أُمَّةٌ حيَّةٌ.. أُمَّةٌ تُقاوِمُ.. كلمة في ملتقى تونس لدعم المقاومة..


سعود قبيلات
الحوار المتمدن - العدد: 7873 - 2024 / 1 / 31 - 20:09
المحور: القضية الفلسطينية     

تالياً، الكلمة الَّتي ألقيتُها يوم 13 كانون الثَّاني/يناير 2024، باسم الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ، في حفل افتتاح «ملتقى تونس لدعم المقاومة»، الَّذي عُقِدَ في تونس العاصمة في يوميْ 13 و14 كانون الثَّاني 2024، تحت شِعار «أُمَّة تُقاوِم... أُمَّة تنتصر». وقد عُقِدَ الملتقى بدعوةٍ مِنْ «حركة الشَّعب» التُّونسيَّة، وشارك فيه عددٌ كبير مِنْ قادة الأحزاب والحركات العربيَّة، وخصوصاً فصائل المقاومة، ومنها: «حماس»، و«الجهاد الإسلاميّ»، و«حزب الله»:

الرَّفيقات والرِّفاق الأعزَّاء،
الأخوات والأخوة المحترمون،
الحضور الكرام،
أطيب تحيَّاتي لكم وبعد،

ففي البداية، أشكرُ الرِّفاقَ في حركة الشَّعب، وفي مقدِّمتِهم الرَّفيقُ زهير المغزاوي أمين عام الحركة، الَّذين تكرَّموا بدعوتِنا إلى هذا الملتقى العربيِّ المهمِّ لدعمِ المقاومةِ، وهيَّأوا له كلَّ الأسبابِ اللازمةِ لنجاحِه.

يُسجَّلُ لحركةِ الشَّعب، وللقوى الوطنيَّةِ والقوميَّةِ والتَّقدُّميَّةِ في تونس، وللشَّعب التُّونسيّ الشَّقيق العزيز عموماً، موقفُهم الحازمُ والمخلصُ والحارُّ من القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ، ومن الشَّعبِ الفلسطينيِّ، وضدَّ العدوِّ الصّهيونيِّ الغاصبِ ورعاتِه والمتواطئين معه.

الرَّفيقات والرِّفاق الأعزَّاء،
الأخوات والأخوة المحترمون،
الحضور الكرام،

لقد جئنا إلى تونسَ مِنْ أجلِ دعمِ المقاومةِ؛ فما الَّذي جئنا نفعله بالضَّبط لدعمِ المقاومةِ؟

هل هو الإعلان فقط، في نهاية أعمال ملتقانا، عن موقفِنا الدَّاعمِ للمقاومةِ؟

لا يوجدُ شكٌّ في أنَّ الحاضرين هنا جميعاً مؤيِّدون للمقاومة.

ومع ذلك، فتأكيد دعمنا للمقاومة مطلوب؛ لكن المطلوب أكثر هو أنْ نجيبَ بدقَّةٍ على السُّؤالِ الافتراضيِّ الضَّروريِّ عن الكيفيَّة الَّتي سندعم بها المقاومةَ، وأنْ تكونَ لدينا، بالإضافة إلى هذا، خطواتٌ ملموسة تقودُ مباشرةً أو على نحوٍ غيرِ مباشِرٍ إلى دعمِ المقاومةِ.

أنا لا أستهين بأهمِّيَّةِ الكلمةِ.. الكلمةُ بقوَّةِ الرَّصاصةِ، إنْ لم تكن في بعضِ الأحيانِ أقوى منها؛ وإلَّا فلماذا يعمدُ الطُّغاةُ والمستعمرون دائماً إلى معاقبةِ أصحابِ الكلمةِ الحُرَّةِ الشُّجاعةِ، ويصلُ الأمرُ أحياناً إلى حدِّ الحُكمِ عليهم بالإعدامِ؟

والرَّصاصةُ مِنْ دون الكلمةِ، مِنْ دون الفكرةِ الَّتي تُبنى بالكلماتِ، تكونُ عمياءَ وعابثةً، ويكونُ مطلِقُها أقربَ إلى كونِه رجلَ مافيا أو مجرماً عاديّاً.

وأنا، هنا، حين أن أتحدَّثُ عن أهمِّيَّةِ الكلمةِ، فلا أتحدَّثُ عنها بالمطلَقِ؛ بل أتحدَّثُ عن الكلمةِ الحُرَّةِ الشُّجاعةِ تحديداً.

وفي هذه الحالةِ تنعدمُ المسافةُ بين الكلمةِ وبين الفعلِ بمعناه النَّمطيِّ الشَّائعِ.. بمعناه المحدودِ الضَّيِّق؛ حيث تُصبحُ الكلمةُ موقفاً وفعلاً معاً..

ولهذا، فنحن نحتاجُ – بالإضافةِ إلى إعلانِ موقفِنا بخصوص دعمِ المقاومةِ – إلى خطواتٍ محدَّدةٍ ملموسةٍ، تصنعُ من الكلمةِ فعلاً مزدوجاً.. أوَّلاً: لأنَّها تشتمل، في هذه الحالة، على موقفٍ؛ وثانياً: لأنَّها تشتملُ أيضاً على سلوكٍ مباشرٍ يُعزِّزُ هذا الموقفَ.

المشاركون في هذا الملتقى، في معظمِهم، أحزابٌ وقوىً سياسيَّةٌ تُمثِّل موضوعيَّاً فئاتٍ اجتماعيَّةً وسياسيَّةً متنوِّعةً في بُلدانِها، ولها علاقاتٌ متباينةٌ مع قوىً اجتماعيَّةٍ وسياسيَّةٍ في بُلدانِها؛ ولها علاقاتٌ مماثلةٌ مع قوىً سياسيَّةٍ في بُلدانٍ أُخرى عربيَّةٍ أو أجنبيَّةٍ.

ومِنْ هذه الزَّاويةِ، نستطيعُ أنْ نستخدمَ وسائلَنا الإعلاميَّةَ وهيئاتِنا الفكريَّةَ، لنَفْضِ الغبارِ عن السَّرديَّةِ الفلسطينيَّةِ الحقيقيَّةِ العادلةِ، كي تعودَ إلى حالةِ صفائها ووضوحِها، ثمَّ نقومُ بتقديمِها بصورتِها هذه إلى العالمِ كُلِّه.

السَّرديَّةُ الفلسطينيَّةُ الحقيقيَّةُ العادلةُ طُمِستْ، خلالَ العقودِ الماضيةِ، تحت غُبارِ الحلولِ الاستسلاميَّةِ.. كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، وما يُسمَّى حلُّ الدَّولتين، ووَهْمِ إقامةِ الدَّولةِ الفَلَسطينيَّةِ المستقلَّةِ عن طريقِ التَّفاوضِ مع العدوِّ الصّهيونيِّ ورُعاتِه الإمبرياليين.

لقد اُختُزِلَت القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ، في تلك الفترةِ.. فترةِ الإحباطِ والخيباتِ والهوانِ، بوَهْمِ إقامةِ الدَّولةِ؛ وغُيِّبَتْ تحت هذا الرُّكامِ حقوقُ الشَّعبِ الفلسطينيِّ الوطنيَّةُ والإنسانيَّةُ الأساسيَّةُ كُلُّها؛ وفي مقدِّمتها، حقُّه في تحريرِ وطنِه؛ وحقُّه في العودةِ إلى ديارِه، والتَّعويضِ عن نكبتِه وتشريدِه وشتاتِه والاستيلاءِ على أرضِه وممتلكاتِه وكلِّ عذاباتِه وآلامِه؛ وحقُّه في تقريرِ مصيرِه على تُرابِه الوطنيّ كُلِّه.

والدَّولةُ يمكن أنْ تكونَ، بعد ذلك، ثمرةً لتمكُّنِ الشَّعبِ الفلسطينيِّ مِنْ ممارسةِ حقِّه في تقريرِ مصيرِه؛ لا أنْ تكون بديلاً لهذا الحقِّ وعلى حسابِه.

في العقودِ الأخيرةِ، أصبحنا نرى البعضَ يُعلنُ، باسم الجميع، استعدادَه للتَّخلِّي عن الحقوقِ الوطنيَّةِ والإنسانيَّةِ الأساسيَّةِ للشَّعب الفلسطينيّ، الجمعيَّةِ والفرديَّةِ، مقابلَ وعدٍ كلاميٍّ غيرِ موثوقٍ بإقامةِ الدَّولةِ الموهومةِ عبر التَّفاوضِ مع العدوِّ.

السَّرديَّةُ الحقيقيَّةُ للقضيَّةِ الفلسطينيَّةِ لها وجهان: وجهٌ يتعلَّقُ بالتَّاريخِ الإجراميّ لإنشاءِ الكيانِ الصّهيونيّ؛ ووجهٌ يتعلَّقُ بمأساة الشَّعبِ الفلسطينيِّ الَّتي أنتجها إنشاءُ الكيانِ الصّهيونيِّ، بالقوَّة الغاشمةِ، على أرض فلسطين.

وفي ما يخصُّ الوجهَ الأوَّلَ لهذه السَّرديَّةِ، يجبُ أن نتمسَّكَ، بوضوحٍ، بالتَّوصيفِ الحقيقيِّ للعدوِّ، كاستعمارٍ استيطانيٍّ إحلاليٍّ عُنصريٍّ فاشيّ.

هذا التَّوصيفُ غُيِّبَ تحتَ غُبارِ السَّيرِ الذَّليلِ على طريقِ الحلولِ الاستسلاميَّةِ؛ حيث جرى التَّعاملُ مع كيانِ العدوِّ كما لو أنَّه كيانٌ طبيعيٌّ مشروعٌ، يمتلكُ حقَّ الوجود.. كغيرِه من الكياناتِ الطَّبيعيَّةِ. وصوِّرت القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ كما لو أنَّها قضيَّةُ نزاعٍ حدوديٍّ، مع هذا الكيانِ، على الحدودِ الَّتي رسمتها دبَّاباته في حربِ حزيران في العام 1967.

الوجهُ الثَّاني، هو المتعلِّقُ بمأساةِ الشَّعبِ الفلسطينيِّ، ويقومُ على تثبيتِ عددٍ من الوقائع المتعلِّقةِ بمظلوميَّةِ الشَّعبِ الفلسطينيِّ؛ ومنها، أنَّه شعبٌ اُحتُلَّتْ أرضُه، وشُرِّدَ منها عنوةً، واستولى المستعمرون عليها وعلى كُلِّ ممتلكاتِه، وشُتِّت شملُه في مختلفِ بقاعِ العالم، ومَنْ بقي منه على أرضِه يُعدَم أبناؤه يوميَّاً في الشَّوارعِ وفي بيوتِهم، وتُهدَم بيوتُه، وتُقتَلع أشجارُه، ويُسلَبُ تُراثُه، ويُعتقلُ أبناؤه ويتعرَّضون لأبشعِ أنواعِ التَّعذيبِ على يدِ جلاوزةِ العدوِّ الصّهيونيِّ، ويُزجُّون في السُّجون عشرات السِّنين، ويُبعَدَ كثيرون منهم عن أرضِهم وديارِهم.. وسوى ذلك الكثير الكثير مِنْ شاكلة هذه الوقائعِ المأساويَّة المعروفةِ.

هذه السَّرديَّةُ غيَّبها أيضاً الكلامُ عن الحلولِ الاستسلاميَّةِ، وخصوصاً الكلامَ عن وهمِ «الدَّولةِ الوطنيَّةِ» الَّتي ينتظرون أنْ يأتي بها التَّفاوضُ مع العدوِّ!

وفي أقلِّ الأحوال سوءاً، فقد حلَّ الكلامُ عن بعضِ الحقوقِ الإنسانيَّةِ، محلَّ التَّمسّكِ بالحقوقِ الأساسيَّةِ.. الوطنيَّةِ والإنسانيَّةِ معاً.

عمليَّةُ السَّابعِ مِنْ تشرين الأوَّل (أُكتوبر) البطوليَّة، نَفَضَت الغُبارَ عن القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ، وأعادت الألقَ إليها، وقدَّمتها مجدَّداً إلى العالمِ كُلِّه بوصفِها القضيَّةَ الأكثرَ عدالةً في العصرِ الحديثِ.. قضيَّةَ شعبٍ أُبتليَ بأسوأِ استعمارٍ استيطانيٍّ إحلاليٍّ عُنصريٍّ فاشيّ، ومِنْ حقِّه أنْ يقاومَ هذا الاستعمارَ بكلِّ الوسائلِ المُتاحَةِ والأشكالِ الملائمةِ، وأنْ يستعيدَ أرضَه، ويُحصِّل حقوقَه الوطنيَّةَ والإنسانيَّةَ.

العدوُّ الإمبرياليُّ الصّهيونيُّ وأتباعُه في المنطقةِ، يحاولون الآن قَطْعَ الطَّريق على هذا المسار، وإعادةَ دفنِ القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ مجدَّداً تحتَ رُكامِ الكلامِ عن الحلولِ الاستسلاميَّةِ ووهمِ الدَّولةِ الوطنيَّة..

اِنطلقَ هذا المسعى الخبيث مِنْ واشنطن، في البدايةِ؛ حيث عادوا هناك إلى الكلامِ عن حلِّ الدَّولتين بكثافةٍ وعلى نحوٍ متواترٍ، وراح جماعتُهم وأتباعُهم في المنطقةِ يردِّدون هذه اللازمةَ وراءهم.

مِنْ واجبِنا، كأحزابٍ وقوىً وطنيَّةٍ وقوميَّةٍ عربيَّةٍ، أنْ نضعَ خطَّةً مشتركةً ومدروسةً لنشرِ السَّرديَّةِ الفلسطينيَّةِ الحقيقيَّةِ على أوسعِ نطاقٍ، في بلادِنا العربيَّةِ وفي مختلفِ أنحاءِ العالم.

ويمكنُ أنْ نتَّفقَ على تشكيلِ هيئةٍ، إعلاميَّةٍ فكريَّةٍ مُشتَرَكةٍ لهذا الغرض؛ حيث تُمكنُ الاستفادةُ بوسائلِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ المُتاَحةِ كإعلامٍ بديلٍ فعَّالٍ واسعِ الانتشارِ وقليلِ الكُلفةِ.

المسألةُ الثَّانيةُ، الَّتي أقترحُ أنْ نتَّفقَ عليها، هي تهيئةُ الظُّروفِ الملائمةِ لحشدِ قوى التَّحرُّرِ العربيَّةِ (مِنْ فصائل مقاومة وأحزابٍ وقوىً وطنيَّةٍ ويساريَّةٍ وقوميَّةٍ) في إطارٍ مشتركٍ جديدٍ فاعلٍ، مع الاتِّفاقِ على برنامجٍ عربيٍّ ودوليٍّ مُشتركٍ لهذه الحركة.

بهذا، نكون قد وضعنا حجرَ الأساسِ لإرساء البُنيانِ التَّحتيِ والبنيانِ الفوقيِّ اللازمِين لإقامةِ جبهةٍ عربيَّةٍ مرصوصةِ الصُّفوفِ وفاعلةٍ.. مِنْ أجلِ دعمِ المقاومةِ وإسنادِها واحتضانِها.

وقبلَ هذا وبعدَه، فمن الضّروريِّ تفعيلُ دورِ جماهيرِ شعبِنا للعملِ مِنْ أجلِ إسنادِ المقاومةِ، ورَفْعُ الصَّوتِ ضدَّ جرائمِ العدوِّ الصّهيونيِّ البشعةِ الَّتي يرتكبُها بحقِّ الشَّعبِ الفلسطينيِّ، ومِنْ أجلِ لَجْمِ مساعيه الوحشيَّةِ لفَرْضِ تهجيرٍ جماعيٍّ جديدٍ على الشَّعب الفلسطينيّ.. مِنْ غزَّة إلى مصر، ومن الضِّفَّة الغربيَّة إلى الأردن؛ وكذا مِنْ أجلِ إحباطِ المؤامراتِ الإمبرياليّةِ الصّهيونيَّةِ، كُلِّها، الَّتي تستهدفُ القضيَّةَ الفلسطينيَّةَ، وتستهدفُ الأُمَّةَ العربيَّةَ برمَّتها.

أمَّا إذا اُقتُصِرَ الأمرُ على إصدارِ بيانٍ ختاميٍّ يشتملُ على إعلانِ دعمِ المقاومةِ فقط، فإنَّنا بذلك لا نفعل سوى تأكيد المؤكَّد.

وبهذه المناسبة، أُحيِّي شعبنا الأردنيّ وشعبَ تونس الشَّقيق الأبيّ، لالتزامهما الكبير بمقاطعة المنتوجات الأميركيَّة ومنتوجات الشِّركات الدَّاعمة للعدوِّ الصّهيونيّ.

أشكرُكم على حُسنِ الاستماعِ، وأتمنَّى لملتقانا هذا كلَّ التَّوفيقِ والسَّدادِ.

عاشت المقاومةُ..

والمجدُ والخلودُ لشهداءِ المقاومةِ في غزَّةَ والضِّفَّةِ الغربيَّةِ..

المجدُ والخلودُ لشهداءِ المقاومةِ في لبنان، واليمن، والعراق، وفي كلِّ أنحاءِ بلادِنا العربيَّةِ..

المجدُ والخلودُ لشُهداءِ الحُرِّيَّةِ، وشهداء مواجهةِ العدوِّ الإمبرياليِّ والصّهيونيّ، في كلِّ أنحاءِ العالمِ.