تقرير من الأمين العامّ للحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ إلى اللجنة المركزيَّة للحزب


سعود قبيلات
الحوار المتمدن - العدد: 7848 - 2024 / 1 / 6 - 16:16
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

الرَّفيقات والرِّفاق أعضاء اللجنة المركزيَّة لحزبنا الأعزَّاء،
أطيب تحيَّاتي لكم وبعد،

فها نحن نجتمع مجدَّداً، وهذه مناسبة طيِّبة.. حتَّى إنْ جاءت متأخِّرة، وآمل أنْ تنتظم اجتماعات اللجنة المركزيَّة في المستقبل، كما إنَّني آمل أنْ نتمكَّن مِنْ عَقْدِ اجتماعاتٍ استثنائيَّة للِّجنة المركزيَّة؛ مِنْ أجل التَّعويض عن الاجتماعات الَّتي كانت مستَحقَّة ولم تُعقَد، ومِنْ أجل إنجاز العديد من الاستحقاقات المطروحة على اللجنة المركزيَّة بموجب النِّظام الأساسيّ ولم يتسنَّ الالتزام بإنجازها؛ وفي مقدِّمتها، إنشاء المجلس الاستشاريّ للحزب، واستكمال إنشاء اللجان المتخصِّصة التَّابعة للِّجنة المركزيَّة وانتخاب سكريتيريها.

الرَّفيقات والرِّفاق الأعزَّاء،
النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ كُلٌّ متكاملٌ، وليس أجزاءَ متناثرةً لا يربطها رابطٌ..
وحتَّى نفهم هذا النِّظامَ جيّداً، يجب أنْ ننظر إليه بكليَّته ووفقَ قانون الوحدةِ والصِّراع..
يجب أن نرى الأجزاء مِنْ زاويةِ تموضعها في الإطار الكُلِّيّ للنِّظام..
وهذا، بالطَّبع، يجب أنْ لا يُبعِدَ نظرَنا عن رؤيةِ جوانب الخصوصيَّة في كُلِّ جزءٍ مِنْ أجزاء النِّظام..
ولكن، ما هي الخصوصيَّة أصلاً؟
الخصوصيَّة، برأيي، هي الشَّكلُ الخاصُّ الَّذي تتجلَّى به السِّماتُ العامَّةُ للنِّظامِ الرَّأسماليّ الدَّوليّ في كُلِّ بلدٍ (كُلِّ جُزءٍ) على حِدَة.. ضمن ظروفِه الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسِّياسيَّة والثَّقافيَّة الخاصَّة.
والصِّراعُ هو مُحرِّكُ التَّحوُّلات في النِّظام ككُلّ وفي الأجزاء أيضاً.. لذلك، يجب أنْ ندقِّقَ النَّظرَ في الصِّراع.. أشكالِه ومستوياتِه وتفاعلاته، كي نفهمَ تحوُّلاتِ النِّظامِ وتحوُّلات أجزائه..
الصِّراعُ، في النِّظام الرَّأسماليّ الدّوليّ، يجري الآن على مستويين..
المستوى الأوَّل: هو مستوى الصِّراع بين مراكز النِّظام الإمبرياليّ، الَّذي تتربَّع الولايات المتَّحدة الأميركيَّة على سدَّته، وتصطفُّ خلفها دُولُ المتروبول كلُّها، وبين أطراف النِّظام المُهمَّشة والمُستَغَلَّة..
وهذا الصِّراعُ هو نمطٌ من الصِّراع الطَّبقيّ، لكن على المستوى الدَّوليّ..
والبرنامجُ السِّياسيُّ الاقتصاديُّ الاجتماعيُّ الملائمٌ للتَّعامل مع هذا الصِّراع، في ما يخصُّ شعوبَ الأطراف، هو برنامجُ التَّحرُّر الوطنيّ والاجتماعيّ؛ وأمَّا في ما يُخصُّ المركزَ الرَّأسماليَّ، فالبرنامجُ الَّذي جرى ويجري تنفيذه باستمرار إنَّما هو برنامجُ النَّهبِ والاستغلالِ والهيمنةِ والتَّوسُّعِ الإمبرياليِّ. وذلك بالاعتماد على الآلةِ الحربيَّةِ الإمبرياليَّةِ والآلةِ الإعلاميَّةِ الإمبرياليَّةِ الجبَّارتين، وعلى القوَّةِ الاقتصاديَّةِ الهائلةِ للشِّركاتِ متعدِّدةِ (ومتعدِّيةِ) الجنسيَّةِ..
المستوى الثَّاني من الصِّراع: هو مستوى الصِّراع بين المركز الرَّأسماليّ وبين ما تُسمَّى الدُّولُ الصَّاعدةُ، ومحورُها الآن هو دُولُ البريكس (روسيا، الصِّين، البرازيل، الهند، جنوب إفريقيا)..
الدُّولُ الصَّاعدةُ هي عموماً جُزءٌ أساسيٌّ من الدُّول الَّتي تمكَّنت من الإفلات مِنْ قبضة الحالة الطَّرفيَّة للنِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ وتجاوزت شروطَ تلك الحالة..
وهذا الصِّراعُ هو الأكثرُ احتداماً الآن..
ويُلاحَظُ أنَّ العديدَ مِنْ دُول الأطراف اقتربَ سياسيَّاً، في الفترةِ الأخيرةِ، من الدُّول الصَّاعدة (خصوصاً، مِنْ روسيا والصِّين)، وأقام معها علاقاتٍ اقتصاديَّةً متطوِّرةً.. وبالتَّحديد، بعد الحرب الأطلسيَّة الرُّوسيَّة الجارية على أرضِ أُوكرانيا..
والصِّراعُ بين الدُّول الصَّاعدة وبين المركز الرَّأسماليّ الدَّوليّ الإمبرياليّ هو في حقيقته صراعٌ بين الاقتصاد الحقيقيّ وبين اقتصاد الفُقَّاعة..
في سياقِ سعيِها الدَّائمِ إلى المزيد من النَّهب، والمزيد من الاستغلال، والاستيلاء على المزيد مِنْ فائض قيمة العمل، كانت الشّركاتُ عابرةُ الحدود ومتعدِّيةُ الجنسيَّة قد شَرَعَتْ، منذ عقود، بنقلِ عملِها الإنتاجيّ إلى دُول الأطراف للاستفادة مِنْ ميزة الأيدي العاملة الرَّخيصة والمسلوبة الحقوق، وتَوفُّر الموادِّ الخامّ الضَّروريَّة..
عددٌ مِنْ دُول الأطراف، هذه، أخضعَ هذه العمليَّة لشروط تنميته الوطنيَّة، واستفاد بها، فتمكَّن من النُّهوض.. وهكذا، نشأتْ ظاهرةُ الدُّولُ الصَّاعدة..
وتُستثنى مِنْ آليَّة النُّشوء، هذه، روسيا والصِّين اللتان كانت وراء صعودِهما، بالأساس، ثورتان عُظميان.
وشيئاً فشيئاً، حصل نوعٌ من الانفصال بين الاقتصاد الحقيقيّ وبين رأس المال الماليّ.. وهكذا، راح الاقتصادُ في الدُّول الصَّاعدة يتمحورُ على الإنتاج الحقيقيّ؛ في حين راح رأسُ المال الماليّ يتمحورُ على نفسِه في دُول المركز الرَّأسماليّ الإمبرياليّ.. وأصبح جُلُّ الاقتصاد في تلك الدُّول مركَّزٌ على البورصة والمضاربات والرَّهن العقاريّ..
وهنا، نشأ وضعٌ خطِرٌ في العقود الأخيرة، يتمثَّلُ في تحالفِ مافيات تهريب المخدِّرات مع رأس المال المالِّي (البنوك وشركات التَّأمين).. حيث يؤولُ معظمُ أموال التَّهريب الهائلة إلى خزائن البنوك وشركات التَّامين.. مِنْ خلال عمليَّة تبييض الأموال.
ووِفْق ما جاء في دراسةٍ مُهمَّةٍ للباحث والمفكِّر الاقتصاديّ الرُّوسيّ المرموق، فالنتين كاتاسانوف، نشرَها في العام 2014 بعنوان «عالم البنوك والمخدِّرات»، فإنَّ البنوكَ هي الَّتي تقود هذا التَّحالف وليس عصابات المخدِّرات؛ أي أنَّ عصابات تهريب المخدِّرات هي مَنْ يخدم لدى البنوك.. وليس العكس.
ويتحدَّث كاتاسانوف عن أنَّ أكبرَ شركة في العالم الآن، عابرة للحدود والجنسيَّات، هي شركةُ المخدِّرات والبنوك، وأنَّ هذه الشِّركةَ يعمل في خِدمتِها الكثيرُ مِنْ رؤساء الدُّول ورجال الأمن وكبار الموظَّفين وشبكات الإعلام والإعلاميين؛ ويأتي، بعد هؤلاء جميعاً، في الأهمِّيَّة، البرلمانيُّون.
وتُدير هذه الشِّركةُ، على مستوى العالم، لجنةُ الثَّلاثمائة الممثِّلةُ للبنوك وكُبريات عصابات التَّهريب..
في العام 2008، اِنفقأت هذه الفُقَّاعة، بعدما كانت قد تضخَّمتْ إلى حدودٍ لم يعُد بإمكان اقتصادات دُولُ المركز واقتصادات العالم ككلّ تحمُّلَها، وأصبحت الأزمةُ أكبرَ مِنْ إمكانيِّةِ تجاهلِها أو احتوائها..
بعضُ الأوساط، في دُول المركز، راحت – آنذاك – ترى في النُّموذج الاقتصاديّ للدُّول الصَّاعدة (نموذج الاقتصاد الحقيقيّ) خياراً معقولاً لتجاوز الأزمة..
ويمكن النَّظرُ إلى ظاهرة دونالد ترامب ضمن هذا الإطار..
ترامب أراد إعادة العمل الإنتاجيّ الخاصّ بالشِّركات الأميركيَّة من الخارج (خصوصاً من الصِّين) إلى الولايات المتَّحدة، وراح يتحدَّث، في هذا السِّياق، عن إمكانيَّةِ خلقِ فُرَصِ عملٍ كثيرةٍ للأميركيين؛ لذلك، أيَّد انتخابَه كثيرون من المحسوبين في عداد الطَّبقةِ العاملةِ الأميركيَّة..
ترامب جاء إلى السُّلطة مِنْ خارج المؤسَّسة الحاكمة، وفوزُه في الانتخابات كان مؤشِّراً على تراخي قبضة المؤسَّسة..
خيارُ المؤسَّسة الأميركيَّة الحاكمة لمواجهة الأزمة الاقتصاديَّة كان (ولا يزال) مختلفاً..
خيارُها كان التَّركيزَ على وقف صعود الدُّول الصَّاعدة عن طريق «العقوبات» الاقتصاديَّة (خصوصاً ضدَّ روسيا والصِّين)، والتَّصعيد العسكريّ؛ الأمر الَّذي قاد إلى الحرب في أوكرانيا، وإلى التَّوتُّرات المتواصلة في المياه الإقليميَّة للصِّين وجوارِها..
لكن، النَّتيجة كانت عكس ما خطَّطوا له..
وهنا، نقول إنَّ الَّذين يُتابعون بيانات وزارتي الدِّفاع البريطانيَّة والأميركيَّة، فيغرقون في تفاصيل العمليَّات العسكريَّة الجارية على الأرض الأوكرانيَّة، إنَّما يُفوِّتون على أنفسهم رؤيةَ المشهد الحقيقيّ الَّذي يتشكَّلُ على مستوى النِّظام الدَّوليّ الآن..
يتشكَّلُ الآن، بدأبٍ وثباتٍ، عالمٌ متعدِّدُ الأقطاب، وتتراجعُ هيمنةُ المركز الرَّأسماليّ الإمبرياليّ.. وتنشأ إمكانيَّةٌ ملموسةٌ لقيام «النِّظام الاقتصاديّ الدَّوليّ الجديد» الَّذي كانت تُطالب به بإلحاح بُلدان العالم الثَّالث في سبعينيَّات القرن الماضي..
العلاقاتُ السِّياسيَّةُ والاقتصاديَّةُ بين روسيا والصِّين ودُول البريكس عموماً وبين دُول الأطراف تقوم على النِّدِّيَّة، والمنافع المتبادَلة، ولا مجال فيها لتدخُّل المؤسَّسات الاقتصاديَّة الدَّوليَّة الإمبرياليَّة (صندوق النَّقد الدَّوليّ والبنك الدَّوليّ) وشُروطِها المناقضةِ لمصالح الشُّعوب والمنحازةِ لمصالح الشِّركات متعدِّدة (ومتعدِّية) الجنسيَّة.
وتتمُّ التَّبادلاتُ التِّجاريَّةُ بين هذه الدُّول وبين شُركائها الاقتصاديين بالعملات المحلِّيَّة، وبعيداً عن الدُّولار وهيمنته وشروطه والآثار السَّلبيَّة لتوسُّطه.
هذا الوضعُ الجديدُ يُعيدُ فتحَ باب التَّاريخ أمام الشُّعوب المقهورة والمُستَغَلَّة، بعدما كان قد أُغلِقَ بالهيمنةِ القُطبيَّةِ الأُحاديَّةِ الأميركيَّة.. ابتداءً من انهيار الاتِّحاد السُّوفييتيّ في العام 1991.
وهنا، يعود إلى الصَّدارة برنامجُ التَّحرُّر الوطنيّ. ويسير على هذا الطَّريق العديدُ مِنْ دُول أميركا اللاتينيَّة..
وفي ما يخصُّ بلادَنا العربيَّة، لا يوجد حتَّى الآن – مع الأسف – مشروعٌ واضحٌ وجدِّيٌّ للتَّحرُّر الوطنيّ. ولذلك، مطلوب منَّا، كشيوعيين أردنيين، أنْ نعمل، مع الأحزاب الشُّيوعيَّة العربيَّة ومع الأحزاب والقوى اليساريَّة والقوميَّة الدِّيمقراطيَّة العربيَّة، على مستويين:
الأوَّل: مستوى الأحزاب الشُّيوعيَّة العربيَّة؛ حيث يجبُ بذلُ جهودٍ جدِّيَّةٍ وحثيثةٍ مِنْ أجل إيجاد إطارٍ موحَّدٍ جديدٍ لها؛
ثانياً: مستوى الأحزاب والقوى اليساريَّة والقوميَّة والدِّيمقراطيَّة العربيَّة؛ حيث يجبُ العملُ مِنْ أجلِ بناء إطارٍ جديدٍ فاعلٍ لحركة التَّحرُّر العربيَّة.
ومطلوبٌ منَّا الاضطلاعُ بدورٍ فاعلٍ، مع هذين المستويين، مِنْ أجل بلورة مشروعٍ مدروسٍ للتَّحرُّرِ الوطنيِّ والقوميِّ والوحدةِ العربيَّةِ.. مشروعٍ ينسجمُ مع جدولِ أعمالِ التَّاريخِ في منطقتنا في المرحلة الحاليَّة، ويُعبِّرُ عن مصالح الأغلبيَّةِ الشَّعبيَّةِ العربيَّةِ ككُلّ وفي كُلِّ بلدٍ على حِدة؛ كما يجب الاتِّفاقُ على خططٍ مشتركةٍ لمواجهة مؤامرات الإمبرياليَّةِ والصّهيونيَّةِ والرَّجعيَّةِ..
وفي المشهد العربيّ، يجب التَّوقُّفُ عند الظَّواهر التَّالية:
الظَّاهرة الأولى: هي ظاهرةُ صمود سوريا في وجه الحرب الهمجيَّة الَّتي استهدفتها، وتمكُّنها مِنْ إفشالِها.
لكن، يجب عدمُ إغفال حقيقة أنَّ الصِّراعَ على سوريا (وفي سوريا) لم ينتهِ بعد؛ فبالإضافة إلى وجودِ قُوَّات الاحتلال الأميركيّ والتُّركيّ في أجزاء أساسيَّةٍ هناك، فإنَّ ثمَّة أوساطاً متنفِّذةً في سوريا تتحدَّث صراحةً (وحتَّى قبل قانون قيصر) عن ميلها إلى الاندماج في السِّياقِ الأميركيّ والانسجام مع شروطه.
ومن الجيِّدِ أنَّ هذا التَّوجُّهَ يُقابَلُ بالرَّفض مِنْ قوى وطنيَّةٍ أساسيَّةٍ في الحُكم وفي الجبهة الوطنيَّة التَّقدُّميَّة.. ومِنْ واجب الشُّيوعيين وجميع القوى اليساريَّة والقوميَّة مساندةُ التَّوجُّه الوطنيّ في سوريا الَّذي يعمل مِنْ أجل إعادةِ بسطِ سُلطةِ الدَّولةِ على جميعِ الأراضي السُّوريَّة، وطردِ المحتلِّين، والحفاظِ على وحدة البلاد، والدِّفاعِ عن استقلالِها، ووضعِها مجدَّداً على طريق التَّحرُّر الوطنيّ والتَّقدُّم الاجتماعيّ.
وإنجازُ هذه الأهداف يحتاجُ إلى نوعٍ من الصِّيغةِ الدِّيمقراطيَّةِ الاجتماعيَّةِ، وإلى أنْ تُعبِّر السِّياساتُ الاقتصاديَّةُ بحزمٍ عن مصالح الأغلبيَّة الشَّعبيَّة.
الظَّاهرة الثَّانية: هي ظاهرةُ المقاومة (اللبنانيَّة والفلسطينيَّة، وحلفائهما في اليمن والعراق) ضدَّ العدوّ الصّهيونيّ والإمبرياليّ.
هذه المقاومةُ عاملٌ مهمٌّ الآن في الوضع العربيّ (وهذا الكلام مكتوب في هذا التَّقرير قبل عمليَّة 7 تشرين الأوَّل البطوليَّة بأشهر، وقد قرأتُه آنذاك أمام المكتب السِّياسيّ). وهي (أي المقاومة) أدَّتْ، في العقدين الأخيرين، إلى إدخال الكيان الصّهيونيّ في أزمةٍ وجوديَّة؛ حيث إنَّه أصبح عاجزاً عن القيام بوظيفته الأصليَّة (وظيفته الَّتي أُنشئ أصلاً مِنْ أجل أدائها)؛ وأعني بذلك وظيفتَه كمخفرٍ متقدِّمٍ للإمبرياليَّة العالميَّة في المنطقة.
هذا المخفرُ – كما كُنَّا نسمِّيه، ونحن محقِّون في ذلك – أصبح يحتاج إلى مَنْ يحميه، بدلاً مِنْ أنْ يذودَ هو عن أسياده ويحمي مصالحَهم. وعندما يدخل أيُّ كيانٍ طورَ أزمته الوجوديَّة؛ وبالتَّحديد، عندما تتراجع قُدرتُه على أداء مهامّ الوظيفة الَّتي وُجِدَ مِنْ أجلِها، فإنَّه يدخل طورَ التَّآكل. وهذه – حتَّى لا يقول أحدٌ بأنَّنا نتسرَّع أو نبالغ – عمليَّةٌ تاريخيَّة، لا تؤتي نتائجَها بين يومٍ وليلةٍ؛ لكنَّها ما إنْ تبدأ، فإنَّها لا تعود إلى الوراء، بل تواصل التَّقدُّمَ بثبات.
وربَّما كان مِنْ أهمِّ أسباب الحربِ على سوريا هو محاولةُ إخراج الكيان الصّهيونيّ مِنْ أزمته الوجوديَّة هذه.
وعمليَّةُ 7 تشرين الأوَّل البطوليَّةُ عمَّقت الأزمةَ الوجوديَّةَ للكيان الصّهيونيّ، وعقَّدتْ إمكانيَّات تجاوزِها، وأكَّدتْ – بالمقابل، وكما جاء في برنامج حزبنا الجديد – سقوطَ جميع الرِّهانات على المشاريع الاستسلاميَّة: كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، وما يُسمَّى حلُّ الدَّولتين.
وبدلاً مِنْ ذلك، ومهما كانت نتائجُ الحرب الجارية الآن، أكَّدتْ هذه العمليَّةُ أنَّه لا حلَّ حقيقيَّاً للصِّراع العربيّ الصّهيونيّ (والقضيَّة الفلسطينيَّة في قلبه) إلَّا المقاومة.. المقاومة الفلسطينيَّة والعربيَّة الَّتي تعمل وفق مبدأ وحدة السَّاحات وفي إطار محور المقاومة.
وأكَّدتْ عمليَّةُ 7 تشرين الأوَّل، أيضاً، أنَّ الموقفَ الحقيقيَّ السَّليمَ من القضيَّة الفلسطينيَّة هو التَّمسُّكُ الحازمُ بالحقوق الوطنيَّة والإنسانيَّة للشَّعب الفلسطينيّ، كُلِّها؛ وفي مقدِّمتها: حقُّ الشَّعب الفلسطينيّ في تحرير أرضه بكلّ الوسائل الممكنة والملائمة، وحقُّه في العودة إلى دياره والتَّعويض عن تشريده وشتاته وعذاباته وممتلكاته الَّتي استولى عليها الغاصبون الصَّهاينةُ عنوةً، وحقُّه في تقرير مصيره على تُرابِه الوطنيّ كُلِّه.
الكيانُ الصّهيونيُّ كيانُ استعمارٍ استيطانيٍّ إحلاليٍّ عنصريٍّ فاشيّ. وعموماً، وفي كلِّ تجارب التَّاريخ، الكيانُ الَّذي تكون هذه هي طبيعته، لا يملك أيَّةَ حقوقٍ مِنْ أيِّ نوعٍ، وأوّلها الحقُّ في الوجود؛ فالحقوق كلُّها حِكْرٌ لأصحاب الأرض الشَّرعيين، الَّذين سُلِبتْ أرضُهم ووقع عليهم الظُّلمُ والعسفُ. وعلى رأس هذه الحقوق، حقُّهم في أنْ يقاوموا الغاصبين بكلِّ السُّبُل، وأنْ يحرِّروا أرضَهم، وأنْ يستعيدوا شروطَ وجودِهم الوطنيَّة والإنسانيَّة كُلَّها.
وأمَّا وجود هذا العدوّ الغاصب الاستيطانيّ الإحلاليّ العنصريّ المجرم كأمرٍ واقعٍ، معزَّزٍ بالقوَّة والبطش (قوَّته وبطشه، وقوَّة وبطش أسياده الإمبرياليين)، فلا يعني التَّسليمَ به كمُعطى نهائيّ، والاستسلامَ له كقدرٍ لا فكاك منه. الأقدارُ ليست موجودةً في قاموس الثّوريين، وخصوصاً الشُّيوعيين.
وهذا الوجودُ الشَّاذُّ للعدوّ الصّهيونيّ، استدعى نقيضَه، وهو المقاومةُ الَّتي أصبحتْ – هي أيضاً – أمراً واقعاً، وراحت تتوسَّعُ باستمرار، ويتصاعد دورُها، ويتطوُّر أداؤها إلى أن وصلت إلى المستوى المتقدِّم الَّذي رأيناه في عمليَّة «طوفان الأقصى» البطوليَّة.
وعموماً، فثمَّة سياقٌ تاريخيٌّ آخذٌ بالتَّشكُّل، وله مؤشِّراتٌ واضحةٌ، يؤكِّد تراجعَ مكانة العدوّ ودورِه باطِّراد، مقابل تزايد حضور القضيَّة الفلسطينيَّة، بكلِّ معالمِها الأساسيَّة وأبعادِها الحقيقيَّة، باطِّرادٍ أيضاً.
ومِنْ واجب الشُّيوعيين واليساريين والقوميين والوطنيين مساندةُ المقاومة الفلسطينيَّة والعربيَّة، وتعزيزُ حضورها كواقعٍ صلبٍ مقابل الواقع النَّقيض الَّذي يمثِّله وجودُ الكيان الصّهيونيّ.
وقد أثبت التَّاريخُ دائماً أنَّ واقعَ المقاومة يتغلَّب في النِّهاية على واقع الاستعمار بكلّ أنواعه ومهما كان مستوى جبروته وطغيانه.
مطلوب مِنْ كلِّ القوى الحيَّة، سواء أكانت عربيَّةً أم مِنْ خارج العالم العربيّ، مساندةُ الشَّعب الفلسطينيّ وحركتِه الوطنيَّة، مِنْ أجل تحرير فلسطين، وعودة أهلها إلى ديارهم، ونيلهم التَّعويض المستحقَّ لهم، وتمكينهم مِنْ تقرير مصيرهم على ترابهم الوطنيّ كُلُّه.
ومِنْ واجب الشُّيوعيين الأردنيين أنْ يكونوا جزءاً مِنْ نواةٍ صلبة في الحركة الشُّيوعيَّة العربيَّة والعالميَّة، تعمل بدأبٍ وثباتٍ وعزيمةٍ مِنْ أجل ترسيخ هذا الموقف المتقدِّم من القضيَّة الفلسطينيَّة.
كما يجب ترسيخُ حقيقة أنَّ الصِّراع في المنطقة هو صراعٌ عربيٌّ صهيونيّ، وأنَّ القضيَّةَ الفلسطينيَّةَ تقع في قلب هذا الصِّراع، وليست منفصلةً عنه؛ ذلك أنَّ الكيانَ الصّهيونيَّ هو – كما كُنَّا نقول عنه دائماً – مخفرٌ متقدِّمٌ للإمبرياليَّة العالميَّة، والغاية مِنْ وجودِه هي منعُ الشُّعوب العربيَّة مِنْ إنجازِ برنامجِ تحرُّرِها الوطنيِّ والقوميِّ ووحدتِها ونهوضِها، وإبقائها ساكنة ضمن حالة التَّبعيَّة، وإباحةِ ثرواتها للنَّهب الإمبرياليّ.
وهذا يعني دحضَ الأفكار والمواقف القائمة على النَّظر إلى الصِّراع مع العدوّ الصّهيوني بأنَّه مجرَّدُ نزاعٍ حدوديٍّ (حدود 1967 أو سواها)؛ ويعني أيضاً أنَّه لا مجال أمام الشُّعوب العربيَّة للتَّصالح مع الكيان الصّهيونيّ الغاصب والتَّعايش معه، وأنَّ الصِّراع معه، من النَّاحية الموضوعيَّة، أبعدُ من القضيَّة الفلسطينيَّة وأشملُ.. رغم الأهمِّيَّة الحاسمة لهذه القضيَّة.
ولذلك، يجب الاستمرارُ في موقف الرَّفض الحازم لجميع مشاريع التَّطبيع مع العدوِّ الصّهيونيِّ بكلِّ أشكالِها وأصنافِها، كما يجب الرَّفضُ الحازمُ لجميع المشاريع والخطط الاستسلاميَّة مع هذا العدوّ. وذلك مع ضرورة توضيح أنَّ كلِّ حلٍّ يقترن، صراحةً أو ضمناً، بالتَّنازلِ عن أيِّ شيءٍ من الحقوقِ الأساسيَّةِ للشَّعب الفلسطينيّ، أو يقومُ على التَّعايشِ مع الوظيفة الأساسيَّة للكيان الصّهيونيّ كمخفرٍ متقدِّمٍ للإمبرياليَّةِ العالميَّةِ – إنَّما هو حلٌّ استسلاميٌّ مرفوضٌ.
لقد لفتتْ نظرَ شعوب العالمِ كلِّها بشاعةُ الجرائم الَّتي ارتكبها العدوُّ الصّهيونيُّ (ولا يزال يرتكبها) في غزَّة، وأثارت سُخطَه واستنكارَه؛ لكن، بالمقابل، فإنَّ هذه الدِّماء الزَّكيَّة المراقة، وبالأساس عمليَّة 7 تشرين الأوَّل البطوليَّة، أعادتْ القضيَّةَ الفلسطينيَّةَ إلى صدارة المشهد العالميّ، كأكثر القضايا عدالةً في العصر الحديث؛ وكشفتْ قُبْحَ العدوّ الصّهيونيّ وداعميه الإمبرياليين.
لقد كانت القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ، قبل ذلك، مطموسةً تحت رُكامٍ هائلٍ مِنْ غُبار الكلام عن الحلول الاستسلاميَّة، فجاءت عمليَّةُ السَّابع مِنْ تشرين الأوَّل، لتنفضَ رُكامَ الغُبار هذا عنها.
والآن، تعملُ الإمبرياليَّةُ الأميركيَّةُ والغربُ الأطلسيُّ وبعضُ الأنظمةِ العربيَّةِ التَّابعةِ، مِنْ أجلِ إعادةِ دفنِ القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ مجدَّداً تحت غبار الكلام عن الحلول الاستسلاميَّة؛ حيث عاد الحديث، بدايةً مِنْ واشنطن، عن ضرورة إحياء حلّ الدَّولتين. حلُّ الدَّولتين لا أُفقَ له ولا مستقبل. وهذا عدا عن أنَّه لا يُلبِّي ولا حتَّى جزءاً يسيراً من الحقوق الفلسطينيَّة أو العربيَّة المشروعة.
وإذ يُتابع العالم، بكلِّ مشاعر الغضب والاشمئزاز، جرائمَ العدوّ الصّهيونيّ الوحشيَّة المتواصلة في غزَّة والضِّفَّة الغربيَّة، فإنَّه يغيب عن نظر كثيرين أنَّ هذا الإجرامَ المتمادي ليس أمراً طارئاً في تاريخ الكيان الصّهيونيّ، بل هو ممتدّ على مساحة زمن وجوده كُلِّها؛ وإذا كان الآن يمارس إجرامَه بصورةٍ مكثَّفة، فقد مارسه بالتَّقسيط على مدار أكثر مِنْ خمسةٍ وسبعين سنة؛ فطوال تلك المُدَّة، كان الفلسطينيّون يُقتَلون يوميَّاً في الشَّوارع وفي بيوتهم.. يُقتلون فرادى وجماعاتٍ، وتُهدَم بيوتُهم، ويُعتَقل أبناؤهم فيتعرَّضون على أيدي جلاوزة الكيان الصّهيونيّ إلى أبشع أنواع التَّعذيب، ويبقون في السُّجون مُدداً طويلةً، ويُعامل الفلسطينيّون وهم على أرضهم معاملة الغرباء، وينكَّل بهم أسوأ أنواع التَّنكيل.
لقد انتبه العالمُ الآن إلى هذه الجريمة البشعة المتواصلة عندما أصبحت مكثَّفة، وهذا جيِّد؛ لكن على العالم أنْ يستكملَ موقَفَه الإيجابيَّ، هذا، بإعادة تصفُّح السِّجلّ الممتدّ للجرائم الصّهيونيَّة المشابهة الَّتي اُرتكِبَتْ بالتَّقسيط، كما يجب عليه أنْ لا يسمح بإخضاع الشَّعب الفلسطينيّ مجدَّداً لهذا النَّمط من الإجرام الوحشيّ.
ومقابل صورة الإجرام الصّهيونيّ، هذه، تبرز صورةُ بطولة المقاومة الفلسطينيَّة، الَّتي تذود عن غزَّة وجنين ونابلس ببسالةٍ وباستعدادٍ للبذل والعطاء يثيران الإعجاب.
صورةُ المقاومةِ المشرقةُ، هذه، أثَّرتْ في العالم كُلِّه، وحظيتْ بالكثير من الإعجاب والاحترام. وهذا ما لم تحظَ بأيِّ قدرٍ منه صورةُ المنخرطين في مشاريع الاستسلام الَّذين أنعشت الدَّبَّاتُ الصّهيونيَّةُ آمال بعضهم بإمكانيَّةِ هزيمة المقاومة، وبأنْ تحمله تلك الدَّبَّابات الغاشمة ليتسيَّد – حتَّى إنْ كان تسيّداً ذليلاً – على حُطام غزَّة!
ومِنْ ناحيةٍ أخرى، فإذا كانت الحربُ على سوريا، وموقفُ روسيا والصِّين منها، قد ظهَّرا النِّظامَ الدَّوليَّ الجديدَ متعدِّدَ القُطبيَّةَ؛ وإذا كانت الحرب على أوكرانيا قد أكَّدتْ حضورَ هذا النِّظام ووضعت الإمبرياليَّةَ الأميركيَّةَ والغربَ الأطلسيَّ في عزلةٍ – فإنَّ عمليَّةَ السَّابع مِنْ تشرين الأوَّل والعدوانَ الصّهيونيَّ الإمبرياليَّ الَّذي تبعها، قد عمَّقتْ حضورَ هذا النِّظام الجديد وكشفتْ الإمبرياليَّةَ الأميركيَّةَ والغربَ على حقيقتهم الإجراميَّة البشعة، وزادت عُزلتَهم.
الظَّاهرة العربيَّة الثَّالثة: هي ظاهرةُ الجزائر في ظلّ حُكم الرَّئيس عبد المجيد تبّون..
الجزائرُ الآن تُدير ظهرَها للهيمنة الفرنسيَّة، وللدُّول الإمبرياليَّة عموماً، وقد تقدَّمت لعضويَّة البريكس.. كتعبيرٍ عن استقلالِها وامتثالاً لمصالِحها، وأبرمتْ اتِّفاقيَّات تعاون اقتصاديَّة وسياسيَّة مهمَّة مع روسيا والصِّين، وتسعى إلى تعزيز قوَّتِها العسكريَّة، وتمارس دوراً مرموقاً وإيجابيَّاً في إفريقيا والعالم العربيّ، وتُخطِّط لإجراء نهضةٍ اقتصاديَّة.
ومِنْ واجب قوى التَّحرُّر العربيَّة مساندةُ هذا التَّوجّهَ في الجزائر.
والآن، بعد استعراض الوضع الدَّوليّ والعربيّ، ننتقل إلى الوضع المحلِّيّ..
والسُّؤالُ الضَّروريُّ، هنا، هو أين الوضع في بلادِنا مِنْ هذا كُلِّه؟
السِّمةُ الأساسيَّةُ الأولى للنِّظام في الأردن – كما هو معروف – هي أنَّه نظامٌ وظيفيٌّ.. نشأتْ وظيفتُه على هامش وعد بلفور، وكلُّ أمرٍ آخر إنَّما هو تابعٌ لهذه الوظيفة.
السِّمةُ الأساسيَّةُ الثَّانيةُ للنِّظام هي أنَّه أوتوقراطيّ (نظام حُكم فرديّ مطلق)، وهي سمةٌ تابعةٌ للسِّمة الأولى ومستمدَّةٌ منها؛ حيث إنَّ وظيفةَ النِّظام المرفوضة شعبيَّاً تحتاج إلى هذا النَّمط من الحُكم لفرضها.
السِّمةُ الأساسيَّةُ الثَّالثةُ للنِّظام هي التَّبعيَّةُ، وهي سمةٌ مشتَركَةٌ بينه وبين الكثير من الأنظمة الأخرى؛ لكن – مع ذلك – الأشكال الَّتي تتجلَّى بها التَّبعيَّةُ في الأردن، وأساليبها ووسائلها، محكومةٌ بشروط وظيفة النِّظام.
الحياةُ السِّياسيَّةُ والاقتصاديَّةُ كُلُّها في بلادنا محكومةٌ بشروط وظيفة النِّظام.
وهكذا، بينما كان الصِّراعُ يشتدُّ على المستوى الإقليميّ والدَّوليّ، اختار النِّظامُ بإصرارٍ أنْ ينسجمَ مع شروط وظيفته.. فانخرط في التَّطبيع مع العدوّ بلا رويَّةٍ، ومِنْ دون أدنى شعورٍ بالمسؤوليَّة الوطنيَّة، وفرَّط بمصالح البلاد والشَّعب، ووضع مستقبلَ البلاد والشَّعب على حافَّة هاويةٍ، وبلغ به الأمرُ في السَّنوات الأخيرة حدَّ استقدام القوَّات الأميركيَّة لتقيمَ قواعدَ لها على الأرض الأردنيَّة.
وإذ يتوقَّف البعض عند تصريحات بعض المسؤولين الرَّسميين في ما يخصّ العدوانَ الصّهيونيَّ على غزَّة، وفي ما يخصّ مشاريعَ التَّهجير مِنْ غزَّة إلى مصر ومن الضِّفَّة إلى الأردن، فإنَّنا نبحث عمَّا يسند هذا الكلام مِنْ خطواتٍ عمليَّةٍ..
هذا الكلام يتطلَّب مِنْ أجل النَّظر إليه بجدِّيَّةٍ أنْ يقترنَ بخطواتٍ عمليَّةٍ باتِّجاه إنهاءِ العلاقات الدّبلوماسيَّة مع العدوّ، وإيقافِ العمل بمعاهدة وادي عربة، والتَّراجعِ عن جميع خطوات التَّطبيع، وإلغاءِ المعاهدة المذلَّة مع الولايات المتَّحدة الأميركيَّة، وإزالةِ القواعد العسكريَّة الأميركيَّة من الأرض الأردنيَّة.
ولإثبات جدِّيَّة هذا الكلام، يجب تصليبُ الجبهة الدَّاخليَّة بالتَّوقُّفِ عن انتهاك الحُرِّيَّات العامَّة، وإطلاقِ سراح جميع المعتقلين بقضايا تتعلَّق بُحرِّيَّة التَّعبير، وإتاحةِ الفرصة للشَّعب الأردنيّ ليُعبِّر عن موقفه من العدوان الصّهيونيّ على غزَّة والضِّفَّة الغربيَّة بلا تضييق أو قيود تعسُّفيَّة.
ومِنْ ناحيةٍ أخرى، تأتي هذه التَّصريحاتُ بينما يتواصل نهبُ ثروات البلاد وبيعُها بأبخس الأثمان، وتتواصل سياسةُ تنفيع المحاسيب، على حساب الشَّعب والبلاد؛ ويتردَّى الوضعُ الاقتصاديُّ للبلاد، وتتردَّى الأحوالُ المعيشيَّةُ للشَّعب. وحين يتذمَّرُ النَّاسُ ويشتكون مِنْ هذه السِّياسات الجائرة والمدمِّرة، فإنَّه، بدل الاستماع إليهم، يجري قمعُهم وكتمُ أصواتِهم، والتَّضييقُ عليهم.
وهذا أمرٌ خطِرٌ وغيرُ مسؤولٍ؛ فمتابعة الضَّغط، مع كتم أصوات النَّاس وسوء أحوالهم المعيشيَّة، تُنذر بالانفجار. والانفجار، في ظلِّ تجريف الحياة السِّياسيَّة، لا يمكن أنْ يقود إلَّا إلى الفوضى والدَّمار.
إنَّ شعورَنا بالمسؤوليَّة تجاه شعبنا ووطننا يجب أن يقودَنا إلى العمل مِنْ أجل تدارك هذا الوضع الخطِر، على النَّحو التَّالي:
1. العمل الجادّ والمثابر مِنْ أجل قيام الجبهة الوطنيَّة الشَّعبيَّة؛
2. العمل الجادّ والمثابر، في إطار الجبهة والحزب، مِنْ أجل إجراء تحوّلٍ وطنيٍّ ديمقراطيٍّ عميقٍ في البلاد؛
3. الدِّفاع، بعزمٍ وثباتٍ، عن مصالح الأغلبيَّة الشَّعبيَّة ومصالح البلاد ككلّ؛
4. العمل، بعزمٍ وثباتٍ، ضدَّ كلِّ خطط ومشاريع وممارسات التَّطبيع مع العدوّ الصّهيونيّ، ومِنْ أجلِ إلغاء جميع الاتِّفاقيَّات المعقودة معه؛ وادي عربة، وأوسلو، وكامب ديفيد، وسواها. وهنا، فإنَّنا نُحيِّي شعبَنا الأردنيَّ على التزام غالبيَّتِه العُظمى بمقاطعة بضائع الشِّركات الأميركيَّة والغربيَّة الدَّاعمةِ للكيان الصّهيونيّ؛
5. العمل مِنْ أجلِ إلغاء الاتِّفاقيَّة الجائرة والمذلَّة المعقودة مع الولايات المتَّحدة، وإزالة جميع القواعد العسكريَّة الأميركيَّة الَّتي أُقيمَتْ على الأرض الأردنيَّة بموجب هذه المعاهدة.
شُكراً لكم..
وآمل أن تكون خطواتنا دائماً.. دائماً إلى الأمام.