ثمة شبح يحوم في سماء أوروبا


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 7834 - 2023 / 12 / 23 - 22:16
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

ثمة شبح يحوم في سماء أوروبا ويطارد كل شيء فيها، إنه شبح الذكاء الاصطناعي. وبات يخيف البابا وبوتين، وماسك وغرينسبان، والثوريين الفرنسيين وشغيلة الثقافة السويديين.
يرى البابا الشبح كابوسًا. إنه يرى كيف يسيطر الذكاء الاصطناعي على العالم ويخرب جنة الله. ويرى بوتين الشبح كتهديد لسلطته. إنه يرى كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للسيطرة على الناس دون تدخله. كما يرى ماسك الشبح كقدرة تفوق قدرات امبراطوريته. إنه يرى كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لخلق عالم أفضل، عالم حيث يكون الجميع سعداء وراضين. ويرى غرينسبان الشبح كخطر. إنه يرى كيف يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى المجاعة الجماعية والبطالة.
يرى الثوريون الفرنسيون الشبح كإمكانية للثورة. إنهم يرون كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لخلق عالم جديد، أكثر عدلاً. يرى شغيلة الثقافة السويديون الشبح كابوسًا. إنهم يرون كيف يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى قتل ابداعاتهم وتمييع ثقافتهم.
بينما نجد آخرين لا يرون الشبح على الإطلاق إنهم يسمعون فقط أغنيته اللطيفة عن مستقبل مشرق حيث تحررنا الآلات أخيرًا من كل ما هو مرهق وممل، عالم حيث يتدفق الإبداع ويعيش المثقف فيه مرتاح البال. يتصور هؤلاء كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة الوظائف الشاقة والخطيرة، فيتمكن الناس من الانخراط في أنشطة أكثر أهمية. إنهم يرون كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لحل المشكلات المعقدة، مثل أزمة المناخ والفقر. إنهم يرون كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أشكال فنية وتعبيرات ثقافية جديدة.

ماذا يحدث الآن؟
ما يحدث الآن غير واضح. هناك العديد من وجهات النظر المختلفة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي. من الممكن أن يستمر الشبح في مطاردة أوروبا، وأن يؤدي إلى الصراع والقلق. ومن الممكن أيضًا أن يختفي الشبح، وأن يصبح الذكاء الاصطناعي قوة للخير.

الذكاء الاصطناعي تقنية جديدة لها القدرة على تغيير العالم تغييراً كبيراً. وقد يكون للذكاء الاصطناعي آثار إيجابية وسلبية، اعتمادًا على كيفية استخدامه. من المهم أن نكون على دراية بإمكانيات الذكاء الاصطناعي، وأن نكون مستعدين للتعامل مع التحديات التي قد يطرحها.
وعلى عكس التحولات التكنولوجية السابقة، التي أثرت أساساً على العمال اليدويين، يبدو أن التحول التكنولوجي الحالي يهدد أيضًا الطبقة الوسطى والمثقفين. ومثلما تقلص عدد العمال في المصانع بسبب دخول الروبوتات، نجد الآن مهنا أخرى في قائمة الانتظار للإعدام. وفقًا لعناوين الصحف، سيأتي قريبًا المحامون والرسامون وموظفو مكاتب التأمينات الاجتماعية - وبالطبع المترجمون - ليحل محلهم "الذكاء الاصطناعي".
هناك أسباب تجعل التحول التكنولوجي الحالي يشكل تهديدًا أكبر للطبقة الوسطى والمثقفين اكبر مما أحدثه التحول التكنولوجي السابق. أولاً، أصبحت التكنولوجيا أكثر تعقيدًا، مما يعني أن تعلم المهارات اللازمة لشغل وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بات أكثر صعوبة. ثانيًا، أصبحت التكنولوجيا أكثر قابلية للتطبيق، مما يعني أنه يمكن استخدامها في مجموعة واسعة من الوظائف. ثالثًا، أصبحت التكنولوجيا أكثر تكلفة، مما يعني أن الشركات تبحث عن طرق لخفض التكاليف عن طريق أتمتة الوظائف.
من بين المهن التي يُنظر إليها على أنها معرضة بشكل خاص للتهديد من الذكاء الاصطناعي، يُذكر المحامون والرسامون وموظفو مكاتب التأمينات الاجتماعية والمترجمون.
المحامون
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المحامين في مجموعة متنوعة من المهام، مثل البحث القانوني والتحليل وإعداد المستندات. في بعض الحالات، يمكن للذكاء الاصطناعي حتى تقديم المشورة القانونية. هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الطلب على المحامين، خاصةً في المهام الروتينية والمتكررة.
الرسامون
يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء رسومات وصور واقعية للغاية. هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الطلب على الرسامين، خاصةً في الوظائف التي تتطلب إنشاء رسومات روتينية أو قابلة للتكرار.
موظفو مكاتب التأمينات الاجتماعية
يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة المطالبات وتقديم المساعدة للعملاء. هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الطلب على موظفي مكاتب التأمينات الاجتماعية، خاصةً في المهام التي تتطلب معالجة المعلومات وتقديم خدمة العملاء.
المترجمون
يمكن للذكاء الاصطناعي ترجمة النصوص بين اللغات. هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الطلب على المترجمين، خاصةً في المهام التي تتطلب ترجمة النصوص روتينية أو قابلة للتكرار.
من المهم أن نلاحظ أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل جميع العمال في هذه المهن. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الطلب على العمالة في هذه المهن، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأجور وزيادة البطالة.
وإن التحول التكنولوجي الحالي يشكل تهديدًا حقيقيًا للطبقة الوسطى والمثقفين. من المهم أن نستعد لهذه التغييرات من خلال تطوير المهارات اللازمة لمواكبة التكنولوجيا المتطورة.





ليست التكنولوجيا في حد ذاتها هي التي تجعل الظروف السيئة والمهام الروتينية حتمية. المشكلة تكمن في مكان آخر، ومن يريد أن يكون جزءًا من الحل يجب أن يبدأ في البحث في مكان آخر أيضًا. يُسمع أحيانًا الحديث عن كل العمل الذي ستوفره لنا الآلات في المستقبل. إنها أغنية سيرين، املأ أذنيك بالشمع. ثم قم بالتمرد.
أتفق مع أن التكنولوجيا ليست هي المشكلة في حد ذاتها. التكنولوجيا هي أداة يمكن استخدامها للخير أو الشر. ما إذا كانت تؤدي إلى ظروف أفضل أو أسوأ لنا نحن البشر يعتمد على كيفية اختيارنا لاستخدام التكنولوجيا.
يعد الاستخدام غير المسؤول للذكاء الاصطناعي في صناعة الترويسات مثالًا جيدًا على كيفية استخدام التكنولوجيا لاستغلال الناس. بدلاً من رؤية الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين ظروف عمل عمال الترويسة، اختار بعض الشركات استخدام الذكاء الاصطناعي لخفض التكاليف واستغلال المترجمين.
إذن، المشكلة ليست في التكنولوجيا في حد ذاتها، بل في كيفية اختيارنا استخدامها. إذا أردنا إنشاء مستقبل أكثر عدالة واستدامة، فيجب أن نبدأ في التفكير في كيفية استخدام التكنولوجيا لتحسين حياة الناس، وليس لاستغلالهم.
أتفق أيضًا مع أنه يجب أن نكون حذرين من الاعتقاد بأن الآلات ستوفر لنا كل العمل في المستقبل. هذه فكرة خطيرة، لأنها يمكن أن تؤدي إلى أننا سنصبح سلبية ونتوقف عن رؤية أنفسنا كفاعلين نشطين في المجتمع.
بدلاً من انتظار أن تحل الآلات جميع مشاكلنا، يجب أن نتحمل مسؤولية مستقبلنا بأنفسنا. يجب أن نعمل من أجل إنشاء عالم يتاح فيه للجميع الفرصة للعيش حياة ذات مغزى وكرامة، بغض النظر عن نوع العمل الذي يقومون به.
التمرد هو كلمة قوية، لكنني أعتقد أنه من المهم ألا نستسلم في المعركة. يجب أن نواصل الاحتجاج ضد الاستخدام غير المسؤول للتكنولوجيا وضد التوزيع غير المتكافئ للموارد. فقط من خلال المقاومة يمكننا إنشاء مستقبل أكثر عدالة واستدامة للجميع.
فيما يلي بعض النقاط الرئيسية للنص:
• التكنولوجيا ليست هي المشكلة في حد ذاتها، بل الطريقة التي نستخدمها بها.
• الاستخدام غير المسؤول للذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى استغلال العمال وانخفاض جودة العمل.
• يجب أن نكون حذرين من الاعتقاد بأن الآلات ستحل كل مشاكلنا.
• يجب أن نتحمل مسؤولية مستقبلنا بأنفسنا.
• يجب أن نستمر في الاحتجاج ضد الاستخدام غير المسؤول للتكنولوجيا وضد التوزيع غير المتكافئ للموارد.

التكنولوجيا ليست هي التي تجعل الظروف السيئة والمهام الرتيبة حتمية. فالمشكلة تكمن في مكان آخر، ومن يريد أن يكون جزءًا من الحل يجب أن يبدأ أيضًا في البحث عن مكان آخر. نسمع أحيانًا أن كل العمل ستوفره لنا الآلات في المستقبل. وهذه أغنية سيرين، فأغلق أذنيك بالشمع. ثم تمرّد!
أجل، أن التكنولوجيا ليست هي المشكلة في حد ذاتها. التكنولوجيا أداة يمكن استخدامها للخير أو الشر. ما إذا كانت تؤدي إلى ظروف أفضل أو أسوأ لنا نحن البشر يعتمد على كيفية اختيارنا لاستخدام التكنولوجيا.
إن الاستخدام غير المسؤول للذكاء الاصطناعي في صناعة الترويسات هو مثال واضح على كيفية استخدام التكنولوجيا لاستغلال الناس. بدلاً من رؤية الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين ظروف عمل عمال الترويسة، اختارت بعض الشركات استخدام الذكاء الاصطناعي لخفض التكاليف واستغلال المترجمين.
إذن، المشكلة ليست في التكنولوجيا في حد ذاتها، بل في كيفية اختيارنا استخدامها. وإذا أردنا إنشاء مستقبل أكثر عدلًا واستدامة، فيجب أن نبدأ في التفكير في كيفية استخدام التكنولوجيا لتحسين حياة الناس، وليس لاستغلالهم.
كما يجب أن نكون حذرين من الاعتقاد بأن الآلات ستوفر لنا كل العمل في المستقبل. هذه فكرة خطيرة، لأنها يمكن أن تؤدي إلى أننا سنصبح سلبيين ونتوقف عن رؤية أنفسنا كفاعلين نشطين في المجتمع.
بدلاً من انتظار أن تحل الآلات جميع مشاكلنا، يجب أن نتحمل نحن أنفسنا مسؤولية مستقبلنا. يجب أن نعمل من أجل إنشاء عالم يتمتع فيه الجميع بفرصة أن يعيش حياة ذات مغزى وكرامة، بغض النظر عن نوع العمل الذي يقومون به.
التمرد هو كلمة قوية، لكنني أعتقد أنه من المهم ألا نستسلم في هذا الكفاح. يجب أن نستمر في الاحتجاج على الاستخدام غير المسؤول للتكنولوجيا وعلى توزيع الموارد غير العادل. فقط من خلال المقاومة يمكننا إنشاء مستقبل أكثر عدلًا واستدامة للجميع.
نقاط أريد توضيحها:
• استخدمت كلمة "سيرين" للإشارة إلى قصة سيرين البحر، وهي مخلوقات أسطورية تغوي البحارة بأغنيتها العذبة، ثم تقتلهم. أعتقد أن هذه الصورة مناسبة للتعبير عن الخطر الذي يمثله الاعتقاد بأن الآلات ستوفر لنا كل العمل في المستقبل.
• استخدمت كلمة "أغفل أذنيك بالشمع" للإشارة إلى قصة أوديسيوس، الذي استخدم شمع الأذن لمنع نفسه من الاستماع إلى غناء سيرين البحر. أعتقد أن هذه الصورة مناسبة للتعبير عن الحاجة إلى أن نكون يقظين تجاه المخاطر التي تشكلها التكنولوجيا.
• استخدمت كلمة "تمرد" للتعبير عن الحاجة إلى اتخاذ إجراءات ضد الاستخدام غير المسؤول للتكنولوجيا. أعتقد أن هذه الكلمة قوية لأنها تشير إلى الحاجة إلى التغيير الجذري.

مالمو
2023-12-23