أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود كرم - تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية ( 1 )















المزيد.....

تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية ( 1 )


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 2022 - 2007 / 8 / 29 - 11:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعامين قبل بداية عقد التسعينات من القرن المنصرم ، بدأت بذور التمرد على الأيديولوجيات الدينية تنمو في عقلي وتأخذ طريقها ظهوراً في الحيز الواقعي من حياتي الثقافية والعملية ، وأعترف أني في تلك المرحلة وما قبلها كنتُ أجد في الأيديولوجيات الدينية الإطار الأمثل لحياتنا والأنموذج الذي يجب أن يحكم كافة مناحي الحياة ، ولتوضيح الصورة لابد من تعريف الأيديولوجيات الدينية التي كانت تتحكم فينا وتسبغ علينا هالاتها الأسطورية وقداساتها المطلقة ويقينياتها الغيبية ، فحسب وعينا الذي تشكّل عنها وحسب ثقافتنا التي تشرّبت بها كانت الأيديولوجيات الدينية تعني أنساقاً معينة ومحددة من الأفكار والتصورات والمعرفيات والثقافات تتشكل في منظومة عقائدية وثقافية ومسلكية صارمة ، وتتشكل أيضاً في هويةٍ تمتد بجذورها في الثابت من موروثاتها الدينية ، وتمثلها بصورة اطلاقية ويقينية سلطة دينية ناطقة باتجاهاتها الثقافية والمسلكية وحتى الشعورية ، ولكي تعزز هذه السلطة من هيمنتها الكاملة علينا لابد أن تجتهد في ممارسة أنواع من الفرض الفكري والسلوكي والنفسي أيضاً ، ويجب أن يأتي متطابقاً بطبيعة الحال مع طبيعتها الشمولية والأحادية والقدسية ، وبما أن السلطة الدينية المؤدلجة عادةً ما تكون مفعمة بأيديولوجياتها المتألهة والطافحة بقداساتها الميثولوجية والمُزهوة بفكر قادتها الدينيين الرمزيين ، فإنها معنية كلياً بممارسة فروضاتها الأخلاقية علينا وفروضاتها التبجيلية المحددة سلفاً ، وتريد منا أن نؤمن بها إيماناً كاملاً وثابتاً ويقينياً وقوياً لا يخالطه الشك أو التردد أو الوهن أو حتى مجرد المساءلة البريئة ..

ولا بد من الاعتراف أيضاً أن العالم بالنسبة لنا يجب أن يصطبغ بلون واحد فقط ، ويجب أن تنحصر الأنماط الحياتية والثقافية في ذلك اللون تحديداً ، وقد يسألني أحدكم كيف أنظر الآن لتلك المرحلة من حياتي ، وكثيراً ما كان يسألني الأصدقاء والصديقات عن ماهية تلك المرحلة ، ووجدتُ أنه من باب ايضاح الصورة لهم أحسستُ بأنه عليَّ أن أكتب شيئاً له علاقة بتلك المرحلة من حياتي ، وفي البداية أعترف أن الإنسان لا يستطيع الحكم منطقياً على تجربة ما أو مرحلة ما من حياته من دون أن يكون قد عايشها كاملاً وتداخل معها وربما كان واحداً من ركائزها أو مؤسسيها أيضاً ، وعليهِ أجد أن المرحلة تلك من حياتي كانت بمثابة تجربة خاصة خضتها بكل كياني وبكل وجودي النفسي والثقافي ، ولستُ نادماً ربما من أني انفقت جزءاً من عمري في خضم تلك التجربة ، لأن التجربة تلك أكسبتني معرفةً وفهماً بالطبيعة التكوينية التي تكون عليها الأيديولوجيات الدينية ، ومنحتني التجربة تلك أيضاً فهماً واسعاً بطبيعة الأدلجة الدينية حينما تصبح واحدة من آلات التدمير المنظّم للعقل والتفكير الحر ، لتصبح فيما بعد المعيار الأوحد الذي نحكم من خلاله على الآخرين ..

وفي الحقيقة لا يهمني الآن ما ينعتني به الدينيون المؤدلجون دائماً بالانحراف عن صراطهم المستقيم والخروج من جنتهم الإيمانية ، لأني أؤمن دائماً بأن الإنسان يجب أن يمتلك الجرأة والشجاعة والوعي لنقد أية مرحلة في حياته سواء أكانت جيدة أم رديئة ، ولستُ من الذين يساومون على حريتي وقراري وإنسانيتي وفكري ، ويفضّلون بالتالي عدم الاصطدام بالأفكار والأيديولوجيات التي كانت تسلب منا حرية الرأي والنقد وحرية التفكير والممارسة والقرار وحتى حرية التنوع داخل الدائرة الواحدة ، ولذلك فأن ندمي في الحقيقة من خوضي تلك التجربة ينحصر في كونها استنفدت مني جهوداً كثيرة ، وخاصةً في مرحلة الفورة الشبابية ، حيث كان من المفروض أن أتوجه بجهودي تلك في العمل على ذاتي وشخصي والاهتمام بمستقبلي المهني ، ولكن لا أريد من أحد أن يفهم أني أرمي باللائمة على الأيديولوجيات الدينية لأنها أضاعت جزءاً من حياتي في الأوهام والمشاريع الخاسرة ، فالإنسان في النهاية مسؤول عن قراره واختياره وحياته وإرادته ..

وليس لأني استطعت الانعتاق من أسر الأيديولوجيات الدينية فإن ذلك يعني أني قد وجدتُ نفسي ، أو أني قد ظفرت بالحقيقة التي يبقى الإنسان يسعى إليها في حياته ، ولكني أستطيع الجزم بأني منذ أن تعافيتُ من ترسبات الأيديولوجيات الدينية بدأتُ أتفهم معنى وجودي في الحياة ، ومعنى أن أكون نفسي وفكري وعقلي وأمتلك قراري وحريتي ، وكيف أن الحياة تصبح رحبة وفسيحة وممتعة حينما نقترفها بعيداً عن ضغوطات الأرصدة المفاهيمية والقيمية والثقافية التي تحتويها الأيديولوجيات الدينية ، وكيف أن الإنسان يكون متصالحاً مع ذاته بعيداً عن اكراهات الموروث الديني ، وحينما تنال حريتك وتستعيد عقلك بعد معركة مريرة مع منظومة الأيديولوجيات الدينية فإن ذلك يعني أنكَ كنتَ واعياً لضرورة أن تبقى حراً ومستقلاً ومُحباً لقيم الذات والحياة ، ومؤمناً بأن الحياة لها أكثر من لون ومذاق وصورة ..

وليس حديثي عن تلك التجربة انتقاماً من الأيديولوجيات الدينية أو تشفياً منها أو تكفيراً عنها ، أبداً ، لأني لا أفكر على هذا النحو من اجترار الثارات أو استحضار الأحقاد ، فلستُ من الذين تستهويهم هذه المعارك العبثية ، فالأغبياء وحدهم الذين يتصورون أنهم ينتصرون من خلال الحقد أو الثأر ، فضلاً عن أني لا أجد أية فائدة من خوضي المعركة مع الأيديولوجيات الدينية وفقاً لهذا النمط التفكيري أو المسلكي أو النفسي ، وذلك لأني حتى حينما كتبت أو عندما أكتب في النقد الديني ، ليس نقداً من أجل استعادة نرجسية الذات المجروحة أو نقداً من أجل الردح الخطابي ، بل أتوجه بنقدي لتفكيك وتشريح وتعرية الخطاب الديني المؤدلج الذي لا ينفك عن انتهاج فكر الوصاية والهيمنة والحاكمية ، وغير ذلك فقد توصلتُ إلى قناعة معينة تخص طريقتي في الحياة مفادها أنه حينما نضيق ذرعاً بأية أيديولوجية ، علينا أن نبحثَ عن بديل عنها نقتنع به على المستوى الفكري والحياتي والعملي وحتى الشعوري ، ونجد أنه الأنسب لنا ، ولذلك لا يعنيني في ناحية ما أن أنشغل دائماً بالرد على أفكار من هنا أو هناك تتبناها مؤسسة الفكر الديني المؤدلج ، لأني أرى إن دخولي بهذه الطريقة في معمعة الصراع الذي لا أفق محدداً له مع الأيديولوجيات الدينية يجرح نقاء التجربة الذاتية التي أعمل عليها حينما اجترحتها بقرار ذاتي خالص ، وكذلك فإن الاستغراق في تفاصيل هذا الصراع يستنزف طاقة الإنسان التي يجب في الأساس أن يستثمرها في العمل على نفسه وفكره ، فما يعنيني في حقيقة الأمر أن أطرح أفكاري وأشتغل عليها على اعتبار إنها بدائل فلسفية وفكرية ومعرفية عن تلك الأيديولوجيات الاحتكارية والاستحواذية واليقينية ، وقد توصلت إلى تلك البدائل عن طريق قناعتي وإدراكي ووعيي وشكي أيضاً ، ومن المفيد جداً أن نشتغل عليها ادراكاً منا بأن الفكر الحر لم يتأسس على نقيض الآخر أو حتى على وجود الآخر ، فضلاً عن أن الفكر الحر يؤمن بحق الآخرين في ابداء رأيهم حسب ما يعتقدون به شريطة عدم احتكارهم للحقيقة وشريطة عدم اقصائهم ونبذهم للآخر لاعتقادهم مطلقاً بأن فكرهم يتميز بهويته الاصطفائية النقية والأبدية ، ويبقى الفكر الحر دائماً خياراً حراً ومتاحاً لمن يريد أن ينتصر لإنسانيته وحريته وفكره وقراره ، لأنه أي الفكر الحر يبقى يحمل إرث الإنسانية الأزلي في صناعة الحياة الإنسانية الكريمة والحرة الخالية من فكر الاستبداد الديني وهيمنة الأيديولوجيات الاحتكارية والشمولية والتسلطية ..



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتب العربي .. أين يقف .؟
- العقل في معركة التحرير
- أشخاص ومواقف
- القراءة ... ممارسة الحضور الذاتي
- رحيق المواقيت المقدسة
- في العلاقة ما بين الأفكار والوقت
- أشخاص ومواقف 1
- الحياة أصغر بكثير
- الانفتاح صفة المجتمعات الخلاقة
- لمحات من كتاب أزمنة الحداثة
- أطفالنا بين بشاعة العنف وثقافة الكراهية
- العُمر وبريق الغوايات
- سلطة الموروث الديني
- الهدّامون
- الإبداع .. نزعة الإنسان الجوهرية
- حوار في المشهد المعاصر 2 / 2
- حوار في المشهد المعاصر 1 / 2
- خطورة أن يهيمن الديني على المدني
- لذة المغفرة
- الداهية غارفيلد


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود كرم - تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية ( 1 )