صلاح الأنصارى
الحوار المتمدن-العدد: 1963 - 2007 / 7 / 1 - 09:53
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
الحقيقة أن أهمية حركة الطبقة العاملة فى ذلك الحين تكمن فى أنها كانت معلما للشعب كله , وملهما لعديد من الفئات الأخرى , التى رأت الطبقات الأخرى وهى تتهاوى تحت ضربات الاحيلال البريطانى ...
وطوال السنوات العشر الممتدة من 1909 حتى 1919 كان الكثير من الأصوات قد تلاشى , وكان الصوت الأعلى هو صوت الاضرابات العمالية , ومظاهرات العاطلين التى أثرت الى حد كبير فى صفوف المثقفين ولفتت أنتباههم نحو فكر جديد وطبقية جديدة لم تستسلم ولم تهادن ولم تهرب من ميدان النضال ضد الاستغلال .
ومن هذه الزاوية , يتعين تقييم دور الحركة العمالية فى ذلك الحين ..
ومن هذه الزاوية , يتعين دراستها واستخلاص دروسها ..
ولا يغيب عن أذهاننا أنه فى ذلك الحين لم تكن منظمة العمل الدولية قد وجدت بعد , ولا الأعلان العالمى لحقوق الانسان , ولا أيضا العهدين الدوليين , لكن الطبقة العاملة عرفت حقوقها وصاغت قانونها وعرفت أن التنظيم هو الحل , ومارست هذه الحقوق , التى أصبحت فيما بعد حقوقا تعترف بها المنظمات والمواثيق الدولية .
ولا يتسع المجال أن نقدم دراسة كاملة وافية عن هذا الموضوع , لكننا سنكتفى بالقاء الضوء عليها .
والحقيقة أن الطبقة العاملة كانت تعانى من ظروف غاية فى القسوة .. الا أن الاستياء الذى كان يشعر به المصريون بشأن وضعهم الأدنى فى محيط العمل كان بنفس أهمية المطالب الأقتصادية , فالأجانب يحتلون وظائف رقابية , و يتمتعون بسلطات واسعة فى فرض الغرامات والعقوبات التأديبية بكل أشكال صور التعسف , وهو أمر لم يكن للعامل ايذاءه أى حق فى رده أو التظلم منه , فضلا عن المعاملة السيئة من شتائم وأقل النعوت منها (حمار – خنزير – جاموسة ) , فضلا عن التمايز فى الترقيات .
ظهرت شكاوى العمال على السطح على شكل مد صاعد من الاضطراب فى صيف 1908 , وأنعكست فى فيض من المقالات والرسائل التى نشرت فى الصحافة المحلية وخاصة فى الصحف الوطنية بشأن محنة عمال الترام .
• هنا نلاحظ الادراك المبكر للعمال فى اتجاه لفت انتباه أنظار الرأى العام الى قضيتهم .
• عامل من عمال ترام القاهرة يرسل رسالة الى جريدة الأهرام بتوقيع ن.ف تقول الرسالة :
(أن شركة ترام القاهرة تشغل عمالها أكثر من 14 ساعة فى اليوم وتنقده مرتبا اثنين جنيه فى الشهر , واذا مرض يوما من شدة التعب والسهر والقيام المبكر تخصم منه أيام الأنقطاع وتأمر بايقافه ورفته – فصله- لأسباب واهية
أن شركة مثل هذه لا تسرق أوراقا ولا تختلس مليما واحدا , ولكنها تسرق أرواح العمال وتتسبب فى قصف حياتهم .. أن العمال كثيرا ما قدموا شكاواهم ولا حياة لمن تنادى , فلا الشركة تجيب ولا الجكومة تصغى ..
ولو كان لهؤلاء العمال وأمثالهم بمصر جمعيات أو أحزاب لما كانت الشركة تعاملهم هذه المعاملة السيئة , ولخشية من بأسهم )
• لعل هذه الرسالة توضح – الى حد ما – رسالة حملة مما هو معروةف اليوم , فالرسالة تتسم بالوضوح والتركيز , وتقدم رؤية للتنظيم كاحتياج وحل .. ولعل هذه الرسالة تمثل وعيا طبقيا وفهما لأهمية الطبقة العاملة للتنظيم الاسياسى والنقابى فى تقوية نضالها ووحدة صفها ودعم حركتها .
فى الخريف بدأ أكثر العمال نضالية من بين السائقين والمحصليين ينظمون حركتهم ويصيغون مطالبهم ويبحثون عن تأييد الجمهور .. –هنا أدرك العمال أهمية التأييد الشعبى لحركتهم – وعلى ضوء ذلك كان رد فعل الشركة فصل بعض العمال لما قاموا به من اثارة ولعبوا دورا رئيسيا فى خوض النضال .
فى أوائل أكتوبر عقدت الاجتماعات العمالية العلنية , وفى 13 أكتوبر 1908 , أرسلت مجموعة من السائقين و المحصلين خطابا الى مدير الشركة بالقاهرة ( كان مقر الشركة الرئيسى فى بروكسل ) كما أرسل العمال الى الصحافة مطالبهم ويهددون بالاضراب .
كانت المطالب تتضمن الأتى :
1. يوم عمل من ثمانى ساعات
2. زيادة 40% فى الأجور بحيث يتقاضى العامل – بعد خصم الغرامات – مايكفى لاعالة اسرته.
3. الخيار بين أجازة شهر فى السنة وبين راتب شهر اضافى .
4. يجب أن يمتنع المفتشون من ضرب العمال أو اذلالهم أو أهانتهم
5. اعادة الذين فصلوا دون وجهة حق .
6. تكوين لجنة تتكون من عدد متساو من المندوبين عن العمال والشركة للتحقيق فى التهم الخاصة بخرق قواعد العمل , ولهذه اللجنة أن تنفذ قرارها بشأن العقوبات , وتحدد التعويض عن حوادث العمل .
7. ايداع نصف أموال الغرامات فى صندوق ينتفع به العمال , ويصرف الباقى منحا للعمال الممتازين .
8. تحريم الفصل التعسفى ومنح أجر شهر لمن يفصل بسبب وجيه .
9. صرف زى العمل على حساب الشركة .
10. عزل عدد من موظفى الشركة المكروهين من مناصبهم .
• ان هذا البرنامج المطلبى يعكس وعيا فى اقرار علاقات عمل عادلة .
• ولقد أستخدم العمال سلاح الاصراب لتحقيق هذه المطالب وكانوا على درجة عالية من استخدام تكتيكات تساعد على نجاحهم , لأن عمال الترام كانوا يسيرون شبكة مواصلات يستخدمها الجمهور الواسع فى العاصمة , ووفر لهم هذا سلاحا يجبرون به لاشركة الترام فقط بل والحكومة المركزية أيضا على الاستجابة الى مطالبهم .
واذا كان هذا ما فعله العمال , فهناك تعاطف من الجمهور وهناك دور على درجة كبيرة من الاهمية وهو : جورج صداوى محامى العمال وكان من أصل لبنابى ورئيس لجنة الدفاع عن حقوق العمال , فوضه العمال لتقديم مطالبهم , وأعاقة الشركة تدخل جورج صداوى على اعتبار أنه من غير العمال , ورغم كل ذلك طلب العمال ردا على مطالبهم فى 24 ساعة.
• وحتى تكتمل التكتيكات المتعارف عليها فى مثل هذه الظروف , أستخدمت الشركة محطمين للاضراب أو ما يسمى بكاسرى الا ضراب .
• استدعى الأمن قوات اضافية وأجتمع العمال ليلة السبت 17 أكتوبر 1908 وأتفقوا على الاضراب فى صبيحة اليوم التالى .
• لقد نجح الاضراب نجاحا كبيرا فى البداية وأشترك فيه نحو 1600 عامل من بيت 2000 عامل كانة معظمهم فى ورش الصيانة أو فى المخارن , وعندما كان البوليس يقوم بتفريق العمال , كانوا فى بساطة يرقدون على القضبان فى أماكن أخرى .. والشىء الجدير بالذكر أن عائلات العمال أنضموا اليهم فى بعض الأحوال .
استخدم الأمن سياسة الاعتقال وضرب العمال واستعملت خراطيم المطافى لتفريق العمال , نجحت هذه الاجراءات فى تحطيم الاضراب حيث أخذ الصراع كل أشكال العنف المتعارف عليها فى ذلك الحين ضد العمال .
• وفى أخر أكتوبر قررت الادارة من جانب واحد :
- خفض ساعات يوم العمل الى 10 ساعات
- رفعت الاجور على اعتبار 10.5 قرش حد أدنى و 14 قرش حد أعلى ( بعد 8 سنوات خدمة ) ودفع تعويض عند الاصابة )
- أعادت الى العمل جميع العمال الذين أضربوا .
• بهذا الاضراب ظهر العمال رغم حداثة عهدهم بالنضال العمالى كشخصيات مستقلة على المسرح الصناعى .
• ( أقيمت نقابة عمال الترام فى 8 مارس 1909 )
بهذا حقق العمال المعادلة : اضراب – مفاوضة – نقابة .
المرجع : العمال والحركة السياسية فى مصر
تأليف : جويل بنين
زكارى لقمان
ترجمة : أحمد صادق سعد
#صلاح_الأنصارى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
