من تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني 3


عبد المطلب العلمي
الحوار المتمدن - العدد: 7166 - 2022 / 2 / 18 - 12:13
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الشيوعيون اليهود في موسكو و نتائج التعريب

بسبب التناقضات الداخلية في فلسطين ، ظلت البلاد مركز جذب لكادحي الشرق العربي بأكمله. الشيوعيون اليهود تم استدعاؤهم للعمل في مؤسسات الكمنترن أو أصبحوا طلابًا في المؤسسات التعليمية للكومنترن . إن تنفيذ التعريب قد غير حياتهم ومستقبلهم تمامًا. لم تكن العودة إلى فلسطين مستحيلة بالنسبة لهم فحسب ، بل بدت دراستهم ، مثل فترة راحة مؤقتة ضرورية لتحديد مصير هؤلاء الشيوعيين في المستقبل.
فورمانوفيتش و بليندمان تم توجبههم للدراسه في" الجامعه الشيوعيه للاقليات القوميه في الغرب" ، هذا يعني أنه كانوا يحضرونهم، ربما ، للعمل المستقبلي في مكان ما في أوروبا الشرقية حيث يوجد أقليات يهودية كبيرة في تلك السنوات. لكن بليندمان كانت زوجة ليشينسكي، لذلك فأن مصيرها مرتبط بالقرار الذي كان يجب اتخاذه فيما يتعلق بالشخص الذي اعتبره الكمنتيرن أحد القياديين الشيوعيين الفلسطينيين. فورمانوفتش في عام 1935 تم إرساله تحت تصرف اللجنة الإقليمية للحزب الشيوعي البلشفي في منطقة الحكم الذاتي اليهودي"بيروبيجان" ، حيث أصبح مديرًا لدار النشر الحكومية. اما مياسكوفيتسكي في عام 1933 أثناء تطهير الحزب البلشفي ، تم طرده من الحزب وإرساله للعمل في احد المصانع. تايخمان تم تعينه مرشدا في المنظمه الحزبيه لضواحي موسكو. أما روزنبرغ بيرمان فعين موظفا في الأمميه العماليه. تم إرسال بانكوفير للعمل في الدائرة السياسية في محطة الآلات والجرارات الزراعيه في ريف اوديسا. في الوقت نفسه ، غادر خوفشي أيضًا للعمل في مدينه كراموتورسك. لوكاشير اصبح مشغل ماكنه خراطه في مصنع كراسني بروليتاري في موسكو. يبدو في البداية أن مصير القادة الصف الأول كان يسير على ما يرام. استمروا في العمل في جامعه شعوب الشرق أو مؤسسات الدولة الحزبية السوفيتية ، لكن موقعهم تغير لاحقًا بشكل كبير. في عام 1936 ، اندلعت ثوره عارمه في فلسطين ، ظهرت بوادرها الأولى في وقت سابق ، على شكل أعمال عسكريه نشطة ضد المستوطنات اليهودية في شمال البلاد. لم يرتق الحزب الشيوعي الفلسطيني المعرّب إلى مستوى الحدث: فهو لم يفشل فقط في قيادة هذه الحركة ، ولكن أيضًا في إقامة اتصالات مع المشاركين فيها. كانت الرسائل التي أرسلها إلى اللجنه التنفيذيه للكمنترن دليلاً واضحًا على ذلك. استخلص الكومنترن استنتاجاته معتمدا على هذه التقارير. في أيار 1935 ، تبنت لجنة خاصة قرارا بشأن المسأله الفلسطينية. لخصت الوثيقة نتائج أنشطة الحزب في اخر ست سنوات ، مؤكده انها تافهه للغايه . النص كان قاسيًا لا لبس فيه. سبب عدم أهمية نتائج عمل الحزب فُسر بحقيقة أن "الحزب فشل في تحرير نفسه من القيادة التي احتفظت بميول وبقايا افكار القوة الصهيونية العظمى ". كيف يجب التصرف للتغلب على هذا الوضع؟ فقط على أساس استمرار عملية التعريب التي هي "القضية الأساسية لوجود الحزب ذاته". فقط عندما يصبح ، من حيث تكوينه القومي ، "حزب جماهيري بلشفي حقيقي" ، سيكون قادرًا على التحول إلى "طليعة ثورية مناهضة للإمبريالية والصهيونية والإقطاع. وشدد القرار على أن الرفاق العرب يجب أن يكونوا في الأساس قادة اللجنة المركزية واللجان المحلية. مهمتهم تطهير الحزب على الفور من "كل العناصر التي ما زالت تحتفظ بالتقاليد الصهيونية". هذه العناصر ، لا تزال تحت "التأثيرات الضارة والمفسدة لقادة الحزب السابقين. و تم الأشاره الى هؤلاء القادة بالاسم: " يجب عزل أبو زيام ، نداب ، أفيغدور ، كوبرمان ، روزنبرغ وآخرون على الفور عن جميع شؤون الحزب (المراسلات بشأن عمل الحزب ، وتطوير قضايا السياسة الحزبية ، وما إلى ذلك) ". كلمةالآخرون في نص الوثيقة المذكورة كان مفهومًا ، يجب عزل ليس فقط من ذُكرت أسماؤهم ، ولكن أيضا كل من كان على صلة سابقه مع بوعالي تسيون. افربوخ تم محاكمته بتهمه التعاون مع الانتداب البريطاني و العمل على نسف عمليه تعريب الحزب . أما بيرغر بتهمه المشاركة في أنشطة مجموعة معادية للثورة عملت مع المنظمة الإرهابية التروتسكية في الكومنترن ، بعد إطلاق سراحه ، هاجر بيرغر إلى بولندا (لأنه ولد في كراكوف) ، و منها إلى إسرائيل ، حيث أدان علانية ماضيه الشيوعي واتجه إلى التصوف الديني اليهودي.
تطهير الحزب من العناصر الصهيونيه كان أمرا جيدا . لكن من جهه اخرى ،إبقاء عددا كبيرا من الفلسطينيين في موسكو اضعف الحزب . الطلاب العرب الفلسطينيين في المؤسسات التعليمية التابعة للكومنترن ، الذين كانوا فيها في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، لم ينضم بعضهم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني بعد تخرجهم. مثلا ارسل الكمنترن نجاتي صدقي إلى فرنسا حيث أصبح رئيس تحرير صحيفة "الشرق العربي" الشيوعية الصادرة في باريس، ثم اُرسل الى اسبانيا ابان الحرب الأهليه للدعايه بين العرب المقاتلين مع جيش فرانكو ، ثم الى الجزائر لتأسيس اذاعه سريه ، و من هناك الى سوريا لدعم الحزب الشيوعي في سوريا و لبنان . طاهر الفرحي ابقاه الكمنترن كمدرس للغه العربيه في معهد موسكو للعلاقات الدوليه . قدري أرنب تم ارساله الى تبليسي عاصمه جورجيا لترؤس المدرسه الحزبيه العليا . توفيق عبد الحافظ ،تم تعينه استاذا للغه العربيه في معهد التجاره الخارجيه . نعمان تاج مير و هو فلسطيني من اصل تركستاني ، تم فصله بعد السنه الاولى لتعثره في الدراسه و تم تلبيه طلبه بالعوده الى تركستان للعيش هناك . عثمان ابو طبيخ ، تم ارساله للدراسه بشكل خاص من اجل تجميع الماركسيين لتأسيس حزب شيوعي في شرق الاردن ، لكن الكمنترن ابقاه استاذا في الجامعه مما الحق حسب ظني خساره ادت الى تأخير تأسيس الحزب 15 سنه. يوسف خلف ترأس قسم الأرشيف باللغه العربيه لدى الكمنترن.
بعد تعريب الحزب اصبح جميع المبعوثين الى جامعات الكمنترن من العرب . الأستثناء الوحيد كان ايفاد إميل زيد و هو يهودي فلسطيني من صفد. اما العرب فهم :محمود هاشم الأشقر ، نجيب سبيريدون ، صادق الجراح ، خليل ابراهيم دوله ، عثمان عبدالله خلف ، يوسف خلف (للمره الثانيه للالتحاق بالدراسات العليا ) ، عمر حلمي ، حسين احمد بياري ، خليل محمد على شنير . جميع المذكورين عادوا الى فلسطين و تسلموا مراكز قياديه في اللجنه المركزيه و في منظمات حيفا و يافا ، ما عدى خليل دوله الذي تم تعينه مذيعا في الاذاعه باللغه العربيه ، و عمر حلمي الذي اصبح مدققا للترجمات الى اللغه العربيه في دار النشر باللغات الاجنبيه و لقد قتل لاحقا في معارك الدفاع عن موسكو.
إبان ثوره1936-1939 شارك الشيوعيين العرب في الثوره و من بيانات الحزب نجد : إلى السلاح لإنقاذ فلسطين من العبوديه و الأحتلال الصهيوني و الأطماع البريطانيه ، إلى السلاح لحماية القبلة الأولى و ثاني الحرمين، و لحماية مهد سيدنا المسيح ، إلى السلاح لكي يتوحد الوطن العربي ، وأن فلسطين جزء لا يتجزأ من هذا الوطن المقدس!.
قسمت الثوره الحزب ، وطُرد منه جميع أعضاء منظمه تل أبيب . في عام 1937 ، تم تأسيس الأداره اليهوديه في الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي بقى موحدا ، لكن تلك الأداره أصبحت في الواقع منظمة تتمتع بحقوق استقلالية واسعة. ومع ذلك ، لم يُحافظ على الوحده الأمميه للحزب إلا بقوة خارجية ، وجود الكومنترن. قرار حل الكمنترن في ربيع عام 1943 غير الوضع. في فلسطين . أسس اليهود الحزب الشيوعي في أرض اسرائيل، اما الشيوعيين العرب فأسسوا بالتعاون مع شخصيات وطنيه و نقابيه ،عصبه التحرر الوطني في فلسطين .