أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - بعض من الجدل الذي أثارته مقالة -نظرية البعرة والبعير.. الأثر والمسير!-















المزيد.....



بعض من الجدل الذي أثارته مقالة -نظرية البعرة والبعير.. الأثر والمسير!-


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 11:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بعض من الجدل الذي أثارته مقالة "نظرية البعرة والبعير.. الأثر والمسير!"
منذر أبو هواش

الدليل على وجود الله تعالى

قال الله تعالى: [ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ]( إبراهيم : 10 ) ...الخ
فطر السموات والأرض؛ أي : شق وفصل بعضها من بعض بعد أن كان الجميع مادة واحدة ...وصنعه دال على قدرته، وانفراده بالتأثير، والتدبير

إننا نرى العود مستقيمًا خارج الماء ونراه معوجًّا في الماء، ونرى النجم صغيرًا وكلنا يعلم أنه كبير، ويذوق المصاب بمرض الصفراء العسل مرًّا ويذوقه غيره حلوًا، ويرى المحموم أو النائم أمامه أشياء كثيرة يقول من في حضرته: إنها لا وجود لها. فأمثال هؤلاء إذا كانوا يشكون أو يشككون في وجود الله تعالى لا ينفع معهم دليل ولا برهان. وأما طالب الحقيقة فهو الذي لا يشتبه في الحق إلا لعارض يصرفه عن الدليل؛ فإذا نبه إليه تنبه ورجع.

الحقيقة أن معرفة الله تعالى فطرية في البشر، والإيمان بالله أمر ثابت في هذه الفطرة، لا موضع للشك فيه، ولا حاجة بهم إلى إقامة الدليل عليه، وجميع أصناف البشر من أرقاهم إلى أدناهم يعتقدون بقوة غيبية وراء الطبيعة، وليس تنبيه أصحاب الفكر المستقل إلى ذلك بالأمر الصعب.

لكن المشكلة هي في الناس الذين شذت فطرتهم، لسبب أو مرض نفسي أثر على أدمغتهم وعلى فطرتهم، ففقدوا خاصية الاستقلال في تفكيرهم، وكان مرضهم كمرض فاقد الإحساس بالحلاوة لأن المرض يمنعه من إدراكها، وصاروا معطلين منكرين وإمعات مقلدين لا رأي لهم، فإن أحدهم يسمع أو يقرأ أن فلانًا قال: إنه لم يثبت عندي دليل على وجود الله تعالى, فيقول هذا الإمعة المقلد له: لو كان هناك دليل قطعي لما خفي على ذلك الشخص. ويفرض على نفسه أن تشك وترتاب أو تنكر وتفند كل دليل من هذا القبيل. ثم يدعون أن المسألة نظرية، وأنه لا بد من إقامة البراهين عليها.

ولا ينفع مع هؤلاء إلا إقامة الحجة عليهم بالديل القاطع من أدلة النبوة، والإعلام المضاد هو الحل لشفاء ما أصاب أدمغتهم وفطرتهم، ويجدر النقاش معهم على الأدلة العقلية المشتركة وتذكيرهم بها، مثل استحالة الخلق الذاتي أو الخلق من عدم ومن غير مسبب كما قال تعالى: [ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ ]( الطور : 35 ) ، فالموجود لا يصدر عن نفسه ولا عن معدوم فتعين أن يكون لهذه الموجودات كلها مصدر وجودي، وتذكيرهم بأنهم يجهلون ماهية المادة التي يقولون أنها أصل كل الكائنات، ولا يعرفون الأصل الذي صدرت منه، ومصدر الكائنات، والاستمرار في في هذا الأمر لحين التوصل إلى اتفاق على أن هذه الكائنات كلها قد صدرت عن موجود ذي قوة حقيقية غير معروفة الكنه, وهو ما عليه المسلمون. [ وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ]( الأحزاب : 4 ).

منذر أبو هواش

أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (الفرقان 44)

معرفة الله والإقرار بوجوده غريزة فطرية في الإنسان، إذ كل واحد من بني آدم يقر بوجود الخالق ويعترف به، أما ما يظهر على بعض الملحدين من الكفر بالله والاستهزاء بمن دعاهم إلى عبادته، فإن ذلك لا يعني الكفر المطلق المبني على اليقين الكامل، وإنما هو انحراف في الطبيعة الإنسانية، وتحويل للغريزة الفطرية المتجهة إلى الخالق الحق إلى عبادة المخلوقات الأخرى، ولذا فإننا نجد ذلك الملحد يستعمل سبل المغالطات والتفسيرات الخاطئة للأشياء تضليلا وتمويها على السذج.

وقد صور لنا القرآن الكريم قصة أكبر مغالط ملحد بلسانه غير جازم بقلبه، ذلك المغالط هو فرعون الذي استخف قومه فأطاعوه، فحينما جاءه موسى عليه السلام بالبينات والهدى ودعاه إلى عبادة رب الأرض والسماء، ورب العالمين جميعا، كما أمره الله تبارك وتعالى بقوله: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء /16).

استكبر فرعون، وجحد رب العالمين، بل ادعى أنه لا يعلم لقومه إلها غيره قال تعالى على لسانه: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء /23)، وقد أخبر المولى جل وعلا عنه أن ذلك الإنكار الصادر منه مغالطة بلسانه، وأنه غير مطابق للحقيقة المستقرة في نفسه، قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام مخاطبا فرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} (الإسراء /102)

فالانحراف والميل عن الخط السوي أمر طارئ على البشرية، وذلك حين فساد الفطرة. لأن البرهان على وجود الخالق حقيقة محسوسة وأمر واضح غاية الوضوح إذ الإنسان يعيش، ويحيا في هذا الكون، فيشاهد في نفسه، وفي الأشياء من حوله دقة وتنظيما في كل ما يرى ويلمس فيصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن لهذه الأشياء موجدا أوجدها ومنسقا لسيرها وحركاتها أراد ذلك منها، وهذا أمر طبيعي جدا غير بعيد عن فهم أي إنسان مهما كان إدراكه،

فإذا شاهد الإنسان بيتا منظما ومنسقا أو سمع صوتا، أو أحس بضربة سوط، ولم ير الضارب أو الباني أو صاحب الصوت فإنه يوقن أن لهذا البيت بانيا، وأن هذا الصوت صادر عن شيء سواء أكان رجلا أو حيوانا، أم آلة، وأن تلك الضربة حدثت من ضارب، فكان وجود الشيء الذي نتج عنه بناء البيت، أو ظهور الصوت، أو حدوث الضرب أمرا قطعيا عند من شاهد البيت أو سمع الصوت أو أحس بالضرب، إذ قام البرهان الحسي على وجوده، فالاعتقاد بوجود سبب أوجد هذه الظواهر أمر مسلم به عند العقلاء.

فكذلك الإنسان يشاهد تغير الأشياء الموجودة فتنعدم أشياء ويحدث غيرها كما أنه يرى النظام البديع في العالم، والدقة المتناهية في سير بعض المخلوقات وترتيب حركاتها وضبط مواعيدها، فيدرك أن هذا الإبداع وذلك النظام وذاك التغيير لا يمكن أن يحدث من نفس تلك الأشياء، لأنها عاجزة عن إيجاده، كما أنها عاجزة عن دفعه كل ذلك يدعو إلى الإيمان بوجود خالق لهذه الموجودات، قائم بتدبيرها، منظم لها.

ومن هنا نرى أن وجود هذا الخالق الذي دل عليه وجود هذه الأشياء من الأمور القطعية، الذي يدل عليه الدليل الحسي، يشهد لذلك قول ذلك الأعرابي القائل:

"البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، وليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج أفلا تدل على الصانع الخبير"

فقد أدرك هذا الأعرابي بفطرته السليمة التي فطره الله عليها أن هذه المخلوقات العظيمة التي تسير بانتظام وإحكام، ليل يعقبه نهار، ونهار يعقبه ليل، لا يمكن أن تحدث إلا بمحدث، وأن لا تسير بهذا النظام المتقن إلا بمقدر مختار، ولذلك جاءت براهين القرآن الكريم لافتة النظر إلى ما يقع عليه حس الإنسان للاستدلال بذلك على وجود الخالق ثم عبادته وحده كقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (الغاشية /17). وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (الطارق /5 -7)، وقوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} (الطور /35 -36).

وهكذا نرى أن قضية الخلق والإيجاد وإن كانت قضية جافة على الصعيد الفلسفي، فهي بدهية على الصعيد الحسي لا تحتاج إلى برهان، لأنها من ضرورات الفطرة ولذا فإن القرآن الكريم يطرحها على المخاطبين كقضية مسلمة لا تحتاج إلى استدلال، ولا تحتمل الجدل والمماراة.

انظر إلى قوله تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ( العلق /1)، والخطاب وإن كان موجها إليه فهو لأمته جميعا،والمخاطبون حين نزول القرآن يعرفون ربهم الذي خلقهم كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (العنكبوت /61)، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (الزخرف /87). وإنما كان انحرافهم في العبادة فيجعلون مع الله آلهة أخرى يعتقدون فيها النفع والضر، كما قال تعالى حكاية عنهم في إنكارهم على محمد صلى الله عليه وسلم دعوته إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وترك عبادة الآلهة المزعومة: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص /5)،

وقد وجد في ذلك الوقت قلة ممن فسدت فطرتهم إلى أن اعتقدوا أن التأثير في الحياة والممات إنما هو من الدهر، قال تعالى حكاية عنهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْر} (الجاثية /24)، ولكن الله تبارك وتعالى بين أن قولهم هذا قول بلا علم، وإنا هو مبني على الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} (الجاثية /24). كما طالبهم بالدليل على اعتقادهم الفاسد ودعواهم الباطلة، وهي قولهم: إنهم خلقوا من غير شيء فقال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (الطور /35).

فإذا قامت للإلحاد دولة في أي عصر من العصور وأنشأت له مناهج وأعدت له مدارس لتعليم الناس الإلحاد ، وأنه لا إله والحياة مادة، وجد في القرآن الكريم الأدلة القاطعة التي تبين للعقلاء أن للمادة إلها، وأن الحياة من صنع هذا الإله {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (إبراهيم /10).

جواد البشيتي

قيل: فطر السماوات والأرض (يَعْني) شق وفصل بعضها من بعض (فَهُما، أي السماوات والأرض، كانتا قبْل الخَلْق متَّحِدتين، مندمجتين، في شيء واحد، أو مادة واحدة.

أقول: كان المِلْح مُنْحلاًّ في الماء، فَفَصَلْتُ هذا من ذاك، بـ "التبخُّر"، فأين الخَلْقُ هنا؟! إنَّني هنا لم أخلق لا الملح ولا الماء، ولا هذا الشيء الذي كان من قبل أن أفصل الملح من الماء. لم أخْلِق هذا الشيء الذي هو "الماء المالح".
وإنَّه يقول: كانت الأرض والسماوات، قبل فصل كلتاهما عن الأخرى، "مادة واحدة"، وكأنَّه أراد أن يقول: قَبْل "الفصل"، أو "الشقِّ"، كان يُوْجَد "مادة متَّحِدة"!
هذا القول إنَّما هو الكُفْر بعينه.

منذر أبو هواش

أتمنى أن يأتي اليوم الذي تكف فيه عن الخلط الطفولي
بين الماء والسماء ... وبين مختلف الأشياء ...
ويا ليتك ترفع يديك عن الإفتاء ...

جواد البشيتي

أتمنى على القائل أن لا يتهرَّب من الإجابة.

يقول: إنَّنا نَجْهَل "ماهيَّة المادة"، أي "ما هي المادة".

أقول سائلاً له: ما هي "المادة"؟

جواد البشيتي

لا مَهْرَب من إجابة السؤال الآتي:
هل فَصْلُ المِلْح من الماء يَعْني "خَلْقَ" المِلْح والماء.. من "العدم"؟

منذر أبو هواش

أستاذ جواد،

ما زلت تخلط بين الماء والسماء،
ثم أنت تسألنا: ما المادة؟
ونحن نسألك يا أستاذ:
أنت معلمنا لأي مادة؟
هل أنت مدرس اللغة وتريد تعريفا لغويا لها؟
أم أنت مدرس الفيزياء؟
أم أنت مدرس القانون؟
أم أنك مجرد مشعوذ متجول بائس
وتريد جرنا إلى إحدى شعوذاتك المكشوفة؟

كف عن هذه الأساليب بحق خالق الماء والسماء!

سعيد نويضي

بسم الله الرحمن الرحيم...

الاستاذ جواد...

هناك في عملية الخلق من يخضع للتدرج أو التعاقب. و هناك من يخلق على شكله الذي يظهر لنا دون تعاقب.أي لا ينتقل من طور على طور.

الخلق في المفهوم الجديد ينطلق من المادة الأولية...و هذا لا يختلف كون أن الشمس لما خلقت خلقت من المادة الأولية...التي خلقت من الفتق...لأن الله عز و جل بقدرته أوجد كل المواد الأولية...التي تفرعت عنه كل الموجودات و المخلوقات التي وصل إليها العلم الحديث و التي لم يصل لها بعد...

أعتقد أن الفكرة التي تقول أن الخالق ألبسوه لباس فيزيائي انطلاقا من الانفجار العظيم...فالله جل و علا أوجد هذا الرتق ليجعل من الفتق أو الانفجار أو الانتشار أو التقسيم أو أن يأخذ كل شيء المجرى الذي يسره الله عز و جل له...فالقول بذلك فيه شيء من الغموض لأن الله جل و علا يقول: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً }الكهف51...أعتقد أن خطاب الله عز و جل واضح فالحديث عن مسألة الخلق لا يمكن الحسم فيها بشكل يقيني لأن الشاهد على ذلك غائب ما عدا الله جل و علا الذي تمت بقدرته عملية الخلق...إذن كل ما يمكن الوصول إليه هو في لغة الرياضيات و ربيبتها الفيزياء هي احتمالات و تصورات لا تخضع لا لتجربة و لا لتطبيق...بمعنى لا يمكن إعادة تجربة الخلق الأول...

في عملية الخلق...لابد من قوة دافعة تجعل من الشيء قائم الوجود انطلاقا من مجموعة العناصر المكونة لها...هذه القوة لا يمكن أن يستأثر بها في الخلق الأول إلا الله جل و علا...فما دمت تقر أنه ليس كمثله شيء...يقول الحق جل و علا للذين حاولوا أن يجدوا له تعريفا انطلاقا مما يدركونه من الأشياء انه جل و علا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11. إذن هو منزه عن الأشياء التي تدركها حواسنا و عقولنا و يمكن تصورها بشكل من الأشكال...فسبحان الله هذا الذي ليس كمثله شيء لديه من القدرة ما لا يمكن وصفة لدرجة أنه يقول للشيء كن فيكون...يقول جل و علا: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }يس82...

ففي عملية الرتق و الفتق بمصطلحات القرآن الكريم أو الانفجار بالمصطلحات الحديثة أو الانتشار...و اعتقد أن مصطلح الانتشار أكثر دقة من الانفجار...لأن الانفجار يؤدي إلى التشتت أما الانتشار يؤدي بالضرورة أن كل شيء يأخذ موقعه بحسب المهمة التي خلق و وجد من أجلها...يقول جل و علا: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50...

ليس هناك اختلاف بين الخلق بالتصور" الديني" و الخلق بالتصور "الكوزمولوجي" ولكن الخلط في الذهن البشري لكلا التصورين مع فارق أن التصور الديني الذي لا يعلمه إلا الله هو الحق و أن التصور الذي وصل إليه العقل البشري قد يتطابق مع هذا و قد يختلف...و ليس للعقل البشري قدرة على معرفة كيفية تمت عملية الخلق أول مرة كما سبق القول في كلا التصورين...تصور المنطلق من الفهم الديني و التصور المبني على الاحتمالات العلمية...لكن القول الذي اعتقد اقرب إلى الحقيقة من غيره...هو قوله عز و جل للمادة الأولية كن فكانت بالشكل الذي أراده الله...و من تم كان الرتق فأمر بالفتق...فكان ما كان مما شاء الله جل و علا أن يكون من سماوات و أرض و أجرام و أفلاك و أقمار و شموس و غير ذلك مما خلق الله جل و علا...

فالقول أنه تم "الخلق من عدم" على أساس لم يكن هناك شيء تم منه الخلق فيه تقصير في الفهم...لأن الله عز كان و سيظل...فبقدرته أوجد الشيء الذي تم منه خلق الأشياء الأخرى...فمثلا قصة خلق آدم عليه السلام...و سوف لن أسرد القصة من بدايتها...و لكنه باختصار...آدم عليه السلام في الأصل كان في علم الله عز وجل...ثم أوجده بقدرته من مواد...ثم نفخ فيه من روحه...ليكون خلقا على الشكل الذي نعرفه من خلال تناسله من ذريته...و مهما حاول الإنسان أن يدرك معنى الروح ليعطيها تعريفا كالتعريف الذي يعطيه للأشياء فلن يفلح ذلك...لماذا؟ لأن الروح هي من أمره و علمه... الله عز و جل التي لم يطلع أحدا عليها ...حتى الأنبياء صفوة الله عز وجل من خلقه...فكيف سيطلع عليها باقي بني آدم من خلقه؟؟؟؟؟؟ و هذا موضوع آخر...

لكن الحديث عن الفناء مقابل الخلق...أي بعد الخلق يأتي الفناء...شيء طبيعي بحكم القوانين الفيزيائية...لأنه ما من شيء إلا و يبلى بحكم العناصر المكونة له...فكل شيء يحمل من مكوناته عوامل فنائه...قد تقول هذا كلام يحتاج لإثبات علمي...فإذا كان الواقع يشهد بذلك...أليس ذلك دليلا على صحة الفكرة...فما من شيء يعمر إلى أبد الآبدين...عدى الله جل و علا...كل ما هنالك هنا من يعمر قليلا من الزمن و هناك من يعمر طويلا...و ذلك كذلك بناء على ما خلق له و سير الله عز و جل من أمره...و لك في مجال الطبيعة البيولوجية للكائنات دليل على ذلك...أما فناء الكون و أن المادة ستصير لا مادة ووووو فذاك ما يدخل في دائرة أو نطاق علم الغيب الذي لا يمكن أن تجزم بالكيفية التي سيتم بها لا التكوير و الطي و العديد من المصطلحات التي وردت في تقريب مفهوم الفناء إلى أذهان البشر...و ما طرحته في قضية الصيرورة أن كل شيء عند زواله يتحول إلى شيء آخر و هكذا...يقول الله جل و علا: {عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ }الواقعة61...عن أن نغيِّر خلقكم يوم القيامة, وننشئكم فيما لا تعلمونه من الصفات والأحوال.فالنشوء تابت في الدنيا و الآخرة...في الدنيا يتحول إلى غبار أو جزيئات من المادة...و في الآخرة يبعثه الله عز و جل على الشكل الذي لا يمكننا تشخيصه في الدنيا...

فقانون تطور المادة يسري على المادة و لا يمكن أن يرتقي لأن يسري على شيء لامادي...و هذا الشيء لن يصلوا إليه العلماء من مختلف الفروع إلى ضبطه...و هو الروح...و الروح لم تخلق من العدم...لأنها كانت موجودة بوجود الله عز و جل مند الأزل و ستظل أبد الظهر...حتى في عالم الغيب...فهي خالدة و لا تفنى...لأنها من الله عز و جل...

فالقوانين الفيزيائية التي تطبق على آلة معينة...من شأنها أن تصنع الأجزاء المكونة للآلة و بالتالي في حالة فناء جزء من تلك الأجزاء...يمكن استبداله بالجزء الجديد حتى تستمر الحياة و الوجود لتلك الآلة...و هذا واقع لا يحتاج إلى دليل...و هذا ما يحاول العلم الحديث نقله من الآلة إلى الإنسان...فمن زرع الأعضاء إلى استنساخ الأعضاء إلى محاولات إيجاد الحياة للخلية في المختبرات...و كل ذلك من أجل إثبات أنه ليس هناك روح...و كل شيء خاضع للعلم مادام كل شيء يحسب على المادة...

لأقد أجدت كثيرا في مسالة قانون السببية...فلا يمكن للشيء أن يخلق ذاته...فلا بد من علة لوجوده...و الاستنتاج الذي وصلوا إليه هو لابد لخالق لهذه العلة فهو الخالق...فهو استنتاج سليم ...لأن العدم لا وجود له لأن الله عز و جل هو الذي أوجد العلة الأولى بقوله جل شأنه: كن فيكون...و لك في قصة موسى عليه السلام ما يثبت ذلك فالسحرة سحروا أعين الناس بقوة خفية...و موسى عليه السلام بقوة الحق...بقوة كن فيكون تلقفت عصاه ما صنع الساحرون...
فلو عدنا لمسألة الطاولة و الفاكهة التي ظهرت ثم اختفت و لم يستطع قانون حفظ المادة أن يسجلها في ذاكرته...فلأن المكونات التي تتحدث عنها قد تتعطل لعلة ما...فمثلا خاصية الاحتراق الموجودة في النار لما شاء الله عز و جل أن يعطل مفعولها في قصة إبراهيم عليه السلام...ففعل لنه عز و جل قال للنار...خاطبها...أمرها...بقوله الحق كن فيكون...يقول جل و علا: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69. فقوله عز و جل :"كوني" فكانت ما شاء الله عز و جل أن تكون...فتعطلت خاصية الاحتراق التي هي مكون أساسي في النار...

الله عز و جل هو خالق كل شيء...هذا الشيء الذي أخذ شكل المادة و تربع على العقل ليجعله تابعا له...فالخالق الميتفزيقي هو الخالق لكل شيء...لكن لكي تلعب القوة السحرية التي سميتها في بداية مقالك فعلها أعطت للمادة حجما أكبر من حجمها كما كان يفعل فرعون لقومه بسحره الذي أرهقهم به لسنين طويلة...حتى اكتشف أمره أمام الحق الذي أتى به موسى عليه السلام...فالمادة موجودة لكن ليس من العدم بل من بقدرة الله عز و جل...و حتى السحر الذي فعل فعله في قوم موسى كان موجودا بالفعل و لم يكن ميتافيزيقا...إذا كان المقصود بميتافيزيقا ضرب من الأسطورة و الخيال...أما إدا كان المقصود بمتافزيقا ما يتجاوز الفيزيقا أي الفيزياء...فالخالق واحد في عالم المادة و في عالم أللمادة...لأن عملية التكاثر نتجت عن العملية الأولى التي هي عملية الخلق...فمسألة السببية التي لا حد لها مادام كل شيء له ذاكرة تؤصل لوجوده...تظل مسألة السببية معضلة لا مثيل لها...لذلك يقول الله عز و جل: {أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ }ص10...فالبحث في الأسباب تصاعديا مع الزمن و موغلا في أعماق التاريخ...سيوصل البحث من سبب إلى آخر حتى يصل إلى مسبب الأسباب...فهو الله جل و علا...

المشكلة على ما يبدو في المنطق الذي يزن به الإنسان العاقل الأمور والأشياء و يفرق بها بين ما هو علمي و غير علمي يعني خرافي أو ميتافيزيقي...فلو كانت الطبيعة تعقل ذاتها؟ فلماذا لا تجعل من القوانين التي تسير ذاتها قوانين تتطور في كل شيء؟ فالمعروف أن قانون التطور الذي اكتشفه الإنسان يسري على كل شيء...من أصغر جزء إلى أكبر جزء...من الذرة إلى المجرة...فلم لم يسر هذا القانون على الزمن؟ لماذا هناك في السنة اثنا عشر عشرا...و هذه حقيقة علمية...هناك أربعة فصول...خريف، شتاء، ربيع، صيف...فلماذا هناك هذا الاستثناء عن قاعدة التطور؟لماذا اليوم بليله و نهاه لا يخرج عن كونه أربعة و عشرون ساعة؟ فكيف للمادة أن تعقل ذاتها؟ فهل يستطيع الغاز المكون من الهيدروجين و الأكسجين أن يعقل ذاته ؟ بمعنى هل يستطيع الماء أن يخلق ذاته أم هو فقير لعناصر أخرى يحتاجها حتى يصبح الهيدروجين و الأكسجين ماء؟ فلماذا لا نجمع الكميات الهائلة من هذين العنصرين و نصنع الماء الزلال...و تنتهي مشكلة ندرة المياه العذبة الصالحة للشرب؟

المادة هي الشيء في ذاته...و الشيء يتحدد بعناصره...و عناصر الشيء هي مكوناته في نفس الوقت...فعلى سبيل المثال الماء كمادة نعرفه من خلال عناصره المكونة له...فإذا انطلقنا من هذه المقدمة و التي أعتقد أنها سليمة من الناحية العلمية في تعريف المادة...سنجد أن كل مادة هي كثلة ذات حجم و تتوفر على طاقة معينة توجد في مجال معين...هذه الكثلة قد تطرأ عليها تغيرات بحكم تغير المحيط الموجودة فيه...فإذا أضفنا لهذه الكثلة عنصرين آخرين هما الحركة و السرعة أخذت المادة أشكال مختلفة و متنوعة في تمظهراتها الوجودية...

فالمادة لا تخلق نفسها بنفسها...لأنها محتاجة إلى غيرها من المواد...فالطبيعة و هي المكونة من المادة تفتقر في وجودها لغيرها...فالصحراء بحكم رغبتها المتعطشة للماء...لماذا لا تخلق الواحات من حولها و تجعل الكثبان الرملية سهول خضراء خلابة؟ فالطبيعة لا تعقل ذاتها حتى تدرك ما ينفعها و ما يضرها...و لماذا لا تدفع البحار الثلوت الذي ينزف خيراتها؟ و لماذا لا تضرب الغابات عن إنتاج الأكسجين نتيجة قسوة الإنسان بحرق الأشجار و قطعها؟ ولماذا لا تكتب ذاتها و تأخر لنفسها هذه المادة؟ لماذا لأنها خلقت في الأصل من أجل أن يسخرها الإنسان لمصلحته و لتطوير حياته و لاكتشاف آيات الله عز و جل في مخلوقاته...


هدانا الله و إياكم لما يحب و يرضى...


جواد البشيتي

تحية إلى الأستاذ سعيد نويضي فقد أدلى برأي، وأجاب عن أسئلة وتساؤلات مهمة، وظَهَر لي على أنَّه مُفكِّر إسلامي رفيع، يقارع الحجَّة بالحُجَّة، ويتحدَّث بمنطق، وبِعِلْمٍ أيضا، ولديه من خواص المحاوِر الذكي والمثقَّف ما يُغري بمحاورته.. لقد احيا الأمل في نفسي بعد طول يأس وقنوط، وكشف لي وجود أُناس ليسوا بالعجزة والقاصرين عقلا وفكرا ومنطقا.. أُناس يملكون في عقولهم شيئا آخر غير الاستشهاد والاقتباس.
أخالفه الرأي في كثير مِمَّا قال، ولسوف أناقشه وأحاوره عمَّا قريب.
مرَّة أخرى أحيِّيه

جواد البشيتي

أستاذ منذر
أنا لا أخلط بين الماء والسماء، فهل تريد أنْ أُذَكِّركَ بأنَّ عرشه كان، قَبْل الخَلْق، على الماء.. "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ.."؟!

إنَّني مُصِرٌّ على أن تجيب عن سؤال "ما هي المادة؟"، فَهْنا رودوس، فِلِمَ تتهرَّب من القفز هنا؟!

وإنَّني مُصِرٌّ أيضا على أن تجيب عن السؤال الذي قَبْلَه وهو "هل فَصْلُ المِلْح من الماء يَعْني خَلْقَ المِلْح والماء.. من العدم؟"، فَمِنَ الآن وصاعدا لن أرأف بكَ، وأدعكَ تهرب من المصيدة.. أجِب.. لا تهرب حتى لا أُعْلِن هزيمتكَ بـ "الضربة القاضية"!

جواد البشيتي

وَقَعَ منذر في سوء الفهم والتفسير إذ قال: فَطْر السموات والأرض (في الآية "أَفي الله شَكٌّ فاطِر السموات والأرض") يَعْني "شق وفصل بعضها من بعض بعد أن كان الجميع مادة واحدة".

لقد أخَذَ بأحد معاني كلمة "فَطَر" وهو "شَقَّ". ويكفي أن تأخذ بهذا المعنى حتى تَقَع في سوء الفهم والتفسير. إنَّ معنى "فطَر" هنا، أي في هذه الآية، هو "خَلَقَ واخْتَرَعَ وأوْجَدَ..".

ابن كثير: "فَاطِر السَّمَاوَات والأرض"، أي الَّذِي خَلَقَهُمَا وَابْتَدَعَهُمَا عَلَى غَيْر مِثَال سَبَقَ..
الجلالين: "فَاطِر"، أي خَالِق "السَّمَاوَات والأرض..
الطبري: "فَاطِر السَّمَاوَات والأرض"، أي خَالِق السَّمَاوَات والأرض..
القرطبي: "فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ والأرض"، أي خَالِقهَا وَمُخْتَرِعهَا وَمُنْشَئِهَا وَمُوجِدهَا..
منذر أتمنى عليكَ أن تنأى بنفسك عن "الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.."، وأنْ تَفْهَم ما تحفظه عن ظهر قلب من القرآن!

طه خضر

الأستاذ القدير سعيد نويضي ..

نلتها والله يا عكاشة ..

شهد لك من لا يستحق ، ومنحك ما لا يملك ..!!

أعانك الله على ما أنت مقدم عليه مع مجادل ٍ عقيم ..!!

احترامي وتقديري للأستاذ سعيد نويضي ..

جواد البشيتي

الأستاذ سعيد نويضي

تحية

في الآتي أُجيبكَ ضِمْناً عن بعض أسئلتكَ وتساؤلاتك:

ليس في القرآن من إشارة إلى "العدم" في المعنى الذي نَعْرِف. حتى "خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستَّة أيَّام" لم يتضمن إشارة إلى "الخلق من العدم Nothingness". أمَّا الوصف القرآني لـ "يوم القيامة"، ولـ "الجنَّة الخالدة"، فليس فيه ما يؤكِّد "فناء المادة"، أي انتقالها من "الوجود" إلى "العدم"، فالقرآن يتحدَّث عن "الفناء"، أي "فناء الحياة الدنيا"، في معنى مختَلِف تماماً عن معنى "العدم" Nothingness.

ونظرية "الانفجار العظيم" ذاتها لم تَضَع "العدم" في "مفهوم متماسك"، إذ ظلَّت "البيضة الكونية" أقرب إلى مفهوم "المادة" منها إلى مفهوم "العدم"، ولو أنَّها أضعفت كثيراً "مادِّية" هذه "النقطة"، التي خُلِق منها الكون. أمَّا وَصْفُ عمليتي "الخَلْق" و"الفناء" فَيَرِد في القرآن خالياً من معنى "العدم" Nothingness.

"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ". من سورة "الأنبياء".

هذه هي الآية التي تُتَّخَذ جسراً بين القرآن ونظرية "الانفجار العظيم". إنَّهم يرون أنَّ خلق السماوات والأرض بدأ من "جرم ابتدائي واحد"، سمَّاه الله (بحسب تأويلهم) باسم "مرحلة الرتق". ثمَّ أمر الله بـ "فتق هذا الجرم الابتدائي فانفتق". وهذه المرحلة يسمِّيها القرآن باسم "مرحلة الفتق". وإذ انفتق هذا الجرم تحوَّل إلى "سحابة من الدخان (مرحلة الدخان)"، الذي منه خلق الله الأرض والسماء، وما ينتشر بينهما من المادة والطاقة بكل صورهما وأشكالهما.

ولكن، ما قولهم في مرحلة كونية افتراضية أُخرى تسمَّى "الانسحاق العظيم" Big Crunch والتي فيها تسود قوَّة الجاذبية الكونية سيادة "مطلقة"، فينكمش الكون ويتقلَّص، منهاراً على ذاته؟ إنَّهم يرون في عبارة "طيِّ السماء" القرآنية مرادفاً لنظرية "الانسحاق العظيم".

ويَنْظُرون إلى مرحلة "الانسحاق العظيم"، وهي مرحلة "نهاية كوننا المتمدِّد"، على أنَّها عودة إلى "مرحلة الرتق"، التي سيعقبها "فتق"، أي انفجار كوني جديد، فسحابة من الدخان، يخلق الله منها أرضاً غير الأرض، وسماوات غير السماوات.

"يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ". من سورة "الأنبياء". في هذه الآية، اكتشفوا الإشارات القرآنية إلى مرحلة "الانسحاق العظيم"، قائلين: في هذه المرحلة سوف يطوي الله صفحة الكون، جامعاً كل ما فيها من المادة والطاقة والمكان والزمان على هيئة "جرم ابتدائي ثانٍ"، أي "رتق ثانٍ"، شبيه تماماً بـ "الجرم الابتدائي الأوَّل (الرتق الأوَّل)". وبأمر من الله سوف ينفجر هذا الجرم الثاني كما انفجر الأوَّل، وسوف يتحوَّل إلى "سحابة دخان"، يخلق الله منها أرضاً غير أرضنا الحالية، وسماوات غير السماوات التي تظلَّنا. وهنا، يقرِّرون تبدأ "الحياة الآخرة"، التي من سننها وقوانينها "الخلود". إنَّ مرحلة "الانسحاق العظيم" هي، في تأويلهم، مرحلة "إفناء الكون"!

"الفتق"، لغة، هو "شقُّ" الشيء، أي فصل بعضه عن بعض. قال ابن منظور في "لسان العرب": "الرَّتْقُ هو ضدّ الفتْقُ". وقال ابن سيده: "الرَّتْقُ هو إلحام الفتْقِ وإصلاحه. نقول: "رَتَقَه، يرتُقُه ويرتِقُه، رتقاً، فارتتق، أي التَأَم". ونقول: "فتقه يفتقُّه فتقاً، أي شقَّه"، فالفتق خلاف الرتق.

وجاء في "التفاسير":
"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا"، أي كانتا متَّصلتين، متلاصقتين، في ابتداء الأمر، ففتق الله هذه من تلك، فجَعَلَ السموات سبعاً والأرض سبعاً، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بـ "الهواء"، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض. ولهذا قال: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..".

سُئِل ابن عبَّاس: "الليل كان قَبْل أو النهار؟"، فقال: "أرأيتم السموات والأرض حين كانتا رتقا، هل كان بينهما إلا ظُلمة؟ ذلك لتعلموا أنَّ الليل قَبْلَ النهار.

اختلف المفسِّرون في المراد بـ "الرتق" و"الفتق"، وكان قول الحسن وقتادة وسعيد بن جبير ورواية عكرمة عن ابن عباس إنَّ المعنى هو: كانتا شيئاً واحداً. كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي، وأقرَّ الأرض. وهذا القول يوجب أنَّ خلق الأرض مقدَّم على خلق السماء؛ لأنَّ الله لمَّا فصل بينهما ترك الأرض حيث هي وأصعد الأجزاء السماوية.

وقال ابن عبَّاس: "نعم، كانت السموات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلمَّا خلق للأرض أهلاً فتق السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات".

وقال عطية العوفي: "كانت السماء رتقاً لا تمطر فأمطرت، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت فأنبتت".

وقال إسماعيل بن أبي خالد: "كانت السماء واحدة، ففتق منها سبع سموات، وكانت الأرض واحدة، ففتق منها سبع أرضين".

وقال بعض أهل التأويل: إنَّ السماوات والأرض كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما بالهواء.

أمَّا السُّدِّي فقال: "كانت سماء واحدة، ثم فتقها، فجعلها سبع سماوات في يومين، هما الخميس والجمعة، وإنَّما سمِّي "يوم الجمعة"؛ لأنَّه جمع فيه خلق السماوات والأرض".

وقال آخرون: "إنَّما قيل ففتقناهما؛ لأنَّ الليل كان قَبْلَ النهار، ففتق النهار".

وقال أبو جعفر: أوْلى الأقوال، في ذلك، بالصواب، قول مَنْ قال إنَّ السماوات والأرض كانتا رتقاً من المطر والنبات ففتقنا السماء بالغيث، والأرض بالنبات، وإنَّما قلنا ذلك أوْلى بالصواب، في ذلك؛ لدلالة قوله "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..".

واختلف أهل التأويل في أمر نزول الغيث فقال بعضهم إنَّه ينزل من السماء الدنيا، وقال بعضهم إنَّه ينزل من السماء السابعة، وقال بعضهم إنَّه ينزل من السماء الرابعة.

وقال كعب: "خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض، ثم خلق ريحاً في وسطها، ففتحها بها، وجعل السموات سبعاً والأرضين سبعاً".

وفي شرح هذه "الأرضين"، قالوا: خلق الله الأرض العليا، فجعل سكانها الجن والإنس، وشقَّ فيها الأنهار، وأنبت فيها الأثمار، وجَعَلَ فيها البحار، وسماها رعاء. ثمَّ خلق الثانية مثلها في العرض والغلظ، وجَعَلَ فيها أقواماً، أفواههم كأفواه الكلاب وأيديهم أيدي الناس، وآذانهم آذان البقر.. واسم تلك الأرض الدكماء. ثمَّ خلق الأرض الثالثة.. الرابعة خلق فيها ظلمة وعقارب لأهل النار. ثمَّ خلق الله الأرض السابعة، واسمها عربية، وفيها جهنم.

الآية، في ضوء كل تلك التفاسير، تحمل معنيين: أنَّ السماوات والأرض كانتا رتقاً من المطر والنبات، ففتق الله السماء بالغيث، والأرض بالنبات. والدليل على هذا المعنى قوله "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ". والمعنى الثاني، أنَّ السماء والأرض كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما بالهواء، أو الريح، فالسماء رفعها عن الأرض بغير أعمدة (تأكيداً لقدرته) أي جعلها مُقبَّبة على الأرض مثل القُبَّة.

لقد بنى الله السماء، أي رفعها بغير عمد ترونها. رفعها سقفاً بقوَّة. فما معنى ذلك؟ معناه، الذي لا يختلف فيه اثنان يحتكمان إلى المنطق، هو أنَّ السماء كانت ملتصقة بالأرض، ففصلها عن الأرض إذ رفعها عنها بغير عمد، فصار بينهما هواء أو ريح.

قال ابن كثير: السماء على الأرض مثل القُبَّة‏,‏ أي بلا عمد‏.‏ وهذا المعنى هو ما يُناسِب السياق، وما يَظْهَر من الآية "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ". وعلى ذلك، تُفْهَم عبارة ‏"ترونها‏" على أنَّها تأكيد لنفي ذلك‏,‏ أي أنَّ السماء مرفوعة بغير عمد كما ترونها‏.‏

الآية، خاطبت عقول الناس الذين أدهشتهم رؤية السماء مرفوعة عن الأرض كسقف لا أعمدة له، فقالت لهم إنَّ السماء كانت، من قَبْل، ملتصقة بالأرض، فرفعها الله بقدرته الخارقة بغير عمد ترونها. وإذ فصلها ورفعها عن الأرض صار ممكنا أنْ تمطر السماء، وأنْ تنبت الأرض، وأنْ تكون حياة، فمِنَ الماء خلق الله كل الكائنات الحية.

هذا هو المعنى الحقيقي للآية القرآنية الذي يشوِّهونه ويفسدونه بزعمهم أنَّ "الرتق" هو "البيضة الكونية" Singularity التي منها انبثق الكون، وأنَّ "الفتق" هو "الانفجار العظيم".

"الانفجار (الكوني) العظيم" إنَّما هو، كوزمولوجياً، انفجار تلك "النقطة" الكونية ذات الكثافة غير المحدودة، و"المعدومة" الحجم. ويكفي أنْ يتأملوا هذه "النقطة" وخواصها، وأنْ يتحلوا بقليل من الموضوعية في النظر والتفكير، حتى يكتشفوا أنْ لا جامع يجمع بينها وبين "جرمهم الابتدائي"، الذي اجتمعت فيه الأرض والسماء، والتصقت كلتاهما بالأُخرى، إلى أنْ حَدَثَ "الفتق"، أي الانفجار العظيم، وجاء بتلك "السحابة الدخانية"، التي منها خُلِقت الأرض (مع كل ما في الكون من نجوم ومجرَّات ومادة وطاقة..)!

ألَمْ يسألوا أنفسهم: كيف خُلِقت الأرض من الدخان وهي التي كانت والسماء تؤلِّفان "جرمه الابتدائي"، أي مرحلة الرتق؟!

انْظُروا، مثلاً، كيف يشوِّهون مفهوم "الجسم البدائي" Singularity الذي تضمنته أهم نظرية كوزمولوجية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، نظرية "الانفجار العظيم".

إنَّ هذا "الجسم البدائي" هو ذاته، في نظرهم، "مرحلة الرتق" أي حالة الكون قَبْلَ "الانفجار العظيم". وهم يفهمون "مرحلة الرتق" على أنَّها "مرحلة العدم"، قائلين في هذا الصدد: "الكون بدأ من نقطة واحدة بعملية انفجار عظيمة.. وهذا يؤكد حقيقة نشوء الكون من العدم". وقد اعتبروا "الجسم البدائي" حالة "عدم"؛ لأنَّ حجم هذا الجسم يقترب من الصفر. ولكن لهذا الجسم خواص يذكرونها على النحو الآتي: "ضآلة الحجم، وضخامة الكثافة، وشدة الحرارة". فهل يجوز، منطقياً، بَعْدَ تعداد هذه الخواص لـ "لجسم البدائي" القول بأنَّ هذا الجسم والعدم شيء واحد؟! هل من خواص "العدم" أنْ يكون شيئاً ضئيل الحجم، وضخم الكثافة، وشديد الحرارة؟!

في هذه الطريقة يفهمون كيفية نشوء المادة من العدم. وفي الطريقة ذاتها يفهمون، أيضاً، كيفية فناء المادة. إنَّهم ينظرون إلى عودة الكون إلى حالة "الجسم البدائي"، بَعْدَ تحوُّل الكون من "التمدُّد" إلى "الانكماش"، على أنَّها "مرحلة الفناء"، ففناء الكون، في رأيهم، هو عودة الكون إلى "الرتق بَعْدَ الفتق".

بعد "الانسحاق العظيم"، يعود الكون، في رأيهم، إلى مرحلة "الرتق"، أي الجرم الابتدائي، فيَحْدُث "فتق ثانٍ"، أي انفجار كوني ثانٍ، يؤدِّي إلى "سحابة دخانية ثانية"، يُخْلَق منها "أرض ثانية" و"سماء ثانية"، أي يُخْلَق منها "كون ثانٍ". ومع ذلك، لا يجدون أي تناقض منطقي في قولهم إنَّ هذا هو "إفناء الكون"، أي الآخرة!

فكيف تفنى المادة.. كيف تنتقل من "الوجود" إلى "العدم" إذا كان فناؤها، وإذا كان "العدم"، هما، في شرحهم وتوضيحهم، "الأرض الثانية" و"السماء الثانية" و"الكون الثاني"؟!

لو أنَّهم أمعنوا النظر، قليلاً، في "جرمهم الابتدائي"، الذي يَنْظُرون إليه على أنَّه "العدم"، لما وجدوا في خواصه شيئاً من مفهوم "العدم". ولو أمعنوا النظر في تلك الحالة الكونية التي سمَّوها "فناء الكون" لما وجدوا فيها شيئاً من مفهوم "الفناء المادي".

لقد فسَّروا "الرتق"، في الآية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ"، على أنَّه "البيضة الكونية"، أو ما يسمُّونه "الجرم المتناهي في الصِغَر". أمَّا "الفتق" ففسَّروه على أنَّه "الانفجار الكبير" Big Bang الذي جاء من الأمر الإلهي "كُنْ".

إنَّهم يقولون: "لقد أدَّى هذا الانفجار الكوني (أي "الفتق") إلى نشوء، أو ظهور، غلالة من الدخان، خَلَقَ الله منها الأرض والسماء وما بينهما". فما معنى هذا الكلام إذا كان له من معنى؟ معناه أنَّ "الرتق"، أي ذلك "الجرم"، كان أوَّلاً، ثمَّ صَدَرَ الأمر الإلهي "كُنْ"، فكان "الانفجار الكبير"، الذي أدَّى إلى "غلالة مِنَ الدخان"، خَلَقَ الله منها الأرض والسماء وما بينهما. هذا معناه أنَّ "الأرض" لم تُخْلَق إلا بَعْدَ خَلْقِ تلك "الغلالة الدخانية"، أو "الدخان (الكوني)"، وأنَّ هذا "الدخان" هو الذي تَوَلَّدَ عن "الانفجار العظيم"، الذي قَبْله كان "الجرم المتناهي في الصِغَر"، أو "الرتق". إذا كان هذا هو "جدول خَلْق الأرض"، فكيف يُقال: "السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا"؟!

إذا كان "الرتق" هو هذا "الجرم"، فإنَّ المعنى الحقيقي للآية، أو للعبارة، القرآنية هو الآتي: ضِمْنَ هذا "الجرم" كانت الأرض والسماء شيئان متَّصلان، فصَدَر الأمر الإلهي ("كُنْ") بـ "الفتق"، أي بـ "الانفجار الكوني"، فانفصل كلاهما عن الآخر. بحسب هذا المعنى الحقيقي، لم تُخْلَق الأرض من تلك "الغلالة الدخانية"؛ لأنَّها كانت "جزءاً لا يتجزأ" من "الجرم"، ثمَّ "تجزأ" بفضل أمر "الفتق".

لم يَبْقَ لديهم من مَخْرَجٍ من هذا المأزق سوى "المَخْرَج الفلسفي"، الذي فيه يستطيعون أنْ يقولوا إنَّ "الأرض" كانت موجودة بـ "القوَّة"، ولم تكن موجودة بـ "الفعل"، في ذلك "الجرم". ولكنْ، كل شيء في الكون كان موجوداً بـ "القوَّة" في "البيضة الكونية". حتى هُمْ أنفسهم كانوا موجودين بـ "القوَّة" في "البيضة الكونية"!

لقد "كفروا"، بحسب المعيار الذي يقولون به، إذ حاولوا أنْ يُظْهِروا "إيماناً دينياً"، فالله، بحسب روايتهم، خَلَقَ الكون، ولكنْ ليس من "العدم"، فـ "قَبْلَ" الخَلْق لم يَكُنْ "العدم"، فالذي كان، بحسب روايتهم، إنَّما هو "الجرم المتناهي في الصِغَر، أي الذي له حجم يكاد أنْ يَعْدِل الصفر في ضآلته. وهذا الجرم كان في منتهى العِظَم في كثافته ودرجة حرارته". إنَّنا نتحدَّاهم أنْ يقيموا الدليل على أنَّ جرماً بهذه الخواص هو "العدم ذاته".

ويقولون: "من هذا الجرم بدأ خَلْق الكون بالأمر الإلهي كُنْ". فلتمعنوا النظر في الحرف "من"، وفي الفعل "بدأ". في هذه "الرواية الدينية ـ الكوزمولوجية"، يسيرون في "طريق الدين" ليصلوا إلى غير ما يريدون، ففي "البدء" كان "الله"، وكان معه "الجرم"، أي "المادة"، وكأنَّ "أزلية" هذا "الجرم" من "الأزلية الإلهية". لقد عادوا بنا إلى "الثنائيَّة"، أي ثنائيَّة "الروح" و"المادة"!


تَذَكَّروا أنَّ أمر الخَلْق "كُنْ" لم يكن أمراً بـ "خَلْق الجرم"، وإنَّما بـ "فَتْقِهِ"، فـ "الجرم"، الذي هو "مادة"، شاءوا أم أبوا، كان، على ضآلة حجمه، موجوداً بـ "الفعل" قَبْلَ "بدء الخَلْق".

والآن، أيُّهما خُلِقَ قَبْلَ الآخر؟ هل الأرض خُلِقَت قَبْلَ السماء، أم السماء خُلِقَت قَبْلَ الأرض؟ أم أنَّهما خُلِقا معاً؟ إنَّهم يستصغِرون الأسئلة تلك، والأجوبة عنها، قائلين: "السائلون ينسون أنَّ الزمن من خَلْق الله، وأنَّ القَبْليَّة والبَعْدِيَّة من الاصطلاحات البشرية، التي لا مدلول لها عند الله، وبالنسبة إليه".

لقد نسي هؤلاء عبارة "مِمَّا تَعُدُّونَ" في الآيتين: "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، و"يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ".

ونحن، وبما يتَّفِق كل الاتِّفاق مع المعنى الحقيقي للآية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ"، نجيب عن تلك الأسئلة قائلين: "الخَلْق إنَّما هو فتق الرتق، أي فَصْلُ السماء عن الأرض وقد كانتا ملتصقتين. وبحسب هذا المعنى للخَلْق، يمكن القول بأنَّهما قد خُلِقتا معاً".

ويكفي أنْ يقيموا الدليل بأنفسهم على أنَّهم يجهلون معنى "العدم" حتى لا يبقى لديهم من حقٍّ في الحديث عن "الخَلْق". وقد جاءوا بهذا الدليل إذ قالوا: "ثَبُتَ علمياً أنَّ المادة والمادة المضادة قد خُلِقتا بمقدارين متساويين عقب الانفجار الكوني. وهذا إنَّما يؤكِّد حقيقة الخَلْق مِنَ العدم، وحقيقة أنَّ فناء المادة ممكن".

ما ثَبُتَ علمياً إنَّما هو أنَّ الفناء المتبادَل لـ "المادة" Matter و"المادة المضادة" Antimatter هو تحوُّلهما إلى "طاقة"، فـ "الطاقة"، أو "الفوتونات"، هي ما ينشأ، أو يَتَوَلَّد، عن الفناء المتبادَل لـ "الإلكترون" و"البوزيترون" مثلاً. وثَبُتَ، أيضاً، أنَّ من هذه "الطاقة" يمكن أنْ تنشأ "جسيمات مادية". فَمَنْ ذا الذي أقنعهم بأنَّ "الطاقة" Energy هي "العدم" Nothingness. لا أظنُّ أنَّ آينشتاين هو الذي أقنعهم بذلك!

لقد أثْبَت آينشتاين أنَّ "الكتلة" Mass تتحوَّل إلى "طاقة" Energy وأنَّ "الطاقة" تتحوَّل إلى "كتلة". أمَّا هُمْ فقالوا بتحوُّل "الكتلة إلى عدم" إذ قال بـ "تكافؤ الطاقة والعدم"! ولو كان لهم أنْ "يؤوِّلوا" معادلة آينشتاين الشهيرة لأوَّلوها بما يتَّفِق مع تأويلهم للآية، ولقالوا، بالتالي، بـ "تحوُّل الكتلة إلى عدم، والعدم إلى كتلة"!

ووقعوا في خطأ "ثنائية المادة والطاقة" إذ قالوا بتحوُّل المادة إلى طاقة، والطاقة إلى مادة، علماً أنَّ الثنائية الصحيحة هي "ثنائية الكتلة والطاقة"، فالكتلة (وليس المادة) هي التي تتحوَّل إلى طاقة، يمكن أنْ تتحوَّل إلى كتلة، فالكتلة والطاقة هما شكلان لوجود المادة.

ولو كانوا "طلاب تفسير" لفسَّروا الآية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ" بما يتَّفِق و"التصوُّر الكوزمولوجي" للناس عند نزولها، فالناس كانوا ينظرون إلى "الكون" على أنَّه "أرضٌ تعلوها سماء (مزيَّنة بما يشبه "المصابيح")". كانوا يرون "الأرض" من تحتهم و"السماء" من فوقهم. وكانوا يرون "السقف السماوي" مرفوعاً (عن الأرض) من غير أعمدة. وكان سؤالهم بالتالي: كيف رُفِعَ هذا السقف؟! وجاءهم "الجواب" من الآية على النحو الآتي: في البدء، كانت السماء (أو القبَّة الزرقاء) ملتصقة بالأرض، فقام "الخالِق" إذ بدأ الخَلْق بالفصل بين السماء والأرض، رافِعاً "السقف السماوي" بعيداً فَوْق الأرض. وفي هذا المعنى فحسب، كانت "السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا". وبفضل هذا "الفتق"، "توسَّط الهواء (والريح) بين السماء والأرض"، ونزل الماء (المطر) من السماء، وخرج النبات من الأرض.

إنَّهم يُفَصِّلون ويشرحون لنا "السماوات السَبْع" قائلين إنَّ "السماء الدنيا" هي وحدها التي يمكن أنْ تكون موضوعاً للمعرفة والعِلْم عند البشر، فـ "السماوات السِت" لا يَعْلَم أمرها إلا الله الذي لولا أنَّه قد أخْبَرَ عنها في القرآن، ولولا أنَّ خاتم أنبيائه ورُسُلِه قد جابها في ليلة الإسراء والمعراج، لَمَا عَلِمَ بها البشر، الذين لم يكتشفوا، حتى الآن، إلا جزءاً ضئيلاً من "السماء الدنيا"، التي تضم كل ما في الكون.

ويُفَسِّرون اقتران لفظ "الأرض" بلفظ "السماء" في آيات قرآنية عدَّة على أنَّه "تأكيد لمركزية الأرض في الكون، أو بالنسبة إلى السماوات"، معتبرين أنَّ "العلوم المكتسَبة لا تستطيع أنْ تقول في هذه المركزية شيئاً بالإثبات أو النفي"!

قد نتَّفِق معهم على "مركزية الأرض" في معنى ما، ولكن ليس في "المعنى الكوزمولوجي"، فـ "مركزية الأرض" قد نقول بها؛ لأنَّ هذا الكوكب موطن الإنسان وحضارته. ولكنَّ هذه "المركزية المجازيَّة" لا بدَّ لها من أنْ تنتهي عند اكتشاف حضارة فضائية أرقى من حضارتنا الأرضية. أمَّا "المركزية الكوزمولوجية للأرض"، وهي التي عنوها، فقد نفتها "العلوم المكتسَبَة" نفياً مطلقاً، فكل كوكب (أو نجم أو مجرَّة..) يحقُّ له أنْ يَنْظُرَ إلى نفسه على أنَّه "مركز الكون". إنَّ "البناء الكوني" هو من النمط الذي يُريكَ الفضاء بنجومه ومجرَّاته.. يُحيط بكَ من كل ناحية أينما كنتَ في الكون.

"فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ". الآية 12 من سورة "فصلت". "أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا". الآيتان 15 و16 من سورة "نوح". "وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا". الآية 12 من سورة "النبأ".

لقد قرَّروا، هنا، أنْ يتجشَّموا شرح "السماوات السَبْع" فتوصَّلوا، أوَّلاً، إلى أنَّ "السماوات السَبْع" هي سماوات سَبْع فحسب، أي أنَّ السماوات التي بناها الله فوقنا، لا تزيد، ولا تقل، عن سَبْع سماوات، لا نرى منها، ولا يمكننا أنْ نرى، سوى جزء ضئيل من "السماء الدنيا"، أي "السماء الأولى"، أو "السماء الأقرب إلينا".

ويُقرِّرون أنَّ "السماوات السَبْع" جميعاً قد خَرَجَت (بـ "قوَّة الخَلْق") من رحم "السماء الدخانيَّة الأولى". ومع أنَّهم مِثْلنا لا يُدْرِكون، ولا يستطيعوا أنْ يُدْرِكوا، سوى جزء ضئيل من "السماء الدنيا"، فقد قالوا مُكْتَشِفين إنَّ "السماء الدنيا (كلها) كروية".

ولَمَّا كانت السماوات السَبْع "متطابقة"، بحسب آيات قرآنية، استنتجوا، أو اكتشفوا، أنَّ كل سماء من "السماوات السِت المُتَبَقِّية"، والتي لا يَعْلَم بأمرها غير الله، لا بدَّ لها من أنْ تكون "كروية".

وبَعْدَما تأكَّد أنْ لا رادع يردعهم عن المضي قُدُماً في "اكتشافاتهم" و"قراراتهم الكونية"، قالوا بوجود "مركز واحد" تُحيطُ به "السماوات السَبْع"، التي هي "طبقة فوق طبقة"، أو "طبقة تُغلِّفها طبقة".

لقد تصوَّروا "الكون" على أنَّه "كرة ضخمة، لها مَرْكَز، هو الأرض". و"السماوات السَبْع"، بدءاً بـ "السماء الدنيا"، "تُغَلِّف" هذا "المَرْكَز"، فـ "السماء الدنيا (الأولى)" تُغَلِّف، مباشَرةً، الأرض، أي "مَرْكَز الكون". وهذه السماء تُغَلِّفها "السماء الثانية"، التي تُغَلِّفها "السماء الثالثة"، التي تُغَلِّفها "الرابعة"، التي تُغَلِّفها "الخامسة"، التي تُغَلِّفها "السادسة"، التي تُغَلِّفها "السابعة (والأخيرة)"، التي..

إنَّهم يؤمِنون بـ "انحناء الفضاء (أو السماوات السَبْع)". ويؤمِنون بأنَّ "الكتلة (والطاقة)" هي "سبب" هذا "الانحناء". ويؤمِنون بأنَّه كلَّما زادت "الكتلة" وتركَّزت اشتد وقوي "انحناء الفضاء (أو المكان، أو السماوات السَبْع)".

ولكنَّه يؤمِنون، على ما نفترض، أو يجب أنْ يكونوا مؤمنين، بأنْ ليس في "الأرض"، أي "مَرْكَز الكون" على ما يزعمون ويتوهَّمون، من "الكتلة" ما يكفي لجعلها سبب انحناء (أو كروية) تلك "السماوات السَبْع".

وهُم، على ما نَعْلَم، من المؤمنين بـ "نظرية الانفجار الكبير" Big Bang. وهذه النظرية، لا تقول بوجود "مَرْكزٍ للكون"، فـ "الكون"، بحسبها، إنَّما يقع كله، أي بفضائه وبكل ما فيه من نجوم ومجرَّات وغير ذلك من المادة، على "سطح البالون الكوني الضخم"، فكل "نقطة كونية" على هذا "السطح" يمكن النظر إليها على أنَّها "مَرْكَز الكون"، أي "مَرْكَزَهُ النسبي".

إنَّهم يستشهدون بحديث نبوي جاء فيه: "ما السماوات السَبْع وما فيهن وما بينهن‏,‏ والأرضون السَبْع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة".

لقد عَرَفْنا "السماوات السَبْع" إذ شرحوها لنا. ولكنْ لماذا لم يُكلِّفوا أنفسهم أنْ يشرحوا لنا "ما بينهن"، أي ما بين كل سماء وسماء من هذه "السماوات السَبْع"؟!

عَرَفْنا أنَّ السماء "طبقات سَبْع"،، وأنَّ "الأولى"، أي "السماء الدنيا"، تُغَلِّف "الأرض"، و"الثانية" تُغَلِّف "الأولى"، و"الثالثة" تُغَلِّف "الثانية"، .. إلخ. والآن، يُخْبِرنا الحديث النبوي بـ "وجود شيء ما" ما بين "الأولى" و"الثانية"، وما بين "الثانية" و"الثالثة"، .. إلخ. فَلِمَ لَمْ يشرحوا لنا هذه "الفجوة" ما بين سماء وسماء؟!

وعن "السعة النسبية" لـ "السماوات السبع وما فيهن وما بينهن‏,‏ والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن"، يُخْبِرنا "الحديث" أنَّها، بالمقارنة مع "سعة العرش"، تعدل "حلقة ملقاة بأرض فلاة"، أي أنَّ "سعة الكون" لا تُذْكَر إذا ما قورِنت بـ "سعة العرش الإلهي".

إنَّهم "يُقرِّرون" أنَّ "كل ما في السماء الدنيا يقع في داخل باقي السماوات"، مستنِدين إلى الآية "أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا".

وسؤالنا لهم هو الآتي: كيف للقمر أنْ يكون "نوراً، وللشمس أنْ تكون "سراحاً وهَّاجاً"، في "السماء السادسة (أو السابعة)" مثلاً؟!

هذا القمر ليس بـ "نور" بالنسبة إلى "سكَّان كوكب يقع في نهاية مجرَّتنا، أي مجرَّة "درب التبانة"، التي هي "نقطة" في "بحر الجزء الذي نُدْرِك من السماء الدنيا"!

"أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ". الآية 6 من سورة "ق". أُنْظروا كيف فهموا وفسَّروا هذه الآية. لفظ "السماء" الوارد في الآية فهموه على أنَّه يعني "السماء الدنيا" فحسب، وليس "السماوات السَبْع" جميعاً. أمَّا السبب الذي حملهم على ذلك فيكمن في عبارة "أفلم ينظروا"، فهم يرون أنَّ الله قال: "أَفَلَمْ يَنْظُرُوا"؛ لأنَّ "السماء الدنيا هي السماء الوحيدة التي في مقدور الإنسان أنْ يَنْظُرَ إليها"!

"أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا". الآيتان 15 و16 من سورة "نوح". فإذا كان ما يرونه النجار صحيحاً، فما قولهم في العبارة "أَلَمْ تَرَوْا"؟! ما قولهم وهي تجيء قَبْلَ عبارة "سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا"؟! هل عبارة "أَلَمْ تَرَوْا" تختلف في معناها عن عبارة "أَفَلَمْ يَنْظُرُوا"؟!

لقد جاء في "تفسير الجلالين": "أَلَمْ تَرَوْا"، أي أَلَمْ تَنْظُرُوا "كَيْفَ خَلَقَ اللَّه سَبْع سماوات طِبَاقًا" بَعْضهَا فَوْق بَعْض. والدليل على أنَّ الآية تُشير إلى "سماوات سَبْع" في مقدور الإنسان أنْ يَنْظُرَ إليها هو أنَّ ابن كثير شرح الآية على النحو الآتي: "إنَّ الْكَوَاكِب السَّبْعَة السَّيَّارَة يَكْسِف بَعْضهَا بَعْضًا، فَأَدْنَاهَا الْقَمَر فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَهُوَ يَكْسِف مَا فَوْقه، وَعُطَارِد فِي الثَّانِيَة، وَالزُّهْرَة فِي الثَّالِثَة، وَالشَّمْس فِي الرَّابِعَة، وَالْمِرِّيخ فِي الْخَامِسَة، وَالْمُشْتَرَى فِي السَّادِسَة، وَزُحَل فِي السَّابِعَة. وَأَمَّا بَقِيَّة الْكَوَاكِب، وَهِيَ الثَّوَابِت، فَفِي فَلَك ثَامِن يُسَمُّونَهُ فَلَك الثَّوَابِت".

لقد وقع في خطأ "ثنائية الأرض والسماء"، فقد قالوا: السماء لغة هي كل ما علاك فأظلك، ومضموناً هي كل ما في حول الأرض من أجرام..

نقول بخطأ هذه الثنائية لأنْ ليس لـ "ظروف المكان" مثل "فوق" و"تحت"، "يمين" و"يسار"، من معانٍ مطلقة في الكون، فالذي يقف على سطح كوكب المريخ، مثلاً، يمكنه أنْ يقول بـ "ثنائية المريخ والسماء" وأنْ يعرِّف "السماء" على أنَّها كل ما يحيط بالمريخ من أجرام..

كوزمولوجياً، لا فَرْق بين قولك "السماء والأرض وما بينهما" وقولك "السماء والمريخ (أو أي كوكب آخر) وما بينهما"، فالقبَّة السماوية هي ذاتها (تقريباً) في كلا الكوكبين.

و"السماء"، في مفهومها الشامل (الكوزمولوجي) ليست "القبَّة الزرقاء"، التي تحيط بيابسة الأرض و بحارها، فهذه القبَّة، بلونها، الأزرق، هي جزء من "الغلاف الجوي" لكوكب الأرض.

"السماء"، في معناها الكوزمولوجي، هي هذا "الفضاء المظلم البارد اللانهائي في حجمه واتساعه ومداه"، والذي تنتشر فيه المجرَّات والنجوم والكواكب والأقمار، وغيرها مِنَ الأشياء المختلفة الحجم والكتلة والكثافة والسرعة والشكل والخواص الفيزيائية.

نقول "تنتشر فيه" انتشاراً في المعنى الذي أوضحته نظرية "النسبية العامة" لآينشتاين، وليس وفق التصُّور "الميكانيكي" لنيوتن، فالفضاء ليس بالوعاء، الذي تُوْضَع فيه المجرَّات والنجوم.. وَضْعاً.

"الفضاء" و"الجسم (المجرَّة، النجم، الكوكب..)" هما كل واحد لا يتجزأ، فلا "فضاء" من دون "جسم"، ولا "جسم" من دون "فضاء".

هذا "الفضاء المطلق" هو الشيء الذي له "داخل" وليس له "خارج"، فأنتَ أنَّى ذهبتَ وسافرتَ وانتقلتَ فيه ستظل في داخله، في "مركزه"، لن تبلغ، أبداً، حافته؛ لأنْ ليس له حافة حتى تبلغها، ولن تَجِدَ نفسك في خارجه؛ لأنْ ليس له خارج.

هل تستطيع، مثلاً، أنْ تُحدِّد، تحديداً "مطلقاً"، أين تقع الشمس، مثلاً، في الفضاء أو السماء؟ كلا لا تستطيع، فأنتَ إذا كنتَ فوق سطح الأرض ستقول إنَّ الشمس تقع "فوق" الأرض.. تقع "بين" الأرض والسماء. ستقول إنَّها تقع قريباً من كوكب عطارد، وبعيداً عن كوكب نبتون.

وإذا كنتَ واقفاً على سطح المريخ ستقول إنَّ الشمس تقع فوقه.. فالجسم في الفضاء إنَّما يتحدَّد، موقعاً ومكاناً، نسبة إلى أجسام أخرى، قريبة منه أو بعيدة عنه.

أمَّا "السموات السبع" فينبغي لهم فهمها، إذا ما أرادوا المصالحة مع الحقائق الكونية، كما فهمها بعض "المفسِّرين"، فهي ليست سبعاً، وإنَّما كثرة ووفرة من السماوات، فللأرض سماؤها، وللشمس سماؤها، ولمجرَّة "درب التبانة" سماؤها، ولمجرَّة "أندروميدا" سماؤها، ولهذا "النجم النيوتروني" سماؤه، ولكل تكوين مادي في الفضاء سماؤه..

نقول بذلك تحاشياً للمشكلة الكوزمولوجية التي وقعوا فيها إذ قالوا إنَّ جميع ما في "السماء الدنيا" يقع في داخل باقي السماوات، فالقول الأصح هو إنَّ السماوات كُثْر، وإنَّ للأرض ولكل كوكب ولكل نجم.. "سماء دنيا" تزيِّنها مصابيح من النجوم. والشيء ذاته يمكن أنْ يقال في "الأرضين السبع"، أي أنَّ للأرض طبقات جيولوجية عديدة.


جواد البشيتي

لقد حاروا في "المعنى القرآني" لـ "الخَلْق".. فاسمحوا لي أن أبسطه لهم حتى لا تظل الحروف بلا نقاط، والنقاط بلا حروف.

الخَلْق الإلهي (الديني، القرآني على وجه الخصوص) لـ "الكون (كما صُوِّرَ قرآنياً)" إنَّما هو، في مبتدأه وأساسه، على الأقل، "الخَلْقُ بالفَتْق".

هذا الخَلْق، الذي استغرق ستَّة أيَّام، أوْضَحَتْهُ الآية "أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ".

"الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ..".

"الخَلْق"، في معناه القرآني، ليس فيه من إشارة إلى "الخَلْق من العدم"، فَقَبْل خَلْق السماوات والأرض وما بينهما في ستَّة أيام كان الله.. وكان، أيضا، ذاك "الشيء"، أي السماوات والأرض وهما في حال "الرتق".. وكان "الماء"، الذي عليه كان عرش الله.. "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ..".

وفي توضيح معنى "الرتق" نقول إنَّ "الرتق" مشروط بـ "الفَتْق"، فأنتَ "تَرْتِقُ الفَتْق"، أي تقوم بسدِّه ولأمه. و"رَتْق الثوب" إنَّما هو "إصلاح فَتْقِه"، فـ "المرتوق" من الأشياء هو المسدود والملتئم.

"قَبْل" الخَلْق (الذي استغرق ستَّة أيام) كانت السماوات والأرض كمثل "ثوب مرتوق"؛ و"الثوب المرتوق" هو "الثوب الذي أُصْلِح فتقه". و"الفتق" هو حال مخصوصة من "الشقِّ"، فكل فَتْق شق؛ ولكن ليس كل شق فَتْق. الله "بدأ" الخَلْق بـ "الفَتْق"، الذي هو حال مخصوصة من "الشقِّ"، فالأرض والسماوات كانتا "ملتصقتين"، أو "ملتزقتين"؛ فكلتاهما كانت "موجودة"؛ ولكن "ملتصقة"، أو "ملتزقة"، بالأخرى.

الله أمر بـ "فتقهما"؛ ثمَّ شرع يَخْلِق "في" الأرض (التي كانت موجودة) كخلقه الرواسي (الجبال) فيها. وشرع، في الوقت ذاته، أي في أيام الخلق الستَّة، يَخْلِق في "الطرف الآخر"، وهو السماوات التي كانت ملتصقة بالأرض ففصلها عنها، "فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ..".

"والكون"، في صورته القرآنية، كان "قَبْل" الخَلْق يتألَّف من شيئين: "الأرض" و"السماوات". وقد كانا "ملتصقين". ثمَّ أصبح، في الخَلْق، وبالخَلْق، أو بعد، وبفضل، "الفَتْق"، يتألَّف من "الأرض (المنفصلة) و"السماوات (المنفصلة) ومن أشياء أخرى تَقَع بينهما.

هل من معتَرِضٍ على أنَّ الخَلْق الإلهي (القرآني) والذي استغرق ستَّة أيام قد "بدأ" بـ "الفَتْق"؟ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين في اعتراضكم!


جواد البشيتي

في حُجَّة من أقوى حُجَجِهِم يقولون: "الموجود لا يَصْدُر عن نفسه ولا عن معدوم".
إنَّ "س" لا تَصْدُر (أي لا تنشأ) عن "س"، ولا تَصْدُر عن "العدم".
لا خلاف معهم في الأمر الثاني.. في أمْر أنَّ "س" لا تَصْدُر عن "العدم"، فهذا مُعْتَقَدٌ من معتقداتي.
أمَّا في الأمْر الأوَّل.. أمْر أنَّ "س" لا تَصْدر عن "س"، فلا بدَّ من الخلاف. إنَّهم يؤمنون بـ "الخالِص" من الأشياء، فـ "س" هي "س"، وليس ممكنا أن تكون، في الوقت نفسه، غير "س". "الشمس" هي "الشمس" وليس ممكنا أن تكون شيئاً آخر. وكذلك "الحياة"، و"النور"، و"الحركة"، و"الحب"،.. إلخ.
لو كانت "س" شيئاً "خالصا" لقُلْنا معهم بأنَّ "س" لا يمكن أن تَصْدُر عن نفسها؛ ولكن "س" لا وجود لها إذا لَمْ تكن منطوية على نقيضها، الذي ينمو بنموِّها، نموَّ جنين في رَحْمها، فإذا استنفدت قدرتها على النمو خَرَج نقيضها هذا، وهو "ص" مثلا، من رَحْمِها.
من أين أتت "الشمس" إذا لم تأتِ من رَحْم سحابة هيدروجينية كونية "باردة"، "مُظْلِمة"؟!
لو لم تكن "الشمس" كامنةً في تلك "السحابة" لَمَا وُجِدَت "السحابة" ذاتها، ولَمَا وُجِدَت "الشمس" أيضا. قُلْ أُنْظروا إلى "الشمس" كيف خُلِقَت. أُنْظروا إلى تلك "السحابة" وهي تنكمش، وتزداد انكماشا، بفضل جاذبيتها، فتتهيأ في مركزها أسباب وعوامل اندماج نوى الهيدروجين، فإذا اندمجت وُلِدَت الحرارة ومعها الضوء، أي وُلِدَت الشمس. لقد صَدَرَت "الشمس" عن "السحابة التي كانت تنطوي على نقيضها"، أي على "جنين الشمس". وانْظروا إلى ما سوف يَصْدُر عن "الشمس" عند موتها.
أمَّا "المادة" Matter فليست بـ "الشيء المخصوص" حتى نفهم وجودها كما نفهم وجود "الشمس" وسائر الأشياء المخصوصة.
"الشمس" لَمْ تَصْدُر عن "العدم"، ولَمْ تخلق نفسها بنفسها. فـ "الشمس" إنَّما هي ما خلقه "صراع الأضداد" في داخِل تلك "السحابة الهيدروجينية الكونية"، التي في تفاعلٍ مع بيئتها. على هذا النحو فحسب نفهم ونفسِّر نشوء "الشمس"، فَلِمَ "العجب" بعدما كشف لكم العِلْم "السبب"؟!

معاذ أبو الهيجاء

شو يا استاذ جواد قريحتك منفتحه على النقاش و صاير تتحدى و تطلب البراهين أوف هاي الأمور متطوره عندك .

جواد البشيتي
أستاذ معاذ
في النقاش ليس عندي "بقرات مقدَّسة".. حتى أنتَ، على ما تعنيه كلمة "أنتَ" فكراً وثقافةً ووعياً، ليس لديَّ من اعتراض على مناقشتكَ؛ ولكنَّني لن أدْخُلَ معكَ في أيِّ نقاش قبل أن توضِّح لي قولكَ الآتي: "حتى قولك فوق هو ليس لك". أريد، أوَّلاً وقبل كل شيء، أن تقول لي، وللجميع، قَوْلُ مَنْ هذا إذا لَمْ يَكُنْ قولي.

جواد البشيتي

لو أنَّ القائلين بوجود، وبوجوب وجود، "العلَّة الميتافيزيقية" فهموا "المادة" Matter على حقيقتها، ورأوها كما تُريهم ذاتها، لانتفت لديهم الحاجة إلى "الميتافيزيقيا"، تعليلاً وتفسيراً.

إنَّهم يفهمون "المادة" فهما ميكانيكياً. يفهمونها على أنَّها "الموت"، وتحتاج، بالتالي، إلى من يَجْعَل موتها حياة. يفهمونها على أنَّها كمثل حَجَرٍ يَعْجَز عن الانتقال من مكانه من تلقاء نفسه.

"المادة" التي يقولون بها، ويعترفون بوجودها، وبحقها في الوجود، إنَّما هي كل شيء "عديم الخواص والقوى"، فـ "الماء الذي يَنْزِل من السماء"، مثلا، إنَّما هو ظاهرة ليست في جوهرها فيزيائية وإنَّما ميتافيزيقية. هذا "الماء الميتافيزيقي" لَمْ يُفسَّر على أنَّه جزء من المياه السطحية (مياه البحار والأنهار..) وقد بخَّرته حرارة الشمس، فَصَعَد إلى السماء. وهذا الماء، وبعدما صَعَد وتجمَّع في "بحيرات سماوية (كناية عن الغيوم)"، لا يملك من القوى الذاتية (الفيزيائية) ما يُحَوِّله إلى مطر.

أُنْظروا الآن إلى "العلة الفيزيائية" وهي تُغْتال بـ "العلة الميتافيزيقية". إذا أقرُّوا بأنَّ حرارة الشمس هي التي بخَّرت جزءا من ماء البحر فإنَّهم لن يُقِرُّوا بذلك إلا بعد أن يقولوا الآتي: لقد "أُوْحيَ" إلى "الحرارة الشمسية" أنْ تُبَخِّر هذا الجزء من ماء البحر فبَخَّرته، فـ "الحرارة الشمسية" لا يُمْكِنها من تلقاء نفسها أن تكون سببا لهذا التبخُّر. وأُوْحيَ إلى هذا الجزء من ماء البحر أن يتأثَّر (بالحرارة الشمسية) وأن يتبخَّر، بالتالي، فتبخَّر. وأُوْحي إليه أن يصعد إلى السماء فصَعَد. وأُوْحي إليه أن يتجمَّع على هيئة سُحِب، فتجمَّع. وأُوْحي إلى هذه السُحُب أن تُمْطِر، فأمطرت!

لقد عَطِشْتُ فشربتُ ماءً، فزال شعوري بالعطش. هذا "التفسير" يحتاج، عندهم، إلى "تعميق ميتافيزيقي". وعليه يقولون الماء في حدِّ ذاته ليس بسبب لزوال شعوري بالعطش، فثمَّة من أوْحي إلى هذا الماء الذي شَرِبْت أن يُزيل شعوري بالعطش، فأزال.. وأوْحى إليَّ أنا العطشان أن أتأثر بهذا الماء على هذا النحو، فتأثَّرت، وزال، بالتالي، شعوري بالعطش.

"السبب"، عندهم، لا يصنع في حدِّ ذاته "النتيجة" التي يصنع. إنَّه يصنعها؛ لكونه منطوٍ على "المُسَبِّب الميتافيزيقي"!

"النار" في حدِّ ذاتها لا تَحْرِق إصبعك؛ والدليل، عندهم، على ذلك هو أنَّها يمكن أن تَنْزِل على إصبعكَ بردا وسلاما إذا ما أُوْحي إليها أن تكون كذلك، أي أن تكون في خاصية مضادة لخاصية "الحرق".

بفضل هذا القصور الذهني عندهم، والذي لا أريد الآن الخوض في شرح أسبابه، يستطيعون تصوُّر "المادة" على أنَّها "هيولى"، فـ "الشمس"، مثلا، وفي حدِّ ذاتها، هي "جسم"، أو "شيء"، "عديم الخواص والقوى"، لا يدور حَوْل نفسه، ولا حَوْل مركز مجرَّتنا؛ لا يُنْتِج حرارة أو ضوء؛ لا وجود للجاذبية فيه؛ لا تندمج نوى ذرَّات الهيدروجين في باطنه؛ لا يَحْفِر عميقا في نسيج الفضاء. لماذا؟ لأنَّه، في تصوُّرهم، عاجِزٌ ذاتياً عجزا مُطْلقاً. وفي هذا الصدد يقول منذر: "الإنسان يشاهد تغير الأشياء الموجودة، فتنعدم أشياء، ويحدث غيرها، كما أنه يرى النظام البديع في العالم، والدقة المتناهية في سير بعض المخلوقات وترتيب حركاتها وضبط مواعيدها، فيدرك أن هذا الإبداع وذلك النظام وذاك التغيير لا يمكن أن يحدث من نفس تلك الأشياء، لأنها عاجزة عن إيجاده، كما أنها عاجزة عن دفعه. كل ذلك يدعو إلى الإيمان بوجود خالق لهذه الموجودات، قائم بتدبيرها، منظم لها".

إذا لَمْ يُوْحَ إلى الشمس "العاجزة عن فعل أي شيء" أن تُنْتِج الحرارة والضوء، وأن تنشرهما في الفضاء، فلن يَحْدُث شيء من هذا؛ أمَّا إذا أُوْحي إليها أن تفعل هذا فإنَّها لا تملك إلا أن تفعل. لقد البسوا الطبيعة قصورهم الذهني، فغدت على هذا القصور الذاتي الذي يزعمون.

"الفساد" إنَّما يكمن في "الفكرة"، فَهُم يفهمون "المادة" من خلال "فكرة فاسدة". وسأشرح ذلك في المثال الآتي: لقد جئت بكمية من الماء، ووضعتها في إناء، ووضعتُ الإناء فوق نار. قُمْتُ بذلك وأنا مؤمِنٌ بأنَّ هذا الماء لن يسخن، ولن يغلي، ولن يتبخَّر، فثمَّة من نفث في روعي هذه الفكرة. ولكن حَدَث ما يناقض هذه الفكرة التي أقول بها، فالماء سخن، وغلي، ثمَّ تبخَّر، فكيف أُفسِّر ذلك؟ ليس من تفسير يوافِق تلك الفكرة سوى "التفسير الميتافيزيقي"، فثمَّة من أوْحى إلى الماء أن يتأثرَّ ويتغيَّر على ذاك النحو.

"المادة" ليست هكذا.. إنَّها وخواصها وقواها وقوانينها كلٌّ غير قابل للاجتزاء، فهل لكم أن تجيئوني بتفَّاحة انْتُزِعت منها كل خواصها؟!

في الطبيعة من القوى والقوانين ما يجعلها في "مشهدين": "مشهد النظام" و"مشهد الفوضى". إذا رأيتم "النظام" فلا تُفسِّروه على أنَّه نتيجة عمل قوى ميتافيزيقية. وإذا رأيتموه فلا تضربوا صفحا عن النصف الآخر من الحقيقة الكونية.. "الفوضى"، ففي الطبيعة يجتمع "النظام" و"الفوضى"، فهلاَّ أدركَ منذر لماذا تحدَّيته أن يجيب عن سؤال "ما هي المادة؟"، وهل عرفتم سرَّ فراره حتى الآن؟!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية -البعرة والبعير.. الأثر والمسير-!
- -خريطة- عباس
- -الاتِّفاق- الذي ينهي -النزاعين- معاً!
- شهر رمضان.. لَمْ يُنْزَل فيه الغلاء وإنَّما القرآن!
- -مؤتمر الخريف-.. بعد شهرين أم بعد زلزال؟!
- -بلاك ووتر- هي هوية الولايات المتحدة!
- خبر علمي يُقَوِّض مزاعم الملاحدة!
- ساعة ضرب إيران.. هل أزِفَت؟
- بوش يَتْرُك -الراية البيضاء- لخليفته!
- -الديمقراطية- ليست مِنَ -الكُفْر-!
- 6 سنوات على -عالَم بوش بن لادن-!
- ليَنْطِقوا حتى نَخْرُج عن صمتنا!
- -حماس- تمخَّضت فولدت -فاشية سوداء-!
- الحاكم العربي في حقيقته العارية!
- -الغيبية- و-الغيبيون-!
- في الطريق إلى -اللقاء الدولي-!
- بوش يوشك أن يفتح -صندوق باندورا-!
- مناقشة ل -الرأي الآخر- في مقالة -التسيير والتخيير في فتوى شي ...
- العراق بين -التقسيم- و-التقاسم الإقليمي-!
- -التسيير والتخيير- في فتوى شيخين!


المزيد.....




- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...
- ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
- بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و- ...
- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - بعض من الجدل الذي أثارته مقالة -نظرية البعرة والبعير.. الأثر والمسير!-