أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - بؤساء- -هوغو- و بؤس الثقافة العراقية















المزيد.....

بؤساء- -هوغو- و بؤس الثقافة العراقية


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 614 - 2003 / 10 / 7 - 03:28
المحور: الادب والفن
    


 

" بؤساء"  "هوغو"   و بؤس الثقافة العراقية
                                                      
لا أتذكر أين قرأت أن عميد الأدب العربي الخالد طه حسين قد قال لأحد اليساريين المصريين المصريين بأنه لا يكره السياريين بل يتساءل هل استطاعوا إبداع عمل عظيم بعظمة رواية " البؤساء" للكاتب العظيم فيكتور هوغو؟!
و الجواب  بالتأكيد هو بالنفي المطلق بل النفي  القاتل ، لكن أحد الكتاب العراقيين طلع علينا في جريدة               " المؤتمر" المنقطعة عن الصدور – لا أدري إن كانت ستعاود الصدور- مهاجما بشدة الأوساط الثقافية العربية لعدم احتفائهم بالجواهري بما يوازي  المستوى الذي يحتفي به الأوروبيون بكاتبهم فيكتور هوغو . لكني لم أر في عتاب و شكوى الكاتب سوى التجني على الحق و الحقيقة ، لأن المثقفين العرب أعطوا الشاعر الجواهري أكثر مما يستحق ، أولا ، و ثانيا أنه شتان بين هوغو و الجواهري ، فالأول تناول العالم السفلي و صّور معاناة المظلومين بأروع الصور و أن أدبه إلى جانب أدب  أدباء القمم العالمي الأخرين  ساهم بشكل كبير في تغيير مفاهيمنا حول الانسان و العالم ، بينما ظل الأخير و عيونه شاخصة إلى العالم العلوي ، عالم المتسلطين و ذوي النفوذ و الطغيان ، لتتفتق قريحته عن مدائحية تموت بموت الممدوح أو بعد القائها عليه ، غير مصدق أنه عظيم إلى ذاك الحد.
إني لا اريد هنا التعريف بهوغو ، فإنه غني عن التعريف ، لكن احبّ أن أكتب شيئا عن شامخته " البؤساء" التي تجول في جوانحنا رغم مرور أكثر من 14 عقدا من السنين على كتابتها ، و تحضر في حياتنا روايةّ و مسرحيةّ و اوبريت و ملاحم .
فرواية " البؤساء" للخالد فيكتور هوغو إنما هي  حكاية طفل ضائع يرعاه   رجل  جان ٍ- بحكم ما كان يسمى بالقانون-   يلاحقه رجال الأمن  . إنها رواية تحكي قصة الفقر والمعاناة و انعدام المشاعر الإنسانية.  هذه الرواية لا تزال  خالدة وتروي حتى اليوم معاناة المظلومين والمضطهدين و الأطفال المنسيين والمتشردين و المنبوذين في العالم و لم تفقد قدراتها الهائلة في شحذ  أفكارنا عن التطورات والتحولات الاجتماعية.
لقد تناول العديد من الكتاب عظمة باريس و جمالها ، لكن فكتور هوغو تناول عالمها السفلي عالم  " طفل المجتمع البائس" . ففي عالم باريس السفلي يستعد بطل رواية " البؤساء" للحرب بين الخير والشر في داخل نفسه. تجري أحداث الرواية في فرنسا المضطربة عام 1800 بعد عقود من ثورتها. يشهد هوغو كيف بلور العنف و خلق طبقة جديدة في المجتمع و رأى أن كل معركة كانت  تقرب فرنسا من الديمقراطية خطوات. و" البؤساء" تعد نوعا آخر من الثورة، قام بها هوغو للتنقيب عن روح مشاعر التضامن مع المسحوقين و المظلومين.
بطل الرواية " جان فالجون" يحاول يائسا إعالة أطفال شقيقته ، فيلقى القبض عليه من قبل السلطات ويحكم عليه بالسجن لخمس سنوات  و لا يرى مبررا لتبرير " جريمته" بسرقة رغيف خبز ، فتحطم المرارة طبيعة الخير فيه ويحاول مرات عديدة الهروب و يلقى عليه القبض في كل مرة و يمدد مدى محكوميته. فلم يعد "جان فالجون" معروفا باسمه الحقيقي بل بالسجين رقم 24601.
كتب هوغو رواية " البؤساء" في منفاه السياسي في جزيرة غيرنيسي في القنال الإنكليزي.  طبعت 1862  و دوت  أصداؤها بين جماهير فرنسا. بيعت في بداية الأمر على شكل أجزاء ، و كان كل جزء الأكثر مبيعا من بين الكتب في فرنسا.  هذه  الرواية ملحمة عظيمة و خالدة عن آلام الإنسان و معاناته من البؤس والظلم و الجور  في الماضي و الحاضر وربما المستقبل . نشاهد في الرواية كاريكاتور "جان فان جون" – السجين السابق ، والأسقف "ميريل"  و "جافير" مفتش الشرطة الذي ينتحر غرقا في النهر  ، بعد أن لا يطيق أن يرى جان فان جان يعفو عنه بعد المقدرة  و  كما نلتقي في الرواية ايضا  "ثينارديير" المجرم العادي ، و"فانتاين" المومس و ابنتها طكوسِت"  و الثوري الشاب "ماريوس" و الطفل المتشرد اللعوب "جاف روش".
بعد 9 سنوات والتي لم يذرف طوال ذلك العمر الضائع  دمعة واحدة  يطلق سراح  "جان فان جون" وقد أصبح الرجل الخطير و يحمل الجواز الأصفر و عليه  أن يسجل يوميا  الحضورعند السلطات  ،  فلا يقبل به أي صاحب عمل و لا يعطى له أي مسكن ليقيم فيه حتى يضطر إلى  الذهاب إلى الأسقف "ميريل" الذي يرحب به و يناديه بالأخ ، لكن اللطف و الصداقة غريبان عن جان و يفكر كمجرم و لا يفهم أن يكون ثمة أناس يحترمونه ، فيفكر بالقيام بأعمال بائسة مثل سرقة فضة الكنيسة ، فيلقى عليه القبض و كان سيكون  السجن مصيره طول بقية حياته لولا رأفة الأسقف ،  إذ يذهب بنفسه إلى مركز الاعتقال حاملا عددا آخر من الشمعدانات  و ينادي عليه أخي فال جان لقد نسيت الشمعدانات ، تفضل خذها. لكن  تصور اللطف والرحمة من الآخرين على سجين سابق ، إنما غريب وشاذ على جان  ، فيرفض أخذ هدية الأسقف الذي يعطيها إياه مقابل روحه . إنه ضحية محطمة جرده  الفقر والبؤس من صفاته الإنسانية.  سرقة رغيف تؤدي به إلى السجن المطول ،  و السجن يخلق منه شريرا رغم طبيعته الإنسانية . يطبق هوغو هنا  تعاليم المسيح على أرض الواقع   بأنّ من يعفو عن مجرم إنما يصلح بهذا العمل نفسه . 
يضطر فال جون أن يغير اسمه إلى مسيو مادلين  حين يقوم بتشغيل مصنع فلا أحد يشك بأنه السجين السابق.
 لم يكن  جان فال جون مثقفا لكن قوته  كانت   تكمن في أخلاقه فالقوة الأخلاقية أقوى من العقل والإدراك.
كان هوغو نفسه أيضا مضطهدا  ، وقد قضى 20 عاما في منفى في القنال الإنكليزي بعد انتقاده لويس نابليون عام 1851. وهناك بغتة تحول إلى مفكر سياسي أيضا  ، إذ كانت حكومة فرنسا غير شرعية و تقف إلى جانب الشر بينما كان هوغو إلى جانب الخير دوما و ظهير المسحوقين . كانت الفترة الأولى من منفاه مفعمة بالنشاط والحيوية و الإنتاج الغزير  ، و توحدت فيه روح السياسة والإبداع الأدبي . فرواية " البؤساء" التي يتجاوز عدد صفحاتها الألف من القطع الكبير استغرقت كتابتها 15 عاما.  إنها ملحمة تتضمن التاريخ و السياسة و الاجتماع.  
و الموضوع الذي طالما أقلقه كان الفقر بين النساء وكيف كان  يفتك بهن.
"فونتين" امرأة شابة حسناء يسيطر عليها رجل قاس لا ضمير له  ، إنها محطَّمة  ، بائسة و حامل. تغادر فونتين باريس مع ابنتها كوست للعمل في مصنع مسيو مادلين..  وإنها تخشى أن يرفضوها كونها أما غير متزوجة  ، وتبعث فونتين ابنتها كوست  إلى منزل و ترجو  صاحب البيت  وزوجته برعايتها مقابل المال التي تبعث به إليهما.
" البؤساء"  حلم هوغو الطوباوي و مشاهد عميقة لمعاناة الإنسان   ، سواء فيما مضى أو في الحاضر.
مشاهد " البؤساء" حية أمامنا حتى اليوم   ، البؤساء هم أنفسهم مع تغيرات في الأشكال فقط . هذه الرواية ليست هجوما على أصحاب المال و الثروة  ، بل صرخة بوجه  المجتمع القاسي  ، و تشريح الظلم والعنف في الوعي الجمعي . و يتلمس المرء عبر الرواية إيمان هوغو بقدرات الإنسان الروحية  للتغيير رغم طغيان الشر و رغم اعتقاده ربما بأن الكفاح ضد الفقر و الظلم الاجتماعي سيطول .
فطالما يفتك بنا الجهل والبؤس , يظل هذا الكتاب ومطالعته من ضرورات الكفاح.
عاد هوغو إلى باريس عام 1870 مات بعد 15 عاما عن عمر يناهز الثالثة والثمانين  ، و شارك في تشييعه أكثر من مليون إلى مثواه الأخير بين عظماء فرنسا.
و لكن شاعرنا " الجواهري" ترك لنا كما كبيرا من الشعر المدائحي في زمن غريب عن مثل هذا النوع من الشعر  ، و أتساءل   ما هو جدوى الاحتفاظ بكل هذا الشعر المدائحي الذي لا يهم غير الممدوحين ولم يستفد منه غير الشعراء المنافقين. وأننا لن نخسر كثيرا إذا أحلناه إلى المتاحف ليذهب إليه الكاتب الذي عاتب الناس على عدم رفعهم  شاعره الأثير إلى مستوى هوغو ،  ويستمتع به هناك وحده.
لستمتع صاحبنا بقصائده التي يمجد فيها الدم ، و يحرض على القتل و السحل :
و ضيق الحبل و اشدد من خناقهم                   ربما يكون في الاخاءه ضرر
 ، لينتشي بمديحه للمجرم والد المجرمة هدى عماش ...
فإن الأدب الجاف والشعر الخالي من الروح لا يمكن إعادته للحياة لأنه ولد أصلا ميتا و كان يجب دفنه في عصره ،  فإن قصر أهل ذلك العصر في دفن موتاهم تاركين إبداعهم المزعوم لحكم الزمن ،  فلا حجة عندنا نقدمها على عدم المشاركة في دفنه فورا طالما أن الزمن وهو اكبر النقاد أعظمهم أعطى حكمه في حق ذلك الغثاء وقال صراحة ، وبما لا يقبل الدحض << فالج لا تعالج>> .



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصائد للشاعر السويدي آرتور لوندكفيست
- العنصرية البليدة في فكر صباح ديبس
- اربع قصائد
- يجب أن يكتمل الأمل ، وتحية إلى حركة العاطلين عن العمل
- همسات داكنة
- حجارة الوند
- أزرق الهجيع الأخير
- سحر الشعر
- الشعر يوصل الإنسان إلى التخوم القصية للحياة


المزيد.....




- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - بؤساء- -هوغو- و بؤس الثقافة العراقية