أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي الحسيني - الاخر في سلوك المتصوف الكبير الحسين بن منصور الحلاج















المزيد.....

الاخر في سلوك المتصوف الكبير الحسين بن منصور الحلاج


علي الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 2087 - 2007 / 11 / 2 - 07:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يتميز التراث الصوفي بمرونة منظومته وتنوع انتمائه الديني والمذهبي وهذه المرونة والتنوع جعلاه أكثر شفافية ورقة من الموروثات الإنسانية الأخرى . والتراث الصوفي الإسلامي والعربي لا يختلف عن غيره من الصوفيات والعرفانيات غير الإسلامية إلا بانتمائه إلى مرجعية الوحي الإسلامية . يضاف الى ما تقدم ان الخطاب الصوفي العرفاني يتميز عن غيره من الخطابات المؤدلجة بمجموعة مميزات ( مثلا ) لا يسمح للايدولوجيا ان تكون الحكم والمعيار في تعامله مع الاخر بخلاف الخطابات الاخرى من قبيل الخطاب الفقهي او الخطاب الفلسفي او السياسي ، بمعنى اخر اكثر وضوحا ان المتصوف لا يتصرف مع الاخر انطلاقا من منظومة إيديولوجية معينة حتى وان كان منتميا لها بشكل من الإشكال وهذا بخلاف الفقيه الذي يعتبر التعامل مع الاخر بمعناه العام والشامل يجب ان يكون خاضعا لمسوغ واذن شرعي وان تكون مرجعيته الفقهية هي الاساس في التعامل معه (= الاخر ). وكذا الحكم يسري على السياسي وعلى الفيلسوف وان كان على الاخير بدرجة اقل إلا أن الايديولوجية تبقى هي المهندسة والمؤسسة للسلوك مع الاخر المختلف . هذه الخصيصة التي انفرد بها الموروث والخطاب الصوفي الروحي قد ظهرت بوضوح في سلوك اغلب متصوفة الاسلام . والميزة الثانية التي اختص بها الخطاب الصوفي والتي منحته طابعا انسانيا رفيعا هي تركيز هذا الخطاب على قيم الجمال والحب والتسامح والخير والفضيلة والطهارة وضرورة الارتقاء بالنفس ( الانسانية ) الى حيث النقاء والصفاء والطهر والقيم العليا للانسان وهذه هي اساسيات تعامله مع الحياة ومع الاخر ومنها ينطلق ويفكر .
وهذا ما قصدناه ان الصوفي لا ينطلق في تعامله مع الاخر عن ايديولوجية دينية أو عقائدية أو احكامية غير القيم البشرية والدينية الرفيعة والمواقف الانسانية العليا. و تجسدت هذه القيم في سلوك المتصوفة والعرفاء والاولياء المسلمين من رجال ونساء على حد سواء من قبيل( رابعة العدوية والحسين بن منصور الحلاج ومحي الدين بن العربي والسهروردي والكاشاني) وغيرهم الكثير. ومن اجل تاكيد هذه الحقيقة الرفيعة وودت في هذا المقال تسليط الضوء على واحد من ابرز متصوفة الاسلام واكثرهم شهرة وجدلا واختلافا واجلّهم قدرا وهو الحسين بن منصورالحلاج الشيخ المصلوب والمقتول في بغداد عبر ابراز سلوكه مع الاخر المختلف والمضطهد والحاقد والمبغض وحتى مع سجانه و من أمر بصلبه وقتله . السلوك الذي كشف عظمة وشموخ ورفعة هذا المتصوف الكبير الذي لاقى ظلما كثيرا من قبل معظم فقهاء وعلماء المسلمين فضلا عن عامتهم وما زال الحلاج العظيم حتى وقتنا الحاضر لم يحظ باي إنصاف حقيقي من دارسي سيرته وسلوكه الروحي وآراءه الدينية المختلفة التي أُقطتعت من سياقاتها الزمكانية ودلالاتها العميقة وفسرت تفسيرا تعسفيا ظالما افتقد الاخلاق العلمية العالية التي يجب ان يتحلى بها العالم أو الباحث لفكر وسلوك هذا الشيخ الكبير . وهنا أعرض بعض النماذج التي ينقلها بعض تلامذته عن تعامل الحسين بن منصور الحلاج مع الآخر الذي كانت نهاية الحلاج على يده . نماذج قليلة تعطي صورة جميلة ورائعة لشخصية كبير متصوفة العراق الحلاج المصلوب ؟!.
أعتمدت في عرض بعض النماذج التي تظهر سلوك الحلاج مع الآخر على كتاب اخبار الحلاج لـ( ابن الساعي) المتوفي (593- 674هـ) وهو من كبار المصنفين في التاريخ ، مولده ووفاته في بغداد . وكان خازن كتب المستنصرية في زمانه . وكتابه يعد الكتاب الوحيد الذي تطرق بتفصيل لحياة واخبار ومأساة الحلاج وقد تضمن ايضا على اخبار الحلاج في سجنه ومحاكمته وقصة مقتله .
عن إبن فاتك ( وهو احد اقرب تلامذة الحلاج) قال : قال لي الشيخ الحلاج يوما : يا بنيّ إنّ بعض الناس يشهدون لي بالكفر، وبعضهم يشهدون لي بالولاية. والذين يشهدون عليّ بالكفر أحبّ إليّ وإلى الله من الذين يقرّون لي بالولاية. فقلت: يا شيخ ولِمَ ذلك. فقال: لأنّ الذين يشهدون لي بالولاية من حُسن ظنهم بي. والذين يشهدون عليّ بالكفر تعصّباً لدينهم، ومن تعصّب لدينه أحبّ إلى الله ممّن أحسن الظن بأحدٍ . لا أعتقد ثمة شكا في سمو هذه النفس التي ترفض الحقد بل تدعوا الى محبة الذين يختلفون في الرأي والبحث عن احتمال انهم تعصبوا لرأيهم لاعتقادهم انهم على الصواب فيما يفسرونه من دينهم .
ولما أُتي بالحسين بن منصور ليصلب ويقتل طلب – كما ينقل ابن فاتك – ان يصلي فأُذن له فلما أنتهى من الصلاة وسلم ، رفع يده وبدأ يدعوا ومما قاله : هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصُّباً لدينك وتقرُّباً إليك. فاغفر لهم، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي لَما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عني ما سترت عنهم لَما ابتُليتُ. فلك الحمد فيما تفعل ولك الحمد فيما تريد، ثم سكت وناجى سراً . وبنفس التعامل الأخلاقي الرفيع مع أعداءه ومبغضيه وبروح أسمى يرى إن أعداءه مأجورون .
ينقل أبن الساعي عن إبراهيم الحلواني انه قال : دخلت على الحلاج بين المغرب والعشاء فوجدته يصلي . فجلست حتى انتهى ثم رفع رأسه ونظر إليّ وضحك في وجهي ضحكات ، ثم قال: يا أبا إسحق أما ترى أن ربّي قِدَمه في حدثي حتى استهلك حدثي في قدمه، فلم يبقَ لي صفة إلاّ صفة القديم، ونُطقي في تلك الصفة. والخلق كلّهم أحداث ينطقون عن حدث. ثم إذا نطقتُ عن القدم ينكرون عليّ ويشهدون بكفري ويسعَون إلى قتلي. وهم بذلك معذورون، بكل ما يفعلون بي مأجورون .
وعن تعامل الحلاج مع سجانه يروي محمد بن خفيف وهو أحد اصحابه ومريديه . قال دخل امير الحبس على الحلاج وهو يرتعد وقبل الارض بين يديه فسأله الحلاج عن سبب ارتعاده فاجابه : سُعيَ بي إلى أمير المؤمنين بأني أخذت رشوة وخلّيتُ أميراً من الأمراء وجعلت مكانه رجلاً من العامة. وها أنا ذا أُحمل لتضرب رقبتي . فقال له الحسين بن منصور : إمضِ ، لا بئس عليك . فذهب الرجل وقام الشيخ - الحلاج - إلى صحن الدار وجثا على ركبته ورفع يديه وأشار بمسبحته إلى السماء وقال: يا ربّ ثم طأطأ حتى وضع خدّه على الأرض وبكى حتى إبتلّت الأرض من دموعه وصار كالمغشي عليه. وهو على تلك الحالة حتى دخل أمير الحبس وقال للشيخ الحلاج : عُفيَ عني .
وعن كيف يتصرف الحلاج مع من يريد مناظرته وهو الذي عرف عنه قوة المناظرة والقدرة على إفحام الخصم ، لكنه كما يروي ابو القاسم عبد الله بن جعفر المحب ان رجلاً من الأكابر يسمى هارون المدايني أستحضر جماعة من مشايخ بغداد لمناظرة الحلاج ولما عرف الحلاج قال : تريدون مناظرتي ، على ماذا أناظر؟ ، انا أعرف أنكم على الحق وأنا على الباطل ، وخرج ؟!. لم أقرأ عن أحد من علماء المسلمين له روحا تسامحية عالية مع الخصوم كالروح التي تمتع بها المقتول ابن منصور الحلاج . لكن هذه الروح الانسانية الكبيرة لم يستطع تحملها علماء وفقهاء ومسلمو ذلك العصر وللاسف مازالت الوتيرة ذاتها وجريمة قتل الحلاج ما زالت تنفذ بحق غيره ممن قبل وفتح صدره للجميع وطالب ان يعيش الجميع بحب وسلام وامان وان يقبل الكل الجميع والجميع الكل الا ان ماهو سائد يغاير كليا ما ينبغي ان يكون على حد قول الفلاسفة .



#علي_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمامة المرأة في الاسلام وصفها البعض بالبدعة واصر اخرون على ا ...
- السلفية الثقافية المسخ الجديد في الثقافة العراقية الراهنة (م ...
- المرأة العراقية.. القلق من هيمنة الطوطميين الدينيين
- نصوص شفهية من الخطاب التقليدي الديني حوار ساخر في قضايا ساخن ...
- امامة المرأة في الاسلام وصفها البعض بالبدعة وأصر اخرون على ا ...
- امامة المراة في الاسلام وصفها البعض بالبدعة واصر اخرون على ا ...
- صدى الغربة في ايران يوميات حالم 16
- صدى الغربة في ايران يوميات حالم 15
- صدى الغربة في ايران .. يوميات حالم 14
- صدى الغربة في ايران .. يوميات حالم13
- صدى الغربة في ايران ... يوميات حالم12
- صدى الغربة في ايران .. يوميات حالم 11
- صدى الغربة في ايران... يوميات حالم 10
- صدى الغربة في ايران .. يوميات حالم 9
- صدى الغربة في ايران يوميات حالم 8
- صدى الغربة في ايران يوميات حالم 7
- صدى الغربة في ايران يوميات حالم 6
- صدى الغربة في ايران 5
- صدى الغربة في ايران يوميات حالم 5
- صدى الغربة


المزيد.....




- بوتين -خالف البروتوكول-.. فيديو يرصد تصرفا بمراسم تنصيب رئيس ...
- طلبة جامعة أمستردام يطردون سيارة شرطة بعد أن قمعت مخيما تضام ...
- لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟ ...
- نتائج مرعبة.. فيديو من ناسا يكشف ما سيحدث عند السقوط في ثقب ...
- -كل ما يفعله هو الأكل-.. أم تلقي بطفلها الأبكم في قناة مليئة ...
- نقطة النهاية
- إخفاقات القوات المسلحة الأوكرانية تخيّب آمال دائني أوكرانيا ...
- مصر.. مجموعة مجهولة تتبنى قتل رجل الأعمال الكندي في الإسكندر ...
- صحيفة: -الفطيرة الروسية- ألغيت من مأدبة ماكرون وشي
- الولايات المتحدة أنجزت بناء الميناء العائم قبالة غزة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي الحسيني - الاخر في سلوك المتصوف الكبير الحسين بن منصور الحلاج