أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان ابراهيم - السودان دولة فاشلة ، محاولة لرفض اللقب















المزيد.....

السودان دولة فاشلة ، محاولة لرفض اللقب


محمد عثمان ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 2003 - 2007 / 8 / 10 - 08:04
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في مالابو العاصمة وحدها يعيش ستون ألف شخص دون أن تتوافر لديهم شبكة مواصلات عامة .
و في مالابو و غيرها من المدن لا تصدر الصحف و يعتمد الناس الذين يعيشون هناك و يموتون دون أن يكملوا خمسين عاماً كعادتهم دائماً علي محطة إذاعية قصيرة المدي قامت بإبلاغهم ذات يوم ضمن برنامج إسمه (بيزي ندوان ) أو أطفئوا النيران " إن صاحب الفخامة الرئيس تيودورو أوبيانغ نغوما مبساغو يستطيع أن يقتل أي شخص دون أن يخضع للحساب و دون أن يتعرض لدخول جهنم لأنه هو نفسه ( إله ) و لأنه علي إتصال مباشر بالله سبحانه و تعالي".
و الإله الحاكم في غينيا الإستوائية الدولة الصغيرة التي لا تلفت غليها النظر في غرب إفريقيا هو إله فريد فهو رجل ناعم الصوت و خفيضه للدرجة التي يضطر معها جلساؤه إلي إحناء رؤوسهم حتي يسمعوا ما يدلي به. و الرجل ذو كلمة تسوي ذهباً فهو يحكم ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في أفريقيا بعد أنجولا و نيجيريا و هي دولة يفترض أن يكون مواطنوها الأغني في القارة السمراء و ثاني أغني سكان الكوكب الأرضي إذ يبلغ نصيب الفرد منهم - و هذا علي الورق فقط – 26,000 دولاراً امريكياً تقريبا في العام أي أفضل مثلاً من الأمارات العربية المتحدة التي يبلغ نصيب الفرد فيها من الدخل القومي ( 21,040) دولاراً.لكن الغينيون الاستوائيون و الذي يتجاوز تعدادهم نصف المليون نسمة بقليل يعيشون في ملكوت فخامة الدكتاتور أوبيانغ علي حوالي دولار و احد في اليوم أي أن السوداني يتلقي أرزاق(17 ) شخصاً من مواطني غينيا الإستوائية تقريبا بنصيبه البالغ 2,400 دولار في العام.
لكن غينيا الإستوائية غير موجودة في ال 35 دولة الأولي في قائمة الدول الفاشلة التي أعدتها مجلة (فورين بوليسي ) الأمريكية الواسعة التأثير بالتعاون مع منظمة دعم السلام و التي تصدرها السودان للمرة الثانية علي التوالي.
و (الرأس الكبير ) أو كما يسمي الرئيس أوبيانغ نفسه ليس ناعماً في الفعل كما في الصوت فقد أخرس دون حساب عدداً هائلاً من مواطني بلاده دون أن يهتم بذلك أحد ، و بالرغم من ذلك لم يدخل أوبيانغ يوماً في قائمة أعظم خمسة من ديكتاتوريي العالم و التي تصدرها كل عام مجلة (بارايد)Parade الأمريكية المرموقة.
و أوبيانغ الذي يقل وزنه عن ال 50 كيلوجراماً و الذي يضطره المرض للسفر للخارج كل أسبوعين لتلقي العلاج لا يعيش في الخفاء فقد قدم العام الماضي عرضاً محضوراً في مبني ( الكابيتول هيل ) مقر وزارة الخارجية الأمريكية.
فيً حلة بالغة الأناقة رسمية و زرقاء و قميص ملكي أبيض و ربطة عنق يتقاطع فيها اللونان الأزرق و الأحمر ظهر الرجل في تمام العاشرة صباحاً من اليوم الثاني عشر من أبريل السنة الماضية برفقة أقوي امرأة علي كوكب الأرض.
تقدمت الدكتورة كوندوليزا رايس بخطوة واحدة علي (أعظم قائد لفرقة اليفانفارون العسكرية و رب جزر بيوكو العظيمة كما بقول أحد ألقابه الرسمية) و تحدثت للصحفيين قائلة : " إنني شديدة السرور اليوم لأن أرحب برئيس غينيا الإستوائية الرئيس أوبيانغ ... شكراً لك جزيلاً علي حضورك هنا ، إنك صديق عزيز و نحن نرحب بك " و كانت الدكتورة رايس صادقة تماماً و هي تصفه بالصديق لأن 80 % من نفط بلاده الذي تنتجه شركة إكسون موبيل الأمريكية يذهب إلي بلادها المتعطشة دوماً للنفط فيما يستورد هو 24% من إحتياجاته أو إحتياجات بلاده -لا فرق – من بلادها البعيدة.
لم يضع أوبيانغ الفرصة تحدث بالإسبانية التي جود معرفتها إبان دراسته في كلية (فرانكو ) العسكرية و قال : " ظلت بلادي منذ وقت طويل علي علاقة جيدة بالولايات المتحدة و زيارتي اليوم و ببساطة تجيء لتدعيم هذه العلاقات و لإقامة مزيد من روابط التعاون مع بلادكم " . أعتقد أن الدكتورة رايس منحت الرجل إبتسامة خفية و واسعة حين أكد علي رغبته في المزيد من التعاون.
لم يسأل أي من الصحفيين و لو عن طريق الخطأ سؤالاً واحداً عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلد الملقب ب ( كويت أفريقيا ) بل لم يتحدثوا عن ذلك علي الإطلاق. منح هؤلاء الصحفيون فرصتين للسؤال فسألوا عن إيران و عن التهديد النووي الذي تمثله.
إذن من الواضح فإن الصحفيين الذين يقومون بتغطية أنشطة وزارة الخارجية الأمريكية لا يعرفون شيئاً عن إنتهاكات حقوق الإنسان هناك بينما نعرف نحن ذلك. .إذا كانوا يعرفون فقد كان بوسعهم أن يسألوا و كلنا يعرف شغف الإعلام الأمريكي بأوضاع حقوق الإنسان في العالم كله من الصين الكبري و حتي ميكرونيزيا الصغري.
في الوقت الذي سمح فيه للرئيس أوبيانغ بتلك الخطوات الحرة حرم نظيره السوداني حتي من متعة التجول في العالم الجديد و ظل رهيناًً و هو و رفاقه لمحبس لا يزيد عن عشرة كيلومترات حول مبني الأمم المتحدة في نيويورك حين زار أمريكا منذ عامين أو ينيف. لسنا معنيين بذلك لكنا نريد المقارنة هنا علي أكثر من مستوي.
لماذا يحرم مثلاً البشير من التجول و قد ظلت أبواب البيت الأبيض و الكابيتول هيل و بالطبع البنتاغون مفتوحة أمام ديكتاتوريي العالم من كل العصور رؤساء و ملوك و أمراء و مني أركو مناوي (مع التقدير و الإحترام).
إن الأمر ليس علي صلة دائمةً بالنفط لكنه علي الدوام بقي بعيد الصلة عن الأخلاق و القيم.
أن الحضارة الغربية ( أو البيضاء ) و التي تتربع و اشنطن اليوم علي قيادتها أثبتت دائماً إنها خطرة وإنتقامية و غير أخلاقية ، أذكر أنني قرأت ذلك مرة لمؤسس مجلة (فورين بوليسي ) البروفيسور صمويل هنتنجتون.
إن الطريق شديد الوعورة فحين تسعي للدفاع عن وطن تحمله في الخاطر و تم وصمه خطأً و بسوء نية بأنه دولة فاشلة تبدو و كأنك في حالة دفاع عمن يحكمه و هو أمر يستوجب التبيان بأن الدفاع عن السلطة أياً كانت ليس ما يشغلنا فقد اضطررنا لمغادرة هذا البلد قبل إحدي عشرة سنة و لم نعد حتي الآن..إنتهي البيان!
قبل إثني عشرة سنة كنت أقرأ في مكتبة البشير الريح العامة بأم درمان كتاب ( الإستشراق ) للبروفيسور إدوارد سعيد و ترجمة الدكتور كمال أبوديب و ما زلت أذكر كيف كان الغضب يتنامي بداخلي بسبب ما كنت أحسبه نظرة متعسفة ينظر بها الغرب للشرق حتي صدمني البروفيسور سعيد بأنه يأمل ألا يكون الرد علي كتابه هذا هو كتاب آخر بعنوان(الإستغراب) و فهمت أن الرجل يريد للشرق أن يعيد تقديم نفسه من جديد للغرب بأدوات الغرب.
كوندوليزا رايس المرأة المعجزة لم تتسرب لقمة المجتمع الراقي الذي يسيطر عليه البيض ، بأدوات السود (التظاهر و حمل رايات الحقوق المدنية و الرفض و غير ذلك) لكنها فرضت نفسها علي ذلك المجتمع باستخدام أدواته.
إذن نستعير الآن هذه الفكرة و نقول إن محاولة نزع ديباجة (الفشل ) من علي صدر السودان لا تعني بالضرورة إلصاق تلك الديباجة بصدر الولايات المتحدة. هذا مناف للعدل يكفي فقط رمي تلك الديباجة البائسة بعيداً.
حددت مجلة ( فورين بوليسي ) إثني عشر معياراً لتحديد ما إذا كانت الدولة فاشلة أم لا و نوردها هنا باختصار :
1. تزايد الضغوط و التغيرات السكانية.
2. حالات لجوء و نزوح داخلي واسعة تتسبب في أوضاع إنسانية معقدة.
3. وجود تراث من الرغبة في الإنتقام الجماعي و المظالم الجماعية و الرعب الجماعي.
4. نزوح جماعي حاد و هروب للأدمغة و الكفاءات و نشوء لجاليات في المنفي.
5. عدم المساواة في النمو الإقتصادي بين المجموعات السكانية.
6. التدهور الإقتصادي الحاد.
7. تدهور مشروعية الدولة.
8. التدهور المتصل في الخدمة العامة.
9. تعليق القانون أو استخدامه بشكل عشوائي و إنتشار إنتهاكات حقوق الإنسان بشكل واسع.
10. أن تعمل الأجهزة الأمنية كدولة داخل الدولة.
11. صعود النخب المتخاصمة.
12. تدخل الدول و القوي الأجنبية .
و بالرغم من أن هذه المعايير يمكن تفسيرها بطرق مختلفة و تطبيقها علي العديد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة إلا أن هذا لا يخدم غرض ما نخوض فيه الآن لكننا نريد أن نقول و من قال للمجلة الرفيعة (فورين بوليسي) إن ما ذكرته من معايير يجد قبولاً كونياً ؟
في كتابه الرائع ( الدول الفاشلة ، إساءة إستخدام القوة و الإعتداء علي الديمقراطية ) الصادر بالإنجليزية و ضع البروفيسور ناعوم شومسكي ( أهم مفكر علي قيد الحياة حسب وصف جريدة النيويورك تايمز) معاييره الخاصة لتحديد الدول الفاشلة.
و في هذا الكتاب يجادل شومسكي بأن بلاده الولايات المتحدة بدأت تأخذ ملامح الدول الفاشلة التي لا تستطيع حماية مواطنيها من العنف فيما تسيطر عليها حكومة تعتقد أنها فوق القانون سواء علي الصعيد الداخلي أو الدولي.
رمز أمريكي آخر من الضفة المقابلة لشومسكي في الفكر و السياسة عالج أيضاً موضوع الدول الفاشلة . في كتابه
( بناء الدولة ، الحكم و النظام العالمي في القرن الواحد و العشرين) يوضح فرانسيس فوكوياما أن " الدول الضعيفة أو الفاشلة تتسبب في كوارث إنسانية و تدفع بموجات بشرية هائلة نحو الهجرة و تعتدي علي جيرانها و توفر المأوي للإرهابين".
و لا نحسب بالطبع إن المفكر الرفيع و التائب عن أفكار (المحافظين الجدد) قد وضع هذه المعايير حتي تلائم بلاده لكنه سيكتشف عما قريب أن بلاده أثبتت أنها تمثل أكبر خطر محتمل و كامن يهدد العالم . ستنقل وسائل الإعلام كيف أن بوسع واشنطن –و قد فعلت- أن تقتل مئات الآلاف من البشر، تدفع بالملايين لترك ديارهم و تهاجم أي بقعة في هذا الكوكب دون أن يبدو عليها أي مظهر من مظاهر الحسرة أو الندم.
نحن لا نجادل هنا بان الولايات المتحدة صارت دولة فاشلة لكن المصادفة هنا جعلتها تلائم المعايير التي صاغها صاحب (نهاية التأريخ و الإنسان الأخير) . أما بالنسبة لمعيار توفير المأوي للإرهابيين فليس سراً أن الولايات المتحدة توفر مأوي كريماً لقتلة مثل أورلاندو بوش و بوسادا كاريل اللذان تطالب فنزويلا بتسلمهما دون جدوي رغم القانون و الشواهد و الأدلة كما أشار لذلك ناعوم شومسكي في حوار رائع نشر علي الموقع الإلكتروني :
http://www.democracynow.org/print.pl?sid=06/03/31/148254
و في ذلك الحوار إتهم (المواطن الأمريكي الأكثر فائدة حسب وصف صحيفة بوسطن غلوب له) بلاده بالخطورة و إنها تدفع باحتمالات نشوء حرب نووية.
و حين يتحدث شومسكي أو فوكوياما يصمت الجميع.
ماذا لو نظرنا فيما يلي علي أنها معايير لتحديد الدول الفاشلة:
1. أكثر من نصف السكان علي قناعة بأن حكومتهم تقوم بخداعهم و أنها تتصرف بشكل يتعارض مع مصالحهم.
2. تشعر غالبية السكان بعدم الأمن في الخارج و خصوصاً إذا طلب منها التصريح علناً بالبلد الذي تنتمي إليه .
3. تورط رموز السلطة في فضائح سواء في المحاكم أو في وسائل الإعلام أو في تصورات المواطنين.
4. تعتقد الغالبية من السكان أن الحكومة تتصرف بشكل سري و تخفي عنهم الحقائق بإستخدام أساليب الحيلة و الخداع.
5. لا تجد الحكومة موافقة المواطنين في غالبية قراراتها و ممارساتها.
6. تعتبر الدولة خطيرة و لا يمكن التنبوء بتصرفاتها سواء من قبل المواطنين أو الدول الأخري.
7. تعيش الدولة كلها في حالة من الرعب و تقوم الحكومة بالإستفادة من استثمار هذا الرعب.
8. تزايد المشاكل الإجتماعية في الدولة مثل : المخدرات ، الإيدز ، الإدمان ، البطالة ، الهجرة غير الشرعية إلخ ...
9. تقوم الدولة بالتعامل بقسوة إزاء معارضيها أو منتقديها.
10. الضرائب العالية التي تدفع بالإستثمارات المحلية الكبيرة للهروب بأعمالها للخارج أو تخريب النظام الإقتصادي و المالي.
و يمكن أن تطول القائمة كما يمكن لأي شخص أو مؤسسة تتوافر لديها الرغبة أن تضع معاييرها و أن تدعي أنها اتبعت منهجاً أكاديمياً صارماً في صياغة هذه المعايير دون أن تفكر مسبقاً في أن تستوعب هذه الدولة أو تلك من الدول (العاصية).
لنعد إلي معايير (فورين بوليسي ) التي تحدد فيها خمسة مؤسسات هامة باعتبارها جوهر الدولة و هي القيادة ، الجيش ، الشرطة ، القضاء ، و الخدمة المدنية.
في تقريرها تقول المجلة أن السودان فيه قيادة أفضل من تلك التي في تشاد لكنها شبيهة بالقيادة العراقية. هل سمعتم أحداً يقول أن السودان والعراق يحكمان الآن بمستوي واحد من القيادة؟ دعوا وزراء المؤتمر الوطني بعيداً هل يوجد الآن في الحكومة العراقية من يتمتع بمؤهلات و قبول و مساندة سلفاكير و دينق ألور و تابيتا بطرس علي سبيل المثال؟
في يوم ما قبل عدة اشهر قررت المعارضة التشادية إقصاء الرئيس إدريس ديبي عن السلطة . و بمساندة واضحة من السلطات السودانية قضي عساكر المعارضة نصف يومهم ذاك أمام مبني البرلمان التشادي في قلب العاصمة إنجمينا و لم يتمكن أحد سوي فرنسا (العضو الدائم في محلس الأمن ) من حماية ديبي و نظامه لكن المجلة صنفت الجيش التشادي بأنه أفضل من السوداني و لم تقف عند هذا الحد بل قالت أن الجيش العراقي أفضل كذلك من الجيش السوداني البائس.
بالتأكيد لا تقصد الصحيفة جيش العراق إبان دكتاتورية صدام و لكنها تقصد الجيش الحالي الذي أثبت حتي الآن و بمساعدة حوالي مائة و أربعين ألفاً من الجنود الأمريكيين عجزه عن حماية المنطقة الخضراء في بغداد إبان مؤتمر صحفي يعقده رئيس الوزراء و ضيفه الأمين العام للأمم المتحدة.
و عن الشرطة يقول التقرير أن السودانية و رصيفتها العراقية تتساويان في الضعف أمام التشادية الأقوي فيما تعتبر الخدمة المدنية و القضاء التشاديين أفضل من رصيفيهم القائمين علي خدمة الشعب السوداني ، كما كتبت الصحيفة دونما حياء.
, يضع التقرير ثلاث و عشرين دولة بين السودان و سريلانكا بالرغم من أن العالم ظل يستمع إلي أخبار حركة متمردة هناك تقوم بإستخدام الطائرات الحربية و طائرات التجسس في حربها ضد الحكومة المركزية.
أذكر هذا علي سبيل المثال و لا أريد أن أزعج القاريء بمقارنات مع دول مثل هايتي أو جزر سليمان اللتان تجدان موقعاً أفضل من السودان في قائمة المجلة المرموقة.
أن الولايات المتحدة دولة تستمد قوتها من أعظم أرصدتها و هو التنوع و التعدد. هناك مجتمع متعدد و قوي و هذه حقيقة تتعرض الآن للتهديد. لقد اشرنا فيما سبق لمجلة (بارايد) و (فورين بوليسي) مثلاً ، إذن لنمض قدماً فنتصفح كتاب المعلومات الذي تضعه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية علي شبكة الإنترنت و في هذا الكتاب نجد كماً هائلاً من المعلومات عن السودان من نظام الحكم إلي عدد مستخدمي الهاتف لكن بالمقابل فإن هناك القليل جداً عن حقوق الإنسان في غينيا الإستوائية نقرأ فيه سطران يشيران في اقتضاب إلي أن عائدات النفط لم تسهم في تحسين حياة الناس .
دعونا نقول بشيء من الثقة أن السودان ليس دولة فاشلة لكن الحكومة التي تسيطر عليه الآن حكومة فاشلة، لا شك في ذلك.
لن نعود إلي الوراء كثيراً لإثبات ذلك لكن منذ إنقلاب يونيو 1989 م قادت النخب الإسلامية المتصارعة البلاد بطريقة واحدة ، متشابهة و مكررة تتفق علي شيء واحد هو (تجاهل المواطنين و تجاهل حقوقهم و تطلعاتهم ) و لهذا يحسن بالسودانيين دائماً أن يتذكروا قول جورج أورويل " إن الشخص لا يقيم نظاماً دكتاتورياً من أجل حماية الثورة بل يقوم بالثورة من أجل إنشاء نظام دكتاتوري" ، و قد أثبت المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية لتحرير السودان و حركة مني أركو مناوي و حركة خليل إبراهيم و التجمع الوطني الديمقراطي أن السيد أورويل كان علي حق تماماً.
و منذ أيام الدكتور حسن الترابي لم يسع (ي) الإسلاميون للحصول علي مساندة الشعب بل عمدوا إلي قهره و لم يتجاهلوا الرأي العام فحسب بل نظروا إليه باستخفاف و احتقار. أذكر انه و قبل ما يزيد علي العشرة أعوام حل الجنرال الطيب إبراهيم محمد خير (الطيب سيخة ) ضيفاً علي برنامج (ظلال) التلفزيوني و حين سأله المضيف عن رسالته للمعارضة إبتسم كاشفاً عن (فلجته) الشهيرة و قال : " الزارعنا غير الله ، اليجي يقلعنا" . إستخدم الطيب سيخة المثل السائر في مواطن التباهي ليرسل رسالة واضحة مفادها إنهم لا يأبهون بالناس و لا بما يقولون و لم يشأ الجنرال في ذلك السياق المتفاخر أن يقول أنهم علي اتصال دائم بالله ، تنزه سبحانه و تعالي عن الصفات و الأفعال.
بعد إقصاء الترابي اتبع خلفه علي عثمان محمد طه نفس الطريقة و اتخذ لنفسه لقب (الشيخ علي ) المهيب و هذه الأيام فإن الدكتور نافع علي نافع ليس استثناء . فمع نفوذه الأضعف مقارنة بأسلافه أثبت الدكتور نافع أنه أقل إعتباراً لمساندة الجماهير و أكثر عداء للخصوم و أكثر تعطشاً للسلطة .
و أثبت الرجل للجميع أنه شخص يصعب التعاطي معه.
من جهتها أولت الحركة الشعبية أقل إهتمام ممكن لمستحقات شراكتها في السلطة مع المؤتمر الوطني و ساهمت في تحويل إتفاقيات السلام إلي عقود لتقاسم السلطة و ليس الشراكة فيها هذا إذا اغفلنا ما ظلت الحركة ترفد به الإعلام و مجالس المدينة من أخبار عن خلافاتها الداخلية المتصلة.
هكذا تقاسم الأقوياء السلطة و خسرت الجماهير رهاناتها علي تحقيق السلام. فيما يثبت مطلع كل صبح جديد إن تجاهل مساندة الجماهير و التغاضي عن مطلوبات التعاطي الإيجابي مع الرأي العام الشعبي تجعل الحكومة أكثر عرضة و ضعفاً أمام الضغوط الدولية.
ليس هناك غالبية كبيرة من الناس تعير إهتماماً لما يحدث للبلاد بسبب الشماتة في السلطة و نظراً لنجاح الحكومة في إحتكار الدولة لصالحها و ما لم يتم فك هذا الإحتكار فإن البلاد ستظل تصاب بالسوء.
ما لم تتم إعادة الدولة ( و ليس السلطة أو الحكم ) للمواطنين فسنظل نترقب البلاد و هي تتجه نحو الفشل الكامل و حينها لن نكون فخورين بذلك.



#محمد_عثمان_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب الإتحادي الديمقراطي مابعد المرجعيات،كتاب التيه التشظي ...
- 2موت تحت الطبع ، إسحق فضل الله و تيار صحيفة الإنتباهة في الس ...
- موت تحت الطبع ، إسحق فضل الله و تيار صحيفة الإنتباهة في السو ...
- الحزب الأتحادي الديمقراطي ، التباسات الخفة و الثقل
- في تداعي سائر التجمع الوطني السوداني بالسهر والحمي ،الحزب ال ...
- في تآكل المنسأة ، أو عن كيف خسر التجمع الوطني السوداني المعا ...
- في تآكل المنسأة أو كيف خسر التجمع السوداني المعارض ذاته والع ...


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان ابراهيم - السودان دولة فاشلة ، محاولة لرفض اللقب