أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - خليل اندراوس - محدودية مادية لودفيخ فورباخ ومثالية الديالكتيك الهيغلي ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية















المزيد.....

محدودية مادية لودفيخ فورباخ ومثالية الديالكتيك الهيغلي ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية


خليل اندراوس

الحوار المتمدن-العدد: 2103 - 2007 / 11 / 18 - 12:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تقول إحدى موضوعات هيغل الشهيرة:
"كل ما هو واقع هو معقول، وكل ما هو معقول هو واقع"، "والواقع في تطوره ينكشف ضرورة".
"وكل شيء، كان واقعا فيما مضى، يصبح في مجرى التطور غير واقع، ويفقد ضرورته وحقه في الوجود، وصفته المعقوله. ومحل الواقع المحتضر يحل واقع جديد صالح للحياة يحل محله سلميا ، إذا كان القديم عاقلا بحيث يتقبل مصيره دون مقاومة، وبالعنف إذا عارض القديم هذه الضرورة". وهكذا، تتحول موضوعة هيغل هذه وبفضل الديالكتيك الهيغلي نفسه، إلى نقيضها، فكل ما هو واقع في التاريخ الإنساني يغدو مع مرور الزمن منافيا للعقل.
فهو إذا في طبيعته بالذات غير معقول، مطبوع مسبقا بخاتم اللاعقلية، وكل ما هو معقول في رؤوس الناس، محكوم عليه بأن يغدو واقعا مهما كان مناقضا للواقع المتصور القائم. فالموضوعة التي تقول بأن كل ما هو واقع، هو معقول، تتحول وفقا لجميع قواعد طريقة التفكير الهيغلية، إلى موضوعة أخرى، هي أن كل ما هو قائم يستحق الزوال.
إن الأهمية الحقيقية والطابع الثوري للفلسفة الهيغلية (التي ينبغي لنا أن نقصر بحثنا عليها بوصفها المرحلة الختامية لكامل الحركه الفلسفية منذ كانط)، يقومان بالضبط، في أن فلسفة هيغل وضعت حدا نهائيا لكل تصور عن الطابع النهائي لنتائج فكر الإنسان وفعله.
فالحقيقة التي كان ينبغي أن تعرفها الفلسفة، لم تبد لهيغل بشكل مجموعة من العقائد الجامدة الجاهزة، التي ليس على المرء بعد إكتشافها إلا أن يحفظها عن ظهر قلب، فالحقيقة قد إنحصرت من ذاك في مجرى المعرفة نفسه، في التطور التاريخي الطويل للعلم الذي يصعد من درجات دنيا إلى درجات أعلى فأعلى في سلم المعرفه ولكن دون أن يبلغ أبدا نقطة لا يستطيع أن يستمر سيره منها بعد إيجاد ما يسمى "الحقيقة المطلقة"، ولم يعد له بتاتا أن يبقى حيث هو، مكتوف الأيدي يتأمل بإعجاب "الحقيقة المطلقة" التي حصل عليها. وكذلك التاريخ، شأنه شأن المعرفة، لن يكتمل نهائيا في وضع مثالي كامل للإنسانية، إن المجتمع الكامل و"الدولة" الكاملة إنما هما شيئان لا وجود لهما إلا في المخيلة، بل الأمر على النقيض من ذلك، فإن جميع النظم الإجتماعية التي تتعاقب في التاريخ ليست سوى مراحل مؤقتة لتطور المجتمع الإنساني، الذي لا نهاية له، من درجة دنيا إلى درجة عليا. فكل درجه ضرورية، ويبررها بالتالي العصر والظروف التي ترجع إليها بنشأتها، ولكنها تغدو زائلة لا يبررها شيء إزاء ظروف جديدة، أرقى تتطور شيئا فشيئا في أحشائها بالذات.
فهي مضطرة إلى أن تخلي المكان لدرجة أعلى، تنحط وتزول بدورها.
وكما أن البرجوازية تحطم عمليا ، بواسطة الصناعة الكبيرة، والمزاحمة والسوق العالمية، كل المؤسسات القديمة المثبتة التي قدستها العصور، كذلك تحطم هذه الفلسفة الديالكتيكية جميع التصورات عن الحقيقة المطلقة النهائية، وعن أوضاع الإنسانية المطلقة المناسبة لها. فليس هناك، بالنسبة للفلسفة الديالكتيكية شيء نهائي، مطلق مقدس.
إنها ترى حتمية الإنهيار في كل شيء، ولا يوجد شيء يستطيع الصمود في وجهها إلا المجرى المستمر للنشوء والزوال، للصعود اللا متناهي من أدنى إلى أعلى.
والشيء الوحيد المطلق الذي تقبله الفلسفة الديالكتيكية هي الطابع الثوري لنسبية المعرفة.
ولكن السلبية الأساسية في فكر هيغل هي نظرته للطبيعة التي تعتبرها المادية الأمر الواقعي الوحيد، ليست في منهج هيغل سوى "نقل" للفكرة المطلقة، فالتفكير وإنتاجه الفكري، وهو الفكرة، بموجب مذهب هيغل هما الشيء الأولي، والطبيعه هي ما ينجم عنهما، وهي لا توجد إلا لأن الفكره أرادت ذلك.
وهذا الطرح الهيغلي جعل الكثير من الشباب يتخبطون بأشكال مختلفة من التناقض بين الطريقة الديالكتيكيه لفلسفة هيغل وبين المثاليه التي غلفت فلسفة هيغل.
في ذلك الوقت بالذات ظهر مؤلف فورباخ "جوهر المسيحية" (عام 1841 في لايبزغ) فسحق بضربة ٍ واحدة هذا التناقض، معلنا من جديد وبكل صراحة إنتصار المادية.
فالطبيعة توجد مستقلة عن كل فلسفة. فهي الأساس الذي نمونا عليه نحن، الناس، نتاجها أيضا . وخارج الطبيعة والإنسان لا يوجد شيء، أما الكائنات العلوية التي ولدت من مخيلتنا الدينية فليست سوى إنعكاس خيالي لوجودنا نحن.
وهكذا حُل التناقض بمجرد إكتشاف واقع أن هذا التناقض لا يوجد إلا في المخيلة.
وحين صدور هذا الكتاب أصبح الجميع كما يكتب إنجلز من أنصار فورباخ وفي كتاب العائلة المقدسة يظهر ماركس ترحيبه وتأثره بهذا الكتاب وبحماسة، رغم كل التحفظات النقدية.
وهذا الكتاب كان مثل نسمة عليلة بعد سنوات طويلة من سيطرة الهيغلية المجردة والغامضة. (كما يكتب إنجلز).
ولكن سلبية طرح فورباخ كانت تأليه الحب تأليها مفرطا ، وأسلوبه الأدبي الذي كان في بعض المواضع متصنعا ، وهنا يجب أن نؤكد بأن "الإشتراكية الصحيحة" قد تعلقت بهذين الجانبين الضعيفين بالضبط في مذهب فورباخ، هذه الإشتراكية التي إنتشرت عام 1844 في ألمانيا في بيئة "المثقفين" مثل الوباء والتي أحلّت الجملة الأدبية محل البحث العلمي، وتحرير الإنسانية بواسطة "الحب"، محل تحرير البروليتاريا عن طريق التحويل الإقتصادي للإنتاج، أي، بكلمة، أنها تورطت في أبشع أنواع أدب التسليه في الثرثره الحبية العاطفية.
وكان السيد كارل غرون ممثلا نموذجيا في حينه لهذا الإتجاه.
إن المسألة الأساسية في كل فلسفة إنما هي العلاقة بين الفكر والكائن، علاقة الروح بالطبيعة.
فأولئك الذين أكّدوا أن الروح وجدت قبل الطبيعة ألّفوا معسكر المثالية.
أما أولئك الذين إعتبروا الطبيعة هي الأصل فقد إنتموا إلى مختلف مدارس المادية.
إن هذين التعبيرين: مثالية ومادية لا يعنيان أصلا ، شيئا آخر ولا يستعملان هنا إلا في هذا المعنى.
ومسألة علاقة الفكر بالكائن ترتدي أيضا مظهرا آخر: ما هي العلاقة بين أفكارنا عن العالم المحيط بنا، وهذا العالم نفسه؟ وهل نستطيع في تصوراتنا ومفاهيمنا عن العالم الواقعي أن نكون إنعكاسا صادقا عن الواقع؟ هذه المسألة تسمى في اللغة الفلسفية مسألة مطابقة الفكر الكائن، وأكثرية الفلاسفة قد أجابوا عنها بالإيجاب.
فعند هيغل، مثلا ، يتضح هذا الجواب الإيجابي من تلقاء نفسه، إن ما نعرفه في العالم الواقعي إنما هو بالتدقيق مضمونه الفكري، هو ما يجعل من العالم تحقيقا تدريجيا للفكرة المطلقة التي وجدت في مكان ما منذ الأزل، مستقلة عن العالم وقبله.
ولكن خلال الفترة الطويلة التي امتدت من ديكارت الى هيغل ومن هوبس إلى فورباخ، لم تدفع الفلاسفة إلى الأمام قوة الفكر المحض وحدها، كما كانوا يتصورون بل على العكس، فإن ما دفعهم في الحقيقة إلى الأمام، إنما كان على الأخص تطور العلوم الطبيعية والصناعة تطورا قويا عاصفا متسارعا ، وعند الماديين كان ذلك باديا للعيان منذ البداية.
ولكن المذاهب المثالية كانت هي أيضا تمتلئ أكثر فأكثر بمحتوى مادي، ساعيه، بواسطة مفهوم عن وحدة الوجود إلى إيجاد حل للتضاد بين الروح والمادة.
وفي النهاية آل منهج هيغل إلى أن اصبح لا يمثل، من حيث طريقته ومحتواه سوى مادية مقلوبة رأسا على عقب مثالي.
وكذلك سار تطور فورباخ نحو المادية وقطع كل صلة له بالمنهج المثالي لهيغل. ولذلك رفض فكرة "الفكرة المطلقة" التي سبقت وجود الأرض عند هيغل، وإعتبر ذلك بقية خيالية من الإعتقاد بخالق من عالم الغيب ولذلك ففورباخ يقول بأن عالم الأشياء المدرك بالحس والذي ننتمي إليه نحن أنفسنا هو العالم الوحيد الواقعي. أما إدراكنا وتفكيرنا فإنهما نتاج جهاز مادي هو الدماغ.
ليست المادة نتاج الروح، بل الروح نفسه ليس سوى أعلى نتاج للمادة.
والحقيقة أن فورباخ كان معاصرا لثلاثة اكتشافات فائقة الأهمية، وهي اكتشاف الخلية، ونظرية تحول الطاقة، ونظرية التطور المسماة بإسم داروين.
ولذلك نرى فورباخ يقول أن المادية العلمية الطبيعية وحدها دون غيرها "تؤلف أساس بناء المعرفة الانسانية ولكن ليس البناء نفسه"، لأننا "لا نحيا في الطبيعة وحدها، ولكن في المجتمع الانساني أيضا ، وهذا الأخير له كما للطبيعة تاريخه في التطور وعلمه".
ولكن فورباخ ظل غير طليق من أغلال المثالية القديمة، وقد أقّر هو نفسه بذلك حين قال: "أنا متفق تماما مع الماديين فيما يتعلق بالماضي ولست متفقا معهم فيما يتعلق بالمستقبل".
وهنا بالضبط ضعف فلسفة فورباخ والمقصود ضعفها في المجال الإجتماعي، وذلك بسبب إنعزاله الذي اضطره ان يضع أفكاره في عزلة كاملة بعيدا عن المجتمع وتطوره (فقد عاش حياة الفلاحين في قرية نائيه في ألمانيا).
ومثالية فورباخ الحقيقية وخاصة في المجال الاجتماعي تنكشف حالما ننتقل إلى فلسفته في الدين والأخلاق.
وتأكيد فورباخ بأن "مراحل الإنسانية لا تتميز الواحده عن الأخرى إلا بالتبدلات الدينية". وهذا الطرح خطأ محض. والسلبية الأخرى في فلسفة فورباخ بأنه قام بدراسة دين وحيد- المسيحية وهو يبين أن الأله المسيحي ليس سوى الانعكاس الخيالي للإنسان.
وفورباخ لا يرى في العلاقات بين الناس إلا جانب واحد وهو الأخلاق.
صحيح أننا نجد عند فورباخ موضوعات ماديه واضحة مثل: "في القصور يفكرون غير ما يفكرون في الأكواخ". "وإذا لم تكن لديك بسبب الجوع والبؤس أي مواد غذائية في الجسم، فليس لديك أيضا أي غذاء للأخلاق لا في رأسك ولا في مشاعرك ولا في قلبك".
وقوله "يجب أن تصبح السياسة ديننا".
ولكن فورباخ فشل في إستعمال هذه الطروحات والموضوعات، ولذلك نرى فورباخ سطحيا بالمقارنة مع هيغل فيما يتعلق بمعالجة التضاد بين الخير والشر.
فإن الشر عند هيغل، هو الشكل الذي تتجلى فيه القوة المحركة للتطور التاريخي، ولهذه الفكرة معنيان: من ناحية، كل خطوة جديدة إلى الأمام تظهر بالضرورة كأنها إهانة لشيء مقدس، عصيان على الوضع القديم، البالي، ولكنه المقدس بفعل العاده، ومن ناحية أخرى، منذ ظهور التناقض بين الطبقات غدت نزوات الناس الشريره: الطمع والتعطش إلى السلطه، أمخال التطور التاريخي. والبرهان المتواصل لذلك هو مثلا تاريخ الإقطاعية والبرجوازية. غير أن فورباخ لم يتطرق قطعيا لدراسة الدور التاريخي "للشر الأخلاقي".
والحب عند فورباخ في كل زمان ومكان صانع المعجزات، وينبغي له أن يساعد في التغلب على جميع مصاعب الحياة العملية، وهذا في مجتمع مقسم إلى طبقات ذات مصالح متناقضه تماما . وعليه، تفقد فلسفة فورباخ، آخر ما يبقى لها من طابعها الثوري، "ولا تبقى غير اللازمة القديمة، أحبوا بعضكم بعضا ، وتعانقوا دون تمييز في الجنس والوضع".
وباختصار، حدث لنظرية الأخلاق عند فورباخ، مثل ما حدث لجميع النظريات التي تقدمتها، فهي مفصلة لجميع الأزمنة، ولجميع الشعوب، ولجميع الأوضاع، ولهذا السبب بالضبط ليست صالحة للتطبيق في أي وقت وفي أي مكان وتظل عاجزة إزاء العالم الواقعي مثل الحكم القاطع عند كانط.
والواقع أن كل طبقة وحتى كل مهنة لها أخلاقها الخاصة.
ولدى فورباخ الطبيعة والإنسان يظلان بالنسبة له كلمتين فقط وهذا نتيجة لانعزال فورباخ عن المجتمع وعدم التعامل مع المجتمع ودراسة الناس في أفعالهم التاريخية، ولذلك نجد في النهاية انعزال فورباخ وقطيعته النهائية مع العالم الواقعي وانتقاله إلى العزلة المطلقة.
وفي النهاية مع انحلال المدرسة الهيغلية وعزلة فورباخ وقطيعته النهائية مع العالم الواقعي، نشأ وتطور اتجاه آخر وهذا الاتجاه مرتبط بصورة رئيسية باسم ماركس. وكما قال إنجلز "إن ماركس كان أعلى منا جميعا"، "وكان يرى أبعد وأوسع وأسرع منا جميعا "، "إن ماركس كان عبقريا ، أما نحن فكنا على أكثر تقدير موهوبين"، "ولولاه لكانت نظريتنا بعيدة جدا عما هي عليه اليوم. ولهذا فإنها تحمل بجدارة اسمه".
فماركس هو الذي "أوقف ديالكتيك هيغل على رجليه من جديد لأنه كان فيما مضى يقف على رأسه".
"وهذا الديالكتيك المادي الذي كان منذ سنوات كثيره أحسن أدوات عملنا وأمضى سلاح في يدنا، لم نكتشفه وحدنا وحسب، وهذا شيء تجدر الإشاره إليه، بل إكتشفه أيضا من جديد وبشكل مستقل عنا وحتى عن هيغل عامل الماني يدعى يوسف ديتسغن (في كتابه "جوهر العمل الفكري الإنساني كما يعرضه ممثل عن العمل اليدوي").
وكما كتب إنجلز "ونحن لا ننسى أبدا أن كل معارفنا المكتسبة محدودة بالضرورة وتحددها الظروف التي نكتسبها فيها".
هناك ثلاثة اكتشافات كبرى، دفعت إلى الأمام بخطى كبيرة معرفة ترابط التفاعلات التي تحدث في الطبيعه، وساعدت ماركس في تطوير ووضع فلسفته المادية التاريخية، والديالكتيك وهي أولا إكتشاف الخلية بوصفها وحدة ينمو منها عن طريق التكاثر والتمايز كل الجسم النباتي والحيواني.
ثانيا اكتشاف تحول الطاقة الذي أوضح بأن كل القوى التي تفعل في الطبيعة غير العضوية- القوة الميكانيكية، والحرارة والإشعاع، والكهرباء والمغناطيس والطاقة الكيميائية، إنما هي أشكال مختلفة لتجلي الحركه العامة، تتحول في نسب كمية معينة من الواحد إلى الآخر، بحيث أنه حين تختفي كمية ما من واحد، تظهر بدلها كمية معينه في آخر، وهكذا، إن كل حركة الطبيعة تنحصر في عملية متصلة قوامها التحول من شكل إلى آخر.
وثالثا نظرية داروين القائلة بأن جميع الأجسام التي تحيط بنا حاليا بما فيها الإنسان قد ظهرت نتيجة لحركة طويلة من تطور عدد صغير من الأجنة الوحيدة الخليّه في الأصل، وأن هذه الأجنة تكونت بدورها من البروتوبلازما (الجيله) التي نشأت بالطريقة الكيميائية أو الأحين، وما هو مطبق في الطبيعة التي نفهمها كحركة تطور تاريخيه، مطبق أيضا على تاريخ المجتمع في جميع فروعه وعلى جميع العلوم التي تبحث في القضايا الإنسانية.
غير أن تاريخ تطور المجتمع يختلف جوهريا عن تاريخ تطور الطبيعة.
ففي الطبيعة لا يؤثر بعضها في بعض غير قوى عمياء لا واعية وفي تأثيرها المتبادل تظهر القوانين العامة.
أما في تاريخ المجتمع الإنساني فالأمر بالعكس، ففي المجتمع يفعل الناس الذين لهم موهبة الوعي، ويعملون بتفكير أو بتأثير عاطفة وينشدون أهدافا معينه. ولا يصنع هنا شيء دون نية واعية، ودون هدف منشود.
ولكن هذا الاختلاف لا يغير في شيء واقع أن سير التاريخ خاضع لقوانين داخليه عامه.
وعلى هذا الأساس- القوانين الداخلية العامة للتاريخ- نرى بأن البرجوازية، كذلك البروليتاريا نشأتا بسبب التغيرات في العلاقات الاقتصادية، أو بعبارة أدق بسبب التغيرات في أسلوب الإنتاج.
لذلك، الدولة أو النظام السياسي تؤلف في التاريخ العنصر الثانوي، بينما المجتمع المدني، ميدان العلاقات الاقتصادية يؤلف العنصر الحاسم.
وبقدر ما يتقدم العلم ببسالة وإقدام، بقدر ما يجد نفسه متفقا مع مصالح وأهداف العمال.
ولذلك نرى بأن الحركة العمالية والعمال، ورثة الفلسفه الكلاسيكيه الألمانيه. فكل الحياة الاجتماعية هي بالأساس حياة عمليه وكل أسرار هذه الحياة تجد حلولها العقليه في نشاط الإنسان العملي وفي فهم هذا النشاط. ووجهة نظر المادية التاريخية الماركسية هي المجتمع الإنساني أو الإنسانية التي تتسم بطابع اجتماعي.
وحتى ظهور ماركس والفلاسفة لم يفعلوا شيء، غير محاولاتهم تفسير العالم بأشكال مختلفه. ولكن المهمة كما قال ماركس تقوم في تغييره، وهذه هي الرسالة التاريخية للنظرية للماركسيه، التي من خلال البروليتاريا، تتحول إلى قوة قادره على إجراء وإحداث هذا التغير وإحداث القفزة الثورية الاجتماعية وبناء مملكة الحرية على الأرض وخلق الإنسان الحر.
كان إنجلس يقول في معرض الحديث عن نفسه وعن صديقه ماركس، إن مذهبهما ليس بمذهب جامد، إنما هو مرشد للعمل.
هذا المظهر للماركسية "كمرشد للعمل" يجب أن لا يغيب عن بال كل ماركسي يمارس العمل السياسي الجماهيري اليومي والمثابر.
فروح الماركسية الحية، وأسسها النظرية الجوهرية، هي الديالكتيك، أي الفلسفة الجدلية.
وهذا يعني بأن الماركسيه، ترى بالتطور التاريخي متعدد الأشكال، وحافلا بالتناقضات، لذلك على الماركسي أن يعمق صلتها بقضايا العصر العلمية والعملية الدقيقة، التي من شأنها أن تتغير لدى كل منعطف جديد في التاريخ.
إن الذين تهمهم مصائر الحركة الثورية، ومصير التطور الإنساني نحو العدالة الاجتماعية وبناء الاشتراكية يجب أن لا يغيب عن بالهم هذا المظهر من الماركسيه (أي النظريه الجدلية).
ولذلك لا يليق بالماركسيين أن يتوجهوا من المصالح الطبقية، إلى المزاجيات الآنيه أو الذاتية، أو تمشيا مع المصالح الشخصية.
يمكن أن يكون أخذ "المزاج" بالحسبان ضروريا لأجل تعيين لحظة هذا العمل أو ذاك، هذه الخطوة أو تلك، هذه الدعوة أو تلك وما إلى ذلك، ولكن ليس البته لأجل تغيير تكتيك الحزب، واعتماده الفكري والفلسفي على الماركسية التي تهمها بالأساس مصير التطور الإنساني نحو العدالة الاجتماعيه، وكل نشاط الحزب الثوري الحقيقي يجب أن تعتمد الفكر الجدلي العلمي من اجل تحقيق هذا الهدف الإنساني .
كان هيغل وفورباخ الممثلين البارزين للفلسفة الكلاسيكية الألمانية. وكان فضل هيغل انه وضع نظرية عن التطور. ولكن هذه النظرية كانت محدودة لأن هيغل يعتقد ان الذي يتطور ليس الطبيعة بل فكرة مطلقة هي أساس العالم وعلته والنهائية. أما فورباخ فبالعكس، أثبت ان الطبيعة يمكن تفسيرها بذاتها دون اللجوء الى تطورات صوفية ولا علمية عن الفكرة المطلقة. وانتقد الدين انتقادا حادا. ولكن أراء فوربارخ كانت محدودة أيضا. فهو لم يفهم ما لنظرية هيغل عن التطور من أهمية هائلة ولم يستطع ان يطبقها على الطبيعة والتاريخ. ومع كل هذا كانت نظريتا هيغل وفورباخ تضمان أفكارا أصبحت بمثابة نقطة انطلاق لإنشاء الفلسفة الماركسية.





#خليل_اندراوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأيديولوجية البرجوازية العنصرية والعداء للإسلام
- أصول ومكونات الفكر الماركسي - تتمة القسم الاول
- أصول ومكونات الفكر الماركسي- القسم الاول
- ألدور الرجعي لتشويه وعي الذات القومي
- ألمسألة الأساسية في الفلسفة
- ألحزب الشيوعي والجبهة وتحدّيات المرحلة الراهنة
- ما أصعب أن يعيش الإنسان بدون حلم
- مداخلة في نقد الخطاب والفكر السلفي
- مداخلة حول رسالة الحزب الشيوعي التاريخية .
- مداخلة حول رسالة الحزب الشيوعي التاريخية
- ألعلاقة الجدلية بين الدمقراطية والرأسمالية
- أنصار الدولة الكهنوتية الاسلامية
- عملية السلام وبسيخوزا المجتمع الاسرائيلي
- دور اليسار في مكافحة هيمنة رأس المال
- البديل الإنساني الوحيد
- ألصهيونية المسيحية - دين في خدمة العنصرية ورأسمال
- ألثورة العلمية والتناقضات بين العمل والرأسمال
- حول الطائفية والعودة إلى السلفية
- علمنة التراث ودمقرطة العالم العربي
- إمبراطورية الشر - من وجهة نظر ماركسية


المزيد.....




- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - خليل اندراوس - محدودية مادية لودفيخ فورباخ ومثالية الديالكتيك الهيغلي ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية