أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - بشير الحامدي - الجزء الثاني1 من كتاب حول تاريخ الثورة الروسية : تناقضات نظرية الثورة على مراحل















المزيد.....



الجزء الثاني1 من كتاب حول تاريخ الثورة الروسية : تناقضات نظرية الثورة على مراحل


بشير الحامدي

الحوار المتمدن-العدد: 2228 - 2008 / 3 / 22 - 11:40
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


الجزء الثاني 1

1 ـ تناقض صيغة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين

إن دراسة أفكار لينين التي عالج فيها مسألة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين دراسة موضوعية على أساس تاريخي ينبذ القوالب الجامدة و الصيغ التوفيقية والمناهج الميكانيكية تقودنا حتما إلى الاستنتاج بأن أفكار لينين التي سار على هديها الحزب البلشفي منذ ما قبل سنة 1905(1) كانت تختلف بل تتناقض وما أورده لينين في موضوعات أفريل 1917 وما تبناه الحزب البلشفي أثناء الثورة .
بحكم خصوصيات تطور الطبقة البرجوازية في روسيا وتشابك مصالحها بمصالح طبقة النبلاء و الإقطاعيين، كان لينين يرى أنها أصبحت عاجزة عن أن تمثّل أي دور تقدمي. لقد تحولت إلى الطبقة محافظة ورجعية لن تتمكن من قيادة الثورة. وتوصل إلى الاقتناع بأن القوى الحقيقية التي تشكل طليعة الثورة وقيادتها ستكون البروليتاريا و الفلاحين على عكس المناشفة الذين حصروا قيادة الثورة في الطبقة البرجوازية الليبرالية وتمسكوا بأن الثورة ستكون ثورة برجوازية على شاكلة الثورات البرجوازية الكلاسيكية. إلا أن برنامج البلاشفة المتعلق بالتعاون مع الفلاحين و الأشكال السياسية التي ستتولّد عن هذا التعاون لم يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في اتجاه تحليل الإشكاليات السياسية والعملية التي طرحتها الثورة ولم يقدم إجابات متماسكة خاصة حول طبيعة السلطة التي ستنتج عن تحالف العمال و الفلاحين و التي لن تكون دكتاتورية البروليتاريا بحكم أن الثورة ثورة برجوازية سيقوم فيها الفلاحون بالدور الرئيسي بوصفهم الأغلبية الساحقة في المجتمع،ولا دكتاتورية برجوازية لأن البرجوازية لن تتمكن من قيادة الثورة ولن تستطيع انجاز مهمات الانقلاب الديمقراطي وعلى رأسها مهمة الأصلاح الزراعي. إن السلطة التي ستنبثق عن الثورة ستكون دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية.
ويؤكد لينين على ذلك بقوله:«...علينا...أن نوضح للبروليتاريا وللشعب بأسره عدم كفاية شعار الثورة أن نبين أنه من الضروري إعطاء تحديد جلي لا لبس فيه و لا إبهام، منطقي وقاطع، لمضمون الثورة ذاته. و الحال أن هذا التحديد إنما هو بالضبط الشعار الوحيد، القادر على الأعراب بدقة عن « انتصار» الثورة «الحاسم» وهذا الشعار هو شعار دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية » (2). فأين يظهر عدم تماسك هذه الصيغة وتناقضها ؟ أنطلق لينين في تحديد طابع السلطة التي ستتولد عن تحالف العمال و الفلاحين في الثورة البرجوازية المتأخرة في روسيا من إقتناعه التام بأن الأوضاع تدفع في اتجاه تحالف ثوري بين العمال والفلاحين سيعبّر عن نفسه في شكل تعاون بين هاتين الطبقتين من أجل الاضطلاع بمهام الثورة وقيادتها. فوحدة الإرادة بين العمال والفلاحين في مرحلة الثورة الديمقراطية أمر ممكن ولابد من تحقيقه لضمان الانتصار النهائي على النظام الأوتوقراطي و القنانة وتحقيق الجمهورية الديمقراطية و إنجاز الأصلاح الزراعي. إن صيغة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين لم تقدم إجابات واضحة عن جملة من القضايا الأساسية المتعلقة بالأشكال السياسية التي سيتخذها هذا التحالف في السلطة و الأساس الطبقي لهذه الدكتاتورية المكونة من طبقتين تختلف مصالحهما في آخر الأمر حتى وإن تقاربت حول المهام الديمقراطية. بواسطة ماذا سيمارس الفلاحون سلطتهم؟ هل سيتمكنون من إنشاء حزب فلاحي مستقل؟ أم ستمثلهم أحزاب أخرى في السلطة؟ هل سيشكل هذا الحزب أو الأحزاب الأغلبية أم الأقلية في حكومة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين؟ ماذا سيكون وزن البروليتاريا في هذه السلطة؟ على عكس الأحزاب البرجوازية و الأحزاب البرجوازية الصغيرة كان لينين يرى أن البروليتاريا بقيادة الإشتراكية الديمقراطية لا تناضل فقط من أجل الحريات السياسية، وإنما تعمل أيضا من أجل الإطاحة بالسلطة القيصرية و الاستعاضة عنها بحكومة ثورية مؤقتة تحققها الإنتفاضة الشعبية الظافرة. وهذه الحكومة هي وحدها التي ستكون قادرة على إحلال الجمهورية الديمقراطية، وتحقيق برنامج الحريات السياسية، و آستدعاء الجمعية التأسيسية:«فمن الضروري أن تكون هذه الحكومة، من حيث أصولها وطابعها الأساسي، جهاز الإنتفاضة الشعبية. ومن الضروري أن تكون، من حيث القصد الصريح، منها أداة لعقد جمعية تأسيسية تشمل الشعب بأسره. ومن الضروري أن تحقق،من حيث مضمون نشاطها، برنامج الحد الأدنى للديمقراطية البروليتارية،القادر وحده على تأمين مصالح الشعب الثائر على الأوتوقراطية»(3).
كان لينين يرى أن الثورة القادمة لا يمكن أن تكون غير ثورة برجوازية ديمقراطية بقيادة العمال و الفلاحين و«سيأتي يوم ينتهي فيه النضال ضد الأوتوقراطية الروسية ويولي فيه عهد الثورة الديمقراطية بالنسبة لروسيا وإذاك سيكون من المضحك حتى التحدث عن «وحدة الإرادة» بين البروليتاريا و الفلاحين، وعن الدكتاتورية الديمقراطية الخ...أذاك سنفكر مباشرة بدكتاتورية البروليتاريا، بدكتاتوريتها الإشتراكية. ونتحدث عنها بمزيد من التفاصيل. أما اليوم فإن حزب الطبقة الطليعية لا يستطيع ألا يعمل بأعظم العزيمة في سبيل انتصار الثورة الديمقراطية الحاسم على القيصرية. وهذا الانتصار الحاسم ليس سوى دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية» (4).
فالمرحلة الأولى ثورة ديمقراطية تؤمّن الانقلاب الديمقراطي وتعني قيادة الانتفاضة الفلاحية حتى نجاحها التام من أجل إعادة توزيع الأراضي وفقا لمصلحة الفلاحين. ولا يمكن إسقاط الحكم القيصري إلا بالانتفاضة الشعبية التي ستحقق الحكومة الثورية المؤقتة التي ستكون الشكل السياسي الأوفي لدكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية.
ماذا كان لينين يعني بالضبط بالدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين؟ سنورد جملة من الشواهد تبين مفهومه لهذه السلطة التي يطرحها بديلا عن دكتاتورية البروليتاريا وكذلك عن دكتاتورية البرجوازية.
1ـ «إن تكوين الأساس الاجتماعي للدكتاتورية الثورية المحتملة و المطلوبة سوف ينعكس ولاشك في تكوين الحكومة الثورية. وبسبب وجود هذا التكوين فإن إشراك أكثر العناصر تباينا من ممثلي الديمقراطية الثورية أو حتى طغيان هذه العناصر هو أمر محتّم» (5) .
2 ـ «لكي تنتصر ثورة الفلاحين الزراعية التي تتكلمون عنها أيها السادة يجب عليها كثورة فلاحية زراعية أن تسيطر على مركز السلطة في كل الدولة» (6) .
3 ـ «لا أحد يتكلم عن استيلاء الحزب على الحكم إننا نتكلم فقط عن الإشتراك بقدر الإمكان في لعب دور قيادي في الثورة....» (7) .
كان لينين يرى أن دور البروليتاريا في هذه السلطة ينحصر في الدفاع ضد كل التراجعات الممكنة وتأمين مصالح البروليتاريا في الانقلاب الديمقراطي. فحزب الطبقة العاملة لن يكتفي بالبقاء كحزب لأقصى المعارضة بل سيعمل على المشاركة في الحكومة الثورية المؤقتة وسيكون مكونا من مكونات دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين والتي ستكون بلا جدال ذات أغلبية ديمقراطية برجوازية صغيرة. وهو يبين الفرق بين المهمات السياسية للبروليتاريا في الانقلاب الديمقراطي وبين مهماتها في الثورة الاشتراكية. فالأساس الطبقي والشكل الحكومي الذي ستكون عليه هذه الدكتاتورية يحتمل طغيان العنصر البرجوازي الصغير إن لم نقل حصر السلطة الثورية بشكل كامل بين أيدي الفلاحين. والبرنامج الديمقراطي للثورة و المعبر عنه في برنامج الحد الأدنى للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي يرتبط تحقيقه بانتصار الانتفاضة الشعبية ولا يحتمل في مفهوم لينين ضرورة إرساء دكتاتورية البروليتاريا بل من الضروري أن يصار إلى تحقيقه عبر دكتاتورية ديمقراطية تعكس سياسيا التقاء مصالح العمال و الفلاحين وتعاون البروليتاريا الثوري والديمقراطي مع الطبقة الفلاحية في الثورة البرجوازية الديمقراطية.
إن لينين لم يتعمّد الخلط بين الثورتين ولم يتحدث عن تحول الثورة الديمقراطية إلى ثورة إشتراكية وتحول الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين إلى دكتاتورية البروليتاريا كما يروج لذلك الستالينيون و الماويون الذين لم يدركوا التطور الذي حصل في فكر لينين أثناء السير الفعلي للثورة الروسية التي مكنت كوضع ملموس لينين من الوقوف على غموض الصيغة القديمة التي لم يكن لها أن تتحقق فتجاوزها. يقول لينين سنة 1917 في مقال «مهمات البروليتاريا في ثورتنا»:«إن الماركسية تمتاز عن الفوضوية في كونها تقّر بضرورة الدولة من أجل الانتقال إلى الأشتراكية شرط أن لا تكون (وهذا ما يميزها عن كاوتسكى وشركائه ) دولة من نوع الجمهورية الديمقراطية البرجوازية البرلمانية العادية، بل من نوع كومونة باريس عام1871 من نوع سوفييتات نواب العمال في 1905 و1917» (8) .
ولقد تعرض لينين قبل ذلك بإثنى عشر سنة و في كتاب خطتا الأشتراكية الديمقراطية إلى تعذر إقامة سلطة مماثلة لكومنة باريس قي روسيا في رد على المناشفة مذكرا بموقف انجلز من البلانكيين الذين بالغوا في إطراء أدنى عمل قامت به الكومونة ومعارضا مبدأ أن تكون دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية دكتاتورية مشابهة للحكومة العمالية التي أنشأتها كومونة باريس بقوله:«...لم يكن بوسعها (أي الكومونة ) أن تميّز بين عناصر الانقلاب الديمقراطي وعناصر الانقلاب الاشتراكي وكانت تخلط مهمات النضال من أجل الجمهورية مع مهمات النضال من أجل الإشتراكية... كانت تلك حكومة ينبغي ألا تكون حكومتنا مثلها»(9). ويضيف مستندا لماركس:«إن الإفلاس السياسي يتهدد الإشتراكي الذي يخلط بين النضال البرجوازي الصغير في سبيل الانقلاب الديمقراطي الكامل وبين الضال البروليتاري في سبيل الثورة الإشتراكية.و تحذير ماركس هذا صحيح إطلاقا. ولكن لهذا السبب بالذات كان شعار «الكومونات الثورية» خاطئا لأن الكومونات التي يعرفها التاريخ قد خلطت بالضبط بين الانقلاب الديمقراطي و الانقلاب الاشتراكي. أما شعارنا :«دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية فإنه بالعكس يضمننا تماما من الوقوع في هذا الخطأ،فإن شعارنا يقرّ كشيء أكيد بالطابع البرجوازي الذي تتّصف به ثورة تعجز عن الخروج مباشرة من نطاق الانقلاب الديمقراطي الصرف ويدفع هذا الانقلاب المعين إلى الأمام ويقصد جهده أن يعطى هذا الانقلاب أفضل الأشكال الملائمة للبروليتاريا وهو يقصد بالتالي أن يستخدم الانقلاب الديمقراطي إلى أقصى حدّ بغية تأمين النجاح على وجه أفضل لنضال البروليتاريا المطّرد في سبيل الإشتراكية» (10) .
كانت صيغة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين التي يطرحها لينين تفترض أغلبية في السلطة لصالح الفلاحين. فالطبيعة الطبقية لهذه الدكتاتورية لا يمكن فصلها عن إمكانية ظهور حزب فلاحي مستقل من جهة عن البرجوازية الليبرالية، ومن جهة أخرى عن البروليتاريا. إلا أن الفلاحين وبسبب موقعهم الوسطي في التركيبة الطبقية للمجتمع لا يمكن أن تكون لهم سياسة مستقلة و لا حزب مستقل فهم مضطرّون دائما إلى السّير وراء الأحزاب الأخرى، وتدعيم سياسة الطبقة البرجوازية أو سياسة البروليتاريا، فهم عاجزون عن حلّ المسألة الزراعية التي تربطهم بالثورة بقواهم الخاصة.
إن صيغة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين لم تكن تحتمل في فكر لينين أن يمارس الفلاحون السلطة بواسطة أحزاب أخرى. فلقد أثبتت التجربة التاريخية أن ما من حزب من الأحزاب البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة اعتمد على الفلاحين وتمكن خلال فترات الركود النسبي في حركة الصراع الطبقي من الظهور بمظهر حزب فلاحي إلا وتحول لما انفجرت الأزمة الثورية وطرحت المطالب إلى أداة من أدوات الطبقة البرجوازية موجهة أساسا ضد مصالح الحركة الفلاحية والحركة العمالة وضد تقدم الثورة. وهكذا فصيغة الدكتاتورية التي طرحها لينين كسلطة للثورة الديمقراطية البرجوازية كانت على درجة كبيرة من التناقض تبيّن بالملموس أثناء ثورة 1917حيث لم تثبت صحة الأفكار القديمة. فلم تتمكن الحركة الفلاحية من إنشاء حزبها الخاص ولم يتمكن العمال والفلاحون من الوصول إلى السلطة إلا في أكتوبر بعد أن عدّل البلاشفة برنامجهم و تجاوزوا الصيغ الوسطيّة ونبذوا الأوهام البلشفية القديمة حول الدكتاتورية المشركة للعمال و الفلاحين وحول تقسيم البرنامج إلى حدّ أدني و حدّ أقصى واعتبار الثورة ثورة برجوازية لا يمكن أن تتخطى الأفق الديمقراطي.
لقد توصّل لينين ومنذ أفريل 1917 إلى أن الوضع في روسيا قد تغير، ولايمكن للطبقة العامة أن تفعل في الواقع الجديد بالاعتماد على فرضيات تعود إلى فترة سابقة برهنت هن عجزها وتناقضها. فثورة فيفري قد رفعت الطبقة البرجوازية إلى السلطة وفي نفس الوقت تمكن العمال و الجنود والفلاحون من إنشاء نواة لسلطة ثورية ممثلة في سوفييتات نواب العمال و الجنود. فنشأت ازدواجية السلطة التي لا يمكن للبروليتاريا أن تنهيها بغير تسلمها الحكم مدعومة من الفلاحين الفقراء. وقد بين لينين أن الوضع اقترب بين فيفري و أفريل 1917 من تحقيق الشعار البلشفي القديم و لكن ليس على شكل سلطة حكومية قائمة الذات بل على شكل سلطة موازية«رقابية» لسلطة الحكومة المؤقتة التي تسيطر عليها البرجوازية الليبرالية.يقول لينين:«إن الثورة الروسية في آذار (مارس) 1917 لم تكنس كل الملكية القيصرية وحسب ولم تضع في يد البرجوازية كامل السلطة وحسب بل إنها أيضا مست عن كثب ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية...أن ديكتاتورية الطبقتين المذكورتين أعلاه بالضبط هي ما يمثله سوفييت نواب العمال و الجنود في بتروغراد السوفييتات الأخرى المحلية ...إن ازدواج السلطة لا يعكس غير مرحلة انتقالية من تطور الثورة حين تجاوزت هذه الثورة حدّ ثورة برجوازية ديمقراطية عادية ولكنها لم تصل بعد إلى ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين«الخالصة»(11).
أسقط لينين منذ أفريل شعار دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية وعارض مساندة الحكومة المؤقتة ورفض أن يشارك الحزب البلشفي حتى في حكومة يشكلها المناشفة و الاشتراكيون الثوريون والتي لم يكن لها أن تظهر برغم نضج الظروف لظهور مثل هذه الحكومة في مناسبتين استغلهما الحزب البلشفي من باب التكتيك لكشف حدود الديمقراطية البرجوازية الصغيرة وعجزها. وتمسك بشعار كل السلطة للسوفييت بعد أن أدرك أن الصيغ القديمة لم يعد من الممكن تطبيقها ولن تتحقق بشكل ملموس في واقع ازدواج السلطة الذي لم يكن في وسع البلاشفة التنبؤ به على امتداد اثني عشر سنة. لقد أدى الواقع الجديد إلى ضرورة تجاوز الشعارات القديمة و الانتقال إلى كسب الأغلبية لصالح الحزب البلشفي في السوفييتات التي تحولت إلى جنين لدكتاتورية البروليتاريا ولم تتمكن من الإمساك بالسلطة. لقد حولت الديمقراطية البرجوازية الصغيرة مؤسسة السوفييتات إلى جهاز مشلول سلّم ويسلّم كل يوم مواقعه للطبقة البرجوازية عبر الاتفاقات و التنازلات.
لقد ناقضت مسيرة الثورة المخطط البلشفي القديم. فقد أقامت حكومة برجوازية محدودة السلطات، وظهر إلى الوجود جهاز السوفييتات، هذا الجهاز الذي أدت هيمنة الأحزاب التوفيقية عليه في الفترة الأولى من ظهوره إلى تحويله إلى مؤسسة ذيليّة عاجزة. وبدلا من الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين ظهرت حكومة برجوازية عاجزة هي أيضا عن تحقيق أي مطلب من مطالب الثورة. وعلى عكس بعض قيادي البلاشفة الذين اعتقدوا أن الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين ستظهر إلى الوجود لمّا تستنزف الحكومة المؤقتة قوتها وتبدي عجزها متمسكين بالأطروحات البلشفية القديمة رفض لينين تلك الصيغ الوسطيّة، وبين أن الثورة ستتقدم على العكس في اتجاه تحقيق دكتاتورية البروليتاريا، و أنه لم يعد ممكنا حل المسألة الزراعية في الإطار البرجوازي، بل أصبحت دكتاتورية البروليتاريا شرطا مسبقا لانجاز المهام الديمقراطية، وإتمامها. إن أوفي ما يمكن أن نختم به هذا العرض فقرة لتروتسكي كتبها عام1909 يقول فيها :«في حين ينطلق المنشفيك من الفكرة المجردة التي تقول أن ثورتنا «ثورة ديمقراطية» ويصلون إلى فكرة تكييف تكتيك البروليتاريا كله مع سلوك البرجوازية الليبرالية بما فيه استلام الحكم، ينطلق البلاشفة من التجريد العقيم نفسه«الدكتاتورية الديمقراطية وليس الدكتاتورية الإشتراكية» ويصلون إلى الفكرة القائلة بأن تقتصر البروليتاريا الحاكمة على تحقيق الثورة الديمقراطية البرجوازية. إن الفرق بينهما حول هذه المسألة لهو فرق على جانب كبير من الأهمية: في حين تتجلى الآن الجوانب المعادية للثورة الكامنة عند المنشفيك تمدد السمات المعادية للثورة الكامنة عند البلاشفة بأن تغدوا خطرا كبيرا فقط في حال انتصار الثورة (وقد أضاف إلى هذا المقطع في المقالة لما أعاد طبعها سنة1922): إن هذا لم يحصل كما هو معلوم. لأن البلشفيّة حققت بقيادة لينين (ولكن بعد فترة من الصراع الداخلي) إعادة تسلّحها الأيديولوجي حول هذه المسألة البالغة الأهمية في ربيع عام 1917 أي قبل الإستيلاء على الحكم»(12) .

2 ـ مفهومان للثورة

إن الإجابات الجاهزة التي تقدمها التحريفية الستالينية و الماوية حول طبيعة الثورة في البلدان المتخلفة أصبحت تشكل عائقا حقيقيا أمام تقدم الحركة الثورية في هذه البلدان في إنجاز المهمات الملقاة على عاتقها. لقد عملت هذه الاتجاهات على تبني استراتيجيا الثورة على مراحل، وسلطة الديمقراطية الشعبية و تحول الثورة الديمقراطية إلى ثورة إشتراكية وحرفت النظرية الماركسية حول الثورة ودكتاتورية البروليتاريا و استبدلتها بقوالب جاهزة. لقد ظهرت هذه الأطروحات التحريفية داخل الحركة العمالة كرد على نظرية الثورة الدائمة التي برهنت على تماسكها وقدمت إجابات ملموسة أثبتها تاريخ أول ثورة اشتراكية ظافرة و نعني بها الثورة الروسية.
إن كل تحديد لطبيعة الثورة و السلطة التي ستنبثق عنها في البلدان المتخلفة و منذ انتصار الثورة الروسية أصبح يمر عبر نظرية الثورة الدائمة. منذ أن تشكلت الستالينية كتيار داخل الحركة الشيوعية العالمية بعد هيمنة الشريحة البيروقراطية العمالية في الاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين على الحزب الشيوعي ومؤسسات الدولة السوفييتية و الأممية الثالثة وحولتها إلى أجهزة بيروقراطية تمارس بواسطتها الدكتاتورية الستالينية احتكارها للسلطة السياسية عملت على تزوير تاريخ الثورة الروسية وتفسيره تفسيرا تبريريا يتماشي وأطروحاتها المعادية للماركسية اللينينية التي تدعي الانتساب إليها بينما تعمل في حقيقة الأمر على تشويهها و الانحدار بها إلى مصاف النظريات الإصلاحية.
إننا لن نبالغ إن اعتبارنا اليوم أن كل محاولة لربط فعلي للنضال الثوري للطبقة العاملة بالنظرية الماركسية الثورية لن تكون مجدية إلا بتخليص هذه النظرية من كل التحريفات و التشويه الذي ألحقه بها الستالينيون على مختلف اتجاهاتهم. إننا وبالاستناد إلى تجربة الثورة الروسية التي مثلت برأينا أول تجربة قدمت إجابات ملموسة ومحددة حول القضايا الأساسية المتعلقة بنضال البروليتاريا في البلدان المتخلفة، سنعمل على توضيح: هل أن الثورة الروسية قد تحققت على مراحل كما يدعي الستالينيون؟ أم أنها تحققت عبر سيرورة كاملة من التطورات وكانت تجسيدا ملموسا لنظرية الثورة الدائمة وبرهانا على صحة توقعات تروتسكي منذ سنة 1905؟
اختلفت المواقف وتباينت الاتجاهات السياسية داخل الحركة الأشتراكية الديمقراطية الروسية بناء على تحديد طابع الثورة وقواها المحركة و القائدة وطبيعة السلطة التي ستنبثق عنها، وما كان لأي اتجاه أن يجادل حول طابع المهمات التي على الثورة في روسيا أن تنجزها وهي المهمات الديمقراطية البرجوازية التي لا تختلف كثيرا عن المهام التي واجهتها الثورات البرجوازية الكلاسيكية. إن الاختلاف كان حول الطريق لحل هذه المهام. كان تروتسكي على إتفاق تام مع البلاشفة حول ضرورة عزل البرجوازية عن قيادة الثورة إلا أن هذا الإتفاق ما كان يمكن له بحد ذاته أن يطمس اختلافه معهم على الطابع الاجتماعي للثورة ومهام و طبيعة السلطة التي سترسيها الثورة. إن التباين في المواقف و اختلافها حول هذه المسألة هو الذي يفسر قطيعة تروتسكي ومعارضته للاتجاه العام للسياسة البلشفية طيلة الفترة الممتدة من سنة 1905 إلى أفريل 1917 لما توصل لينين إلى إعادة تسليح الحزب البلشفي الذي عدل برنامجه.
كان البلاشفة وعلى رأسهم لينين وخاصة بعد 1905 يرون أن الطبقة البرجوازية لم تعد قادرة على انجاز مهمات الثورة البرجوازية وتحولت إلى طبقة معادية للثورة وكفت عن تمثيل أي دور تقدمي وتحولت إلى طبقة محافظة ليس بمقدورها قيادة التحويل البرجوازي للمجتمع. وهكذا أصبحت قيادتها للثورة حكما مسبقا على فشل هذه الثورة. فلابد من استبدالها بقوى طبقية وسياسية أخرى لها مصلحة أكثر منها، وتؤهلها ظروف وجودها لإنجاز المهام الديمقراطية وقيادة السيرورة الثورية. قوى قادرة على أن تلعب دورا مماثلا للدور الذي لعبه اليعاقبة في الثورة الفرنسية سنة 1789 التي ما كانت أن تنتصر إلى النهاية لو لم تكن البرجوازية الصغيرة اليعقوبية على رأس عملية التغيير ولو لم تلعب هذه القوة دورا كبيرا في قيادة الثورة.
يقول لينين حول هذه النقطة ناسبا للبلاشفة في الثورة الروسية دورا مماثلا للدور الذي لعبه اليعاقبة في الثورة الفرنسية في رد على المناشفة:«أما يعقوبيو الإشتراكية الديمقراطية المعاصرة البلاشفة... فإنهم يريدون أن يرفعوا بشعاراتهم البرجوازية الصغيرة الثورية والجمهورية ولا سيما الفلاحين إلى مستوى الديمقراطية المنسجمة لدى البروليتاريا... غير أن هذا لا يعني بالطبع أننا نريد تقليد يعقوبي عام1793 ... فما لدينا ليس ببرنامج قديم بل برنامج جديد هو برنامج الحد الأدنى...ولدينا شعار جديد: دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية. وسيكون ليدينا أيضا إذا عشنا حتى انتصار الثورة الحقيقي طرائق عمل جديدة مطابقة لطابع وأهداف حزب الطبقة العاملة الساعي إلى انقلاب اشتراكي كامل» (13). لقد رفض البلاشفة قيادة البرجوازية للثورة المقبلة وعوّضوها بقيادة العمال و الفلاحين التي سترسي دكتاتورية ديمقراطية للعمال والفلاحين تختلف في نفس الوقت عن دكتاتورية البروليتاريا وعن دكتاتورية البرجوازية. فالثورة لا يمكنها أن تتخطى المرحلة البرجوازية والسلطة التي ستتولد عن الثورة دكتاتورية مشتركة للعمال و الفلاحين تنشئ اقتصادا رأسماليا بتحرير ملايين المزارعين الذين سيكوّنون سوقا داخلية ضخة تسمح للصناعة بأن تتطور وتنمو، وتراكم رأس مال. لقد وضّح لينين هذا الموقف في كتاب خطتا الأشتراكية الديمقراطية في الثورة الروسية بقوله:«إن الماركسيين لعلى اقتناع مطلق بطابع الثورة الروسية البرجوازي. فماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن التحويلات الديمقراطية في النظام السياسي ثم التحويلات الاجتماعية والاقتصادية التي أصبحت ضرورية لروسيا، لا تفترض بحد نفسها زعزعة الرأسمالية. زعزعة سيطرة البرجوازية وليس هذا وحسب بل إنها على العكس ستمهد أيضا السبيل حقا وللمرة الأولى لتطور واسع وسريع أوروبي لا آسيوي للرأسمالية وستجعل من الممكن للمرة الأولى قيام سيطرة البرجوازية بوصفها طبقة» (14) .
ويقول قرار المؤتمر الثالث للحزب الأشتراكي الديمقراطي الروسي«1) إن مصالح البروليتاريا المباشرة وكذلك مصالح نضالها في سبيل هدف الإشتراكية النهائي تتطلب أكمل ما يمكن من الحرية السياسية وبالتالي إحلال الجمهورية الديمقراطية محل شكل الحكم الأوتوقراطي،2) إن الجمهورية الديمقراطية في روسيا لا يمكن أن تقوم إلا نتيجة انتفاضة شعبية ظافرة يكون جهازها الحكومة الثورة المؤقتة القادرة وحدها على تأمين الحرية التامة للتحريض الانتخابي وعقد جمعية تأسيسية تنتخب بالاقتراع العام المتساوي المباشر السري وتعبر فعلا عن إرادة الشعب ...3) تبعا لنسبة القوى وغيرها من العوامل التي يستحيل تحديدها مسبقا بدقة،يمكن القول بآشتراك أشخاص مفوضين من قبل حزبنا في حكومة ثورية مؤقتة بغية النضال بلا هوادة ضد جميع المحاولات المعادية للثورة ، و الدفاع عن المصالح الخاصة بالطبقة العاملة» (15).
لقد بين لينين أن المسألة الأساسية في الثورة الروسية هي مسألة الأصلاح الزراعي. ولحل هذه المسألة لا بد للحركة الفلاحية أن ترتبط بالطبقة العاملة وترتقي إلى مستوى «الديمقراطية المنسجمة لدى البروليتاريا» التي ستقودها إلى تحقيق الإصلاح الزراعي و تحقيق برنامج الحد الأدنى المتمحور حول: الجمعية التأسيسية ـــ الأصلاح الزراعي ـــ والجمهورية الديمقراطية. ووضح قرار المؤتمر الثالث برنامج الحزب وحدد إستراتجية الثورة فلا شك أن العنصر الفلاحي الأوفر عددا من البروليتاريا و الذي سيلعب دورا فعالا في الثورة سيطبع بطابعه الطبقي السلطة التي ستظهر في حالة نجاح الثورة وإسقاط القيصرية . وهكذا فالثورة لن تخرج عن نطاق النظام الاقتصادي و الاجتماعي البرجوازي فهي لن تحطم البرجوازية بل العكس ستؤمن تطور الرأسمالية وتوسعها وتعمقها فللطبقة العاملة الروسية مصلحة كبيرة في هذا التطور، فهي لا تعاني من الرأسمالية بقدر ما تعاني من نقص تطور هذه الرأسمالية إن «انتصار الثورة الحاسم على القيصرية إنما هو دكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية... غير أن هذه الدكتاتورية لن تكون بكل تأكيد دكتاتورية اشتراكية بل دكتاتورية ديمقراطية . فهي لن تستطيع مساسا بأسس الرأسمالية (دون جملة كاملة من المراحل الانتقالية في التطور الثوري ). إنما تستطيع ، في أفضل الأحوال توزيع الملكية العقارية توزيعا جديدا جذريا في صالح الفلاحين، وتطبيق الديمقراطية التامة والمنسجمة إلى النهاية تطبيقا يذهب إلى حدّ إعلان الجمهورية... فهذا الانتصار لا يجعل بعد من ثورتنا البرجوازية ثورة إشتراكية بأي شكل من الأشكال، فإن الانقلاب الديمقراطي لن يخرج مباشرة من نطاق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية البرجوازية ، غير أنه سيكون لهذا الانتصار، مع ذلك، شأن عظيم سواء أفي تطور روسيا أم في تطور العالم بأسره في المستقبل»(16) . لقد كان البلاشفة يرون في الحكومة الثورية المؤقتة الجهاز السياسي الذي ستتحقق به صيغة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين. فالحكومة الثورية التي ستظهر إثر الإنتفاضة الشعبية ستكون أداة تحقيق برنامج الحد الأدنى وهي التي ستضمن للبروليتاريا والفلاحين تحقيق أكمل شروط الحرية السياسية التي لن تكون كاملة إلاّ بإسقاط القيصرية وإرساء الجمهورية الديمقراطية. وأقرّ البلاشفة مبدأ مشاركة حزب البروليتاريا في مثل هذه السلطة وحدّدوا هدف هذه المشاركة المتمثل في النضال ضد كل المحاولات المعادية للثورة والدفاع عن مصالح الطبقة العاملة. فالحكومة الثورية المؤقتة لن تكون سلطة البرجوازية الليبرالية بل ستكون سلطة يشكلها العمال والفلاحون جهازا ينتج عن تحالف عمالي فلاحي. حكومة يشارك فيها حزب الطبقة العاملة مع حزب فلاحي. وهي في آخر المطاف لن تكون غير سلطة برجوازية لنظام لا يمكن أن يتخطى حدود الرأسمالية مثلما لا يمكن للثورة أن تقفز عن مرحلة الثورة البرجوازية. لقد شدّد البلاشفة على ضرورة المرحلة الديمقراطية التي ستسبق الاشتراكية واعتبروا أن الثورة المقبلة ثورة برجوازية ليس فقط على صعيد طابع السلطة التي سترسيها بل على مستوى مضمون الثورة الاجتماعي والاقتصادي. وكان هذا الموقف هو الذي حدّد برنامج الحدّ الأدنى الذي ناضل البلاشفة من أجل تحقيقه طيلة إثني عشر سنة.
وانطلاقا من تحليله لطبيعة تطور الرأسمالية في روسيا ولطبيعة تطور الطبقات وعلاقاتها عارض تروتسكي برنامج البلاشفة حول:
ـ العلاقة بين البروليتاريا والفلاحين في الثورة.
ـ طبيعة الثورة وطابع الدكتاتورية التي ستنشأ عنها.

أ) العلاقة بين البروليتاريا والفلاحين في الثورة

كان الفلاحون يمثلون طبقة غير متجانسة. وكنتيجة لعدم تجانسهم كانت الشريحة العليا منهم تنحدر بشكل دائم إلى صفوف البروليتاريا بينما تصعد الشريحة العليا إلى صفوف البرجوازية المالكة والمستغلة. ولهذه الأسباب الكامنة في طبيعة هذه الكتلة البرجوازية الصغيرة فهي غير قادرة على أن تكون قوة ثورية مستقلة. فلا يمكن للفلاحين رغم تفوقهم العددي على البروليتاريا أن يلعبوا دورا مستقلا عن الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع طبقة البرجوازية التي تملك رأس المال ووسائل الإنتاج وطبقة البروليتاريا التي لديها القدرة على إنتاج الثروة.
كان موقف تروتسكي يرتكز على نقطتين:
أولا: يمثل الإصلاح الزراعي نقطة مركزية في البرنامج الديمقراطي وانطلاقا من مصلحتهم في هذا الإجراء سيلعب الفلاحون دورا مهما في الثورة التي لن تتمكن من انجاز المهام الديمقراطية دون تحالف البروليتاريا مع الفلاحين الذين لا يمكن لهم أن يشكلوا غير قوة ديمقراطية. فتطلعاتهم برجوازية محكومة بتقديسهم للملكية الخاصة وعلى البروليتاريا أن تكسب مساندتهم و مآزرتهم لأنه من دونهم لن تتمكن من التحرر من نير الرأسمالية.
ثانيا: إن التحالف بين العمال والفلاحين لا يمكن فهمه إلا بمعنى قيادة الطبقة العاملة السياسية للفلاحين. وهذا يعني أن الثورة هي في الأساس ثورة إشتراكية ستنجز في المقام الأول المهمات الديمقراطية ولن تتوقف عندها ،وهذا يتطلب دكتاتورية البروليتاريا المستندة إلى الفلاحين الفقراء.
لقد اعتبر تروتسكي مسألة التحالف بين العمال والفلاحين أعقد مسألة ستواجهها الطبقة العاملة. فبقدر ما ستحافظ الطبقة العاملة على سياستها المستقلة عن البرجوازية و عن البرجوازية الصغيرة بجعل الثورة لا تنحصر في الأفق البرجوازي بل تتخطاه إلى انجاز المهمات الخاصة بها كطبقة ، عليها في الوقت نفسه أن تضمن مساندة الفلاحين. وكونهم برجوازيون صغار ونتيجة لعدم تجانسهم الاجتماعي،فإن قيادة الطبقة العاملة لهذا الجمهور العريض في الثورة وإرساء دكتاتورية البروليتاريا المستندة للفلاحين، سيكونان الضمانة الوحيدة القادرة على أن تحول دون تراجع محتمل عن التقدم لإتمام كل المهمات الديمقراطية المتشابكة مع مهمات البناء الاشتراكي. لقد اعتبر تروتسكي دوما أن دور هذه الفئات الاجتماعية في الثورة لا يتحدد بأهميتها العددية. وقد أثبتت التجربة التاريخية كما أكّد ذلك كل من ماركس ولينين أن الفلاحين لا يمكن لهم أن يمثلوا حليفا اشتراكيا للبروليتاريا. فحركة الفلاحين هي حركة طبقية برجوازية صغيرة غير اشتراكية، غير أن هذا لا يمنعها من أن تبلغ أوسع مدى في اندفاعها الثوري في ظل ظروف محددة مثل ظروف روسيا التي تشابكت فيها المهمات الديمقراطية بمهمات البناء الاشتراكي لتقوم بنضال ديمقراطي ثوري. وعلى البروليتاريا أن تدعمها بقدر ما هي حركة ديمقراطية ثورية والنضال ضدها بقدر ما تبدو معادية للبروليتاريا ورجعية.
يمكن أن نلخص موقف تروتسكي حول هذه النقطة في أنه يعتبر أنّه «لا يمكن تنفيذ مهام الثورة الديمقراطية ولا حتى طرحها بجدية أذا لم يتم تحالف البروليتاريا مع الفلاحين... مهما تكن طبيعة المراحل الأولى من الثورة فإن تحقيق هذا التحالف الثوري بين البروليتاريا والفلاحين لا يمكن أن يتم إلاّ تحت القيادة السياسية لطليعة البروليتاريا المنظمة في الحزب الشيوعي وهذا يعني أنه لا يمكن أن تتبين انتصار الثورة الديمقراطية إلا من خلال قيام دكتاتورية البروليتاريا التي ترتكز على التحالف مع الفلاحين والتي تنفذ في البدء مهام الثورة الديمقراطية» (17).

ب) طبيعة الثورة وطابع الدكتاتورية التي ستنشأ عنها

في تصور البلاشفة قبل سنة 1917 لم يكن ممكنا للبروليتاريا أن تتخطى المرحلة الديمقراطية. فليس هناك من طريق للحركة الحقيقية للطبقة العاملة وجماهير الفلاحين غير السير إلى النهاية في اتجاه التقدم البرجوازي وليس هناك من سبيل أقرب وأضمن للبروليتاريا لبلوغ الاشتراكية من الجمهورية الديمقراطية. وليس هناك من شروط لنجاح الثورة غير الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين. وعلى عكس البلاشفة الذين كانوا يعملون على تحقيق موقع متقدم في الثورة للبروليتاريا بفتح الطريق أمام إمكانية لنضال أوسع من أجل الاشتراكية كان تروتسكي يرى أنه ليس هناك مرحلتان مستقلتان للثورة.فنظرا لتحول الطبقة البرجوازية إلى قوة معادية للثورة فعلاقات القوى الاجتماعية والسياسية تفرض أن لا انتصار للثورة إلا تحت قيادة بروليتارية. فالعمال لن يتمكنوا من ممارسة قيود ذاتية في مواجهة مصالحهم الطبقية ولن يكتفوا بمجرد النضال من أجل المطالب الديمقراطية ففي صورة انتزاعهم للسلطة السياسية سيعملون على جعل الثورة تتقدّم بدون مراوحة لإنجاز مهام أساسية اشتراكية في الأساس. فالثورة لن تنتصر بدون قيادة عمالية تنشئ دكتاتورية بروليتارية والثورة لن تنحصر في الطابع الديمقراطي لبعض مهامها بل ستتعداه لتحطيم أسس النظام الرأسمالي والملكية الخاصة.«... من المحتمل أن يصل العمال إلى الحكم في بلد متخلّف اقتصاديا قبل وصولهم إليه في بلد متقدّم... إن التصور أن قيام دكتاتورية البروليتاريا يعتمد بطريقة ما على تطور البلد التقني وعلى موارده إنما هو زعم من مزاعم المادية «الإقتصادية» التافهة ... إن سيطرة البروليتاريا السياسية تسير في خط عكسي مع عبوديتها الإقتصادية ومهما تكن الشعارات التي جاءت باسمها البروليتاريا إلى الحكم فإنها مجبرة على السير في طريق السياسة الاشتراكية. إنه لمن الطوباوية المفرطة أن نعتقد أنه بإمكان البروليتاريا التي يدفعها التركيب الداخلي للثورة البرجوازية إلى استلام السلطة السياسية أن تحصر رسالتها في خلق الظروف الديمقراطية والجمهورية لسيطرة البرجوازية اجتماعيا... إن أول أمر يجب أن يعالجه النظام البروليتارى عند استلامه للحكم هو حل القضية الزراعية التي يتوقف عليها مصير جماهير غفيرة من الشعب الروسي. وفي معرض حل هذه القضية وأية قضية أخرى ـ على البروليتاريا أن تضع نصب أعينها الهدف الأساسي لسياستها الاقتصادية أي سيطرة على أوسع قطاع ممكن تنفذ فيه تنظيم الاقتصاد الاشتراكي» (18).
لم يكن تروتسكي يعترض على التحالف مع الفلاحين ولم يكن يعترض على طابع المهمات الديمقراطية التي على الثورة أن تنجزها. كان اعتراضه على البلاشفة يتركز حول الموقف من طبيعة العلاقات السياسية بين البروليتاريا والفلاحين أي حول طبيعة التحالف مع الحركة الفلاحية وحدود هذا التحالف وشروطه.
إعتبر تروتسكي أن الفلاحين كتلة طبقية غير متجانسة متكونة من شرائح عديدة ( فلاحين فقراء فلاحين صغار، برجوازية ريفية) و الفلاحون غير قادرين على السير سياسيا في اتجاه مستقبل فإما أن تجذبهم الطبقة البرجوازية وبالتالي توجه حركتهم في اتجاه مناهض للبروليتاريا والثورة الأشتراكية وبذلك يصبح تحالفهم مع الطبقة البرجوازية موجها أيضا ضد مصالحهم بالذات، وتستمر الهيمنة البرجوازية على الإقتصاد والساسة. وإما أن تجذبهم البروليتاريا وتدفع بهم في اتجاه سياسة معادية للبرجوازية. يقول تروتسكي في معرض نقاشه لموقف لينين حول العلاقة بين البروليتاريا و الفلاحين في الثورة:«كان موقف لينين يشكل خطوة عظيمة إلى الأمام بقدر ما كان يطالب لا بالإصلاحات الدستورية و أنما بالإصلاح الزراعي بوصفه المهمة الرئيسة للثورة وكونه يشير إلى التركيب الواقعي الوحيد للقوى الاجتماعية القادرة على انجازه إلا أن نقطة الضعف في مفهوم لينين كانت التناقض الداخلي الذي تحمله في جوفها فكرة «دكتاتورية العمال و الفلاحين الديمقراطية» وقد كان لينين نفسه يحصر الحدود الأساسية لتلك «الدكتاتورية» عندما كان يصفها صراحة بأنها«برجوازية»وكان يعني بذلك أن البروليتاريا لحماية تحالفها مع الفلاحين سوف تضطر خلال الثورة المقبلة أن تتخلى عن دكتاتوريتها هي وبالتالي فإن الوضع سيفترض قيام دكتاتورية الفلاحين حتى وإن كانت ستنجز بمشاركة العمال» (19).
إن صيغة البلاشفة المتناقضة حول الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين المرتبطة بطابع الثورة الديمقراطية لا يمكن أن تفهم إلاّ على أساس أنها سلطة برجوازية صغيرة تتميز عن الدكتاتورية البروليتاريا بمضمونها الطبقي وطابع المهمات التي ستنجزها والتي تعبر عن المصالح الديمقراطية للفلاحين الذين لن يتخطوا حدود النظام البرجوازي. ولقد أثبتت التجربة التاريخية أن قيام مثل هذه السلطة إمكانية يستحيل تحقيقها بشكل ملموس. فلا إمكان لسلطة وسطيّة لاهي دكتاتورية البرجوازية ولا هي دكتاتورية البروليتاريا. وما دام هذا الشعار يرفع كبديل لدكتاتورية البروليتاريا في البلدان ذات التطور الرأسمالي المتأخر التي عجزت برجوازياتها عن إنجاز مهمات التحول الديمقراطي التي ألحقت بالطبقة العاملة، فهو سيساهم في تفكيك وتذويب سياسة البروليتاريا في السياسة البرجوازية الصغيرة المراوحة و المتذبذبة ويؤدي إلى استمرار السيادة الطبقية للبرجوازية في المجتمع .
يمكن أن نحوصل مواقف تروتسكي حول الثورة في البلدان المتخلفة هذه المواقف المتباينة مع موقف البلاشفة قبل 1917، في أنه كان يعتبر أن المهام الديمقراطية المتأخرة في روسيا وعلى رأسها المسألة الزراعية أصبحت تقتضى قيام دكتاتورية البروليتاريا. وقد أكد على أن الطريق إلى حل المهام الديمقراطية في البلدان المتخلفة عموما أصبح يمر حتما بدكتاتورية البروليتاريا التي لن تتوقف عند إنجاز هذه المهام بل ستتعداها إلى مهمات البناء الأشتراكي. وقد عارض صيغة البلاشفة «الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين» لأنها كانت صيغة متناقضة وبرهن على أن الفلاحين، برغم أهميتهم الاجتماعية والثورية، لن يستطيعوا السير بآستقلالية عن الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع. فمثلما ساعد الفلاحون البرجوازية وأمّنوا عديد انتصاراتها في الثورات السابقة، يمكن للفلاحين أن يساعدوا البروليتاريا في الوصول إلى السلطة في واقع عجز هذه البرجوازية عن أنجاز مهمتها التاريخية.
إن المهمات الديمقراطية للثورة لن تنجز وإلى النهاية وبشكل جذري إلا إذا تمكنت البروليتاريا المدعومة من الفلاحين من الاستيلاء على السلطة. فإما أن تنتزع الطبقة العاملة السلطة السياسية وإما أن تنتصر الثورة المضادة.
كذلك كان تروتسكي يرى أن تشابك المهام الديمقراطية و الإشتراكية يهيئ لانتقال السلطة إلى العمال. فبمقدور البروليتاريا في البلدان المتخلفة أن تصل إلى السلطة قبل أن تصل إليها الطبقة العاملة في البلدان المتقدمة وفي هذه الحالة، وبالتخصيص على روسيا، سوف يرتبط مصير الثورة بآنتصار الاشتراكية في الغرب «لأن حصر ثورة البروليتاريا ضمن الإطار الوطني لا يمكن إلا أن يكون خطوة مرحلية بالرغم من أن هذه الخطوة قد تستغرق زمنا طويلا...ففي دكتاتورية البروليتاريا المنعزلة لا بد من أن تنمو التناقضات الداخلية و الخارجية إلى جانب الانتصارات التي يجري تحقيقها وإذا بقيت دولة البروليتاريا معزولة فإنها ستقع في النهاية ضحية لهذه التناقضات. لذا كان خلاصها رهنا بآنتصار البروليتاريا في البلدان المتقدمة.وإذا نظرنا إلى الثورة الوطنية من هذه الزاوية نجد أنها ليست كلا متكاملا وإنما هي مجرد حلقة في سلسلة الثورات الأممية. إن الثورة الأممية عملية دائمة بالرغم من اللإنتكاسات و الإنحسارات الآنية» (20 ).
بعد أن عرضنا وبشكل جّد مختصر مواقف كل من تروتسكي و البلاشفة حول أهم القضايا المتعلقة بالثورة الروسية قبل1917، نخلص إلى الإجابة عن السؤال الذي طرحناه و المتعلق بكيفية تحقق الثورة الروسية. هل كانت ثورة على مراحل كما ادّعي الستالينيون الذين أعادوا تركيب تاريخ الثورة بما يتلاءم وحاجات البيروقراطية الستالينية لقوالب أيديولوجية جاهزة تضمن بها هيمنها على المجتمع السوفياتي وعلى الحركة الشيوعية العالمية (الثورة على مراحل، الاشتراكية في بلد واحد)؟ أم أنها كانت سيرورة ثورية متواصلة وغير متقطّعة تشابكت فيها المهام الديمقراطية بمهام البناء الاشتراكي انبثقت عنها دكتاتورية البروليتاريا المستندة إلى الفلاحين الفقراء وأثبت صحة توقعات تروتسكي منذ سنة1905 حول الثورة الدائمة.
يقول تروتسكي:«ليس هناك محك أفضل للنظريات التي تعالج الثورة من الثورة نفسها». دفعت الثورة التي أزاحت القيصرية وسلمت السلطة السياسية للبرجوازية الليبرالية لينين إلى تخطي المقولات الغامضة في برنامج البلاشفة، و تجاوز الصيغ القديمة، وتحديد موقف الحزب حول المسألتين الأساسيتين في الثورة: طابع الثورة ومهام الدكتاتورية التي ستنشأ عنها، وقد راجع البلاشفة منذ أفريل برنامجهم القديم وعدلوه بما يتلاءم و الوضع الجديد الذي نشأ في فيفري 1917. وأكد لينين منذ أفريل وقبل عودته إلى روسيا على ضرورة أن تلعب البروليتاريا دورا مستقلا عن البرجوازية الصغيرة في النضال و تحدد أهدافها بما يتلاءم ومصلحتها في الثورة، وأن تعمل على فصل البرجوازية الصغيرة عن البرجوازية الليبرالية، وجعل الاستيلاء على السلطة السياسية إمكانية فعلية بتوثيق الروابط مع الفلاحين الفقراء وعدم النظر إلى الحركة الفلاحية ككتلة منسجمة ومتجانسة و اعتبر أن انتقال السلطة إلى البرجوازية ظرف انتقالي ناتج عن نقص وعي وتنظيم البروليتاريا وعلى الحزب البلشفي أن يعمل على تجاوز هذا الواقع بدفع الصراع ضد البرجوازية، وضد كتلة البرجوازية الصغيرة الإصلاحية و الانتهازية الواقعة تحت نفوذها بطرح الشعارات الانتقالية وعدم الاكتفاء ببرنامج الحد الأدنى الذي ولى زمنه. فعبر هذه الشعارات سيظهر عجز الحكومة البرجوازية وستواجه الجماهير بشكل مكشوف. فعلى البروليتاريا أن تعمل على إنجاز مهمة الإستيلاء على السلطة السياسية وترفع شعار كل السلطة للسوفيات الطريق لإنشاء دكتاتورية البروليتاريا وتتجاوز شعار الجمهورية البرلمانية فالرجوع إليه أو التمسك به بعد قيام مجالس العمال و الجنود يمثل خطوة إلى وراء، إن شعار البروليتاريا أصبح تحقيق دولة الكومونة.
واجه لينين ترددات القيادة البلشفية بزعامة ستالين و كامنييف ومولتوف الذين جرّوا الحزب إلى دعم الحكومة المؤقتة وعملوا على الاندماج مع المناشفة متمسكين بالصيغ البلشفية القديمة لأنه رأى أن مسيرة الثورة قد تجاوزت حدود البرنامج البلشفي. فقد غدت الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين صيغة قديمة استحال تحقيقها في الواقع.
وأكد لينين على أن التركيب الطبقي والطابع السياسي للسوفيتيات التي نشأت بعد سقوط القيصرية يمثل نواة لدكتاتورية ثورية تختلف اختلافا تاما عن الدكتاتورية الديمقراطية فهي سلطة من نوع جديد من نوع كومونة باريس وأن منشأ هذه السلطة هو أن الثورة لم تتوقف عند المرحلة البرجوازية وأن العمال لم يتمكنوا من ممارسة قيود ذاتيه للحد من اندفاعهم الثوري نحو تحقيق دكتاتورية البروليتاريا كما كان يتصور البلاشفة.
لقد نتج عن سقوط القيصرية نظام مزدوج السلطات اتجه بشكل جذري و متسارع إلى التطور في اتجاه حسم هذه الازدواجية لصالح مجالس السوفييتات. لم يكن أحد ليتوقع مثل هذا التطور.وما كان بوسع الثورة أن تتحقق اعتماد على المخططات القديمة. لقد برهنت الفرضية البلشفية القديمة حول الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين عن تناقضها. فقد عملت الديمقراطية البرجوازية الصغيرة وعلى امتداد ثمانية أشهر من فيفري حتى أكتوبر 1917 على كبح التطور الجذري للثورة مدعمة سلطة البرجوازية التي عجزت عن تحقيق أي مطلب ديمقراطي من مطالب الحركة الجماهيرية، فاستحال إنجاز المهمات الديمقراطية للثورة، وتعذر تحقيق الدكتاتورية الديمقراطية كما تصورها البلاشفة قبل 1917: أي سلطة قادرة على إنجاز الإصلاح الزراعي وإقامة الجمهورية الديمقراطية. لقد تحولت السلطة إلى البرجوازية الليبرالية التي دعمت تحالفها مع بقايا النظام السابق ومع الامبريالية العالمية في نفس الوقت الذي أنشأ فيه العمال والجنود أجهزة سلطتهم الخاصة المتمثلة في السوفييتات. وهكذا أصبح بوسع الطبقة العاملة التي كانت على رأس العملة الثورية أن توثق تحالفها مع الفلاحين الذين ارتبطت مصالحهم بمصالحها، وأن تتجاوز إطار الدكتاتورية الديمقراطية وتجعل الثورة في روسيا ثورة دائمة.
لقد تجاوز لينين المقولات الجبرية القديمة القائلة بدفع الثورة الديمقراطية إلى أبعد مدى لأن روسيا غير ناضجة للتحول الإشتراكي، وحول الثورة البرجوازية كمرحلة مستقلة بذاتها عن الثورة الاشتراكية وحول الحكومة الثورية المؤقتة التي ستحقّق الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين، و حول تعذّر إقامة دكتاتورية البروليتاريا باعتبار أن الثورة ثورة برجوازية، وحول الثورة الإشتراكية في الغرب التي ستسبق الثورة الاشتراكية في روسيا. لقد استنتج لينين من سيرورة تطور الثورة أنّ مثل هذه المفاهيم أصبحت من التقاليد القديمة للبلشفية على الحزب أن يتجاوزها لأنها لم تصمد أمام تجربة الثورة ذاتها. وتوصل لينين إلى الفكرة القائلة بأنّ بوسع البروليتاريا الوصول إلى السلطة السياسية قبل البروليتاريا في الغرب وفي صورة تحقيقا لهذا الهدف الإستراتيجي فإنه يتعذر عليها البقاء ضمن إطار الدكتاتورية الديمقراطية.«إن الطبقة الثورية عندما تستلم سلطة الدولة في روسيا تطبق جملة التدابير الهادفة إلى تقويض سيطرة الرأسماليين الإقتصادية» (21 ).
كذلك فقد أقرّ المجلس العام السابع للحزب البلشفي ضرورة مراجعة برنامج الحزب في اتجاه المطالبة لا بالجمهورية الديمقراطية بل بدولة على شكل كومونة باريس، وتعديل القسيمين السياسي و الإقتصادي من برنامج الحزب الذي ولّى زمنه من أجل سياسة أكثر إنسجاما مع تطور الثورة التي أصبحت تتطلب برنامجا انتقاليا رسم خطوطه الكبرى لينين في مقالة «مهمات البروليتاريا في الثورة الحالية» منذ بداية شهر أفريل 1917 ووضحه بشكل ملموس في كراس«الكارثة المحدقة وكيف نتجنبها» في شهر سبتمبر. وقد كتب لينين كذلك في قرار عن الظرف الراهن. في المجلس العام السابع يقول :«إن بروليتاريا روسيا التي تعمل في بلد من أكثر البلدان تأخرا في أوروبا وبين جماهير السكان الفلاحين الصغار لا تستطيع أن تستهدف تطبيق التحويل الإشتراكي على الفور. ولكنه من الخطأ الجسيم بل من باب الانتقال التام عمليا إلى جانب البرجوازية أن تستنتج من هنا ضرورة دعم البرجوازية من قبل الطبقة العاملة أو ضرورة حصر نشاط الطبقة العامة في حدود ماهو مقبول للبرجوازية الصغيرة أو التّخلي عن دور البروليتاريا القيادي من حيث إفهام الشعب أنه من الضروري ضرورة ملحة القيام عمليا بعدد من الخطوات الناضجة عمليا نحو الاشتراكية. ومن بين هذه الخطوات،أولا، «تأميم الأرض» فمثل هذا التدبير الذي لا يخرج مباشرة عن إطار النظام البرجوازي يكون مع ذلك ضربة شديدة إلى الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ويقوي بالتالي تأثير البروليتاريا الاشتراكية على أنصاف البروليتاريين في الريف، ثم من هذه التدابير إقامة مراقبة الدولة على جميع المصارف مع دمجها في مصرف مركزي موحد وكذلك على مؤسسات التأمين وأكبر سنديكات الرأسماليين...مع الإنتقال التدريجي إلى ضريبة أعدل تصاعدية على المداخيل و الممتلكات فمثل هذه التدابير قد نضجت تماما من الناحية الاقتصادية ويمكن تحقيقها فورا...ويمكنها أن تلقى في الميدان السياسي تأييد الأغلبية الساحقة من الفلاحين...» (22).
إننا إذا نظرنا بمنظار موضوعي للتطور الذي حصل في سياسة الحزب البلشفي منذ أفريل 1917 لأدركنا كم كانت مواقف ليون تروتسكي صحيحة بشكل عام منذ عام 1905 حول المسائل المتعلقة بالثورة الروسية و بسياسة البروليتاريا عموما.فقد توصل الحزب البلشفي إلى نفس المواقف انطلاقا من التطور الملموس للثورة. إلا أنّ هذا لم يمنع أن يستمر ومن داخل الحزب نفسه، جناح يميني ظل معترضا وطيلة أشهر الثورة الثمانية،على خطة الحزب مدعيا أن الوقت لم يحن بعد لإقامة دكتاتورية البروليتاريا. وقد مارس لينين، و تروتسكي بعد انضمامه إلى الحزب البلشفي ضغطا كبيرا على هذا الجناح الذي لم تتبدّد أوهامه حول ضرورة استكمال الثورة البرجوازية. وخاضا صراعا داخليا شديدا ضده لكسب الأغلبية داخل الحزب لصالح برنامج الثورة. ولا غرابة أن تواجه أفكار لينين منذ أفريل 1917 على أنها أفكار قريبة من التروتسكية وهو ما سمح لستالين و بوخارين، وراديك، ومن بعدهم الأحزاب الستالينية و الماوية، بتزوير التاريخ و إبراز أن لينين إستمر متمسكا بقناعاته القديمة حول الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين، و الثورة البرجوازية التي تتحول إلى ثورة اشتراكية، وظل يرفض نظرية الثورة الدائمة مستشهدين بمقولات متضاربة تخلّى عنها لينين نفسه، محوّلين بذلك الماركسية اللينينية إلى نظرية قبلية جامدة.
لقد عمل الستالينيون على التمسك بتناقضات البلشفية القديمة وزوّروا تاريخ الثورة الروسية و أدّعوا أنه كانت هناك مرحلتان في تاريخ الثورة : المرحلة البرجوازية التي أقامت الجمهورية الديمقراطية وحققت الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين، والمرحلة الإشتراكية التي أقامت دكتاتورية العمال والفلاحين في أكتوبر. وسحبوا هذه الاستنتاجات المغلوطة على جميع الثورات في البلدان المتخلفة و أصبحت إستراتجية كاملة كانت نتائجها كارثية في كل الحالات. وأوضح دليل على ذلك معالجة الأممية الثالثة بعد انحطاطها لمسألة الثورة الصينية .(23)
لقد أكد لينين نفسه زيف مثل هذه الادعاءات إبان الثورة وبعد انتصارها وفي عديد المرات. فقد ذكر بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر بالتداخل بين المهام الديمقراطية ومهام البناء الاشتراكي في الثورة مبينا عجز الديمقراطية البرجوازية عن السير إلى النهاية في تحقيق المطالب الديمقراطية التي أصبح أمر إنجازها وإتمامها إلى النهاية مهمة من مهمات دكتاتورية البروليتاريا بقوله:« خذوا الدين أو انعدام الحقوق للمرأة أو اضطهاد القوميات غير الروسية وعدم مساواتها في الحقوق وكلها قضايا تتعلق بالثورة البرجوازية الديمقراطية إن مبتذلي الديمقراطية البرجوازية الصغيرة قد ثرثروا حول هذه الموضوعة طوال ثمانية أشهر، وليس ثمة بلد واحد بين أرقى البلدان في العالم حلت فيه هذه المسائل إلى النهاية بالروح البرجوازية الديمقراطية. أما عندنا فقد حلها إلى النهاية تشريع ثورة أكتوبر... وكل هذا هو مضمون الثورة البرجوازية الديمقراطية. منذ مائة وخمسين سنة ومائتين وخمسين سنة وعد زعماء هذه الثورة (هذه الثورات)... التقدميون الشعوب بتحرير الإنسانية من امتيازات القرون الوسطى ... ولم يفوا بهذا الوعد. ولم يكن في مقدورهم أن يفوا به لأنه حال بينهم وبين الوفاء به احترام الملكية الخاصة الكلية القداسة. إن ثورتنا البروليتارية لم تكّنّ هذا الاحترام الملعون لهذه البقايا من القرون الوسطى... ولكنه وتوطيدا لمكتسبات الثورة البرجوازية الديمقراطية في صالح شعوب روسيا، كان يتعين علينا أن نمضي إلى أبعد. وهذا ما فعلناه. فقد حللنا قضايا الثورة البرجوازية الديمقراطية عرضا، خلال السير بوصفها " نتاجا ثانويا" لعملنا الرئيسيّ والحقيقي لعملنا الثوري البروليتاري الاشتراكي. فالإصلاحات كما قلنا دائما نتاج ثانوي للنضال الطبقي الثوري والإصلاحات البرجوازية الديمقراطية ، كما قلنا وأثبتنا بأفعالنا، نتاج ثانوي للثورة البروليتارية أي الاشتراكية...».(24) إلاّ أن كل هذه الحجج لم تكن لتقنع الستالينيين الذين استمروا في ترديد مفاهيم ستالين مروجين لنظرية الثورة على مراحل ناسبينها للينين، ونظرية الاشتراكية في بلد واحد، معلنين قطيعتهم التامة مع البلشفية والنظرية الماركسية الثورية معيدين بناء تاريخ الثورة الروسية بما يدعم مقولات ستالين التي وضعت خصيصا لمعارضة نظرية الثورة الدائمة التي بينت التجربة الملموسة لوقائع ثورة أكتوبر مدى صحتها، وتبناها لينين في موضوعات نيسان وكذلك مثلت جوهر البرنامج الذي أقره الحزب البلشفي في أفريل 1917 .
في الأخير يمكن القول أن الثورة الروسية تحققت في أكتوبر 1917 عبر سيرورة من التطورات الثورية قادتها الطبقة العاملة دون مراوحة ودون توقف. فعبر تجربتها الخاصة وبقيادة الحزب البلشفي تمكنت البروليتاريا من توثيق تحالفها مع الفلاحين ومن تجذير وعيها وتطوير أشكال نضالها الذاتي في كل منعطف. فبعد أن حاول البرجوازيون الديمقراطيون الصغار إنهاء الثورة منذ أيامها الأولى بتسليم السلطة للبرجوازية، حافظت الطبقة العاملة على استقلاليتها وطالب الحزب البلشفي بنقل السلطة إلى السوفييتات التي كانت تمثل أجهزة جنينية لسلطة دكتاتورية البروليتاريا، ودفع أحزاب البرجوازية الصغيرة الانتهازية إلى الوقوف بشكل مكشوف ضد مصلحة الأغلبية وضد تطور الثورة. وتسلح العمال والجنود وطالبوا بإنهاء الحرب وإسقاط الحكومة البرجوازية ونزع سلاح البرجوازية وتأميم الأراضي ووضعها تحت تصرف سوفييتات الأجراء الزراعيين والفلاحين الفقراء وتأميم الشركات الرأسمالية وتأميم المصارف وبسط رقابة الدولة على الإنتاج. وكشف الحزب البلشفي انتهازية حزبي المناشفة والاشتراكيين الثوريين وحضّر للانتفاضة التي توجت بإعلان السلطة السوفييتية في أكتوبر 1917. فمنذ أفريل سلكت البروليتاريا بقيادة الحزب البلشفي سياسة بروليتارية ثورية وجعلت من الثورة تتقدم في اتجاه دكتاتورية البروليتاريا على خط إستراتيجية الثورة الدائمة. « إن انتصار أكتوبر كان ممكنا فقط لأنه ليست البرجوازية المنتصرة هي التي يمكن أن توزع الأرض على الفلاحين بل البروليتاريا المنتصرة بالذات ، تماما كما توقع تروتسكي من قبل. وعلى هذه القاعدة المادية الصلبة وفقط عليها كان بالإمكان بناء التحالف بين البروليتاريا والفلاحين في الدولة العمالية. أكثر من ذلك لا يمكن لأحد أن يعتبر بأن "الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين" قد تحققت في روسيا (أو في أي مكان آخر) فالحكومة المؤقتة لم تكن بالطبع شيئا من هذا القبيل، بل كانت تجسيدا لمشروع المناشفة الكلاسيكي حول الائتلاف بين البرجوازية والاشتراكيين الديمقراطيين التوفيقيين. ولم تكن أيضا حكومة أكتوبر أيّ شيء من ذلك القبيل بل كانت دكتاتورية البروليتاريا. ولقد برهن التاريخ أن تروتسكي كان على حق على جميع الأوجه بالنسبة للقوى المحركة للثورة الروسية». (25)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش الجزء الثاني 1
1 ـ الأفكار المشار إليها هي تلك المتعلقة بطبيعة الثورة هل هي ثورة برجوازية أم ثورة دائمة وبطبيعة السلطة التي ستنشأ عن الثورة هل هي الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين أم دكتاتورية البروليتاريا المستندة إلى الفلاحين. ولا تشمل مسألة الحزب والموقف من البرجوازية الليبرالية ومبدأ التحالف مع الفلاحين.
2 ـ لينين ـ خطتا الإشتراكية الديمقراطية في الثورة ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 135 و136
3 ـ لينين ـ خطتا الإشتراكية الديمقراطية في الثورة ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 22
4 ـ لينين ـ خطتا الإشتراكية الديمقراطية في الثورة ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 90
5 ـ ليون تروتسكي ـ الثورة الدائمة ـ ص 204
6 ـ ليون تروتسكي ـ الثورة الدائمة ـ ص 204
7 ـ ليون تروتسكي ـ الثورة الدائمة ـ ص 205
8 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 2 الجزء1 ص 90
9 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 83
10 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 91
11 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 2 الجزء1 ص 60 و 61
12 ـ ليون تروتسكي ـ الثورة الدائمة ـ ص 259 و260
13 ـ لينين ـ خطتا الإشتراكية الديمقراطية في الثورة ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 58
14 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 44
15 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 17 و 18
16 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 1 الجزء2 ص 54 و 55
17 ـ ليون تروتسكي ـ الثورة الدائمة ـ ص 299 و300
18 ـ ليون تروتسكي ـ كتاب نتائج وتوقعات
19 ـ ليون تروتسكي ـ ثلاثة مفاهيم للثورة من كتاب سيرة ستالين
20 ـ ليون تروتسكي ـ الثورة الدائمة ـ مقدمة الطبعة الأولى ـ 1929
21 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 2 الجزء1 ص 146
22 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ قرار عن الظرف الراهن ص 179 و180
23 ـ راجع على سبيل المثال القراءة المزورة التي قام بها محمد الكيلاني في كتاب التروتسكية والتروتسكيون في تونس ـ الصفحات من 76 إلى 92
24 ـ لينين ـ المختارات بالغة العربية ـ المجلد 3 الجزء2 ص 249 و 250
25 وتناقضات نظرية الثورة على مراحل ارنست ماندل ـ ليون تروتسكي دراسة في دينامية فكره ـ تعريب هدى حواء ـ نشر دار الالتزام بيروت




#بشير_الحامدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا ما يحدث في تونس
- النقابي التابع
- رسالة مساندة إلى الجبهة الوطنية للدفاع عن المدرسة العمومية ف ...
- التعليم في عصر ثورة الاتصالات لصالح من؟
- تعليم الكفايات لصالح من؟
- كتاب: حول تاريخ الثورة الروسية وتناقضات نظرية الثورة على مرا ...
- بيروقراطية الإتحاد العام التونسي للشغل تفرض حل إضراب الجوع ب ...
- في تونس إضراب جوع 36 يوما مرت! فهل الأساتذة المضربون عن الطع ...
- في تونس ثلاثة أساتذة تعليم ثانوي يخوضون إضراب جوع منذ 20 نوف ...
- رسالة إلى النقابيين في تونس وفي المنطقة العربيةعن طبيعة مؤسس ...
- دفاعا عن الحرية النقابية من أجل نقابة مناضلة


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - بشير الحامدي - الجزء الثاني1 من كتاب حول تاريخ الثورة الروسية : تناقضات نظرية الثورة على مراحل