طلال الغواّر
الحوار المتمدن-العدد: 2189 - 2008 / 2 / 12 - 06:35
المحور:
الادب والفن
وداعا وليد دحام
وداعا أيها الشاعر الرائع
وداعا يا صديقي العزيز
في أربعينية المرحوم الشاعر وليد دحام
في صباح يوم الأربعاء 14/12/, اتصل بي هاتفيا ,احد الأصدقاء , كان سؤاله مفاجأ ,أتدري ماذا حل بوليد دحام ؟ فأجبته سريعا دون سابقة تفكير في الإجابة : مات؟! قال نعم قبل ثلاثة أيام, وما أدراك ؟ كانت صيغة سؤاله ونبرة صوته تحمل في طياتها الإجابة .
لم يكن خبر وفاة صديقي الحميم وليد دحام أمرا هينا بالنسبة لي , بالرغم ما نعيشه في العراق ومنذ الأيام الأولى للاحتلال والى يومنا هذا ,من أوضاع إنسانية في غاية الصعوبة فأصبح الموت كما يقال(الموت بالمجان ) فقد مات مئات آلاف من العراقيين , وفي كل يوم نسمع بأعداد من الموتى , يقتلون ويغيبون , لكن الأمر يختلف ألان , كنت مذهولا من هول الخبر , لم اعد أتمالك نفسي , وأقوى على التواصل في عملي ,كنت أداري اهتزازي الداخلي بشي من الهدوء , والاتزان المفتعل , فقد كانت نظارتي تحجب عن الناظر رؤية عينيّي المغرقتين بالدمع , , فالمفاجأة مذهلة , وبحكم المودة التي أكنها لصديقي وليد, والتي تعمقت بعلاقتي الطويلة معه .
ركبت سيارتي وعدت إلى البيت , كانت المسافة قصيرة لم تستغرق إلا بعض دقائق , لكني خلال هذه المسافة الزمنية القصيرة , كان تاريخا يمتد لأربعين عاما يستحضر أمامي , ووليد دحام ماثلا بابتسامته , وحركاته الغريبة , وعباراته الساخرة , وصور عن اكتئابه المفاجئ وطرائفه المعهودة , واردد بعض المقاطع من قصائده الجميلة , كالمعتاد اعتكفت في غرفتي , كل شئ فيها كان يوحي بذكرى لوليد دحام وأصدقاء آخرين له ولي , الأستاذ القاص فرج ياسين القاص جمال نوري , ربيع ممدوح الكميت , وآخرين كثر, وانأ اردد في سرّي قصيدته الجميلة عنوانها (ندم ) التي نشرتها في جريدة الإصلاح وكأنه يشير فيها إلى موته , والى المكان الذي كان فيه , كما عرفت انه كان في طريقه إلى المقبرة, انه تنبّئ بطريقة موته , وكأني اقرأها وهي مكتوبة على شاهدة قبره .
حاملا غصن الحب
غادرت مقبرتي
ونفضت رماد غيابي
اصطحب معي طفلي ,
ومشيت
موقنا بجمال حياتي
أوغلت مليا
في وجوه الملأ
ألقيت أحياء موتي
يرسمون الرصيف
وسعلاة رثائي
عندها
أخفيت الطفل في روحي
وجريت إلى مقبرتي .
عرفت وليد دحام في أواخر الستينات في ثانوية تكريت , وكنت اسبقه بمرحلة دراسية , وعلاقتي تأسست على أساس الاهتمام بقضايا الثقافة والأدب , وأشياء أخرى , ,كان الشعر هو الآصرة التي تربطه معي .غير أن الو ضيفة قد خطفته ولم نعد نلتقي إلا قليلا وسافر إلى خارج العراق , وفي عام 1992, كنت في شارع المتنبي أتابع الكتب المطروحة على الرصيف وفي خضم الأجساد البشرية التي يزدحم بها شارع المتنبي في يوم الجمعة , كان رجلا يقف أمامي ويسألني –أنت طلال الغوار ؟ أجبته نعم .,قال: هل عرفتني , لقد اقترنت صورته بأحد الشعراء الذين التقيتهم في محافظة ديالى , فقلت له أنت شاعر من ديالى ! فليس له إلا أن يلقي بوجهي ابتسامة حزينة, فقفزت في راسي صورة وليد دحام , كان عناقا حارا بعد فراق دام أكثر خمسة عشر عاما .
وجدت وليد دحام بعد هذه الفترة من الفراق , كما هو , حركاته نفسها أداء نكاته وطرائفه نفسها , سخريته , انفعالاته المفاجأة , حالات يكون فيها مضيئا ومنشرحا ولكن سرعان ما تنتابه حالة الانطفاء وبشكل مفاجأ , كنت اعرف بعض أسباب ذلك, , ولا مجال لذكرها , ومن الجدير بالذكر أن الفكاهة التي يتحلى بها وليد واستخدامه للطريفة والسخرية,ليس نتاجا لحالة الفرح والاستقرار النفسي وإنما كانت تعبيرا عن حالة على النقيض من ذلك , إنها تعبيرا عن حزن عميق وتأزم نفسي وقلق ورفض لنمطية الحياة .
وبقت علاقتنا مستمرة طيلة فترة التسعينات , وعاود نشاطه الأدبي بعد أن انقطع عن الكتابة , كنا نلتقي كل يوم جمعة في مقهى (حسن العجمي) في بداية شارع الرشيد , كتب الكثير من القصائد ونشرها في الصحف واستطاع أن يتقن بشكل جيد كتابة القصيدة الحديثة.
أهم ما يتميز شعر وليد دحام هو غرائبية ألصوره في رؤية فنطازية مما تجعله يختزل الواقع في شباك الصورة المذهلة ويحّمل اللغة الدلالات الكبيرة ,ولم يكن استخدامه( للفنطازيا) نابعا من تأثره بشعراء أو بقصديه التمايز عن الآخرين بل هي نتاج تجربة وحالة تمرد ورفض للواقع لتشكل رؤيته الشعرية
وداعا يا وليد دحام ...وداعا يا صديقي العزيز... وداعا يا أبا خالد ونهى....وليس لي ما أقوله أخيرا
ذكــــــراك جرح حينما أتذكــــرُ وتركت قلبا بالأســــى يتضّورُ
وشربت ليلـــــــي ادمعا ومرارة في راحتي كأس الهوى يتكسّرُ
لا لن تمت فهواك يبقى حاضرا ما بيننا,مســــــكٌ يضوع وعنبرُ
#طلال_الغواّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟