أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - من ينقض ماركس ؟! 1















المزيد.....


من ينقض ماركس ؟! 1


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 1950 - 2007 / 6 / 18 - 11:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


( 1 )

لم أتجنّ على القراء حين كتبت " العربان لا يقرأون " وإن قرأوا لا يفهمون . لم أتجنّ لأنني عاينت خطورة إنهيار العقل العربي بفعل طاعون الأدلجة المتفشي في الجنس العربي الذي أقوى أعراضه هي أن العربان ، الأميّون بينهم قبل المتعلمين، يعرفون أصل الكون ونهايته وما بعد نهايته وقد سبقوا في ذلك الفيزيائيين الكونيين العظام من مثل ألبرت أنشتاين(Albert Einstein) وستيفن هوكنج (Stephen Hawking)وكثيرين غيرهما. يتجاوز العرب كل الحقائق الفيزيائية العيانية الثابتة والمعادلات الرياضية الصعبة والمعقدة في نظريات أنشتاين وهوكنج ويعتقدون بكل بساطة أن ثمة شخصاً مختبئاً فوق السماء " السابعة " لم يره أحد من الخلق حتى الأنبياء منهم، عنَّ له أن يخلق من يعبده بعد أن ملّ العيش وحيداً بلا عبيد لمليارات السنين فما كان منه قبل حوالي ستة آلاف سنة فقط إلا أن خلق السماء والأرض والشمس والنجوم وسائر الحيوانات كي تكون معاشاً لعبيده. يعتقدون هذا بالرغم من أن عمر المجموعة الشمسية أكثر من خمسة مليارات سنة. ومع ذلك لم تكن العملية ناجحة تماماً فتعاقبت أمم مشاكسة كفرت بخالقها فأبادها الله أمة إثر أخرى ليخلق غيرها تسلّم بعبادته. ويبدو أن الأمر لم يستقر تماماً عند أمة الإسلام فأرسل لها من يؤدبها بالمفخخات ويهديها إلى الصراط المستقيم فظهر فيها الشيخان الجليلان أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ورهطهما من أمثال منتصر الزيات وعبد الباري عطوان ورفاقهما الناشطين في إبادة العراقيين .

حين يقرأ العربي فإنه لا يقرأ من أجل أن يتعرّف على ما يريد أن يقوله الكاتب بل من أجل أن يجد فيما يقرأ ما يتفق مع معتقداته ويبررها، من أجل أن يؤكد ما كان يعرف سابقاً وليس ليعرف ما لم يكن يعرف. ولماذا يعرف ما لم يكن يعرف طالما أنه واثق تماماً من أنه يعرف كل حقائق الحياة من بدايتها حتى إلى ما بعد نهايتها. يقرأ الإنسان دائماً حين يشعر بشيء من الجهل لكن العربي المسلم لا يعاني من مثل هذا الشعور بالجهل. وحين قرأ أحدهم مقالتي الأخيرة " القوى المطلقة للماركسية " علّق متسائلاً .. " تفلسف شو وراك " معبراً بذلك عن استهجانه كل رغبة بالمعرفة وتجرأ فوصف مثل هذه الرغبة برغبة العبيد !!

الحق أقول أنني أستمتع كثيراً في التعرّف على الكثير من المجاهيل من خلال قراءتي لتعليقات القراء على مختلف المواضيع أكثر من قراءتي للمواضيع نفسها، وتحدوني الرغبة في ذلك من أجل التحقق من انعكاس الفكرة العامة في الموضوع، بغض النظر عن محتواها، في ذهن القارئ وإدراكه ، مع الإفتراض أن عامة المعلقين هم أكثر رغبة في المعرفة من القراء غير المعلقين . ولعلي من باب مشاركة القراء في هذه المتعة، وليس من باب الدفاع عن الماركسية، أستعرض التعليقات على المقالة سالفة الذكر ..

علّق أحدهم فقال ..." ليس من حق الكاتب أن يصف القراء بأنهم لا يقرؤون أو لا يفهمون، فالعيب يكمن في طريقة العرض أو في عدم منطقية الطرح " ـ أقدر عالياً مثل هذا الرأي ولكن ما أرجوه هو أن يقرأ التعليقات الأخرى وعلاقتها بالموضوع المطروح ثم يعلق مرة أخرى. أما تساؤله عن " اشتراكية الصين وأميركا اللاتينية " وعن تسليم الشيوعيين السابقين أنفسهم إلى البورجوازية المتسلطة في العالم العربي فهو تعليق خارج الموضوع الأمر الذي يقدح في اعتراضه ومع ذلك أفيد أن الإشتراكية الوحيدة التي عرفها العالم هي الإشتراكية التي بناها ستالين في الإتحاد السوفياتي وما عداها سقط المتاع. أما الشيوعيون السابقون فمحتدهم جميعاً من البورجوازية الوضيعة التي تنحو عادة إلى التغيير ولكن ليس إلى الإشتراكية وإلغاء تقسيم العمل الإجتماعي بل إلى الإبقاء عليه بعد إلغاء عمل البورجوازية الكبيرة فقط وهو الأمر الذي تسبب في انهيار المشروع اللينيني .

قارئ آخر ذو علاقة ما بالفكر الماركسي عاد ليكتب عن خطأ ماركس في أنه لم يحدد هيكلية الدولة في مرحلة الإشتراكية مكتفياً بوصف طبيعة الدولة كأداة قمع طبقية. كتب لينين عن الدولة يقول .. " ما من مفهوم لحق به تشويه أعظم من التشويه الذي لحق بمفهوم الدولة على يد البورجوازية والرجعية " . ويبدو أن السيد القارئ هو أحدى ضحايا هذه التشويهات. فالدولة هي دائماً وأبداً من نسيج المجتمع الذي هو في صراع طبقي حامي الوطيس دون توقف. وبالنتيجة هنالك طبقة منتصرة تمتلك الدولة وتستخدمها أداة قمع ضد الطبقات المقهورة. هذا مفهوم لم يعد بحاجة إلى نقاش. أما الدولة العادلة التي لا تنحاز إلى طبقة بعينها، الدولة الهيجلية، فيلزم استيرادها من خارج المجتمع !! دولة الإشتراكية هي بالضرورة دولة البروليتاريا. أما أن ماركس لم يكتب محددات الدولة وهيكليتها فلم يكن بإمكانه أن يفعل ذلك حيث لم يكن باستطاعته أن يحدد أي تفاصيل للإقتصاد الإشتراكي فما بالك للدولة؟! وقائع انهيار المشروع اللينيني لعبور الإشتراكية جاءت على العكس تماماً من مفهوم السيد المعلق للدولة. ففي المؤتمر الإستثنائي الحادي والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي يناير1959 وقف نيكيتا خروتشيتشيف يسخر من المفهوم الماركسي للدولة الطبقية، وتعهد بأن تكون الدولة السوفياتية برئاسته دولة الجميع " دولة الشعب كله " كما أسماها تماماً بمثل ما يطالب به بعضهم ومنهم هذا القارئ المعلق. لكن " دولة الشعب كله " دفعت بالإشتراكية إلى الإنهيار كما رأينا. طبيعة الدولة لا تحددها رغبات الأشخاص على رأسها بل الصراع المحتدم في المجتمع. لم يخطب خروتشيتشيف ذلك الخطاب السخيف إلا ليخفي طبيعة الدولة التي يرأسها، دولة الطبقة الوسطى من ذوي الياقات البيضاء، دولة الجنرالات الذين أتوا به إلى الأمانة العامة للحزب وليس دولة الشعب كله ، دولة الطبقة الوسطى التي هي أكثر عداء للطبقة العاملة من الطبقة الرأسمالية والتي هو نفسه سهر على تشكيلها بعد أن استلم مسؤولية التنظيم في الحزب إثر رحيل ستالين وانتهى في حزيران 1957 إلى طرد كل البلاشفة من المكتب السياسي للحزب الذي هو مطبخ قرارات الدولة .

أما من علق بصفته يسارياً فقد طعن بالمادية التاريخية كما في المادية الديالكتيكية؛ وطالب أكثر من ذلك ببناء نظرية تجريبية محلية ديموقراطية تفضي إلى بناء " إشتراكية " ما . الذين يجرؤون على التطفل على السياسة هم دائماً من البورجوازية الوضيعة والتي هي دائماً في حالة إفلاس ولا تمتلك أية مصالح حقيقية في المجتمع فتطالب ب " إشتراكية " ما التي هي ليست الإشتراكية. السيد اليساري لا يعرف أية سمة من سمات الإشتراكية !! هؤلاء " اليساريون " لا يقرؤون ، وإن قرءوا لا يفهمون. كتبنا نؤكد ما رآه ماركس ومن بعده لينين وهو أن الإشتراكية ليست نظاماً إجتماعياً مستقراً بل هي الهدم لكل نظم الإنتاج السائدة فيما قبل الإشتراكية ومع ذلك يطالب هذا الأخ اليساري ببناء اشتراكية خاصة به كنظام إجتماعي مستقر. والأنكى من ذلك فقد طالب ببناء نظرية محلية ـ لا أدري كيف تكون نظرية ومحلية بذات الوقت !! ـ تجريبية وديموقراطية تؤسس لبناء " إشتراكية " . يبدو أن الإشتراكية التي يطالب هذا " اليساري " بالتنظير لها إنما هي " الإشتراكية العربية " البعثية كما سماها مؤسس البعث ميشيل عفلق ولم يتقدم لبنائها إلا حافظ الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق فكانت النتيجة تدمير قوى الإنتاج في البلدين وإفقار شعبيهما، رغم غنى كل من العراق وسوريا بالثروات الطبيعية، واستيلاء العصابات المتكفلة بحمايتهما من الشعب على معظم الثروة. أما قوله بأن التوالي التاريخي الذي تنبأ به ماركس لم يتحقق فلم تعقب الإشتراكية النظام الرأسمالي وليس من المنتظر أن تعقبه طالما أن طبقة البروليتاريا قد انكمشت في كل أرجاء العالم لتحل محلها طبقة ذوي الياقات البيضاء غير البروليتارية، فهو قول يعبر عن حقيقة ظرفية مؤقتة لا ترقى إلى مرتبة الحقائق المؤسسة لمرحلة تاريخية جديدة. إن حلول الطبقة الوسطى محل البروليتاريا في حجم غير قليل من العمل الإجتماعي في معظم بلدان العالم هو حلول ظرفي ولن يستمر فيقيم نظاماً اجتماعياً مستقراً . دراسة مثل هذا الموضوع المعقد تحتاج إلى قدرات علمية مميزة في الإقتصاد السياسي. على من يدرس هذا الموضوع أن يبحث عميقاً في شرعية وعدالة التبادل في السوق العالمية بين منتجات الطبقة الوسطى وهي الخدمات ومنتجات الطبقة العاملة وهي السلع ولماذا تستبدل الخدمات بأضعاف أضعاف قيمتها من السلع، كما يبحث في منحى تطور أدوات الإنتاج حيث يعتقد الكثيرون أن أدوات الإنتاج تتطور باتجاه تعميق الإنتاج الفردي وتوسيعه وهذا اعتقاد خاطئ تماماً فالعكس هو الصحيح، تتطور أدوات الإنتاج الحديثة باتجاه إلغاء تقسيم العمل وهو ما يفضي حتماً إلى الشيوعية. إنكماش البروليتاريا لصالح انفلاش الطبقة الوسطى تحقق بنتيجة المؤامرة التي حاكها الخمسة الكبار (G5) في قلعة رامبوييه عام 1975. سيجد هذا "اليساري" إجابات شافية على تساؤلاته في كتابي (أزمة الإشتراكية وانهيار الرأسمالية) الصادر عام 1992 والموجود على الشبكة الالكترونية.
أما الزعم بأن الديالكتيك إنما هو ميتافيزيقيا فأمر يدعو إلى الضحك حقاً حيث ثبت أخيراً أن الديالكتيك هو المادة نفسها إذ لا مادة بدون ديالكتيك ، فما المادة إلا الترابط الآني لنسق من التناقضات. مختلف النظريات والاكتشافات في سائر الحقول العلمية لم تخرج عن إطار الديالكتيك.

اختلف قارئان آخران في رؤية التاريخ إذ يراه أحدهم مجرد تدوين زمني لوحشية الحيوان الناطق الذي هو الإنسان، تدوين يخلو من أي معنى؛ فما زال حتى رجل الدين الذي يبدو مسالماً، كما يقول، يسعى لاغتيال الآخر جسدياً إن لم ينجح باغتياله روحياً وفكرياً. في حين يرى الآخر التاريخ على أنه من صناعة " الله ". تنطح السيدان لتفسير وصية ماركس القائلة " برؤية التاريخ كما هو " تفسيراً خاصاً بكل منهما ولا يحتمله التاريخ. اختلف السيدان في رؤية التاريخ متفقين كلاهما على إنكار سنة التطور في حياة الإنسان وبالتالي في تاريخه. ليس بوسع أحدهم أن يتجاهل الفرق الكبير بين حضارة الإنسان الأول وحضارة الإنسان الحالي. ثمة رحلة طويلة من التحضر والأنسنة تمت بوساطة العقلانية وليس الوحشية بالطبع كما يشي تعليق أحدهما. وما العقلانية إلا العلاقة الديالكتيكية بين الإنسان الحيوان والآلة في عملية الإنتاج التي شكلت حصن الإنسان ضد الإنقراض. تاريخ تطور الحيوان الإنسان هو ذاته تاريخ تطور أدوات الإنتاج؛ وهكذا حقّب المؤرخون التاريخ وفقاً لاختلاف أدوات الإنتاج فقالوا بالعصر الحجري ثم الحديدي فالبرونزي ..ألخ . في بداية رحلة الأنسنة تشكلت المجتمعات البشرية بروابط أقرب إلى الوحشية فالتزاوج على سبيل المثال كان مشاعاً وقد يتم بين الإخوة والأخوات وكان الملك هو نفسه الإله الذي يمتلك سائر مواطنيه يتصرف بهم كما يشاء دون قيد أو قانون كما أن الإنسان لم يكن ناطقاً قبل التعرف على الآلة وعلى الإنتاج. مثل تلك المجتمعات الوحشية هي غريبة تماماً على المجتمعات الحديثة حيث ينتظم التزاوج بين الرجل والمرأة كما يتم تداول السلطة وفقاً لانتخابات عامة وتتم ممارستها بموجب دستور وقوانين مكتوبة. مجتمعات العبودية لا تشبه بشيء المجتمعات الإقطاعية وهذه بدورها لا تشبه بشيء المجتمعات الرأسمالية. لو كانت الوحشية هي العامل الأقوى أثراً في المجتمع لما تمرحل التاريخ بهذه الصورة. نعم رحلة الأنسنة لم ولن تنتهي على الإطلاق؛ ما زالت بعض الوحشية في الإنسان المعاصر فالمجتمعات الطبقية لم تمحُ الكثير منها ولا بد أن يزول معظم ما تبقى بعد الإنتقال إلى المجتمع الشيوعي حيث تستكمل الأنسنة بدرجة كبيرة فلا يشبه الإنسان إذّاك إنسان العصر. ذات المقال نقوله للآخر " المؤمن "، فلو أن " الله " هو من يصنع التاريخ لصنعه مرة واحدة وبأحسن توصيف، لصنعه ثابتاً لا يتغير ولا يتبدل. لصنع الحضارة الأمثل والأكثر تقدما منذ وجود الإنسان على الأرض ولاستخدم الإنسان الأول الإنترنت وقام باكتشاف الفضاء. لكن طالما أننا نرى التاريخ يتغير ويتبدل وفقاً للآلات التي يخترعها الإنسان ومدى فعاليتها في حقول الإنتاج حتى في الجيل الواحد فلا يجوز الإفتراض بأن ثمة قوى غير طبيعية تتدخل في صناعة التاريخ. أما قراءته لمقولة أنشتاين عن " الله " فهي تقطع فيما قلناه عن الإيديولوجيين وعدم فهمهم لما يقرأون. فأنشتاين قال بوضوح شديد أنه على الذين يؤمنون بوجود الله أن يبحثوا عنه في أكوان أخرى وهو ما يعني تماماً أن الله ليس موجوداً في الأكوان التي نعرف. الإيديولوجي يقرأ دائما ليبرر معتقداته وليس ليتفهم ما يطرح الكاتب، وهكذا فهم " المؤمن " نفي أنشتاين لوجود الله تأكيداً لوجوده أو لاحتمال وجوده على الأقل .
يشارك بعضهم " اليساري " في التشكيك في الترابط الآني بوحدة الأضداد باعتبار أن نقيض الرأسمالية هو الإشتراكية وأن الإشتراكية انهارت وتلاشت أما الرأسمالية فما زالت حية وتعمل بعد أن نقضت الإشتراكية ونفتها كليّاً. بالرغم من أن المشككين لم يدركا حقيقة الإنهيار المتعاظم للنظام الرأسمالي منذ إعلان رامبوييه (G5) نوفمبر1975 متزامناً مع انهيار المشروع اللينيني الإشتراكي 1956 ـ 1991 وذلك بسبب معرفتهما المحدودة في جوهر النظام الرأسمالي وعناصر تركيبه، بالرغم من ذلك فإن تشكيكهما إنبثق من جهل فاضح بفلسفة المادية الديالكتيكية ووحدة الأضداد، فالإشتراكية ليست هي النقيض المضاد للرأسمالية كما افترضا. ما تقرره فلسفة وحدة الأضداد هو أن النظام الإجتماعي ينهار ويتلاشى بفعل الصراع بين النقيضين المتواجدين في طبيعته. فقد انهار مشروع لينين الإشتراكي بفعل التناقض في داخله وليس بفعل قوة النظام الرأسمالي وحيويته التي أرجح أنها أطالت بعمر المشروع اللينيني ولم تعمل على انهياره. ليس أدل على الوحدة الآنية للنقيضين من التطور التاريخي للمجتمعات البشرية. فطبقة السادة في المجتمع العبودي اختفت باختفاء طبقة العبيد وتمت ولادة النظام الإقطاعي الذي لا علاقة له بنظام العبودية والذي يحمل في باطنه تناقض الإقطاعيين مع الأقنان، وبفعل الصراع بين هذين النقيضين انهار النظام واختفت طبقتا الإقطاعيين والأقنان ليولد من جديد النظام الرأسمالي الذي لا علاقة له بالنظام الإقطاعي والذي يحمل في جوفه تناقض الرأسماليين مع البروليتاريا والذي لا بدّ أن يعمل على فنائه. قال ماركس أن النظام الذي سيولد بعد الرأسمالية هو الشيوعية وثمة فترة عبور من الرأسمالية إلى الشيوعية هي العبور الإشتراكي الذي يتم خلاله إلغاء تقسيم العمل ومحو الطبقات كما بتعبير لينين . الإشتراكية هي وليد الرأسمالية وليس نقيضها. تنهار الرأسمالية وتتلاشى بتأثير الصراع في عناصر تكوينها. يتطور نظام الإنتاج الرأسمالي مع تزايد حدة الصراع بين الرأسماليين من جهة والبروليتاريا من جهة أخرى وفي النهاية يتفجر النظام ويتلاشى بولادة الإشتراكية. يزعم الكثيرون أن الرأسمالية ازدادت حيوية ومنعة مؤخراً بينما شهدنا الإشتراكية تتفجر وتتلاشى وليس الرأسمالية. لئن كان هذا صحيحاً وحقيقياً، وهو ليس كذلك، فعلينا أن ننتظر تفجر الرأسمالية في المستقبل وليس لنا إلا أن نفترض أن مشروع لينين لم يكن هو الإشتراكية العلمية التي قال بها ماركس كما يقول كثير من الإشتراكيين والشيوعيين السابقين. ما نحن فيه اليوم هو فترة هروب من الإشتراكية. أحسّ قادة الدول الرأسمالية الأغنى الخمس (G5) بترنح الرأسمالية قبل الإنهيار فتآمروا في رامبوييه ونقلوا العالم إلى نمط الإقتصاد الإستهلاكي (consumerism) وقد حسبوه علاجاً للرأسمالية لكنه تبين فيما بعد أنه يعمل ضد الرأسماليين بذات المقدار الذي يعمل ضد البروليتاريا وتبعاً لذلك تقلص الإنتاج الرأسمالي في الدول الخمس الغنية كما انكمشت طبقة البروليتاريا فيها ومن ذلك أيضاً رحيل الصناعات من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة فيما سمي بالعولمة. أما الإشتراكية التي انهارت لم تكن أكثر من محاولة لينينية لاستيلاد الإشتراكية من الأم الرأسمالية قبل الأوان. توصيف النظام الإجتماعي اليوم في معظم دول العالم بأنه النظام الرأسمالي المتجدد الحيوية والمتعولم هو توصيف يفتقر إلى البصر والبصيرة معاً. فالنظام الرأسمالي يقوم أساساً على عنصر الربح أو فائض القيمة الذي لا يتأتى إلا من العمال والطاقة المتجددة فيهم؛ والذين يقولون بتجدد حيوية النظام الرأسمالي يقولون أيضاً بانكماش طبقة البروليتاريا بذات الوقت، فكيف يكون ذلك؟ يجيب بعض هؤلاء بأن الرأسماليين استعاضوا عن الشغل البشري بالطاقة المركزة كما في النفط والكهرباء وبالأجهزة عالية التقنية. مثل هذه التقولات لا تعبر إلا عن جهل مطبق في علم الإقتصاد وفي ميكانزمات الرأسمالية ودورة الإنتاج فيها. ويعتقد هؤلاء بغير حق في أن أدوات الإنتاج تتطور باتجاه الإنتاج الفردي (individual production) لكن نظرة متفحصة أعمق تؤكد أن أدوات الإنتاج الحديثة تنحو إلى الإنتاج الجمعي (associated production). الرأسمالية بكلمة هي الإتجار بقوى العمل البشرية. الإعتماد المتزايد على الأتمتة يعمل على تخفيض معدل الربح منسوباً إلى الزيادة الكبيرة في رأس المال الثابت ومعظمه موظف في ثمن الآلات وصيانتها؛ وانخفاض معدل الربح يعمل على هجرة الأموال من نمط الإنتاج الرأسمالي إلى أنماط أخرى مثلما تهرب اليوم رؤوس الأموال الضخمة إلى المضاربة في البورصة .

ألطف القراءات جاءت من أحدهم وهو لا يعلم بأنه ماركسي تماماً (!!) فماركس لم يقل أساساً إلا ما قاله وهو أن القانون العام لأمنا الطبيعة إنما هو المنافسة التي هي الصراع في الديالكتيك بالمفهوم الماركسي، والصراع وحده هو ما يخلق الخير والتقدم والنماء تماماً كما يقول وقد اتفق مع ماركس على أن الأدلجة تعمي الأبصار فلا تسمح للمؤدلجين برؤية الحقائق كما هي . لكن السيد المعترض على الأدلجة استشهد بهنري كيسنجر المدان بجرائم حرب في الهند الصينية وفي التشيلي حيث خطط لانقلاب 74 واغتيال الرئيس المنتخب سلفادور أليندي وأعطى تعليمات لكميل شمعون بشن حرب على الفلسطينيين عام 1975 لطردهم من لبنان مثلما طردوا من الأردن ؛ وعندما فشل شمعون في القيام بالمهمة باع كيسنجر لبنان إلى حافظ الأسد بالثمن المطلوب وهو القضاء على الفلسطينيين في لبنان وقد تم بوساطة المليشيات الموالية للأسد. استشهد السيد، لاستغرابي الشديد، بمطالبة كيسنجر للرئيس نكسون (Nixon) 1973 بمنع الشعوب من اختيار أنظمتها الإجتماعية إلا بعد الترخيص بأمر من الولايات المتحدة الأميركية باعتبار الشعوب فاقدة للإحساس بمسؤولياتها!! ويلمح أخونا إلى أنه كان سيؤمن بالإشتراكية لو أن الإتحاد السوفياتي بنى إقتصاداً منتجاً وثرياً. وهنا أحيله إلى الصحافة الأميركية عام 1936 وكيف كانت تتمثل بالإقتصاد السوفياتي حيث كانت الشعوب السوفياتية تعيش برغد نسبي لتنتقد بشدة الإقتصاد الأميركي حين عانى الأميركيون من وطأة أزمة 1929. كما أحيله إلى برنامج إعادة بناء ما هدمته الحرب 1946 ـ 1951 وكيف سبق الإتحاد السوفياتي أوروبا بأشواط في إعادة البناء رغم أنه كان قد تحمل أضعاف أضعاف الخسائر الأوروبية، علماً بأن الولايات المتحدة الأميركية كانت قد هبت لمساعدة أوروبا باثني عشر ونصف من مليارات الدولارات بموجب مشروع مارشال بينما راحت تطالب السوفييت بإعادة المأجورات من سفن ومركبات وإيفاء أجورها حال انتهاء الحرب، علماً بأنه لولا السوفيات وسحقهم للجيوش اليابانية شرق آسيا لاحتل اليابانيون الولايات المتحدة بالرغم من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي الذريتين ضد المدنيين ولاحتل الألمان القارة الأوروبية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولربما عمل تشرتشل وترومان عندئذٍ مستشارين في وزارة المستعمرات الألمانية.

أحدهم علق يصف نفسه أنه من القراء من الدرجة "الصفر" ! ومع ذلك احتج هذا القارئ من الدرجة الصفر على كتابتي في الفلسفة وقال أن السادة كفوا عن الكتابة في الفلسفة فكيف يكتب فيها العبيد ؟! أولاً أنا أشكر السيد "الصفر" لأنه أضاع بضع عشرة دقيقة على قراءة ما كتبت من فلسفة رغم ما وراءه من أعمال كثيرة وهامة وليس مثلي أنا " العبد " الذي ليس وراءه من أعمال فصرف وقته في التفلسف!! ثم إنـني لا أوافـق على أن السيد قـارئ من الدرجة الصفر لكنه رغم عدم موافقتي فقد فهم مقالتي حـول " القوى المطلقة للماركسية " على أنها تفلسف ودون الفلسفة. لا أعتقد أنني تفلسفت في الفلسفة بل كتبت قليلاً على هامش الفلسفة، هذا أولاً؛ أما ثانياً ، فللناس أجمعين أن يعبروا عن رؤاهم بالطريقة التي يعرفونها وبالأسلوب الأقرب للفهم بصورة عامة؛ أما ثالثاُ ، فورائي أهم وأكثر مما وراء القارئ "الصفر" من أعمال. ورائي التنقيب عن مسار رحلة الأنسنة لبني الإنسان أجمعين وقد صرفت، حتى لا أقول ضيعت، ما يزيد على نصف قرن من عمري على هذه المهمة الجليلة وكابدت خلاله أقسى العذابات وتكبدت أفدح الخسائر، فلا تسلني لماذا تتفلسف وأنت العبد؟! كاد السيد أن يقول .. " لا تقرأْْ العبدَ إلا والعصا بيدكْ.. إن العبيد لأنجاس مناكيد " وأخيراً محبتي لكل القراء دائماً .





#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإتحاد السوفياتي لم يعبر الإشتراكية
- رسالة خاصة حول راهنية العمل الشيوعي ومشروعيته التاريخية
- ما أحوجنا اليوم إلى معرفة ستالين على حقيقته
- المنحرف خروشتشوف والمرتد كاوتسكي يكتبان للحزب الشيوعي العراق ...
- دكتاتورية البروليتاريا
- لا علمانية ولا إكليركية، الدولة هي الدولة
- إنهيار الرأسمالية
- حقيقة قضية المرأة
- ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول
- أكذوبة إقتصاد المعرفة
- القطيعة مع الوحدة العربية وقد خرجت من التاريخ
- الجاهل عدو نفسه / رد على السيدة سعاد خيري
- العولمة .. إنزلاق عن مسار التاريخ
- نمورٌ أم جراءٌ أسيوية?
- التاريخ.. يتصل وينفصل
- من الفوضى الخلاقة إلى الشرق الأوسط الجديد
- العولمة.. رحلة خارج التاريخ
- إعلان رامبوييه .. أخطر إنقلاب في التاريخ وهو أساس النظام الد ...
- اكذوبة إقتصاد المعرفة مرة أخرى
- إقتصاد السوق صيحة مشبوهة


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - من ينقض ماركس ؟! 1