أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - العابرون ، و تبدل حالات الوعي















المزيد.....

العابرون ، و تبدل حالات الوعي


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 08:34
المحور: الادب والفن
    



يرتكز محمد إبراهيم طه في نصه الروائي ( العابرون ) ، الصادر عن دار الهلال بمصر ، على مساءلة منطقة الوعي في شخصياته ، و إعادة تأويلها خارج الحدود الصارمة للذاكرة ، و الهوية التاريخية ، أو الاجتماعية ؛ فالوعي يسهم في قتل النموذج الأول للشخصية ؛ و هو نموذج يعاني من انسحاق ، أو جنون ، أو موت وشيك ، أو رغبة ملحة في الخروج حدوده المعرفية . إن الوعي ينتصر على معرفة الشخصية بهويتها ، و من ثم على معرفتنا كقراء بهذه الشخصية ؛ و ذلك عن طريق أمرين :
الأول : إبداع نماذج أسطورية مؤولة للشخصيات الأولى ، و لكنها تتجاوز الموت من خلاله ، كما تستبدل موقع الأصل ، و تتسم ببكارة تكوين الشخصية لأول مرة ، و لكن دون تحديد دقيق لهويتها ، فالمريضة أروى تود الرجوع كأميرة للقصر ، و كأنها تحن للوعي الذي يدمر حدودها ، و يعيد تكوينها في سياق أول جديد .
الثاني : مساءلة الحدود المعرفية للوعي نفسه ، و كأنه ينتج تأويلات تخيلية موازية تؤدي وظائفه بصورة انتشارية ؛ و لهذا أرى أن هذا النص الروائي يقاوم عملية التبئير الداخلي المتنوع من خلالها ، فهو يلج الشخصية ، و لا يتركنا في حالة اطمئنان لوجودها ، فالوعي يسعى لتجاوز نفسه دائما في نماذج تخيلية تتسم بطابع كوني تداخلي ، فيمكننا رؤية البطل الطبيب من خلال الشيخ سيد ، و نماذج أروى الملكية الأنثوية ، كما تتداخل إشارات التصوف ، و المعرفة القلبية مع أخيلة راشد ، و نعمات .
و لم يخرج النص تماما عن السياق الثقافي للشخصيات ، و لكنه أعاد قراءة حدث الموت ، أو الانسحاق من خلال تأويل تخيلي سردي للمعرفة القلبية في التصوف ، و من النماذج الأسطورية الكامنة في اللا وعي الجمعي ، و قد تشير هذه النماذج الجديدة الخارجة عن سلطة الوعي إلى شخصية عابرة للزمكانية كما يشير كارل يونج ، و ربما تتداخل مع إيحاءات الاختفاء Disappearance كما هي عند جان بودريار ، فتقع في منطقة بين الوجود ، و اللا وجود لتتجاوز أزماتها الواقعية ، و حدث الموت من خلال عمليات التخيل التي تسعى لاستبدال كل ما هو معروف و حتمي .
بطل الرواية طبيب يعالج أمراض النساء ، و يقوم بعمليات الولادة ، و يفرح عندما يخرج الجنين سليما ، و يرى فرحة الأم ، و رغم حرص السارد على تأكيد هذه الإشارات الإيجابية ؛ مثل السعي للخصوبة ، و النشوء المتكرر ، فإنه أكثر حرصا على استبدالها ، بنشوء آخر للوعي خارج مجال ولادته ، و تطوره ، و تاريخه ، إنه يكرر حدث الولادة دونما تحديد للمولود نفسه ، حيث تتعالى العوالم الجديدة فوق تاريخ الانسحاق الإنساني .
في داخل البطل حنين إلى عوالم الوعي البديلة عن تاريخه ، فيتساءل عن كل ما مر به من أحداث ، و يشك فيها حتى يجد في أدراجه قسيمة زواج ، و شهادات ميلاد أطفال نائمين .
إنه لم يجد إجابة نهائية في إدراكه لهذا التاريخ ، و هذه الوقائع ؛ فتحول فهمه إلى تأويل تخيلي بكر يستبدل مفردات المستوى الأول للوعي ، فالولادة تختلط بالأساطير ، و تجدد الموت ، و الأنوثة تمتزج بالنور ، و الدماء ، بالفضاء المتسع للذات الأسطورية . نحن إذا امام بدايات للشك في الوعي و استبداله بالأداء التمثيلي للمعنى .
لقد كشف بول ريكور عن تحول النظر إلى الوعي حتى صار تأويلا نسبيا معلقا ؛ فالفيلسوف الديكارتي يشك في الأشياء ، لكنه لا يشك بأن الوعي ليس كما يبدو لذاته ؛ إذ يلتقي فيه المعنى و الوعي بالمعنى ، ثم بدأ الشك بالوعي منذ نيتشه ، و ماركس ، و فرويد ، فصار الفهم تأويلا ، كما صار التأويل معلقا نتيجة تعارض التفاسير ( راجع – ريكور – التحليل النفسي و حركة الثقافة المعاصرة – ترجمة منذر عياشي – فصول ع 65 – شتاء 2005 ص 91 ) .
هكذا يمكن أن نرى ملامح الطبيب التخيلية كتأويل يقاوم معرفته بهويته ؛ فقد سمع أصواتا بين التسبيح ، و الزقزقة ، ثم لمح فتاة من نور ، و لم ترد عندما سألها عن اسمها ، ثم انفتح المدى أمامه ، و شعر أنه يسبح ، و تذكر صورة سيد عبد العال .
إنها الذات الأخرى التي ترفض التسمية ، و حدود الملامسة الصلبة ، فهي تمثل اتساع الفضاء كبديل عن المتكلم فيصير وعيه صورة تستبدله ، من خلال فعل التأويل التمثيلي ، و سنجد في موضع آخر من الرواية أن راشد يعود لجراحه ، و واقعه عندما يسأل الملكة أروى عن اسمها .
إن مستويات ما قبل الكلام تتحول في نص محمد إبراهيم طه إلى مستوى سردي بديل عن مستوى القصة ، فسياق شخصية راشد يتطور وفقا لهذه المستويات المحولة إلى علامات تخيلية تملك القدرة على الأداء ، بل تملك فضاء كونيا أسطوريا يناهض دموية الصراعات اليومية .
يميز روبرت همفري رواية تيار الوعي بارتكازها على مستوى ما قبل الكلام على وجه أخص . تلك التي لا تخضع للسيطرة و المراقبة ، و التنظيم المنطقي ، و يرى أن الوعي عند فوكنر كان يقود الشخصية بعيدا عن واقع فاسد ( راجع – همفري – تيار الوعي في الرواية الحديثة – ترجمة د – محمود الربيعي – دار غريب 2000 – ص 24 و 55 ) .
لقد تطور راشد في هذا المستوى الأسطوري مثل باقي الشخصيات التي تقدمت باتجاه التلاشي ، و لم ترجع لنقطة التكوين التي يمكن أن تكون المرجع الذاتي الذي يبدأ منه الوعي في العمل ، و لكنها حريصة أن يكون هذا المستوى هو نقطة تكوينها ، فنحن نتعرف على العلاقة بين راشد ، و أروى من خلال هذه العوالم الجديدة ، فدم أروى يتمرد على وجودها الواقعي ، و لا يستجيب للطبيب لتكتمل العودة ، و تؤسس لبداية أخرى .
أما راشد ففي جراحه يرى أروي تمرح مع الأطفال ، فيرتفع نهداها الصغيران في انطلاق ، و عندما يخشي أن يسقط تاجها الملكي من الاهتزاز ، فتضحك ، و لا يسقط ، ثم تنبت له أجنحة عندما يدخل الحلبة و يرقص .
مثل هذا السياق المرح لا يمكن الفصل فيه بين الجسد ، و العالم ، و الأنا و الآخر ، فقد صارت الأجسام رموزا متحولة للوعي ، و الكون ، و الجسد معا .
هكذا اختلط مسار نهاية أروى بأثر عبد المجيد الذي حدس بموته ، فانتشر العواء و الصخب ، ثم نراها في القاعة الملكية مع راشد الذي لم تقتل جراحه هذه النسخة من وعيه ، و يبدو عبد المجيد مضحكا للملوك في القصر و يجوس الحصان الحامل لأروى في الفناء المرمري المتسع .
إن مستوى الموت هو مستوى الولادة الأولى للشخصية تلك التي تجعل من مستويات ما قبل الكلام سياقا كاملا للفعل الوجودي ، و العلاماتي في آن .
هكذا نرى فاعلية سيد عبد العال الطيفية في مسار الطبيب ، فقد استبدل الرجل الملثم الذي دافع عنه يوم وفاة المريضة عزيزة ، و كذلك الطبيب الشرعي الذي برأه ، كما ساهم بقراءاته من شراب الوصل للبرهاني في دفع الوعي للذوبان ، في بديله التأويلي ، بل بدائله مثل النموذج التخيلي لسيد نفسه ، و أساطير ، أروى ، و علي الدين ، و راشد ، و عبد المجيد . تلك البدائل التي ساهمت في إبداع مستوى سرديا تشبيهيا يعمل في أحداث الواقع من داخلها ، و تتسع مساحته ليصير سياقا أول متجددا .

محمد سمير عبد السلام - مصر



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعي طيفي مثل وهج الموت .. قراءة في عادات سيئة ل جمانة حداد
- براءة الجسد ، و مخاوفه .. قراءة في كوب شاي بالحليب ل محمد جب ...
- ظلال تتجاوز صمت الأشياء .. قراءة في سوف تحيا من بعدي لبسام ح ...
- خوف الكتابة
- التكوين الحدسي للمكان .. قراءة في قصص دوريس ليسنج
- ما بعد الحداثة في ديوان شطح الغياب للشاعر مهدى بندق
- القصيدة في نشوء آخر .. قراءة في شطح الغياب لمهدي بندق
- تجاوز ما بعد الحداثية ، أو التفاعل المفتوح بين المحلي و العا ...
- الزمن الآخر للظل .. قراءة في مهمل لعلاء عبد الهادي
- أحلام الجسد البهيجة .. قراءة في مأوى الروح لمحمد عبد السلام ...
- إعادة إبداع الإنسانية
- عبث ما بعد الحرب ... قراءة في رواية بلا دماء
- طيف الأنوثة المستعادة .. قراءة في هيكل الزهر ل فاطمة ناعوت
- دالي .. حلم النص و أسطورة الفوتوغرافيا
- جماليات الاختفاء عند مكسويل كوتزي
- لذة الكشف في رواية نوافذ النوافذ ل..جمال الغيطاني
- الحكي كإبداع للوعي .. قراءة في ما لا نراه ل محمد جبريل
- معرفة كونفوشيوس
- توهج النهايات عند صمويل بيكيت
- المحظور و التمثيلي و العوالم الافتراضية .. عن الأنوثة في قصص ...


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - العابرون ، و تبدل حالات الوعي