أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليم - سفينة جواد















المزيد.....

سفينة جواد


حسين سليم
(Hussain Saleem)


الحوار المتمدن-العدد: 2046 - 2007 / 9 / 22 - 05:00
المحور: الادب والفن
    


استقم ! اخر ما قاله له ، حين تسربت اخبار ، من خلف الاسوار المحكمة البنيان . حدث جسيم ، لا يعرف كنهه ، لكنه لا يسر ، بل انه خطير . تضاربت اقوال الناس حوله ، وتبادلت الالسن شتى الاحتمالات ، اقواها حرب او فيضان . قال البعض : لقد مرّرنا بحروب عديدة ، ولا زلنا نتحمل اوزارها ، لكن هذه المرة ، ستكون حرب داخلية.واجاب البعض الاخر : انه طوفان اشد عما سبقه . ورجح اخرون: انه وباء ان لم يكن جفافا .وتشاور القوم حول الذهاب الى الرجل (العارف) لتبيان الامر. واتى الجواب من بعض العقلاء ، لانذهب الى العارف ، فهو قد ركب الفلك كالاخرين .
اخيرا افترقا ، كل في طريقه ، له ارادته ، وللاخر حريته. قال احدهم للاخر : اعتقني /كما تشاء /الم تتعب مني ؟/ كل يوم احلى من ليلة عرس شرقية/كان يختلفان فيما مضى من الزمان ، لكن جفوتهما لاتدم طويلا. فهو خلاف احبة كما يقال . لكنه صمم هذه المرة ، ان يتركه وبلا رجعة . اذ قال : لن اعود اليك حتى تستقم. ولايدري الاخر ما تعني الاستقامة عنده .اخيرا افترقا من تحت ( نصب الحرية) كانت دمعاته تقطر دما وهو يحدق الى لوحة جواد . تدحرج امامه وهو يردد " اين انت ياجواد لتزيل عن لوحتك الضباب " تبعه ينادي عليه ، لكنه لا يجيب . قال المارة : " سبحان الله ، في خلقه شؤون ، يمشي بلا رأس ". ضحك هو من خلف المارة ، وقال : " دبر لك رأسا " هو خلعه ، تركه ، يتهمه بالمصائب ، والاخر يتهمه بالعند . في ذات الوقت ، ظهرت اربع سفن ، رست على ضفة ( دجلة) ، واحدة بجنب الاخرى ، امام اللوحة ، وكانت هناك خامسة ، سفينة خضراء جديدة . انتشر الخبر في البلاد ، جسد الاحمر بلا راس ، وراس الاحمر بلا جسد ، في زمن كانت الرؤوس، تنزع وتلبس كالاثواب ، في زمن يباع ويشترى كل شيء. قيل ان ( الاحمر) وهذا اسمه الاخر ، ينحدر نسبه الى (زيوسدرا) السومري ، ومنهم من ارجع اصله الى ( اتراخاسيس ) البابلي او ( اوتنا بشتم) ، والبعض ارجع قرابته الى ( نوح) ، كونه ينتسب الى سلالة الرسول . وقيل انه ينتسب الى احد احفاد الازواج الناجين ، من كل المصائب التي مرت بنا ، امراض واوبئة ، جفاف ومجاعة ، حروب وفيضانات . وفي رواية اخرى ، انه عجن من طين متبقي من اخر فيضان ، مرّ على البلاد مع دم القرابين المنحورة للالهة .
مرت السنون ، رأس وجسد ، لا انفصام بينهما . كانا معا في السراء والضراء. دخلا السجن معا ، كواحد، وغابا معا كواحد . لقد غاب العارف سنوات كثيرة ، وبعد عودته ، لاحظ الناس ، انه تغير ، وصار يبرر كثيرا. كما انه راى الناس يمشون على رؤوسهم وقد انفصلت عنهم ظلالهم ، كما انفصلت ارواحهم عن اجسادهم ، الا القلة الصامته ، فتحول معهم وصار يمشي بالمقلوب ، وصار ظله في شمال البلاد، ولذا اصر الرأس على الانفصال .حينها اختلفا في رؤية الامور . كانت الالوان شاحبة كلها ، وبدا الشحوب يسري كطحالب ممتدة ، بالوان مختلفة . كل واحد في طريقه ، هكذا اذن تتوازن الامور . كان الرأس يمشي في ( باب المعظم ) مع ثلة من الرؤوس المقطوعة، سالكا شارع (الرشيد) ، وكان الجسد يمشي بمحاذاة سيره على الرصيف ، من الجانب الاخر . كان يزهو بالناس المحيطين به ، ويشير اليه ، بعينيه ، كمن يذكره بعهدهما الذي انقطع . وكان يردد مع العامة : اغثنا يارب ، الليل ليس لنا ، ولا النهار ، اغثنا . بدأت المياه بالتدفق من كل الجوانب ، وتحولت الى حمراء من دماء الاجساد المتناثرة. واستمرت العواصف والامطار ، ليس كما قيل سبعة ايام وسبع ليالي ، بل تواصلات ، وما استطاع احد تدوين مدتها لليوم . عام كل شيء ، الاشجار ، السيارات ، الناس ، وغطت المياه المباني والبيوت . تدحرج رأس العارف حتى وصل ( ساحة التحرير) ، اتخذ مكانا له في (نصب الحرية) ، وكان يتحرك خلف الكتل التي ومضت كلما اشتدت الدماء ، فيما كان الجسد يحث الخطى الى السفينة الخضراء ، واخذ معه المقربين . وقال له : اذهب انت واركب السفينة ، انج بنفسك /الا تاتي معي ، ماذا ستفعل ؟ / لا .. لن اذهب معك ، انا باق هنا / وردد مع نفسه " رد يا احمر ، دمعات على الخدين ، صارن دم احمر ، رد يمعود يا احمر" وصارت له ايد وارجل ، واخذت جموع كثيرة من الرؤوس تطفو، محاولة التشبث باي شيء ، كان قد دعاها في تطوافه في المدينة بالتوجه الى ( ساحة التحرير) ، فكانت يده تمتد لانقاذ الاخرين ، وكان يسحب الواحد ثم الاخر ، ويرميه داخل اللوحة ، فيما تناسلت الكتل في اللوحة ، عشرات المرات ، وكان الجندي مع امثاله الذي فتح القضبان ، تحرك واسرع بتوسيع الباب لدخولهم ، كما هاج الثور كما اشباهه ، مزمجرا كحارس امين ، وهمت المرأة كأخرياتها ، نحت ابنها جانبا ، لنجدة الناس الهاربين من الارض / اتذكر يوم كنا في السجن ، كم حدثتني عنها ، وكم كنت تخشى عليها من الصواريخ الساقطة في الحروب المتعددة، الفرق ياصاحبي بيننا ، انك تغيرت بعد عودتنا ، وقد جالست الغرباء ، ، اتذكر حينما كنا في السجن ، كيف قاتلت عن الا تصيبنا لوثة من غرر بهم بالتطوع للحرب ، كنت صامتا نسمعك، لم تكن غائبا ، بل حاضرا بيننا . واخر مما قال له : استقم يا هذا! مكانك ليس هذا ، كما ليس ذاك ، بل رايته ، في كل طاسة عامل بناء ، صارت دم احمر بالنهضة يا احمر!. كان ارتفاع السفن كارتفاع اللوحة ، التي شكلت بارتفاعها سفينة اخرى . هرع الناس يتزاحمون بتدفق الى لوحة جواد . غطت المياه الدموية المدينة ، واجتازت المدن الاخرى والقصبات ، الواحدة تلو الاخرى . كانت اللوحة قد تحولت الى بئر عميقة ، بابها في الوسط ، وقد ابتلعت الناس . وكان يهتف في لجة الحدث ، والعرق ينز منه ، وقد صبغت الشمس شعره بالاحمرار : خالد من توازن راسه والجسد ، فليدخل . خالد ، من لاصق ظله ، فليدخل . كانت الارواح تدخل خفافا الى لوحة جواد ، اشلاء لاجساد مختلفة الاحجام ، روؤس متنوعة ، عيون مختلفة الالوان ، ارجل ، سيقان ، همت بعض الاجزاء منها بتكوين جسد لراس العارف ، لتزيده قوة ، صارخا : امن من لازم ظله ، وسعيد من مات على ارضه ، وخالد من لازم دمه ، طاسة خبزه في ( النهضة) ، وخالد ، خالد من حمل رأسه على يده ، في اللجة . وكان جواد يمسح بمنديله ، المرطب بالدمع ، راس العارف المعرق . وبينما مخرت السفن الخمس ، وفي احداها جسد العارف ، انقشعت الغيوم عن الشمس التي بدات تسطع من جديد ، ذهبت الحمامة وعادت حزينة ، بعدها ، ذهب السنونو وعاد واجما ، ثم ذهب الغراب ولم يعد ، حينها خرج الناس تباعا ، من سفينة جواد ورؤوسهم على اجسادهم , يمشون على ارجلهم ، وقد عادت اليهم ظلالهم ، وكان رأس العارف يحوم حول اللوحة ، بينما ظل جواد يمسح الغبار المتراكم وهو يلوح لهم بمنديله.



#حسين_سليم (هاشتاغ)       Hussain_Saleem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قليل الكلام : قنينة غاز ومجتمع مدني !
- قليل الكلام ... آ وليس هوحزبنا الجديد ؟!
- قصة قصيرة / في حضرة حمورابي
- قصة قصيرة جدا
- ! ملعون ذاك الذي يطرب سجانه
- يعيش الحزب ... يموت الشعب
- قصص قصيرة جدا
- انفلاونزا الطائفية
- إلى من يهمه الأمر " موت معلن " بلا وقائع


المزيد.....




- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- المؤسس عثمان الموسم الخامس الحلقة 159 على ATV التركية بعد 24 ...
- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليم - سفينة جواد