أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجي حسين - الفيلم














المزيد.....

الفيلم


ناجي حسين

الحوار المتمدن-العدد: 2197 - 2008 / 2 / 20 - 11:43
المحور: الادب والفن
    



الولوج إلى المدينة في وقت مقيت... وبالاعتياد تخلق الدفاعات اللازمة لمقاومة الاختناق وكل يوم تنتفض ملايين الخلايا.. يدبّ في الجسد الفتي نشاط محموم للذهاب إلى الجامعة واستخدام وسائط النقل العام وما يتبعها من منغّصات صباحية ورتابة وانتظام ضربات المحفظة الجلدية على الخاصرة حتى أنها صارت تبدو حيناً جميلة وتكسر طوق التكرار.‏

* * *‏

كم مرّة خطر لها أن تداعب أشياءها الصغيرة في الحقيبة الجلدية، أحياناً كثيرة كانت تكتشف أشياء عمرها سنوات، ترقد بحنو هناك، مضى وقت طويل قبل أن تدغدغ عينيها امتدادات جديدة لصور الطفولة القديمة، وبعض الأشعار ودفتر الملاحظات الوردي. ذات عصر داعبها الصديق، "محفظتك لا تحتوي تلك الأشياء الحميمة الخاصة بالمرأة"، مشط، مرآة، أحمر شفاه"، ابتسمت وعندما نظر إلى الوجه الطافح كجورية في ذروة التفتح، أدرك سذاجة تساؤله، فنكس رأسه خجلاً.‏

* * *‏

النهار الدبق الحار، يجعل الليل ربيعاً، فيغرق القلب شوقاً إلى ديار في الذاكرة ونهارات أخرى، القمر من وراء نافذة الشقة يطل من عليائه جميلاً مبتسماً، العناق يعود طيفاً محمولاً على ضفائره المتسربة إلى الشقة ليشتعل الجسد بالرغبة.‏

انتفض في جلسته ونهض إلى النافذة يشرعها، الفراغ يستنزف الروح ويستلبها، خرج إلى الطريق، افترش الرصيف الرطب ليعانق شفافية المساء دون حواجز.‏

الطيف الخليّ يطرق أبواب الدماغ، يشتد الطرق، يتمدد على الرصيف ويفرق في اللجة، لجة الطيف العملاق والضوء الهادي الحزين المحايد.‏

* * *‏

استيقظت ذات صباح، أغرقت فيه الشمس كل تفاصيل الشقة الهادئة، شملت فوضاها المنظمة الحبيبة، فصارت الأفكار أشرعة تتصارع مع موج أحلام الأمس ومواعيده والأغنيات الدامية. عقرب الساعة يستقر على السابعة، أزاحت الغطاء الرقيق عن الجسد العابق بالدفء تاركاً جثة الحلم الأسود بالقبو الرطب والأصوات الوجلة تهوي فوق أرض أُعدّت للاحتراق البطيء، عند الذكرى صار الشعاع منكسراً. أشاحت بيدها تلوح للخاطر الأسود أن يتبعد.‏

اتجهت إلى المغسلة طالعها في المرآة وجه كساه بعض شحوب، تمتمت أكان عليه، أن يختار التاسعة مساء: موعداً لحضور فيلم في السينما، لكنها سامحته في سرّها.‏

* * *‏

قطعت الوقت حتى التاسعة بإدراك واعٍ لأن تتحسس تفاصيل عديدة أكثرها لاغية في المدينة المتجهمة، كان الموعد في التاسعة لمشاهدة فيلم تحدث عنه الأصدقاء، أحدهم قال: إن الفيلم يذكرنا بأننا ما زلنا أحياء، ما زلنا على قيد الحياة فقط".‏

عقّب آخر: "أن نكون على قيد الحياة ليس بالضرورة أن نكون أحياء"، تناست النقاش المتوتر وهي تقضم "سندويتشها" وهنا ربما أحست بالجوع). أي هناك، هل ستكون أمام مشهد آخر داهم ذهنها طويلاً، في أوقات متفرقة مستلاً آمال الغد مبعثراً إياها، كأوراق الخريف، هل هو فيلم بلا صالة ولا ممثلين، أشاحت بيدها لتطرد الخاطر البشع، تذكرت جملة "كثيراً ما يكون شعورنا خاطئاً".‏

* * *‏

ولجت الشارع الأخير، حيث ينتظر، داهمها ضوء قوي لعربة مسرعة غطت بيدها عينيها فأحسّت بقبضة قوية تمسك باليد الأخرى وتدفعها باتجاه غير الذي تقصده، وقبل أن يتاح لها استجماع تفاصيل اللحظة كان القيد قد استقر في يدها وضغط على معصميها الغضين واستقرت بجسد غابت الروح منه على مقعد السيارة بنظرات تائهة. وتساؤلات لم تجد لها جواباً قط حتى الآن.‏

* * *‏

انكسر الموعد على دقات النصف بعد التاسعة. دلف إلى الشارع بخطواته الوئيدة وحيداً وقال في سره: "بدونها لن أرى الفيلم"، طرق كل الحسابات الممكنة ووظف طاقاته الخيالية في خلق تفاسير الغياب، لكن الحقيقة الوحيدة كانت تطرق جدار الدماغ بعنف "إنني وحيد"، واستسلم لقدره المحتوم. تعيساً تهرب منه الكلمات بلا جدوى...‏

* * *‏

الليل في الربيع ونسمات العشق جعلته يحلم بصمت أن يشاهد فيلماً مع حبيبته التي رحلت قسراً...‏

عندما أراد أن يبتسم أتاه الشرطي ليأمره بضرورة مغادرة المكان... أراد أن يتابع الحلم، لكنه كان مجبراً على الرحيل... فرحل.‏



#ناجي_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التشوهات تطارد أطفال العراق إلى 100 عاما قادما
- وليكن.. مايكون
- أيُّ عراق هذا؟!


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجي حسين - الفيلم