أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - كوردة أمين - هموم الانسان الكوردي ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق















المزيد.....



هموم الانسان الكوردي ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق


كوردة أمين

الحوار المتمدن-العدد: 644 - 2003 / 11 / 6 - 03:24
المحور: القضية الكردية
    


لم يكن يوم  التاسع من نيسان 2003 يوما عاديا في حياة العراقيين عامة والشعب الكوردي خاصة .
 ففي صباح هذا اليوم  تحطم  صنم أعتى دكتاتورعرفته البشرية , وكان ذلك إيذانا ً بسقوط أكثر الأنظمة إستبداداً في العالم  وأخطرها شراسة  وتسلطاً على رقاب شعوبها .  لهذا يعد هذا اليوم حدثا فريدا ًمن نوعه قلّما شهد له التاريخ مثيلا بعد سقوط النازية الألمانية  والفاشية وإندحارهما في أوربا .

 ومن حق العراقيين جميعا وهم الذين تعرضوا الى أقسى أنواع البطش والقمع أن يفرحوا ويهللوا لهذا الحدث العظيم  ,  وخاصة الشعب الكوردي الذي نال الحصة الأكبر من هذه الجرائم .  هذا الشعب الذي لم يشعر يوما بهدوء أو راحة بال أو استقرار منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 . فقد ذاق على  أيدي الأنظمة العنصرية  المتعاقبة كل صنوف القهر والبطش ,  وأشدها كان  خلال  الحقبة الصدامية الدكتاتورية لما تعرض له من جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي وعمليات التهجير والتعريب . وما هذه المقابر الجماعية التي يتم العثور عليها في أرجاء العراق وصحاريه المقفرة إلاّ دليل ساطع على مدى الظلم والقهر الذي تعرض له الشعب الكوردي على يد جلاديه العنصريين  .

 ولو لم تسارع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها  في توفير الحماية اللازمة  للكورد واعتبار منطقتهم ضمن منطقة الحظر الجوي للطيران العراقي , والتي فرضت بعد حرب تحرير الكويت ,  لكان هذا الشعب قد دمر تماما وقضي عليه من قبل النظام الصدامي المجرم البائد .    
فلا عجب أن يشعر الشعب الكوردي  بالفرح الغامر لإ زاحة هذا الكابوس الثقيل  عن كاهله ,  ولتخلصه من مخاطر التعرض للقتل  والتهجير واستخدام الاسلحة الكيمياوية ضده ,  وغيرها من الجرائم البشعة التي وقعت عليه من قبل أجهزة النظام الصدامي في سابقة خطيرة لم يشهدها أي شعب آخر يعيش على أي جزء من هذه المعمورة  .
 
وهاهي  قد مرت شهور عديدة على تحرير كامل العراق من هذا النظام الدموي ,  وبقيت جملة من التساؤلات التي تدور في مخيلة الانسان الكوردي وتقلقه وتتحول الى هموم كبيرة تجثم على صدره وتكاد تكتم أنفاسه  وتحرمه نشوة الفرحة في التخلص من جلاديه .

وهذه الهموم تزداد يوما بعد يوم كلما طال أمد تردي الأوضاع العامة في العراق  , وفي ضوء التشرذم وحالة اللاإستقرار التي يمر بها  البلد  وإنفلات الحالة  الأمنية  فيه ,  والبطء  في سير عمل قوات التحالف التي تصر على أن تمسك بزمام الملف الأمني بيدها وحدها  ,  والانفراد في إتخاذ القرارات الهامة والمصيرية وحصرالصلاحيات  بيد الحاكم المدني الأمريكي ,  بالرغم من تشكيل مجلس الحكم العراقي الانتقالي والوزارات .

وهناك جملة من المشاكل والهموم التي تشغل بال الانسان الكوردي ويتطلع الى إيجاد الحلول والعلاجات والإجابات الشافية لها  والتي نرى من المناسب التوقف عندها باعتبارها موضوع الساعة لدى الانسان العادي والمثقف والسياسي على حد سواء ,  طالما أن مصير الكورد وكوردستان  أصبح مرتبطا بما يجري في باقي أرجاء العراق  .

أول ما يلاحظ هو حالة القلق العام التي تسود أوساط الشعب الكوردي على مستقبلهم ومصيرهم .  وهذا يعود الى ترسبات الماضي والظلم والحيف الذي وقع عليهم منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 من قبل أنظمة الحكم المتعاقبة , لذلك هو يطالب باحترام حقه المشروع في تقرير مصيره . فحق تقرير المصير هو من أهم المبادئ التي إعترفت بها  معظم المواثيق والاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي .
 وقد نص ميثاق الامم المتحدة على وجوب إحترام هذا المبدأ  في المواد " 1 , 55 , 73 , 76 , منه .
 كما إن قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة ومنذ عام 1950 كلها تنص على وجوب احترام هذا المبدأ إضافة الى بنود الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الملحقين به .

فالكورد يشعرون الآن بأنهم بحاجة الى ضمانة كافية لهم في الدستور الدائم الجديد والاعتراف بكافة حقوقهم المشروعة , وبعدم تكرار تعرضهم مستقبلا  لهذه الاهوال والكوارث التي أصابتهم على يد الأنظمة السابقة , وخاصة بالنسبة للمؤيدين منهم لفكرة الاتحاد الاختياري مع المركز أو الإتحاد الفيدرالي ضمن الدولة العراقية  .
 لذلك من الضروري أن يضمن الدستور الجديد الدائم  كل حقوق الكورد ,  وأن ينص على فقرة صريحة بأن للشعب الكوردي الحق في تقرير مصيره ,  وأنه الآن وإن  إختار بارادته الحرة وعبر برلمانه المنتخب ,  الاتحاد الاختياري مع المركز أو الفيدرالية ,  فإنه في حالة تعرضه لأي نوع من انتهاكات الحقوق أوجرائم الابادة أو التطهير العرقي ومن أي جهة أو حكومة مستقبلية ,  فأن له الحق في التخلي عن هذا الاتحاد الاختياري  وأن يستقل بدولته ,  ففي النص على ذلك في الدستور ضمانة أكبر لحقوقه .

كما وان النظام  الفيدرالي الذي تبنته  الاحزاب الكوردية الرئيسة وجزء كبيرمن الشعب الكوردي عبر ممثليه في البرلمان الكوردستاني والذي جاء أيضا في الدستور المقدم من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني  وصادق عليه البرلمان الكوردستاني ,  مازال أمر اعتماده وبالشكل الذي يلبي طموح الكورد  في العراق الجديد يشوبه الغموض ,  وهذا  مبعث قلق لعموم الكورد .  فهم  يشعرون بالتخوف من المعوقات التي قد تنجم عند محاولة إقراره .

  فالفيدرالية وإن كان لها الكثير من المؤيدين بين العراقيين  عامة ,  وضمن أعضاء مجلس الحكم ,  وبالرغم من إقرارها في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية  المنعقد في ديسمبر من عام 2002 ,  إلا أن نوع الفيدرالية لم يحدد بعد .  والمعروف إنّ  للفيدرالية أشكالا ً وصورا ً متعددة .  وليس كلها هي التي تنسجم  مع طموح الشعب الكوردي الذي لا يقبل بالتضحية بالإنجازات القومية والسياسية والديمقراطية  وعلى جميع الأصعدة الأخرى التي تحققت له خلال أكثر من أثني عشر عاما من إدارته لإقليمه ,   ولن يرضى بأقل منها ,  وهو غير مستعد لأن  يخضع لأي شكل من أشكال الحكم المركزي الشمولي مرة ثانية , وخاصة  إن هناك محاولات من قبل بعض الجهات ومن بعض العراقيين المنتمين لاحزاب سياسية ودينية  معينة  لإستغلال المفهوم الواسع للفيدرالية ,  وفرض نوع من الفيدرالية البعيدة كل البعد عن ما يصبو اليه الكورد وهو ما يسمى بفيدرالية المحافظات .
 فهذا النوع من الادارة الذاتية للمحافظات اذا كان يناسب المحافظات الجنوبية والوسطى من العراق فانه يتعارض مع طموح الشعب الكوردي الذي يجب أن تراعى خصوصيته القومية والتأريخية وجغرافية منطقته كوردستان ,  ونضال الشعب الكوردي خلال أكثر من ثمانية عقود .

ومما لاشك فيه فأن الفيدرالية لا يمكن أن يكتب لها النجاح في حال فقدان الديمقراطية في عموم العراق حيث ستبقى هذه الفيدرالية مهددة بالفناء إذا لم تَعمَّ المفاهيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان والاعتراف بالآخر .
 وهذه هي أحدى  الهموم والمخاوف التي تنتاب الانسان الكوردي الذي كان دائما أحد ضحايا انعدام الديمقراطية في العراق والجهل بمفهومها .
 
والديمقراطية ليست وصفة ً سحرية جاهزة يمكن تطبيقها بين ليلة وضحاها في بلد كالعراق خرج للتو من سيطرة أعتى نظام شمولي دموي عرفه  التأريخ .  فالعراقيون يحتاجون الى فترة زمنية طويلة حتى يفهموا قواعد الديمقراطية الصحيحة .  وهناك منغصات وعقبات  كثيرة  ستصطدم بها محاولات الخيّرين وأصحاب العقول المتنورة الذين يريدون زرع بذورالديمقراطية في العراق . من هذه العقبات وجود العقليات العربية العنصرية المنغلقة المتأثرة بثقافة الحزب الواحد  التي هيمنت على أفكار العراقيين لمدة تزيد عن ثلاثة عقود  .
 وكذلك هناك المتطرفون الإسلاميون وما يحملونه من أفكار متخلفة  لا تنتمي الى العصر الذي نعيشه وتريد العودة بنا الى العصور المظلمة بما تحمله من جهل وتخلف واعتراض لعجلة التطور ,  والتي يروّج لها بعض المحسوبين علىالاسلام  والملتفين بعباءته.  وهذ الظاهرة برزت بشكل كبير في العراق بعد التحرر من النظام الدكتاتوري ,  على يد بعض الجهات المتطرفة في الداخل  وبعض الجماعات الاسلامية المتشددة الخارجية والتي نجحت في التسلل الى داخل الأراضي العراقية مستغلة انعدام السيطرة والمراقبة على  حدود البلاد وغياب الأمن فيه أثناء العمليات العسكرية وبعدها .  وهؤلاء في غالبيتهم هم  من الوهابيين وأعضاء القاعدة , وكذلك قلة من المراهقين والشباب الشيعة المتطرفين .
 
هؤلاء يحاربون الديمقراطية ويعتبرونها أخطر عدو يهدد معتقداتهم التي أكل الدهرعليها وشرب , ويعملون على تكفير كل من يؤمن بالمبادئ الديمقراطية السامية  ويعمل من أجل ترسيخها  .

هذه المسألة تخلق قلقا كبيرا  لدى الكورد الذين عانوا سابقا من إرهاب الاسلاميين المتطرفين المتمركزين في بعض المناطق الكوردستانية وهم ما يطلق عليهم إسم أنصار الإسلام .

وليس كل الشعب الكوردي من يرى في الفيدرالية أو الاتحاد الاختياري مع الشعب العربي في العراق السبيل الوحيد لتحقيق طموحه .  فهناك شريحة كبيرة من الكورد تضم نخبة من المثقفين والسياسيين والليبراليين وحتى من العامة منهم من الذين يرون في إستقلال الكورد بدولتهم هو الحل الأمثل للقضية الكوردية ,  وخاصة بعد أن ذاقوا مرارة العيش في كنف الشعوب الأخرى كالعرب والفرس والترك , وما لاقوه من أهوال على أيدي هؤلاء .  وهم يرون أن الأوضاع الحالية في العراق , الذي يمر الان  بمرحلة التأسيس وإعادة البناء من جديد ,  تشبه المرحلة التي مر بها عام 1921عندما تشكلت الدولة العراقية , فلذلك فأن  الظروف موائمة لإعلان رغبتهم الصريحة  في أن تكون لهم دولتهم المستقلة .  ولذا فقد قاموا بالدعوة الى إجراء إستفتاء شامل  في كوردستان والتصويت على نوع العلاقة التي تربط الكورد  بالدولة العراقية الجديدة . وهم  يتحدثون من منطلق إن الشعب الكوردي وحده هو الذي يحق له أنْ يقرر مصيره بنفسه ,   ويجمع أغلبهم على التصويت  لصالح إستقلال كوردستان  .

 وموضوع الاستفتاء هو من الأمور الرئيسية التي أصبحت اليوم حديث الناس في كوردستان وخارجها. وتجري بالفعل الإستعدادات اللازمة  لهذا الإستفتاء من خلال المنظمات واللجان العديدة غير الرسمية في كل المحافظات الكوردية في العراق ,  وفي الدول الاوربية  ومعظم الدول الأخرى التي تعيش فيها جاليات كوردية كبيرة . والكورد يعتبرون إنَّ هذا الاستفتاء على مصيرهم هو نوع من الممارسة الديمقراطية التي حرموا منها طويلا في ظل الأنظمة القمعية ,  ويرغبون في نقل التجارب الديمقراطية السائدة في الغرب الى وطنهم كوردستان لما فيها من إيجابيات في تمكين أبناء شعبهم من التعبير بحرية عن آرائهم وتطلعاتهم ,  وتوفير الفرصة لهم  للإدلاء  بصوتهم  عالياً  في الأمور التي تخص تفاصيل حياتهم ومستقبلهم .
 
من الهموم الكبيرة الأخرى التي تشغل حيّزا ً كبيراً من تفكير كل كوردي هي مسألة كركوك ,  ومستقبل هذه المدينة ,  الذي مازال يشوبه الكثير من الضبابية والغموض .  فكركوك المدينة الكوردية الكوردستانية تعرضت الى جريمة بشعة من قبل الحكومات والانظمة المتعاقبة على العراق وخاصة إبّان الفترة الصدامية ,  حيث تعرضت الى عملية مبرمجة ومنظمة للتعريب .  وذلك عن طريق  قيام أجهزة السلطات الحاكمة في بغداد بتفريغها من سكانها الاصليين الكورد وبعض التركمان وغيرهم ,   وإحلال العرب العراقيين وغير العراقيين محلهم ,  ضمن عمليات التعريب التي خُطط لها  منذ ثلاثينيات القرن الماضي  وأصبحت سياسة منهجية  متبعة عند جميع الحكومات التي تعاقبت على دفة الحكم في العراق .

 وزادت عمليات التعريب  حدة  بعد اتفاقية آذار للحكم الذاتي عام 1970  في محاولة من الحكومة العراقية  إحداث تغيير في ديموغرافية المدينة  وتشكيلتها السكانية التي كانت تتكون من أكثرية كوردية واضحة . وذلك بترحيل سكانها الأصليين الكورد الى داخل المنطقة الكوردية أو الى مناطق أخرى جنوب ووسط العراق وأحيانا أخرى طردهم الى خارج حدوده  والإستيلاء على ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة ومصادرتها.
وبالمقابل قامت الحكومة الدكتاتورية بجلب العرب العراقيين من وسط وجنوب العراق ,  والعرب الذين ينتمون  الى الدول العربية الاخرى كالفلسطينيين , الى كركوك وتوطينهم هناك واسكانهم في بيوت الكورد المرحلين . وكل ذلك لغرض تقليل نسبة الكورد في المدينة وزيادة النسبة السكانية للعرب فيها وسلب هويتها الكوردية وسلخها من أرض كوردستان وحدودها الجغرافية الاصلية ,  والحاقها بالمنطقة العربية من العراق .
  واستمرت عمليات التهجير والترحيل القسري ضد الكورد فيما بعد وخاصة اثناء الحرب العراقية الايرانية وبعد حرب الخليج الثانية أي بعد حرب تحرير الكويت في تسعينيات القرن الماضي .

 وقد نتج عن هذه السياسة العنصرية الاجرامية كارثة إنسانية كبرى , حيث تم تشريد أكثر من ربع مليون كوردي وجدوا أنفسهم بلا مأوى في ظل ظروف قاسية جدا ويعانون من مشاكل  الفقر والعوز  والبطالة والتشتت الأسري  .
 وهم ينتظرون الان بفارغ الصبر وبعد تحرير العراق ,  أن يتم إنصافهم  وإعادتهم الى بيوتهم , وتعويضهم عما لحقهم  من أضرار وخسائر مادية ومعنوية .  وقد تم بالفعل إعادة القليل من هؤلاء الى بيوتهم ومدنهم ,  ولكن الأكثرية الساحقة منهم ما زالت تعاني من الحرمان وتأمل أن تشمل بقرار العودة  سريعا ,  وإزالة كل آثار ومخلفات التعريب .

ومن الأمور المؤسفة حقا ً ما نسمعه بين الحين والأخر من إدعاءات واقوال غريبة تصدر عن بعض العنصريين العرب الذين يعارضون عودة المُرحّلين الكورد الى بيوتهم وأماكنهم الأصلية التي طردوا منها في كوردستان , ويحتجون على إعادة العرب الى مناطقهم الني جلبتهم منها أجهزة السلطات البعثية العنصرية خلال عمليات التعريب ,  ويعتبرون هذا الاجراء القانوني الطبيعي والعادل  تطهيرا ً عرقياً  يمارسه الكورد ضد العرب !! .
 
إن مدينة كركوك لها مكانة خاصة في قلوب الكورد , الذين يعلمون جيدا إن  أسباب هذه السياسات الشوفينية الظالمة بحق سكانها الأصليين الكورد تعود الى أطماع الانظمة والحكومات السابقة بالثروة النفطية الهائلة التي فيها , والتي كانت نقمة على أهلها وسبباً في تعاستهم وشقائهم .

  وكانت مشكلة كركوك العقدة الأساسية في اتفاقية آذار ,  وهي التي أدت الى انهيار هذه الإتفاقية , لأن الحكومة العراقية أرادت استثناء المدينة من منطقة الحكم الذاتي ,  وهذا ما رفضه الكورد بشدة بقيادة زعيمهم القومي خالد الذكر المرحوم ملا مصطفى البارزاني ,  واضطروا الى حمل السلاح للذود عن مدينتهم هذه وعن حقوقهم التأريخية فيها ,  وعدم الإعتراف بصيغة الحكم الذاتي الكارتوني الذي كانت تعده  لهم  حكومة بغداد .
 
ولكثرة ضحايا وشهداء الكورد الذين سقطوا دفاعا عن هذه المدينة جعلهم يطلقون عليها تسميات عديدة تعبرعن المكانة السامية  لهذه المدينة في نفوسهم مثل : ( كركوك قلب كوردستان النابض)  وأيضا تسمية   ( كركوك قدس كوردستان) .
 
وقد إستبشر الكورد خيراً بعد تحرير هذه المدينة من براثن الطغمة الصدامية ,  وكان للكورد ولقوات البيشمه ركة الكوردية الدور الكبير في تحريرها وفرض الأمن فيها وحمايتها .  ولكن الحاقدين والطامعين في خيرات هذه المدينة لا يريدونها أن تعيش بسلام وتنعم بالأمان ,  فنرى قيام البعض من المرتزقة  التركمان الذين ينتمون الى الجبهة التركمانية ممن تحركهم أجهزة المخابرات التركية يعيثون فسادا ً في المدينة ويحاولون إنكار كوردستانيتها ويدعون زورا ً بأنها مدينة تركمانية .  ويحاولون زرع الفتن والاضطرابات والصدامات المسلحة بين الكورد من جهة  والتركمان والعرب من جهة أخرى .  ومما جعل هؤلاء المرتزقة  يتمادون أكثر في حقدهم ,  هو تعيين محافظ  كوردي لإدارة المدينة .  وما الاحداث المؤسفة التي حصلت في كل من كركوك وطوزخورماتو ,  ووقوع عدد من الضحايا بين الكورد والتركمان إلا شاهد حي على الدور التخريبي الذي تحاول القيام به هذه الجماعة العنصرية الأجرامية .
  
ومما يزيد الأمور تعقيدا ما تقوم به حاليا  جماعة من الشيعة المتشددين الذين دخلوا المدينة مستهدفين زعزعة الأمن والإستقرار فيها .  حيث يقومون بتأجيج النعرات القومية والطائفية هناك وتحريض العرب والتركمان ضد الكورد ورفع شعارات عدائية مناهضة لحقوقهم  وتأريخهم في المدينة , ويحاولون تخريب العلاقات الأخوية الطيبة المتميزة التي تربط  بين  القوميات والأديان والمذاهب  المتنوعة المتعايشة في هذه المدينة الكوردستانية .

 هذه الأحداث الخطيرة التي تجري في هذه المدينة تشكل قلقا بالغا للكورد بصورة عامة وتشكل هماً أساسيا ًمن همومهم التي تنغص عليهم  فرحتهم بالتحرير . 

من الأمور الأخرى التي ألقت بظلالها القاتمة على الساحة الكوردية  بشكل خاص وعلى العراق بشكل عام  ,  وشكلت  وما تزال لحد الساعة ,  هاجسا  كورديا كبيرا , هي مسألة الطلب الامريكي من تركيا إرسال قواتها الى العراق لتكون ضمن القوات الدولية لحفظ الأمن فيه  , وما تبع ذلك من موافقة الحكومة التركية على هذا الطلب ومن ثم إقرار البرلمان التركي له والمصادقة عليه . 
فدخول القوات التركية للعراق غير مرحب به بسبب معاملة تركيا السيئة للكورد في كوردستان الشمالية ونظرتها العنصرية لهم  ووقوفها بعنف  بوجه مطالبتهم  بحقوقهم الإنسانية  .  كما إن تركيا لا تنظر بعين الإرتياح لطموح الكورد في  كوردستان العراق  والإنجازات التي حققوها في السنوات الأخيرة  وتشعر بالقلق من طروحاتهم  وتبنيهم للنظام الفيدرالي الذي ترى فيه تأجيجاً للمشاعر القومية  في كوردستان الشمالية ,  وتخشى أن يكون ذلك مدعاة للضغط عليها ومطالبتها  بالمزيد من الحريات للكورد والاعتراف بهويتهم القومية  التي سعت وتسعى جاهدة لإلغائها .

 والكورد على علم ودراية بنوايا تركيا  وأطماعها  في كوردستان الجنوبية  التي كانت  تسميها ولاية الموصل ,  ويعتبرون إنّ دخول هذه القوات سيكون  له تأثيرات سلبية على مصالحهم وحقوقهم ,  وربما يتحول هذا التواجد مستقبلا الى إحتلال  دائم لمنطقتهم  . وهم قد خبروا أساليب تركيا من قبل ويخشون اذا ما دخلت بقواتها الى المنطقة  فلن تخرج منها أبدا , حتى ولو إدعت بانها لن تبقى أكثر من عام واحد كما حددت لها أمريكا .  فالقوات التركية التي أرسلت لحفظ السلام في كوردستان في أعقاب الأحداث المؤسفة التي جرت هناك عام 1996 والاقتتال الداخلي بين الأخوة ,  ما زالت باقية في المنطقة  بالرغم من إنتفاء الحاجة لها واستتباب الأمن في كوردستان   .
كما إن الكورد يرون في دخول القوات التركية إستقواءً  للأقلية  التركمانية وحصولها على مكاسب إضافية  على حساب  الشعب الكوردي والأقليات الأخرى في العراق ,  وخاصة وإن تركيا ألمحت في مرات عدة بأنها تنوي التدخل لحماية التركمان وتدعي زورا ً بأنهم يتعرضون للإضطهاد على يد الكورد .   
 قرار تركيا بارسال قواتها خلق موجة من الغضب والرفض القاطع بين أوساط الكورد جميعا وعلى مستوى قياداتهم الحزبية أيضا .  وقد جاء هذا الرفض  في مناسبات وتصريحات عديدة لكل من السيدين مسعود البارزاني ومام جلال الطالباني و كذلك السيد نيجيرفان البارزاني والدكتور برهم صالح والسيد هوشيار الزيباري  والدكتور محمود عثمان والعديد من القياديين الكورد . أضافة الى وقوف العراقيين عامة ً بكل مكوناتهم ضد هذا التدخل .  مما جعل تركيا تبدي استعدادها للتراجع عن قرارها بارسال قواتها للعراق .   ولكن لحد الآن لم تحسم هذه القضية بعد .  والى أن تعلن تركيا رسميا  قرار عدولها عن إرسال قواتها الى العراق تبقى مخاوف الكورد مستمرة .
     
 هذه الامور والمشاكل أصبحت تشكل هماً وهاجسا  يومياً حقيقيا  عند الانسان الكوردي وحديث الساعة عنده  بعد سقوط النظام الدكتاتوري البائد .  وهذا شيء طبيعي ...  فالكورد من أكثر القوميات التي تعرضت الى الاضطهاد وأرتكبت بحقهم أبشع الجرائم وأستخدمت ضدهم  مختلف الاسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا ,  ويحق لهم أن يطمحوا بأن تكون لهم حياتهم الآمنة المستقرة على أرضهم التأريخة كوردستان ,  وأن تنشأ الأجيال الكوردية القادمة في ظل أجواء وظروف سياسية  واجتماعية  واقتصادية  أفضل مما عاشها أباؤهم وأجدادهم .
 وحتى من إضطرتهم ظروفهم الخاصة أو بسبب ما تعرضوا له من ملاحقات واجراءات قمعية من قبل سلطات النظام السابق للهجرة الى الخارج  وترك وطنهم ,  فان عيونهم وقلوبهم  بقيت مشدودة الى هذا الوطن وينتظرون الفرصة المناسبة للعودة اليه والاستقرار فيه .  فالهموم الكوردية أثقلت كاهل الكورد في خارج الوطن كما في الداخل بل ربما أكثر .

 إلا أن أهم ما يشغل تفكير وضمير كل انسان كوردي وطني ,  هو مرارة الإحساس بالفرقة والتشتت وعدم توحيد الإدارتين في إقليم كوردستان .  كما إنّ كابوس الاقتتال الداخلي بين الاخوة ما زال يلقي بذكرياته الحزينة  على حياة الكورد اليومية .  مما يجعل مسألة توحيد الحكومتين الكورديتين بجميع مؤسساتها وإداراتها أمراً ضروريا ويأتي في أولويات المطالب الكوردية .

 وقد عمت الفرحة كل الشعب الكوردي قبل عام عندما بادر الحزبان الرئيسيان في اقليم كوردستان الى توحيد البرلمان الكوردستاني ,  وكان لذلك صدىً واسعاً لدى جميع الكورد داخل كوردستان وخارجها وأعتبروه خطوة أولى باتجاه تحقيق الهدف الرئيسي .

 ومنذ ذلك التأريخ ولحد اليوم ينتظر الكورد سماع البشرى السارة بالاعلان عن توحيد الإدارتين في حكومة واحدة ,  كي يثبتوا للعالم أجمع بأنهم  شعب متماسك , يعملون  بيد واحدة ويتكلمون بصوت واحد , وقوتهم نابعة من وحدتهم  وجمع كلمتهم  .  وعندئذ لن يستطيع الأعداء الذين يحيطون بهم   ويتحينون الفرص للانقضاض عليهم  , أن ينالوا منهم  أو يقوضوا المنجزات التي استطاعوا تحقيقها خلال كفاحهم  الطويل ,  ويتمكنون بذلك من حماية أرضهم التأريخية كوردستان من أطماع الترك وغيرهم من الأعداء التقليديين .

   فبتوحيد البيت الكوردي  يشعر الكورد بالأمان وراحة البال  ويخيبون آمال الأعداء الذين يتربصون بهم الدوائر من كل حدب وصوب ,  وترفع عن صدورهم أثقل الهموم التي يعانون منها .

––––––––––––––––



#كوردة_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نحن فعلا بحاجة الى هؤلاء الوحوش لحفظ الأمن في العراق وإعم ...
- لا مكان للقوات التركية في كوردستان ولا على أي جزء من أرض الع ...
- هل أنصف الاعلام العربي القضية الكوردية ؟
- رسالة مفتوحة
- اليوم ذكرى أم الجرائم - بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على جريمة ...
- حقائق تتحدث
- القضية الكوردية والفيدرالية في قرارات مؤتمر لندن للمعارضة ال ...
- تهنئة بمناسبة مرور عام على اصدار موقع الحوار المتمدن
- كركوك رحلة في ذاكرة التاريخ
- ليست الجبال وحدها اصدقاء للكورد
- سياسة التعريب ضد الكورد جريمة دولية لايمكن السكوت عليها
- توضيح الى الرأي العام العراقي
- القضية الكوردية وتأثيراتها على مستقبل العراق
- المشاريع العدوانية لتركيا الطورانية
- العراق ومشكلاته ...تداعيات الواقع وافاق المستقبل
- هل من المفروض ان نصفق الان....؟
- تطهير عرقي على الورق
- و ماذا بعد المؤتمر العسكري ... !
- مشاهد من قانون دراكون وتطبيقاته …على ارض الحضارات ! المشهد ا ...
- الاناء ينضح بما فيه ..رد على السيد علاء اللامي


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - كوردة أمين - هموم الانسان الكوردي ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق