أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سحر حويجة - بقايا من زمن بابل















المزيد.....

بقايا من زمن بابل


سحر حويجة

الحوار المتمدن-العدد: 2077 - 2007 / 10 / 23 - 10:57
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


بقايا من زمن بابل. عنوان رواية صدرت مؤخراً للكاتب والأديب السوري عماد شيحة. وهي الرواية الثالثة والأخيرة من سلسلة كتبت داخل السجن.
تروي حكاية الصراع التي دارت ومازلت على مسرح الزمان والمكان منذ القدم ، إلى حين تنتهي أسبابه، عصر الحضارة الذي نعيش فيه بكل منجزاته ومفاخره، تواجهه حقيقة مرة أن أغلبية من البشر في أمكنة مختلفة تعيش خارج هذا العصر. تجترع الذل والمهانة، تسير إلى حتفها بمشيئة قوى تسيرها، حيث يغيب العقل، وتسيطر الغرائز ، يغرز الجوع مخالبه، يعم الخوف، استسلام أغلبية البشر بدافع غريزة البقاء، بسبب العجز واليأس، خروجاً عن نواميس الحياة وما فطرت عليه البشرية، لكن لابد في النهاية أن تنتصر الحياة بأوسع معانيها الحب، الولادة والخصب، التجدد العطاء ، الصلة الاستمرارية . صراع مستمر منذ أن قامت الخليقة، ضد القفر والفقر ، ضد الكره والأحقاد ، والتسلط ، ضد الاضطهاد، ضد الموت وأسبابه. حتى لو كان الموت هو الثمن. جاء على لسان منال أحد بطلات الرواية التي انتهت حياتها بالموت في اختصار المواجهة حتى الموت في حوار مع وديع : "انحطاط الهروب وترك الروح لتيار يسحبها حيث يشاء.. قلب المسألة على وجوهها كلها تجد الموت وراء كل منعطف ، وفي نهاية كل درب سيكون موتاً على أي حال. فلم لا يكون نقياً وشجاعاً؟ لم لا تناله وأنت واقف؟ حيث صرخ الحلاج أنا الحق ما كان يسعى إلى حتفه بقدر ما لخص تاريخاً طويلاً من محاولات الانعتاق الفردي". المواجهة هو الموقف الذي ينحاز إليه الكاتب في الرواية.
نحيا في زمن حيث:
"حلت سنوات الدم وولت وحان قطافها على أبشع الصور ، الخنوع والخضوع السرمدي المذلة والاستسلام والتهليل وإظهار الغبطة لها، صارت البلاد اقطاعات من القرون الوسطى عاث فيها أمراء الحرب فساداً، كأنها إرثهم أباً عن جد، نسي البشر أنهم بشر استفاقت في دمائهم تركة العبودية" .
"عندما انقلبت الصورة وصار الطبيعي أن يحكم الجند الناس، أما الطبيعي الحق المتمثل بحكم الناس لأنفسهم فقد انتهى إلى يوم القيامة أو عودة زمن المعجزات."
والخيارات أمام البشر: إما المواجهة التي تصل إلى حدود الموت ، وإما الهروب ، أو التنازلات التي تبدأ ولا تنتهي حتى تصل إلى الخيانة، العجز، الذل، التشوه، الضياع، الهزيمة. صراع الروح والجسد وموت أحدهما أو كليهما. لسان حال أهل الحكم يقول كما جاء على لسان من يمثلها في الرواية شادي : " في هذه الدنيا الفانية أمامك خياران أما أن تعيش كما يراد لك وكما هو متاح لك بقدر إمكانياتك فتتعلم اقتناص الفرص المتاحة، وتحيا في المكان المعين لك سلفاً، متمتعاً بخيراته، وإما أن تركب رأسك وتحسب أنك تعيش كما تريد فلا تحصد في النهاية إلا الخيبة والمرارة والإذلال.
الموت قد يكون انتحاراً كما حدث مع روعة الضحية " فريسة تنتظر انقضاض الوحش الأقوى عليها" بسبب جمالها ، باءت بالفشل محاولات الأهل حماية ابنتهم ، عندما انتصرت اللبذة اللامعة وتم تزويجها أو سبيها بالقوة، عادت بعد أقل من سنة تبتلع ذلها ، وضربت طوق العزلة على نفسها إلا أنها قررت الانتحار ، وضعت حداً لحياتها، عندما رمت نفسها من النافذة.
انتهت حياة وصال وهي في أوج شبابها وعطائها لأنها واجهت مجموعة من العسكر أثناء محاولة اغتصابها، فأبت روحها وقاومت حتى الموت، على مرأى من زوجها غريب الذي بدا عاجزاً، عادل ميلاد أسماء انتهت حياة الأول إلى السجن والثاني كان مصيره الموت. نتيجة صراعات داخلية و اصطفافهم في المعارضة.
أما موت الروح، فقد تعددت أشكالها، في الرواية ، ظهرت بوضوح في سياق حياة غريب، زوج وصال وأبو وديع، معلم المدرسة الذي اختار أن يكون شاهداً على هذا الزمن، لامع ولا ضد، بعد أن ابتعدت زوجته وصال عنه قسراً ، بالموت ، وصديقه ميلاد وأدهم، وعادل، قرر نسيان ماض ظل يلاحقه ، لكن العيون ظلت تلاحقه وتنتهك حرمته وحرمة عمله، من خلال التدخل الدائم ، بحياته المهنية ، تم نقله من عمله نتيجة رفضه التعامل مع السلطات بعد الضغط عليه ضد زملاءه وطلابه ، تحت مسمى الواجب ، منعوا عليه عمله التربوي بقرار إداري ، في سياق التحولات الذي شهدها سلك التعليم وآليات استلاب التلاميذ وتدمير إمكانية التفكير السليم لديهم، ليتحولوا إلى مجرد آلات، "لا تدرك من إرث أجدادها سوى النطق، و إمكانية تعلم قتل الأحاسيس عبر تنمية وتضخيم الذات ، والإحساس المفرط بها والتسبيح باسمها والتعبد لها سراً وعلانية كي تكون واسطتها في تسلق السلالم وتحقيق نعم الدنيا والشفاعة لها كيلا يمسها جحيم الآخرة. في مواجهة الإفساد الخلقي للتلاميذ، احترم غريب ذاته، واعتمد على قدرة التلميذ معياراً وحيداً لمنحه علامة النجاح، دون واسطة أو سماح بالغش ، صمد على هذه الجبهة إلى النهاية ولم يسمح بأي اختراق حتى اضطروا لإزاحته. وطرده، على خلفية ماضية بعد اتخاذ إجراء معمم. زواج غريب من مشيرة كان نوعاً من الهروب من الماضي ، في بحثه عن حياة آمنة لولده ، مشيرة شخصية من حلقة واسعة بين السلطة والقاع ، تبحث عن مصلحتها وتعرف كيف تحافظ على ذاتها باستغلالها الفرص. في البداية بنت رأيها كما الأكثرية على أن لا خيار أمامنا حتى نعيش حياة آمنة، يدفع الناس ضريبة كبيرة للحفاظ على أمنهم الذاتي والمعيشي، تقربت من السلطات ودافعت عن نفوذها وعملت لحماية زوجها وأبنها ولكن في النهاية تم استغلالها ضدهم عندما تعاملت مع السلطات ، وغدرت بصديق زوجها عادل ، حاولت أن تسلخ جلدها وجلد من حولها من الانتقال إلى حي جديد ، إلى التدخل الكبير في حياة ابنها وديع لم تكن سوى أم بديلة له بعد موت أمه الحقيقية وصال ، عوضت من خلاله عدم إنجابها ولكنها فشلت بأسلوبها المصطنع والقسري وبقي الشك يراود وديع إن كانت هذه أمه، لقد فصلته عن جذوره عن أمه وأهل أمه عن مدرسته ورفاقه، وتدخلت بشؤونه، حاولت وفشلت أن تجره إلى مواقعها، بإبعاده عن منال، يشير الكاتب إلى صلة الدم ودورها في حياة الإنسان ، عبر التواصل والاستمرارية، عاش وديع صراعاً واضحاً بين دور أمه وأبوه في تنشئته: يريده أبوه مستقلاً يختار ما يريده هو، أما مشيرة كانت تختار له ما تريد وتتحكم بحياته، لكنها فشلت، في تدجينه. الحب والصدفة لعبا دوراً في جره إلى موقع نقيض لأمه البديلة واستمراراً لأمه الحقيقية وقريباً من أبيه، غريب أبيه الذي انتهت حياته إلى التشرد بعد طرده من التعليم، فشل غريب في خيار الحياد الذي اتبعه ، لقد خسر كل شيء ، انتهى إلى رفقة أمثاله من المثقفين كل من أبا أمين والحكيم وملاذ لقائهما في مقبرة بعيداً عن العيون والناس.. انتهت مشيرة بعد نفاذ دورها على أنها لم تكن سوى عتلة للآخرين. مات وديع في دفاعه عن حبه لمنال في مواجهة سلطة المال والتقاليد، والاختلاف الديني التي قسمت البشر، وحكمتهم بمصائر بعضهم البعض، فشل عساف في مواجهة وصال التي تحدته ودافعت عن علاقتها بغريب. اختلف الوضع مع منال بسب أبوته لها، نجاة مولودة الحب الذي جمع وديع ومنال، الذي لم يتوج بضمها لعائلتها بل انتهت حياة أمها وأبيها، وبقيت الأمل لمستقبل افضل ينتج الحياة ويدافع عن الحب والخصب ، والاستمرارية، في وجه عوامل التدمير والموت والتشويه التي تواجه حياة الإنسان. "نجاة ابنة ستنزع شرعية وجودها بجدارتها دون وصاية أو حماية أو ولاية" كان ذلك أمل والدتها.

تحضر الأسطورة البابلية بين طيات صفحات الرواية بشكل متقطع ومتقاطع مع الأحداث، لتؤكد على صراع الموت والحياة ، وعلى تطور هذا الصراع، وتأثيره على حياة البشر، كما تقول الأسطورة : ذهبت عناة للبحث عن أخيها بعل عملت المستحيل لتعيده إلى الحياة ودخلت في صراع مع موت، إله الموت، ضعفت أمامه في دفاعها عن الحب والحياة، اضطرت لقتله ومضت تنثر أجزاءه وانتصرت عليه وبقيت تبحث عن بعل وما أن وجدته وهيأت العالم لاستقباله، لكن بعل تغير وأنكر حبها أمام المغريات الكثيرة أمامه ، فصبت جام غضبها على الطبيعة والحياة اضطر بعل لمساومتها بعد تدخل الآلهة المتعددة للحفاظ على توازن الحياة والكون.
بدأ صراع الآلهة عندما تسلل الإله موت بهدوء وراح يحتل خلايا بعل خلية خلية دون أن يدري أو يحس موحياً إليه باتباع سياسة التفريق بين الأرباب والربات، ابتلاعهم واحداً واحداً ، بينما كان يوالي البحث عن إله همجي صغير وجد ضالته في إله عشائري أنتجته عقلية الصحراء المجدبة ومحدودة الخيال، إله على مقاس عشيرته، وعلى قدر طموحاتها من الغزو والنهب، وعدم الاستقرار، والأحقاد الناتجة عن مركبات النقص والعجز، قدمه موت لبعل كنموذج يحتذى ، باعتباره الرب الوحيد الذي يحوز ميزة أن يطاع دون أن يناقش، وأغراه بعلامات بطشه وغضبه وكراهيته ليحل محل صفاته.
"هكذا أتى زمن اليباب والهيمنة الكليانية، نسي البشر انتظار الخصب ودورة الحياة وتحولت أبصارهم إلى يوم بعيد ليدفنوا في انتظاره الموعود آلامهم وأحلامهم وعقولهم".
كانت قفزة في المجهول سمو البشر لمصاف الآلهة أو تعريض أنفسهم لأحط أنواع الاسترقاق والدونية والتقزم والتهميش. وبدأ صراع باسم الإله ولأجله .
من ناحية أخرى يغوص الكاتب بسبر غور الطبيعة الجامدة والحية وتوظيفها بما تحويه من أهوال وصدف وحقائق أيضاً في خدمة فكرة صراع الموت والحياة، ليس من جانب وصفي أدبي فحسب رغم أهمية وجمالية ذلك ، بل تأكيداً على ترابط عناصر الحياة ، وتأكيداً على نواميسها، من مستوى معرفي مميز في سرد مرهق للقارئ .
سحر حويجة
عنوان الكتاب : بقايا من زمن بابل
رواية
تأليف : عماد شيحة
الطبعة الأولى: ‏2007 الغلاف والخطوط : الفنان منير الشعراني



#سحر_حويجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف بين الإنفلاش الإعلامي والإعلام الممسوك
- أمريكا ومواجهة الخطر الإيراني
- حرية الرأي و التعبير
- أحداث مؤثرة لكن من المستفيد؟
- دور المرأة في المجتمع بعد الحرب
- المرأة تحت سلطة الدكتاتور في رواية غبار الطلع
- فتح الإسلام شرارة من سيحترق بها ؟
- ظاهر ة العنوسة و البحث عن حلول
- الناشط في حقوق الإنسان
- الطريق إلى السعادة الزوجية
- تعطيل دور الشباب العربي وأهمية تفعيله
- أمريكا والتحولات الجارية في الدول المتخلفة
- دفاعاً عن قانون الزواج المدني
- حقائق على خلفية القرار الدولي 1701 القاضي بوقف إطلاق النار ع ...
- الدور القومي العربي وأزمة الفكر القومي
- معادلات جديدة نتيجة الحرب الدائرة على الساحة اللبنانية
- العلمانية ما بين فصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن السياسة
- مشاركة المرأة حق أم منحة؟
- محاولة في إضاءة جوانب الوحدة والتعارض بين الليبرالية والديمق ...
- مهازل الديكتاتورية عندما تتهم وتحاكم، وعندما توضع في قفص الا ...


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سحر حويجة - بقايا من زمن بابل