أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - صبحي حديدي - مدنيّة الوحش














المزيد.....

مدنيّة الوحش


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 2273 - 2008 / 5 / 6 - 10:59
المحور: حقوق الانسان
    


كما كانت الحال في كتابه الأوّل "الأجهزة الخاصة، الجزائر 1955ـ1957: شهادتي حول التعذيب"، 2001؛ وكتابه الثاني "من أجل فرنسا: الأجهزة الخاصة 1942ـ1954"، السنة ذاتها؛ وكتابه الثالث "لم أبحْ بكلّ شيء: اعترافات قصوى في خدمة فرنسا"، الذي صدر قبل أيام؛ هل يتوجّب أن تدهشنا اعترافات بول أوساريس، الجنرال الفرنسي المتقاعد وأحد كبار جلاّدي الشعب الجزائري؟ أميل شخصياً إلى استقبال أقواله دون أدنى عجب أو تعجّب، وتستوي عندي اعترافاته التي تخصّ تعذيب وتصفية المناضلين الجزائريين (العقيد العربي بن مهيدي، في المثال الشهير) خلال السنوات الأخيرة من عقود الإحتلال الفرنسي للجزائر؛ أو تلك التي تضيف اليوم المزيد من التفاصيل البشعة، بل تكشف النقاب عن "سكوب" جديد عرفنا له سوابق عتيقة كثيرة، مفادها أنّ الدولة الفرنسية دفعت، سنة 1977، عمولة لسمسار يقيم في بوليفيا، لقاء تسهيل صفقة أسلحة فرنسية للجيش النمساوي، رغم أنّ هوّيته الحقيقية كانت قد افتُضحت قبل سنوات: الضابط النازيّ السابق كلاوس باربي!
ولعلّ الذين سيأخذهم العجب إنما يتساءلون، عن حسن نيّة غالباً: ولكن... أليست هذه فرنسا، بلد ثورة 1789، حاضنة مبادىء الحرّية والمساواة والإخاء، مهد حقوق الإنسان، ساحة الأنوار؟ لا ريب أنها هذه كلّها، ولكنّ الذي تغاضى عن جرائم أمثال الجنرال أوساريس لم يكن سوى فرنسوا ميتيران: وزير العدل الفرنسي آنذاك، والزعيم الإشتراكي لاحقاً، وأوّل رئيس يساري في الجمهورية الخامسة. لا شرعة حقوق الإنسان نفعت، ولا فلسفة جان جوريس ملهم الإشتراكيين الفرنسيين لجمت، ولا بنود القانون ردعت. النصوص (فلسفة كانت أم أقانيم دستورية) كانت في واد، والساسة والجنرالات كانوا في واد آخر.
كذلك فإنّ الشطر الإستعماري ـ الإستيطانيّ من التاريخ الأوروبي يحفل بالآلاف من أمثال الجنرال أوساريس، وأقصد الرقم حرفياً: الآلاف، وليس المئات فقط. إنهم إسبان في الأمريكتَيْن وسائر "العالم الجديد"، وفرنسيون في الجزائر، وبريطانيون في الهند، وبلجيكيون في الكونغو، وبرتغاليون في أنغولا، وهولنديون في جنوب أفريقيا... الإسبان أبادوا قرابة 70 مليون "هندي أحمر"، كما ستصبح تسمية أبناء الأقوام الأصلية؛ وفي ذمّة الملك البلجيكي ليوبولد الثاني، وحده، أكثر من عشرة ملايين أفريقي كونغولي، قضوا في سخرة صيد العاج؛ ولائحة أهوال الإستعمار الغربي تنطوي على صفحات من البربرية العارية المفتوحة، تتجاوز بكثير حدود ما يمكن أن تشمله العبارة الشهيرة: «جرائم بحقّ الإنسانية».
ومن جانب ثانٍ، رديف وقائم ومتواصل، هل انطوت تلك الصفحات حقاً؟
أيّ فارق كبير بين عمليات الإبادة الجماعية التي تعرّضت لها شعوب بأكملها على يد القوى الغربية الإستعمارية في القرون الماضية، وعملية الإبادة الجماعية التي تعرّض لها الشعب العراقي طيلة سنوات الحصار، ويتعرّض لها اليوم أيضاً جرّاء الإحتلال الأمريكي؟ وكيف تبرّر الإنسانية المعاصرة كلّ هذا الموت الفلسطينيّ اليوميّ المجّاني، وكلّ هذا التجاسر على أبسط حقوق النفس البشرية، وكلّ هذه الوحشية العارية؟ وأيّ فارق كبير بين تواطؤ الدول الكبرى آنذاك، على تقاسم مصائر الشعوب المستعمَرة مثل أرضها وثرواتها، وتواطؤها اليوم على إغماض العين عن البربرية الإسرائيلية، بل ومباركة انفلاتها من كلّ عقال؟ وهذه الأيام بالذات، في مناسبة الذكرى الستين لنكبة الشعب الفلسطيني، ماذا يفعل الغرب إزاء إمعان البرابرة إياهم في تنفيذ نكبات جديدة، واحدة تلو الأخرى، في غمرة استهتار بالقانون الدولي أشبه بالرقص الوثني حول جثة الضحية؟ ألا يبدو برابرة إسرائيل الراهنة وكأنهم تحرّروا حتى من ذلك الحرص الكاذب على حرمة قتل الأطفال والرضّع؟
هو حاضر يعود القهرى إلى الماضي، ثمّ يرتدّ منه بعد أن يهتدي به، ليعيد إنتاج أخلاقيات الهمجية القديمة، تحت مسمّيات تمدين وتمدّن ومدنية شتّى. ومنذ القرن الثامن عشر كان الأسكتلندي آدم سميث، مؤسس علم الإقتصاد السياسي، هو الذي عزى تفوّق أوروبا السياسي والإقتصادي والعسكري إلى ابتكارها ثقافة العنف، وتحويلها الحرب إلى علم، وإلى استثمار. وفي القرن ذاته كان جورج واشنطن، أوّل رئيس أمريكي، هو الذي قال: «إنّ التوسيع التدريجي لمستعمراتنا كفيل بطرد الهمجيّ والذئب على حدّ سواء، فكلاهما وحش برّي وإنْ اختلفا في الهيئة». وأمّا في أواسط القرن اللاحق، فقد كان المشرّع الهولندي هوغو غروتيوس، مؤسس القانون الدولي الحديث، هو الذي قال دون أن يرفّ له جفن: «أكثر الحروب عدالة هي تلك التي تُشنّ ضدّ الوحوش. وثمة بشر يشبهون الوحوش»
من أسكتلندا إلى أمريكا إلى هولندا، إقتصاد وسياسة وقانون... وبالطبع، غنيّ عن القول إننا ـ أبناء الجنوب، أبناء المستعمرات، أبناء البلدان التي تحكمها أنظمة مستبدّة تابعة عميلة ـ نحن الذين نمثّل فئة الذئاب الهمجية التي تضطرّ المدنية الغربية إلى شنّ الحرب ضدّها بين حين وآخر. نحن الذين لن يسامحنا الإسرائيلي لأننا أجبرناه على قتل أطفالنا الرضّع، كما في قول إسرائيلي بذيء أوّل؛ ونحن «الوحوش الضارية الهائمة على وجوهها في الأرض المقدّسة»، كما في قول ثان؛ ونحن، أخيراً وليس آخراً، «أبناء الأفاعي الذين ندم الربّ على خلقنا»، كما في قول ثالث، حاخاميّ هذه المرّة.
وإذا كنّا هكذا وأكثر، فما المفاجىء في اعترافات الجنرال المتقاعد بول أوساريس؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنوب اليمن: انتفاضة المظالم أم نار تستعر تحت الرماد؟
- نبض الشارع العربي
- اغتيال عماد مغنية: علام استمرار الصمت الرسمي السوري؟
- إعلان دمشق في المحكمة: كاريكاتور القضاء بعد سوط الجلاّد
- نساء البيت الأبيض
- بوش الإيديولوجي: مشعل الحرّية أم تصنيع الحزام الناسف؟
- أيّ عاصمة، دمشق؟
- إعلان دمشق: آلة القمع دائرة ومطحنة المصطلح قاصرة!
- الساكت عن الحقّ
- إدوارد سعيد: عود على بدء
- نمطان في -تكريم- حقوق الإنسان: هراوة الأسد وممسحة ساركوزي
- شحارير الرياء
- اقتصاد السوق والديمقراطية الغربية: زواج أضداد أم سفاح قربى؟
- الغريبان
- صفقة ساركوزي الجديدة: ألعاب ذرّ الرماد في العيون
- النظام السوري بين غارة وأخرى: العجائب الخمس
- إحتراف الحسبة
- الهند في ميلادها الستين: كعب آخيل عمالقة القرن
- الشعر و-الطرب الوطني-
- تكعيب البصرة


المزيد.....




- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - صبحي حديدي - مدنيّة الوحش