخصية، والمافيات فعالة ، والبعض منها يعمل بنشاط حقير لغرض ارضاءكم.قالت وما الذي ستعمله في بلدك .قلت لها سأذهب الى بغداد وأرى . قالت (حظاً سعيداً) بالأنكيزبة .هاتفي وعنواني عندك . بالحقيقة تبخرت وظيفة المحافظ !
أنا بالأساس جئت لأشغل وظيفة ادارية مدنية في زوارة من زوارات الدولة. وكان تعيين الوزراء يشبه تعيين المحافظين مع اختلاف بسيط هو المحاصصة الحزبية ، والعشائرية كان لها الريادة في بغداد طبعاً بعد موافقة الأمريكي. وقتذاك بدأت تتصاعد الأعمال الأرهابية والتفحيرات ، والسيارات المفخخة التي تتزايد. الأمريكان عليهم مواجهة هذه الأعمال بحزم حتى يركزون على تأسيس حكومة بامكانها تدير دفة الأمور ادارياً وسياسياً ليوفروا جهداً هم بأمس الحاجة إليه. لأنهم يئسوا من الأداء الذي يشاهدونه بأدارة الدولة على الأرض ، حيث كانوا يراقبون عن كثب اداء كل الجماعات والأحزاب . فشعروا بخيبة أمل كبيرة لكن لم يصرحوا بذاك.خشيةً من الأعترضات من المعارضة بالكونكرس والشارع الأمريكي . وبالتالي الأعلام يتربص كل سلبية في السلوك والأداء للقوات الأمريكية على الأرض ، حتى يسلط الضوء من جديد على الرئيس (جورج بوش) ويشن حملة اعلامية تدلل على الفشل الأداري والعسكري له.الوزير الذي يفترض العمل معه لم يكن لي معرفة شخصية به من قبل ، لكن عن طريق أحد المعارف اقترح علي ذلك .وكان الوزير حديث الخبرة في الشئون السياسية ومحسوب على النظام البائد لكنه تركه وغادر . هذا الوزير له ثقل عشائري في الفرات الأوسط . وقربه من أحد وأهم الوجوه السياسية التي شاركت بالتغير وهو السيد (أحمد الجلبي) الذي كان سيد الموقف بلا منازع، حتى قبل السقوط .. وهذه المعارضات التي كنا نراها على الواجهات خرجت من عباءة الجلبي. مثلما خرجوا الأدباء الروس من عباءة (غوغل) الأديب الروسي الأشهر.بالمناسبة لم أكن جلبّيا ولا مؤتمرياً في حياتي ولم أعرف أي شخص قريب من المؤتمر. قبل سقوط الطاغية عُرض على الكثير من المنفيين للألتحاق بالمؤتمر الوطني العراقي في هنغاريا للتدريب والأستعداد للمشاركة مع قوات وطلائع التحرير وقتئذ. وكنت من هؤلاء المدعويين لكني استكثرت الأمر علي. وكنت من الرافضين بالمشاركة وفاتت فرص كثيرة وكبيرة .كان نجم السيد أحمد الجلبي هو البوصلة للحظوة ، والدليل للسلطة، والوصول للنفوذ. لانه سيد الموقف .لكن عندما اصطدم مع الأمريكان بدأت الدسائس عليه، والوشايات ضده للوقيعة به،والكيد له عند الأمريكان لأزاحته من الساحة السياسية وللأسف هذه طبائع البشر. لكن الجلبي ذكي جداً.وكأنه يعرف الشخصية العراقية وأبعاد تفكيرها النفسي ،لان أول منعطف له بالمواجهة مع الحلفاء والأصدقاء الأمريكيين شعر بالخذلان والتنصل من الذين صنعهم وأصبحوا أ رقاماً بعدما كانو نكرات .بدأت المكائد ،والخذلان، والجاسوسية من هؤلاء أنفسهم الذين كانو يلوذون بعباءته. لكن الجلبي يعرف من أين تأكل الكتف ،وكل شيئ عنده يدخل في حساب الربح والخسارة لانه رجل بنكي ، والبنكيين من أذكى الناس يكونون. ساهمت الأقزام بالحملة لتسقيط الجلبي سياسياً، واجتماعياً . لكنه باشر بالتشهير بهم واحدا واحدا.لأنه يملك اهم كنز من المعلومات التي كانت بأقبية المخابرات والأستخبارات والأمن .بدأ يشهر بهؤلاء في ماضيهم المرتبط بالمخابرت سقطوا بسهولة مثل أوراق الخريف . ومنهم الوزير الذي يفترض أن أعمل معه. (المستشار هو الذي شرب الطّلا، فعلام الوزير تعربد) هرب الوزير مع الحاشية ..وضاعت فرصة العمل مني غير مأسوف عليها. تصاعدت عمليات الأغتيالات ،والمواجهات ،والقتال أصبح في الشوارع من الممكن أن يكون كل من يمشي على الأرض هدفاً .لي صديق عرض علي مشروع عمل تجاري وهو له خبرة وباع طويل في التجارة هو السيد (محمد الزبيدي) الذي عين نفسه أول محافظ لبغداد بعد سقوط الطاغية مباشرةً ، لكنه لم يستمر في هذه الوظيفة لأسباب لم يعد شرحها مهم هنا.قال لي تذهب الى شخص يعمل في وزارة الصحة. فعلاً التقيت الشخص الذي كان يعمل في وزارة الصحة .تم ترتيب لقاء آخر لبحث الأمر بتفصيل أكثرحول الأمر الذي جئته . وكان معي شخصين ، الأول يقود السيارة التي أتنقل بها والآخر جالس في المقعد الأمامي .وأنا جلست في المقعد الخلفي .استدارت السيارة للعبور مباشرةً على جسر مدينة الطب الى جهة الكرخ ، وبعد الأستدارة للدخول في شارع حيفا وكان هذه الشارع بعماراتة العالية على الجانبين يعتبر قواعد لفلول البعث والمخابرات . حيث يومياً يُقتل الأبرياء، وتُفجر السيارات بأوامر من هذه القواعد. بالصدفة سيارة نوع (لاندكروز) بلا رقم تسير أمامنا على بعد 20 مترربما كانت هي المستهدفة . على أي حال، بدأت اطلاقات نارعلينا من مسدس وكأنها كانت انذار لجماعة تكمن على الطريق وسط الشارع تقول: بأن الهدف يقترب وبعد برهة واذا سيارتنا ملأتها الثقوب بفعل الشظايا للقنابل الدوية التي رشقتنا أكثر من 18 شظية ضربت سيارتنا ,لكن الأخطر هو اطلاق رصاصة عن قرب استهدفتني مباشرةً. لو لم أكن محني الرأس في تلك اللحظة لأصابت رأسي مباشرةً ،حيث نفذت من جهة اليسار في وسط نافذة السيارة وخرجت من زاوية النافذة التي كنت جالس بجوارها . والحق لو لا جسارة وشجاعة السائق لأصبحنا خبراً منسياً. بعد الأستدارة في شارع العلاوي وقفنا و تفحصت السيارة ورأيت الثقوب التي احدثتها القنابل وجمعت الزجاج المتهشم الذي ملئ مقاعد السيارة وأرضيتها.لاتوجد سلطة ولا دولة تسيطر على الشارع. الذي يقترب من سيارتنا على الفور يهرع منها ،بأعتقاده كنا في مواجهة دموية خرجنا منها أحياء بأعجوبة. وصلت سيارتنا امام مستشفى اليرموك واذا بأنفجار رهيب أحدث دوياً غريباً ، تناثرت جثث الضحايا ووصلت الى بُعد أمتار وهي محروقة . وهذه المرة العجلة التي تتقدمنا مع العجلات التي بجوارها في النسق الأول اصبحت ممزقة تماماً هي التي درأت اندفاع الشظايا وتناثر الجثث بأتجاهنا . رأيت بأم عيني مشهد مماثل وكان داخل سيارة شخصين تعذر خروجهنا من العجلة التي انفجرت بجوار عجلتهم . نراهم على مقربة امتار يستغيثون ، ويستنجدون .. وأذرعتهم العارية تحترق ،لكن لاأحد يستطيع الوصول إليهم للأنقاذهم ، حرقتهم النار شيّاً الى أن تفحموا مع العجلة شعرت بالأنتحار عاراً عندنا وقفت عاجزاً عن انقاذ بشر يتفّحم أمام عيني.
كريم جاسم الشريفي/ فنلندا







#كريم_جاسم_الشريفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 2/6
- ((المجد لشهداء الطبقة العاملة بعيدهم الأغّر))
- المفاوضات السرية العراقية أصبحت علنية في مطارهلسينكي..
- فضيّحة (عراق ﮔيت) أسقطت رئيسة وزراء فنلندا وآخرين..
- الغيّب .. ينبّوع الجهل الإجتماعي
- الغيّب .. ينبوع الجهل الإجتماعي
- لماذا الحرية عند الغير إبداع ،وعندنا إنكفاء ؟
- مهّام تحتاج الى تفعيل!
- الذكرى 74 للحزب الشيوعي العراقي تمر بهدوء...
- الفساد بمجموعه ..آفة بمجمله والرشوة أم الشرور...
- دراسة لمناقشة استحقاقات (السجين السياسي) أخلاقيا وقانونياً.
- الى روح أمل دنقل
- رؤية في قبوُ رمادي
- الأنسان أهم من الجغرافيا والتأريخ والأرض
- ((التكثيف المُلغّم في قصص حمزة الجناحي))
- محاصّصة التوظيّف في الدولة العراقية الجديدة ودور العشيرة....
- حقوق الإنسان بين دولة القانون وقانونّية الدولة
- الأيزيدية .. طائفة مضطهدة مركباً..!
- أدب السجون السياسية (3)
- ((عاقر، لكنها ولدت من ....)) !


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم جاسم الشريفي - مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 3/6