الأخوان المسلمون قصة طويلة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 7985 - 2024 / 5 / 22 - 00:26
المحور: الادب والفن     

في الستينات من القرن المنصرم، وأنا في توجيهي (بكالوريا) كلية النجاح الوطنية التي بجوارنا حيث نسكن ويدير والدي ووالدتي مدرستهما الخاصة الفاطمية الجديدة، كنت أذهب أنا وأصدقاء الطفولة، لنلعب طاولة التنس، إلى مقر الإخوان المسلمين في نابلس مدينتنا تحت الدرج الذي لا يبعد كثيرًا، بجانب مقهى المنشية الصيفي المعروف بحدائقه ذات أشجار السرو وأسراب الغربان المعششة فيها، والملاصق –المقر- بمكتبة البلدية التي قرأت فيها كتبي الأولى في الفن السينمائي، كنا نعرف أن الإخوان المسلمين في الأردن هم من تأسيس السي آي إيه، بأموالها قام حزبهم، وكان الحزب الوحيد الذي سمح به الملك حسين –مستر بيف اسم عميلها الحركي- مقابل منعه الأحزاب الأخرى ومطاردته أفرادها، خاصة أفراد الحزب الشيوعي، واعتقالهم، وتعذيبهم. وبينما كنا نلعب طاولة التنس، كانوا يجتمعون في قاعة واسعة مفتوحة أبوابها، فكنا نسمعهم يتكلمون عن الدين والدنيا، ولم نكن نسمعهم يتكلمون أبدًا في المواضيع السياسية، وكان بعض غيرنا من الشباب الذين يلعبون التنس مثلنا يتوضأون ويصلون في حجرة واسعة كانت مسجدًا داخليًا لا أزال أتذكرها بسجاجيدها وأضوائها الخافتة. كان الملك حسين يتركهم في حالهم، ولكنه كان يراقبهم، فما أن يقووا حتى يضربهم، ويقلم أظافرهم، ويخضعهم. لموقفهم الديني هذا المبطِّن لموقفهم السياسي كنا ندعوهم "إخونجية كرخنجية"، نحن سكان مدينة نابلس وباقي سكان الأردن.

ابن الملك حسين عبد الله الثاني لم يكن في حاجة إلى ضربهم ليبقوا في خدمة النظام، خلال الربيعات العربية، كرسوا أنفسهم للإيهام بكونهم ضد النظام بينما هم على اتفاق معه ليحصل النظام على ميدالية ربيعه من السي آي إيه، ويعزز اللعبة السياسية التي كانت لعبة دينية آنذاك في إطار الأسلمة، لعبة لم تزل مع الأحداث الدائرة حتى اليوم على الرغم من انتهاء الأسلمة بالفشل الأمريكي الذريع، لأنها ضد مسار التاريخ الذي هو مسار التكنولوجيا وتطوره من تطورها.

خطة آلون منذ ذلك الوقت البعيد هي ألا تكون هناك دولة فلسطينية تجمع الضفة والقطاع، فنظر الموساد من حوله، ومن عملاء السي آي إيه، الإخوان المسلمين، أسس الموساد حركة حماس، السعودية بأمر أمريكي تكفلت بالإنفاق عليها، ومصر بأمر أمريكي كذلك تكفلت بتدريبها. كانت أسلمة الشرق الأوسط في بدايتها، والعلاقة بين حزب الإخوان المسلمين وحركة حماس هي علاقة أمريكية-إسرائيلية، حزب الإخوان المسلمين أسسته السي آي إيه وحركة حماس أسسها الموساد، في القطاع الفلسطيني كان هذا جوهر العمل الثنائي في كافة المشاريع السياسية الخاصة بأطروحة آلون، نتنياهو هنا لا مكان له في الإعراب، إنه عهد مدموغ بين الطرفين، في خدمته وفي استخدامه، في خدمته عندما تؤمر حماس بإطلاق صواريخها أو تصريحاتها لإخراج رئيس الوزراء الإسرائيلي من مأزق من مآزقه الكثيرة، وفي استخدامه عندما يمارس على هواه مجازر الإبادة للضغط على الفلسطينيين بقبول خطة بايدن للتصفية بعد مجزرة الإخوان المسلمين للضغط على الإسرائيليين لقبول حل بايدن للدولتين.

على الرغم من جهدي الدائب منذ 22 عامًا في الاستقراء السياسي والتحليل العلمي لا يزال العمل جاريًا بين الأمريكيين والإسرائيليين حسب أطروحة آلون الرافضة لقيام دولة فلسطينية، واليوم يأخذ الرفض شكل القبول بتفصيل شبه دولة أي لا دولة لنعود إلى أطروحة آلون من جديد وهو في قبره. حماس في الإعلام العربي هي المقاومة والإخوان المسلمون هم الأبطال، وبالتالي يعمل ثنائي الموساد والسي آي إيه على تسليمها زمام الأمور باقتسام السلطة مع عملاء آخرين للموساد والسي آي إيه، الجهازان قاما بتأسيس منظمة التحرير وحركة فتح وياسر عرفات، الاقتسام ما هو سوى مرحلة انتقالية لا بد منها قبل انتخابات تحتل فيها حماس دولة بايدن بدل احتلال إسرائيل.

هذه هي الخطة، لكن لن يكتب لها النجاح، لسبب بسيط ألا وهو أنها سترضي فانتازم من فانتازمات الإدارة الأمريكية ولن ترضي الحقوق الفلسطينية كما أرضيها بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين والقدس الغربية والقدس الشرقية القدس الموحدة عاصمة لمملكة إسرائيل، فأرضي أحلام شعبها الألفية، لن تحل هذه الخطة المشئومة مسألة المستوطنات كما أحلها بالحكومات المحلية الثلاث ضفة غزة قطاع عليها حكومة مركزية وأعطي يهود القدس الشرقية ويهود المستوطنات جنسية مزدوجة، لن تحقق حق العودة بحق التبادل التجاري والتنقل البشري وحق الاستقرار كما هو سائد في الاتحاد الأوروبي (مطرح ما ترزق إلزق) كما أحقق، لن تأتي بأموال التعويض الاستثماري أكرر الاستثماري فالأموال ستعود إلى الممولين بالاستثمار بها كما آتي، لن تبني لليهود فاتيكان في القدس يعوضهم عن هيكلهم مثلما سأبني للمسلمين فاتيكان مكة والمدينة يحدد الأسلمة بتجديد الإسلام ويستوعبها، لن يكون أمن إسرائيل بأمن الإخوان المسلمين الجزارين، فهم قدروا على الذبح وسيبقون قادرين على الذبح، بل أمنها أمنها الحقيقي أمنها الدائم يكون معي بعمق الممالك السبع الاستراتيجي بصفتها إحدى هذه الممالك السبع، وهذه الممالك السبع في مشروعي الشرق الأوسطي ستكون الولايات المتحدة العابرة للمحيط، بها يتم تحقيق ما لا تستطيع عليه أمريكا من استثمار وإنتاج واقتصاد وتجديد بنيوي لقواها البشرية والتكنولوجية، هذه هي الأمركة الخلاقة، هذا هو العمل الثنائي الخلاق بين أمريكا وبين الشرق الأوسط، الفعل الثنائي الخلاق بيني وبين الرئيس الأمريكي، الفعل الثنائي المتعدد الأبعاد التي أهمها كيف نبعد خطر الصين ونتفادى أطماعها الإمبريالية، كيف بمشكل صغير كالمشكل الفلسطيني-الإسرائيلي نحل المشاكل الأمريكية ونعيد صياغة أمريكا وعظمتها.