أجواء المجموعة الشعرية الجديدة -أطلس امرأة برية- للشاعرة فرات اسبر


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 7916 - 2024 / 3 / 14 - 14:24
المحور: الادب والفن     

تُجسّد المجموعة الشعرية "أطلس امرأة برية" رحلة امرأة تتمتع بِقُوّةٍ وحضورٍ فريدين. تُواجه هذه المرأة صعوبات الحياة، وتُصارع التحديات، وتَسعى جاهدةً للوصول إلى الهدوء الداخلي. تُشبه هذه المرأة الظواهر الطبيعية القوية، فهي كالطوفان في إصرارها، وكالصحراء في قدرتها على التحمل، وكالنجوم في سطوعها.
فالعنوان هو مشهد شعري متعدد الجوانب والمستويات ينتمي إلى الداخل النفسي المتغير من الفرح إلى الحزن ، من التشاؤم إلى التفاؤل و إلى آخر هذه الانفعالات لتأتي كل قصيدة في الديوان كأنها لوحة متعددة الألوان بلغة مثقلة قوية وألفاظ جزلة. والنصوص تحمل خصوصية الأداء الفني المميز وضروراته المتقنة للقارئ ليس كرؤية وإنما كون من الدلالة في تشكيلها الشعري إلى وعي المتلقي كي تحدث أثراً هاماً وتضيف أبعاداً أعمق تتألف في وحدة عضوية متماسكة ومتسقة مع دلالة الطرح تنسجم مع المفردات في عذوبتها وهمسها المليء بالانفعال العاطفي عبر صور شعرية هادئة كهدوء الموسيقى ترصد رؤية ثرية الدلالة متوهجة الإيقاع عذبة المفردات وهذا يوضح مدلولاً آخر لمستوى رؤية الشاعرة لعلاقة الحب بالزمن وقد اعتمدت الشاعرة التدرج في التعبير من بنية إلى أخرى واضحة المعاني والدلالة والشاعرية الفلسفية مما يوقع القارئ أفي أجواء من الدهشة والرومانسية المحلقة بأجنحة الشعر.
تُعاني المرأة من تحولاتٍ جذريةٍ في حياتها، تُشبه تحولات الطقس. تارةً تُصبح قويةً كالغيمة، وتارةً أخرى تُصبح ضعيفةً كزغب الطير. تُؤثّر هذه التحولات على مشاعرها وأفكارها، وتُجبرها على إعادة تقييم أهدافها ووجودها.
تبحث المرأة عن الهدوء الداخلي من خلال الكتابة، فهي تُساعدها على التعبير عن مشاعرها، وتُخفّف من عبء التحديات التي تواجهها. تُشبه الكتابة بالنسبة لها الماء الذي يُروي عطشها، ويُنعش روحها.
تُواجه المرأة شعورًا بالضياع والتيه، فهي لا تجد ُ ظلاً لحياةٍ تُناسبها. تُحاول فهم أسباب وجودها، وتُصارع للتّخلص من مشاعر اليأس والإحباط.
تُواجه المرأة صراعاتٍ داخليةً وخارجيةً. تُصارع مشاعرها، وتُصارع الظروف التي تُحيط بها. تُحاول التّغلب على هذه الصراعات من خلال إصرارها وقُوّتها.
تُصبح المرأة زاهدةً في بعض الأمور، مثل الورد وشوكه. تُدرك أنّ السعادة لا تأتي من الأشياء المادية، بل من الهدوء الداخلي والرضا بالنفس.
تُقرّر المرأة الصوم على الماء، كرمزٍ للتّطهير والتّخلص من كلّ ما هو سلبي. تُريد أن تبدأ حياةً جديدةً خاليةً من المشاعر السلبية.
تُقدّم مجموعة "أطلس امرأة برية" رحلةً مُلهمةً لامرأةٍ تُصارع من أجل تحقيق أهدافها، والوصول إلى الهدوء الداخلي. تُعبّر المجموعة عن مشاعر المرأة، وتُسلّط الضوء على التحديات التي تواجهها، وتُؤكّد على قُوّتها وإصرارها.

مقتطفات من المجموعة:
• "أَطلَس امرأة برية"
• "في تحولات الطَّقسِ أقنص الغيمة، أحيانا أكسرها فينمو زغب الطير في جسدي."
• "في حياة تؤنث تقول امرأة نذرت نفسها للماء: أكتب الشعر ليطمئن قلبي."
• "أطوف في أطلس امرأة برية، كما يطوفالحَاج ببيت االله ولا أجد ُ ظلاً لحياة."
• "تيه يفرد جناحيه وأعلل أسباب وجودي."
• "سهام أرميها ولا تعود ُ بِبشارة."
• "زهدت بالورد وشوكه أَزهد بكل ورد بعد زرعه."
• "وأعلّم نفسي بأن الصوم على الماء يكفي.


"تحليل قصيدة "أغوار أخشى النزهات فيها":

أغوار أخشى النزهات فيها
الماضي أغوار أخشى الترهات فيها.
كرة العقل تلعب بي أشواطاً إضافية.
جمهور يصفق لي ولا يعرف خيباتي.
صفّق لي أيها المخمور بالسعادة أينما كنت.
جدول صغير في وجهي طعمه مالح وكروم جسدي راهبات.

يتكثف المتن الشعري هنا عبر مراحله الدلالية المتشكلة بالدرجة الأولى من حدود حال الذات القائمة على تمديد إحساسها بواقعها المختل عبر أغراضه الاستنزافية الملتهبة من جراء قضايا مصيرية حالكة إذ يُعبّر المقطع عن مشاعر الخوف والقلق من الماضي. تشعر الشاعرة أنّ الماضي مليءٌ بالترهات والأحداث السلبية التي لا يرغب في استعادتها.
الصراع:
تواجه الشاعرة صراعًا داخليًا بين عقلها الذي يُحاول الهروب من الماضي، وبين مشاعرها التي تُجبرها على مواجهته.
التناقض:
يُوجد تناقض بين مشاعر الشاعرة الداخلية والخارجية. وهي تشعر بالخوف والقلق من الداخل، بينما تُظهر السعادة والرضا للآخرين.
الرمزية:
تستخدم الشاعرة بعض الرمزيات في المقطع، مثل:
• أغوار: رمز للماضي.
• كرة العقل: رمز للصراع الداخلي.
• جمهور يصفق: رمز للمجتمع.
• جدول صغير في وجهي طعمه مالح: رمز للتحديات والصعوبات.
• كروم جسدي راهبات: رمز للنقاء والعفة.
التأويل:
يمكن تفسير المقطع بطرق مختلفة. قد يدل على شعور الشاعرة بالندم على بعض أفعالها في الماضي، أو قد يدل على خوفها من مواجهة الأحداث السلبية التي عاشتها. قد يدل أيضًا على شعورها بالوحدة والعزلة في المجتمع، أو قد يدل على صعوبة التعبير عن مشاعرها الحقيقية.
الخلاصة:
يُقدّم المقطع نظرةً عميقةً على مشاعر الشاعرة وتناقضات هذه المشاعر. يُثير المقطع العديد من الأسئلة حول الماضي والحاضر والمستقبل، ويترك المجال للقارئ للتأويل والتفسيرات المختلفة.
ملاحظة:
هذه فقط بعض الأفكار التي يُثيرها المقطع. قد تختلف تفسيراتُكَ وتأويلاتُكَ حسب تجاربكَ الشخصية ومشاعركَ.
تحليل قصيدة "أعلم أنني سأموت":
الموضوع:
تُعبّر القصيدة عن وعي الشاعرة بِحتمية الموت، ورغبتها في ترك أثرٍ إيجابيٍّ بعد رحيلها.
المشاعر:
تُظهر القصيدة مشاعر الشاعرة المُختلطة بين الوعي بِحتمية الموت، ورغبتها في العيش والحبّ والإبداع.
الصور الشعرية:
تستخدم الشاعرة العديد من الصور الشعرية الجميلة، مثل:
• الكلمة تتحول إلى شجرة: رمز لِخلق الحياة من خلال الكتابة.
• الشجرة إلى ثمرة: رمز لِثمار الإبداع.
• كلماتي ستكون جواهري: رمز لِقيمة الكلمات وأهمّيتها.
الرسالة:
تُؤكّد القصيدة على أهمّية الكتابة والإبداع في ترك أثرٍ إيجابيٍّ بعد رحيلنا. تُشجّع الشاعرة القارئ على الاستفادة من كلماتها وزرعها في حياته.
.
وفي احدى قصائد مجموعتها تقول الشاعرة فرات اسبر
أعلم أنني سأموت
لذلك قررت أن أكتب كل يومٍ قصيدة،
يفوح العطر منها وتطير الفراشات.
الكلمة تتحول إلى شجرة والشجرة إلى ثمرة.
ليقطف كل واحد منكم كلمة ويزرعها على قبري.
غداً عندما أموت، كلماتي ستكون جواهري، لا إرثَ لي سواها.

يتحدث المقطع عن موقف الشاعرة من الموت، وكيفية تعاملها معه. ويُعبّر المقطع عن مشاعر الشاعرة تجاه الموت، فهي تُدرك أنه حقيقة لا مفر منها، وأنها ستموت يومًا ما. فتُقرّر الشاعرة مواجهة الموت بكلماتها، فهي تُؤمن بأن الكلمات هي أقوى سلاح ضد النسيان.
تستخدم بعض الرمزيات في المقطع، مثل:
• الكلمة: رمز للكلمات التي تكتبها الشاعرة.
• الشجرة: رمز للحياة.
• الثمرة: رمز للخير الذي تُقدّمه الشاعرة للآخرين.
• الجوهري: رمز للكلمات التي تُخلّد ذكرى الشاعرة.
ويمكن تفسير المقطع بطرق مختلفة. قد يدل على إيمان الشاعرة بقوة الكلمات وقدرتها على تغيير العالم، أو قد يدل على رغبتها في ترك إرثٍ إيجابيٍّ بعد موتها. قد يدل أيضًا على شعورها بالمسؤولية تجاه الآخرين، ورغبتها في مساعدتهم.
يُقدّم المقطع نظرةً إيجابيةً للموت، فهو يُؤكّد على أهمية الكلمات وقدرتها على الخلود. يُلهم المقطع القارئ للتفكير في قيمة الكلمات، وكيفية استخدامها لترك أثرٍ إيجابيٍّ على العالم.
وتختتم الشاعرة فرات اسبر ديوانها بقصيدة "أبقى وحيدة" أستيقظُ مع الطيور،
لكنها تسبقني إلى البراري وأبقى وحيدة.
عندما تشرق الشمس أغيب وأبقى وحيدة.
عندما أصحو من النوم يذهب العالمُ إليه، وأبقى وحيدة.
لا أجد شجرة لأصادقها، دائماً تسبقني العصافير إليها.
لا أجد نهراً لأجري معه، دائماً تسبقني الأسماك إليه.

تحليل قصيدة "أبقى وحيدة":
الموضوع:
تُعبّر القصيدة عن شعور الشاعرة بالوحدة والانعزال عن العالم.
الأسلوب:
• اللغة: بسيطة ومباشرة.
• الصور الشعرية:
o صور طبيعية: الطيور، البراري، الشمس، النهار، النهر، الأسماك.
o صور رمزية: الشجرة، النهر.
• الإيقاع: سريع ومتدفق.
المشاعر:
• الوحدة: تكررت كلمة "وحيدة" في جميع أبيات القصيدة.
• الحزن: نلمس شعور الشاعرة بالحزن من خلال الصور الشعرية التي استخدمتها.
• الأسى: تعبير عن شعورها بالأسف على عدم قدرتها على التفاعل مع العالم.
• الأمل: تلميح إلى رغبتها في التغلب على شعورها بالوحدة.
التفسير:
• البيت الأول: تُشير الشاعرة إلى أنّها تستيقظ مع الطيور، لكنها لا تستطيع اللحاق بها، مما يُشعرها بالوحدة.
• البيت الثاني: تُشير الشاعرة إلى أنّها تغيب عندما تشرق الشمس، مما يُعزّز شعورها بالانعزال.
• البيت الثالث: تُشير الشاعرة إلى أنّها تبقى وحيدة عندما يصحو العالم من حوله.
• البيتان الرابع والخامس: تُعبّر الشاعرة عن عدم قدرتها على التفاعل مع الطبيعة، مما يُفاقم شعورها بالوحدة.
الرمزية:
• الشجرة: رمزٌ للصداقة والانتماء.
• النهر: رمزٌ للحياة والتدفق.

قصيدة "أبقى وحيدة" تعبيرٌ صادقٌ عن شعور الشاعرة بالوحدة والانعزال عن العالم.
تُثير القصيدة مشاعر التعاطف والأسى لدى القارئ. كما تُقدّم نظرةً ثاقبةً إلى شعور الوحدة، وتُسلّط الضوء على أهمية العلاقات الاجتماعية والتفاعل مع العالم.
على هذا النحو أجد نماذج قصائد مجموعة الشاعرة القديرة فرات اسبر مجموعة رؤى شعرية لها أوجه توالدية من الأطروحة الدلالية، التي تتوغل فواعلها ووظائفها الخطابية كحفريات تشق جدران المعنى وتنقش فوقها تأملات ورموز وعلامات مدعومة بالإنجاز الجمالي والسمة الحسية الانتقائية كتجربة شعرية ناتجة عن رؤية تراكمية مصاغة بأدق أوجه التفاعلية للرؤية الشعرية والتخييل السحري.

مالمو
2024-03-05