أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - ميسون البياتي - الخصوصية الحضارية في عصر العولمة














المزيد.....

الخصوصية الحضارية في عصر العولمة


ميسون البياتي

الحوار المتمدن-العدد: 2274 - 2008 / 5 / 7 - 11:04
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يرى المؤرخون المعنيون بالفكر العربي الحديث أن حملة نابليون بونابرت على مصر سنة 1798 ميلادية كانت على قصرها بداية للنهضة العربية الحديثة , لأن العرب ومنذ ذلك التاريخ بدأوا يقيمون الصلات مع الفكر الغربي بطرق مختلفة منها : فرنجة الدولة العثمانية المحتلة للعرب , وإصلاحات محمد علي باشا في مصر , والبعثات التبشيرية وازدهار التعليم في لبنان , ونشاط حركة الترجمة , وتقدم وسائل الطباعة , والبعثات العلمية العربية الى أوربا , وحركة الإستشراق . ولكل من هذه الأسباب تأثيره في الواقع الموضوعي العربي .
نلاحظ أن المتعلمين العرب وهم ينفتحون على الغرب , ينقسمون الى ثلاث فئات في طريقة تعاملهم مع ثقافتهم الأصلية العربية .
الفئة الأولى من المتعلمين الثقافة عندها لاتتعدى حدود القشر . تعتز بالثقافة العربية بمغالاة تكاد تمسخ هذه الثقافة , أفرادها لا يفهمون أن الخصوصية الحضارية لأي أمة هو إحتواء ثقافتها على بعض العوامل , وإنتفاء وجود عوامل أخرى , وذلك ليس عيبا , لكنهم يصرون على إلصاق كل شيء بالثقافة العربية حتى جعلوها مثل ثوب مليء بالرقع . وخذوا هذه الأمثلة : حين تقول إن الأدب العربي يخلو من المسرحية , ينبرون لك بالقول : هناك محمد إبن دانيال ومسرحيات خيال الظل .. يسمون خيال الظل مسرحية مع أنه لا يرقى الى شبه مسرحية . ثم يذكرون لك مقامات بديع الزمان الهمداني ... فأين المقامة من المسرحية !!؟
نترك هذه ونمسك الأخرى .. نهاية القرن التاسع عشر إنفصل علم النفس عن الفلسفة , وبدأن أفكار نظرية فرويد في التحليل النفسي تتداول بين الناس , وربما ظن البعض أن فرويد قد عثر على تركيب عضوي في جسم الإنسان إسمه ( النفس ) فإنبرت هذه الفئة من متعلمينا الى القول إن القرآن الكريم إحتوى على ذكر النفس بدليل ذكره للعديد من النفوس : النفس اللوامة والنفس الآمنة والنفس المطمئنة والنفس الفاجرة والنفس التقية .. وهكذا , لكنهم خرسوا جميعا حين تبين أن نظرية فرويد هي مجرد فرضية على الورق لتفسـير سـلوك البشـرولا وجود مادي لها على الإطلاق . وعلى هذه الأمثلة يمكن قياس الكثير .
الفئة الثانية من متعلمينا أيضا تمتلك ثقافة قشور . هيكل كبير من الخارج وألقاب علمية طنانة وفراغ وخواء من الداخل , وهم شكل من أشكال العيوب التي أفرزها نظام إلزامية ومجانية التعليم التي أقرت في دول الوطن العربي حين خرجت مجانية التعليم إمعات لا يملكون من الثقافة غير الشهادة , وبهذه الشهادة أصبحوا طبقة من الأمية المسلحة وصلت الى مراكز وظيفية رفيعة لتمارس فرز خوائها داخل المجتمع من خلال ممارسات لا تمت الى الثقافة بصلة يلزم الناس بتطبيقها من خلال القرار الإداري والقانون الحكومي .
الطبيعة النفسية لأفراد هذه الفئة أنهم يقدسون المظاهر التي لا يمتلكون سواها , و ينسحب هذا التقديس , الى مظاهر التقدم الصناعي والتكنولوجي التي يمتلكها الغرب بطريقة تجعلهم يحتقرون واقعهم بغثه وسمينه , لاهثين وراء الإعجاب بالغرب , متناسين أن الحضارة والثقافة ليستا تقدما تكنلوجيا وعلميا فقط وإنما نظام أخلاقي وقيمي يصاحب ذلك التقدم , الغرب اليوم أشد بقاع الأرض إفتقارا إليه .
الفئة الثالثة من المتعلمين في هذه الأمة , ربما هم الفئة الوحيدة التي تمتلك ثقافة تمتد الى جوهرها وليس ثقافة قشر كما في الفئتين الأخريين . ولهذا تجدهم يؤمنون بخصوصية حضارتهم فلا ينسبون لها ما ليس فيها .. ويقدرون جميل مزاياها ولا ينسون ذلك وهم يتطلعون الى ما يمتلكه الآخرون من تقدم , ويقيمون الجوانب السلبية عند غيرهم بما يجعلهم لا يندفعون إندفاعا أعمى لتقليد الغرب .
الى ما قبل عقدين أو ثلاثة من الزمان لم تكن وسائل الإتصال والنقل بهذه الفاعلية .. الآن كتابة إيميل واحد وإرساله الى مئات الأشخاص حول العالم , يصلهم جميعا في عدة ثواني .
والرحلة الجوية التي كانت تستغرق عدة أيام صارت الآن لا تأخذ أكثر من عدة ساعات .
كما أن قوانين نظم التعليم والتجارة والهجرة والمبادلات الثقافية , صارت أسهل وأيسر وأكثر إنفتاحا , قصرت المسافات وتقاربت الثقافات , ولابد أن تتلاقح وتتداخل شئنا ذلك أم أبينا .
متعلمونا العرب في عصر العولمة ستنقسم ردود أفعالهم إزاء التطبيع الحاصل , الفئة المعتزة بالثقافة العربية ستنغلق ويتقوقع أغلب أفرادها , ومن المحتمل أن ينكص إجتماعيا الكثير منهم , فيحيون لنا عادات وتقاليد عربية كنا قد نسيناها منذ عشرات أو مئات السنين .
الفئة المستهترة بقيم أمتها واللاهثة وراء تقدم الغرب الصناعي والتكنولوجي , هؤلاء سينسلخون عن الأمة ويكونون أول باعة قيمها وتقاليدها وعاداتها , وهم أول خونتها وباعة مصالحها اذا سمحت لهم الأحوال بذلك , تراهم يفتحون الباب للمحتل ويشرعنون وجوده , ويتعاونون معه على أهاليهم , لا أتكلم عن العراق وحده إنما عن كل بقاع العرب المحتقنة في فلسطين ولبنان والسودان . أفراد هذه الفئة وحسب تشبيه الروائي جاسم الرصيف في روايته الأخيرة ( رؤوس الحرية المكيسة ) يسمحون لأنفسهم بإمتهان مهنة ( مسمار حذاء) في بسطال المحتل .
وحين يستقدمون تكنلوجيا الغرب الى بلدانهم فهم أول من يستخدمها إستخداما سيئا , يستعمل السكين للقتل , والقناة الفضائية للبحث عن سفاسف الأمور , والموبايل للتعدي على الناس , والكومبيوتر لممارسة بعض الترهات , وسهولة النقل الجوي لممارسة إبتذالاته في بقاع بعيدة عن الأعين .
وهناك فئة من المثقفين العرب ستتعامل مع الواقع الجديد بإعتدال , تقتبس عن الغير أحسن ما عنده , ولا تنسى قيمها , مؤمنة أن الإنصهار الحتمي للإنسانية في بوتقة العولمة هو شيء حتمي .. لكننا ونحن ماضون إليه فعلينا أن نأخذ معنا أفضل ما عندنا من قيم وعادات , ولا نتركها خلفنا للفناء .
وسيبقى التعريف الأجمل للفضيلة : إنها الحد الوسط .. بين إفراط وتفريط .



#ميسون_البياتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التناص الأمريكي في إسقاط شاه ايران وصدام العراق
- برهان المفتي والموت الفجائي
- تباٍّ للمستحيل
- أخلاقيات النشر على الأنترنيت
- المطر الأسود
- رفع علم الإنسانية
- أنا كملكة على العراق
- الدكتورة ميسون البياتي : أطالب بإعادة إسمي المسروق
- أثر العصبة على الدولة عند إبن خلدون
- إنشطار يوغسلافيا سبع دول في عشر سنوات
- مهزلة العلم في زمن الديمقراطية
- ايران في العراق
- حكايتي مع بدرخان السندي
- كيف تحولت أفغانستان الى حاضنة إرهاب ؟
- لماذا يكذب الرؤساء الأمريكيون ؟
- تعلولة بغدادية
- رفقا بالحق والحقيقة..


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - ميسون البياتي - الخصوصية الحضارية في عصر العولمة