أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاديا سعد - حين يتخلى الوقار.. عن زيفه














المزيد.....

حين يتخلى الوقار.. عن زيفه


فاديا سعد

الحوار المتمدن-العدد: 2183 - 2008 / 2 / 6 - 07:35
المحور: الادب والفن
    


"إني أتمتع بقدر من روح المرح الكافي لمواجهة أسوأ المواقف، وبقدر من حب الطبيعة يمكنني من أن أجد الجمال والسعادة في أماكن لا تخطر على بال إنسان أن يجدها فيه"
أنديرا غاندي.

في يوم واحد، وخلال ساعات معدودة، وجدت نفسي وسط مفارقة غريبة لمناسبتين متناقضتين.
حصلت الأولى صباحاً في الساعة العاشرة داخل القصر العدلي في مدينة دمشق، والثانية مساء وسط جمع أنيق في الذائقة الفنية جاؤوا دار الأوبرا لتحقيق حلمهم با لاستماع إلى فيروز.

اشترك الجمع الأول مع الثاني بالانتظار واللهفة في أن تكون الحياة عادلة، فيتحقق حلم الحشد الأول بمجريات محاكمة عادلة تنسجم وطموح المثقفين بالحرية، ويأمل الحشد الثاني بأن تحقق له الحياة أمنيته بمشاهدة وسماع هامة عالية من هامات الفن كفيروز.

كان الفارق الوحيد بين الجمعين أن الأول داخل القصر العدلي يدرك أن الترقب يرافقه بعض العجز، والكثير من القلق حول مجريات المحاكمة ومستقبل الإعلان برمته، و كان الثاني على معرفة بأن اللهفة حبلى بهدية مرسلة من السماء لتبوح أجمل بوح.

مع ذلك فإن لحظات الانتظار والترقّب في القصر العدلي والتي أضحت، ساعة إثر ساعة، أشبه بعقاب جماعي يعيشه أهالي المعتقلين وأصدقاؤهم، ومن يقف في صف حرية الرأي والتعبير هي –لحظات الانتظار- دليل ساطع بأن ثمن الحرية هو اعتقال وتعذيب وضمور جسد لا روح، وبأن الانتظار في القصر العدلي لن يكون الأخير كما لم تكن الأخيرة التي عاشها وسيعيشها أنصار الحرية والديمقراطية.
وسواء أختلفت التيارات أم التقت فإن العنوان الرئيس، لمن تضامن معهم، هو إطلاق سراح معتقلي الرأي والضمير. لأن التشكيك بانتمائهم الوطني هو جريمة لن يغفرها التاريخ لمعتقليهم، والجريمة الأكبر أن يساق هؤلاء إلى الزنازين، وأن يقدموا لمحاكمة لا تتوفر فيها ضمانات العدالة وكأنهم مجرمون: سارقون لقوت الشعب، و مهربو أسلحة، وإرهابيون.

في ذاك المساء القارس، حيث توهجت الأضواء على طول الطريق المودي باتجاه دار الأوبرا، وقف قاسيون شاهداً صامتاً على مناسبتين تحمل كل منهما في أحشائها دلالات وصوراً. وقف حزيناً على أحداث ساعات الصباح، و مبتهجاً لهدية السماء.

في المساء كنت أعتقد أني تخلصت من صور الصباح، واعتقدت أكثر أن اللقاء المنتظر مع روح كونية تكثفت في صورة صوت سيخفف لاحقاً عبء الصور الصباحية.

ما اهتممت لطول المسافة، ولا للمساومة العنيدة التي لجأت إليها كي أحقق حلمي المنتظر. وكنت أفكر: مثيرون للعجب نحن البشر، كم نستطيع أن نتحمل كي نعيش لحظة جميلة، و كم من البؤس يمكننا أن نبتلع حين نعرف أن الأفضل قادم.

بهدوء وأناقة منسجمة مع الجو العام تقدّمت، لكن ثقل الانتظار دفعني وصديقتي للعبث بنظام الصفوف، وما وجدنا نفسينا إلا ونحن ندخل، ونمشي، ونصعد الدرج، وما بقي بعد أن جلسنا على مقعدينا المخصصين لنا إلا أن ننتظر من الحلم أن يقول: ها أنا.

بعد إيقاع تنبيهي ساد الهدوء. مشت الدقائق بوقع ثقيل. تنبيه ثان وساد صمت وقور. كانت لهفة اللقاء قد وصلت الذروة، وحين أقول الذروة فأنا أعنيها تماماً، أكدها عدم تبادل الأحاديث الجانبية، و كان يمكن لأي مراقب أن يقرأ أفكار الحشد: "هيا.. هيا. يجب أن نتأكد من وجودها. أتتحرك كالبشر؟ أتشوّح بيدها مثلنا؟.
تنبيه ثالث وانطفأت الأضواء. عتمة وصمت، ثم انفتح العالم الدمشقي على جمال الكون دفعة واحدة، ومرة وحيدة ستكون في ذاكرتي.

كانت جدران ومقاعد دار الأوبرا شاهدة على اللحظة العاصفة. قدّمت القلوب زوبعة من قلق ماض. مستمر لفيروز المرأة، لفيروز الصوت، لفيروز الأناقة، لفيروز الشفافية.

إن هذا السؤال موجه لكم كمقدمة لما هو آت: ماذا يمكنكم أن تفعلوا حين ينفتح كتاب الأسرار أمامكم دفعة واحدة، وكنتم سابقاً تحلمون بمجرد لمسه؟ وماذا تكون ردة الفعل الطبيعية حين يوضع هذا الكتاب كاملاً وعلى حين غرّة بين أيديكم؟!

ما حصل لحظة رفع الستارة وتسليط الأضواء المدهشة على المسرح وشخوصه، وعلى المرأة، التي طالما حلمت بمشاهدتها، دفعني كردة فعل لا إرادية إلى أدفن وجهي بين يدي وأبكي!

قلت لنفسي: "المخلوقة لم تغن بعد، فعلى أي شيء هذا الّلطم؟! ما كانت تلك المحادثة السرّية إلا لتزيد دموعي: "شو يا عمي.. العمى، عملت المستحيل للمجيء.. طيب بفرض أنهم سيسألونك رأيك بالعرض.. ماذا تجيبين: أنك لم تري أو تسمعي شيئاً، لأنك قضيت الساعتين والنصف تندبين؟!

وفيروز ماذا فعلت؟ أكدت على المسرح مع كل حركة، وكل التفاتة، وكل خطوة من خطوتها المشبعة بالكبرياء، على أن أنبّه العبد القابع داخلي، وأحدّثه عن حريته المفقودة.

غير مرة في تلك الحفلة مثّلت لعبة الاتزان، وكلما سيطرت على نفسي وقع بصري على رجل في السبعين كان يجلس أمامي في الصف الأول، فأراه يمسح دموعه، فأعاود الندب!.

بعد أن انتهت لحظة ولادة الحياة على طريقة فيروز، مشيت مع الحشد وسؤال ما زال يتردد صداه في داخلي حتى الآن: لماذا بدوت داخل القصر العدلي أثناء انتظار المعتقلين متماسكة كالباقين، وحتى مرحة قليلاً كالباقين، بينما انهار القناع المزيف، من غير استئذان، أمام الجمال والرقة والشفافية التي جسّدها حضور فيروز؟

إلى أي حد اعتدنا في حياتنا على صور البؤس؟ حتى كأننا نتمتع بمناعة جسدية ضد صور الشر؟ لكن في لحظة صغيرة ينسلخ جلدنا السميك، وننكشف عراة أمام حضور الحقيقة، ولأني اعتقدت لحظتها أن ندبي كان سببه تضامني مع من أحبوا فيروز، وحرموا من ملامسة الجمال وهو يتجول على مسرح دار الأوبرا بدمشق.





#فاديا_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قال أنها غير.. مكررة؟
- ............. مبالاة
- وطن أم.. في الخيال وطن؟!
- أطرف انتخابات في العالم
- في إشكالات قراءة النص
- احتراق شمعة
- التواضع مطلوب.. الوحدة العربية؟!
- عيد الأم.. الصورة المزيفة
- خفة المقال.. وثقل الانتخابات
- منحتموه جائزة؟.. أنا أيضاً
- بعد رحيلك
- عندما يكون.. اختياراً
- الرمي.. بالاتهامات
- هاتها.. من يد الحكومة السورية


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاديا سعد - حين يتخلى الوقار.. عن زيفه